الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / صحافة / المصري اليوم- سعد الدين ابراهيم يكتب: قوة مصر الناعمة: حُسام بدراوى الطبيب المهموم بتعليم أبناء وطنه

المصري اليوم- سعد الدين ابراهيم يكتب: قوة مصر الناعمة: حُسام بدراوى الطبيب المهموم بتعليم أبناء وطنه

عرفت مصر الحديثة أطباء موهوبين، اكتشفوا مُبكراً أن علاج أمراض الجسد البشرى إكلينيكياً، ليس بديلاً لعلاج أمراض المجتمع الإنسانى سياسياً.. لذلك ازدوج نشاطهم العام بين الطب والسياسة. وكان ضمن هؤلاء، على سبيل المثال د. على باشا إبراهيم، أول عميد مصرى لكلية طب قصر العينى، ود. عبدالوهاب مورو، مُدير جامعة القاهرة فى خمسينيات القرن الماضى، ود. إبراهيم بدران، ود. محمد شريف، ود. حلمى الحديدى، وغيرهم. ونبغوا طبياً، ولكن مشروعاتهم الإصلاحية جذبتهم إلى العمل السياسى الحزبى.

download
د سعد الدين ابراهيم

ومن أبرز وأنبل هؤلاء جميعاً، الدكتور حُسام بدراوى، أستاذ أمراض النساء والتوليد، مؤسس مستشفى النيل بدراوى، على كورنيش النيل بالمعادى، وهو ما كان يكفى وزيادة كعمل خدمى عام لأبناء وطنه. ولكن الرجل كان ولايزال مهموماً بأمراض مجتمعه الأكبر، وهو ما سيؤدى به إلى أدغال السياسة، فلجأ إليه الحزب الوطنى الحاكم، فى عهد الرئيس محمد حسنى مبارك، ليقبل عضوية لجنة السياسات، التى كانت أهم لجان الحزب، والتى كان يرأسها نجل الرئيس وهو السيد جمال مُبارك.

وحاول حُسام بدراوى وقلة من أعضاء الحزب، مثل د. على الدين هلال ود. مفيد شهاب ود. صبرى الشبراوى، إصلاح الحزب، أملاً فى إصلاح النظام من الداخل. ولكن الفساد كان قد استشرى فيه، كما استشرى فى مصر كلها. ولم يكن فى مقدور د. حُسام بدراوى أن ينقذ نظام مُبارك، الذى سيهوى ويصبح أثراً بعد عين، بفضل ثورة الشباب التى بدأت فى 25 يناير 2011.

ولكن يُحمد لحُسام بدراوى، كما للقلة الإصلاحية من أقطاب الحزب الوطنى، أن التحقيقات والمحاكمات التى جرت فى أعقاب الثورة، وجدت أن الرجل برىء من أى تهمة فساد أو استغلال للنفوذ.

كان حُسام بدراوى، كما أشرت أعلاه، مهموماً بقضية التعليم قبيل ثورة 25 يناير، ولم يتمكن من تنفيذ أجندته الإصلاحية فى هذا الصدد. ولدهشتى ودهشة من يعرفون الرجل جيداً، فإنه ظل على نفس العقيدة والإيمان، بعد الثورة، ورغم أنه لم يعد فى السُلطة أو حتى قريباً منها، فهو لا يكل ولا يمل الدعوة إلى نفس الإصلاح، وإن كانت عِفّته وأدبه يمنعانه من التوجه مُباشرة إلى من هم فى السُلطة ليعرض آراءه ويُقدم خبرته.

ولأننى كنت قد عرفت حُسام بدراوى قبل رُبع قرن، وأعجبت بشخصه وعلمه وخُلقه، وسعدت فى ذلك الوقت حينما رشّحه الباحثون فى مركز ابن خلدون لعضوية مجلس أمنائه، خلفاً للدكتور محمود محفوظ، الذى رحل عن عالمنا فى ذلك الوقت. وقبل الرجل مشكوراً هذا الترشيح وظل عضواً فى مجلس الأمناء، رغم الهجوم الشرس الذى كان يتعرض له المركز فى ذلك الوقت.

