الدكتور حسام بدراوي يكتب: إبن رشد والأديان.. وأنا
بكى تلميذ ابن رشد (مواليد 14 إبريل 1126م، قرطبة – توفي 10 ديسمبر 1198م، مراكش) بينما كان العرب يحرقون كتب معلمه، فالتفت إليه المعلم وقال: “إذا كنت تبكي حال المسلمين فاعلم أن بحار العالم لن تكفيك دموعًا، أما إذا كنت تبكي الكتب المحروقة فاعلم أن للأفكار أجنحة وهي تطير لأصحابها”.
ومعنى هذا أن أحوال المسلمين كانت (في القرن الثاني عشر الميلادي الذي عاش فيه ابن رشد) تستدعي البكاء عليها. ومن مآسي الدهر، أننا نستطيع أن نكرر كلمات ابن رشد وكأنها قيلت اليوم رغم أن صاحبها مات منذ مئات السنين! ويهذي البعض في واقعنا ويقولون إن أحوالنا سيئة بسبب الآخرين، المجرمين، المتآمرين. وها هو ابن رشد يتكلم عن أحوال سيئة تستحق أن نبكي عليها قبل أي استعمار وتآمر.
عندئذ دارت في ذهني هذه الأفكار وأنا أستمتع بالأولمبياد والمباريات والتنافس الرياضي الجميل في باريس، وأقارن بين اللاعبين وأدائهم الرائع، فوجدت أننا عندما ننظر إلى أجسام لاعبي الرياضات المختلفة نتعجب من اختلاف تكوينهم الجسماني تبعًا لنوع الرياضة التي يمارسونها. فأبطال الماراثون يتميزون بالنحافة الشديدة وصغر الحجم والوزن، وأبطال الجري لمائة متر وهم الأسرع، عندهم بناء جسماني مملوء بالعضلات بتشكيلاتها التشريحية الواضحة، أما أبطال رمي القرص فيختلفون عن أبطال السباحة الذين لهم شكل مغاير عن لاعبي كرة القدم وهكذا. فكل ممارسة تنعكس على شكل لاعبيها. وكذلك، فكل ثقافة تنعكس على مضمون وطريقة حياة شعوبها. ولكن الثقافة قد تكون نتيجة لقدرات وتكوينات إنسانية من جيل أو أكثر وتؤثر على أجيال تالية في القيم والتصرفات والعادات وخلافه.
أما تأثير الدين كشكل من أشكال الثقافة المفروضة على المجتمعات بحكم أنها ليست من صنع البشر، فتظل متأثرة بممارسيها والشعوب التي تنتمي إليها إلى حد معين، لذلك فأمرها محير. فإذا اختلفت الشعوب الممارسة لنفس الديانة وبالرغم من ذلك اشتركت في خصائص وقيم وعادات فلا بد أن يكون هذا الدين أو ذاك هو المحرك لهذا التوافق، كما أن لكل ثقافة بشرية وكل رياضة جسمانية تأثيرًا على شكل ومضمون من ينتمي إليها.
فإذا اشتركت شعوب عبر الزمن في التطرف في الفكر، والحدة والعنف في فرض إيماناتها، وقتل قادتها العادلين، وكذلك في تخلفها الاقتصادي والسياسي، فلا بد أن يكون هناك عامل مشترك يجمعها. وقد لا أكون صائبًا ولكن يطل علي الإسلام في هذه اللحظة بشكل كبير، وتطل علي المسيحية قبل فصل الدين عن الدولة بكل مآسيها ضد العلم والعلماء في العصور المظلمة لأوروبا، وتطل علي اليهودية طول الوقت. ولأني أرى في الناس أفضل ما فيهم، ولأني أرى الصواب فيما أقرأه لأني أبحث عنه، فإني أرى في الإسلام عقلًا وتسامحًا وحبًا وعلمًا وتعاطفًا، ولكن يظهر أنني أقلية في المجموع لأن الشعوب الإسلامية كجمع تراكمي وتاريخي لا يتصرفون وفقًا لهذه القيم بل بعكسها، ويعكسون جانبًا في الدين أراه أحيانًا بين السطور يمثل اتجاهات سلبية كما وصفت من حدة وعنف وتسلط في الرأي واستخدام لمفردات الدين للوصول للسلطة والاستمرار فيها. أما أنا فأختار جوانب أخرى أراها فوق السطور من المحبة والارتكان للعقل والعلم والتسامح والشغف بجمال الحياة والإنسان وتقديرهم. ولكن إذا توافقت كل هذه الأمم الإسلامية على عكس ذلك وتأخرت وازداد فقرها وجهلها وعنفها، فإني أحيانًا أشك في أنني أنا هو المخطئ في الفهم والتقدير ويزداد إيماني بفصل الدين عن الدولة والسياسة، فإن التاريخ يقول لنا بوضوح إن متطرفي اليهودية والمسيحية والإسلام لا يختلفون عن بعضهم والشعوب التي نجت هي التي فصلت الدين، وهو علاقة بين الإنسان والله، وبين السياسة والحكم.