كما لم تمنعه عضويته فى الحزب الوطنى الحاكم، وقتها، من شهادة حق أدلى بها حينما تعرض المركز وعشرون من العاملين فيه للتنكيل والمحاكمات (2000-2003)، ورغم أن تلك الشهادة كانت لابد أن تؤثر سلباً على وضعه فى الحزب الوطنى الحاكم وقتها. ولكن هكذا كان د.حُسام بدراوى صاحب المبادئ.

د حسام بدراوي خلال إحدى محاضراته في جامعات اوروبا
د حسام بدراوي خلال إحدى محاضراته في جامعات اوروبا

وقد حدثنى أكثر من زميل، كان آخرهم مُفكرنا المُخضرم سيد يسين، عن مُبادرات د. حُسام بدراوى فى الاتصال، كلما طرح يسين فكرة جديدة تستحق النقاش العام.

لذلك لم أستغرب اتصالاً هاتفياً من حُسام بدراوى عقب نشر حديث لى فى صحيفة التحرير، يوم الجمعة 25 أغسطس، عن أوضاع مصر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وغياب سُلطة تشريعية مُنتخبة، وتوقعاتى لشكل وتكوين البرلمان القادم، إذا أجريت الانتخابات فعلاً، وكانت حُرة ونزيهة، والذى توقعت فيه أن يعود فلول الحزب الوطنى، تحت أى أسماء، وأن يحصلوا على ما بين 25 و35 فى المائة من المقاعد. وكانت حيثيات هذا التوقع هى تاريخ السياسة والحزبية فى مصر، منذ انتخابات أول برلمان لها بعد ثورة 1919، وإقرار دستور 1923، فقد جاءت عضوية ذلك البرلمان بأغلبية وفدية، حزب سعد زغلول، زعيم ثورة 1919، كان قوامها:

أولاً، أعيان الريف، من متوسطى وكبار أصحاب الأراضى الزراعية.

ثانياً، وجهاء المُدن، من مشاهير التُجار وكبار المهنيين، من مُحامين وأطباء.

وظلت تلك الكُتلة هى التى تنجح فى كل انتخابات تالية سواء فى العصر الليبرالى (1924-1952)، أو العصر الناصرى (1954-1970)، أو العصر الساداتى (1970-1981) أو المُباركى (1981-2010)، أو العصر الإخوانى (2011-2013). ورغم تغيرات فى حواف التركيبة الاجتماعية العامة، وما تعرضت له من حِراك، نفسى وسياسى، إلا أن الصورة العامة لم تتغير كثيراً.

وحينما تحدث معى د. حُسام بدراوى هاتفياً، كان فى طريقه إلى المطار مطلوباً لرحلة إلى باريس، يُلقى فيها بعض المُحاضرات. فلا يزال الرجل مطلوباً فى المنتديات العلمية الطبية والثقافية فى الخارج، قبل الداخل. وهذه ميزة أصحاب العلم والخبرة. فمهما تقلبت أمور السياسة من حولهم، إلا أن علمهم وخبرتهم، شأنها شأن المعادن الثمينة، لا يعلوها الصدأ، ولا تفقد شيئاً من قيمتها.

فليت القائمين على أمور التعليم والطب يتذكرون دائماً أن مصر مليئة بعناصر نادرة، هم فى الواقع الذين يُشكّلون قوة مصر الناعمة. فإذا كانت جغرافيتها، كما علّمنا الراحل جمال حمدان، هى نموذج لعبقرية المكان، فإن أمثال د. حُسام بدراوى هم النموذج الفذ لعبقرية الإنسان فيها.

والله أعلم..

وعلى الله قصد السبيل.

 

مقالة سعد الدين إبراهيم 3-10-2015

 

التعليقات

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *