الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / بين التراث والحداثة.. د حسام بدراوي

بين التراث والحداثة.. د حسام بدراوي

بين التراث والحداثة
د حسام بدراوي

بادرنى صديقى العالم والمثقف بإبداء وجهة نظره فى السجال الذى حدث بين شيخ الأزهر الشريف ورئيس جامعة القاهرة قائلًا:

إن تفنيد الأحاديث النبوية والفقه الإسلامى الآن بصحيحه وبغير صحيحه لا فائدة منه، لأننا «كده كده ما بنرجعلوش».. أما الضرر فهو أنه عندما يتشكك الناس فى أحاديث نبوية أو فقه دينى بغض النظر عن صحيحه وخطئه، فقد يؤثر ذلك على عقيدتهم، وقد ينتقل الأمر للقرآن ذاته لاحقًا.. ما الفائدة أنى أعرف الآن أن البخارى كان صحيحًا أم مخطئا؟، كلام رئيس الجامعة يجعلنا نبدو وكأننا كلنا «عايشين نايمين صاحيين، واكلين شاربين على التراث والفقه الإسلامى.. أين ذلك؟؟؟ طيب يا ليتنا نعمل بالتراث فعلا!!!!!».

رددت عليه قائلًا:

أنا متفق معك فى أنه لا مستقبل دون حاضر وماضٍ. ومتفق أننا لا نطور تراثًا، لأنه بتعريفه لا يمكن تطويره وإلا ما كان تراثًا. هو موجود نأخذ منه ما نأخذ ونترك منه ما نترك.

إذًا القضية ليست فى التراث، ولكن فى المستقبل المبنى على العقل والفكر ومواءمته للحداثة.

قضيتى الحقيقية أن التراث مؤثر فى القيم الإنسانية، ونحن نحتاج إلى توثيق هذه القيم وتعريفها والبحث فى كيفية تضمينها فى رقمية الحياة التى يعيشها شبابنا.

إن قضيتى هى استعمال بعض التراث لتبرير أخطاء الحاضر، وبناء مستقبل وجدانى لأطفالنا وشبابنا معتمد عليها، ويشمل ذلك أمثلة كثيرة، مثل الدعوة فقط لصالح المسلمين واعتبار ثلاثة أرباع البشر كفرة ووقودًا لجهنم، وفقه الجهاد لفرض الدين بمبدأ الفتوح الإسلامية فى أوائل الإسلام، أو السمع والطاعة للأمير وعدم النقاش، وكثير من تراث معاملة الرجل للمرأة وأصول التربية التى أصبحت لا تحبذ الضرب ولا التمتع بإراقة الدماء.. وغير ذلك مما نأخذه من التراث أحيانا ونركز عليه.

.. أما بخصوص السجال الذى حدث بين شيخ الأزهر ورئيس الجامعة، فلا يخفى عليك أن فيه سياسة أكثر من الدين والعلم، ولاحظ موقف الإعلام من شيخ الأزهر مساء نفس اليوم.

الآن للموضوع أعود.

إننى أرى أن شيخ الأزهر الشريف فقيه وعالم وقارئ ومحترم، بل جميل السريرة..البعض له مواقف معلنة ضد الإمام، والبعض له رصيد مودة واحترام عميق معه وله، وأنا منهم، لسابق صداقة وزمالة. ومعرفة بسعة صدره وعقله. فلنكن إيجابيين ونطرح السجال الذى حدث بينه وبين رئيس جامعة القاهرة للنقاش بدون شخصنة ولا تحيز مسبق.

إن النقاط التى أراها تستحق النقاش فى كلام الإمام تعليقًا على رئيس الجامعة هى ليست دينية بل عقلانية وفكرية.

مثلا:

١- ما تعريف التراث؟.

٢- هل هناك فرق بين الفتوح الإسلامية والحروب الصليبية، وهو ما افتخَر به الإمام فى كلمته؟.

٣-هل حال المسلمين قبل الحملة الفرنسية كان مرضيا كما يوحى كلام الإمام؟.

٤-هل نموذج خلفاء الأمويين والعباسيين بكل ظلمهم وقسوتهم واستبدادهم باسم الدين هو ما نبحث عنه الآن ومستقبلًا؟.

٥- فكرة أن الحقيقة لدى أهل كل دين مطلقة وإلا ما كانوا أهلا لدينهم، فهل يغلق ذلك باب الاجتهاد أمام تعدد التفسيرات التى قد تغير ما كنا نعتقده ثوابت؟.

٦- ماذا يفسد ماذا؟!!!!.. هل السياسة تفسد الدين أم أن استخدام الدين فى السياسة مفسدة للاثنين؟.

٧- ماذا ننمى، وماذا نترك من التراث أساسًا؟.

وأؤكد أن المسلمين يقتتلون حول ما لا يتفقون على تعريفه أساسًا.

فتعالوا ننقل الحوار إلى مستوى آخر يبنى ولا يجادل فى ماضٍ لا نعمل به أساسًا إلا فى مسائل التكفير والقتل وانتهاك حقوق المرأة شكلًا وموضوعًا ويستخدم سياسيًّا فى كل الأحوال.

مثلًا إذا كان الفخر بتراث الفتوح الإسلامية مستمرا، فهو يا سيدى يؤيد فكرة فرض الدين الإسلامى على المنهزمين وإعلانهم ذلك أو سداد ضريبة أو جزية بصفتهم غير مسلمين. المعنى هنا يغاير مفهوم المواطنة تمامًا. وهو ما يطالب به السلفيون والداعشيون. هل الفخر بهذا التراث كما هو صحيح أم علينا أن نوضح وجهات النظر فيه التى تغيرت بتغير الزمن؟.

قال صديقى:

عندما يقرر الطبيب وصف علاج دوائى يكون قد أجرى حسابا للمنافع والأضرار لهذا الدواء قبل أن يصفه لمريضه.. فإن غلبت كفة المنافع وَصَفَه.. وإن غلبت كفة الأضرار يمتنع عن وصْفِه.. اللهم إن لم يكن هناك حل آخر.. فى حالتنا بحث مثالب تراثنا الدينى ليس له أى نفع على الإطلاق وأضراره لا حصر لها.. ولسنا مضطرين له أبدا.. فلماذا نفعل؟!

تماما مثلما نبحث مثالب الكلورامفينيكول الأن بعد ٢٠ سنة من إيقاف استخدامه.. لا طائل أبدا من ذلك.. الناس ثقافتها محدودة يا د. حسام وما ينفعش نشككهم فى أسلافنا بلا داع حقيقى.

قلت بإبتسامة:

موافقك، إلا إذا أصر بعضنا على استخدام الكلورامفينيكول لعلاج المرض لمجرد أن السلف كان يستخدمه، وغض النظر عن أضراره ووجود وسائل أسلم للإنسانية!!!!

نعود للتعريف، لأن بدونه نحن نتحاور على ما ليس متفقا عليه أساسا. ولعلنا يجب أن نفرق بين أنواع التراث. إن التراث الشعبى مثلا هو ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى جيل، نقول: «التراث الإنسانى»، «التراث الأدبى»، «التراث الشعبى»، وهو يشمل كل الفنون والمأثورات الشعبية من شعر وغناء وموسيقى ومعتقدات شعبية وقصص وحكايات وأمثال تجرى على ألسنة العامة من الناس، وعادات الزواج والمناسبات المختلفة وما تتضمنه من طرق موروثة فى الأداء والأشكال ومن ألوان الرقص والألعاب والمهارات.

ولكن، ماذا نقصد بالتراث الدينى؟؟ ما التراث الدينى الذى ندافع عنه أو نرغب فى تطويره أو نهاجمه؟. لعلنا يجب أن نكون أكثر وضوحا ودقة.

وتدخلت فى الحوار َصِديقة مثقفة قائلة:

يا صديقى، إن التراث الذى يتحدث عنه المهاجمون والمدافعون على السواء هو جانب انتقائى من التراث ولعبة سياسية. أما عادات الناس وتقاليدها الخاطئة المبنية هى الأخرى على انتقائية ذكورية فجة وجاهلة ومؤثرة سلبًا فى مجمل التوجه العام، فتركوها تعيث فسادًا حتى الغثيان، وأخرجت لنا طوفانًا من الغثاء، بزعم أن ذلك هو تفسير آيات الله.

لقد تركوا لبَّ كل الأديان المنزلة والسنن والوصايا المرسلة وآيات الكون حولنا. وتركوا قواعد الشريعة العامة التى تنظم حاضر أى أمة متحضرة فى الوقت الحاضر والمؤثرة المبنية على مفهوم الإنسانية الذى فطر عليه الضمير الإنسانى من آلاف السنين فى العالم وفى مصر على وجه الخصوص.

إن هذا الهوس بالحفظ الغيبى المجرد لهذا الكم من الآيات والأحاديث التى وضعت من وجهة نظر سلفية تدعى الوسطية وهى حقيقة منحازة ومتطرفة – كما هو حادث الآن – فلن نجنى من ورائه سوى الجناية على الأجيال القادمة لتتراكم فوق سابقاتها فى قاع منحدر التخلف الحضارى.

هنا تدخلت فى الحوار الدكتورة أمانى فؤاد بمقال منشور لها وكأنها تشاركنا الحوار قائلة:

يكشف الحوار الذى دار بين رئيس جامعة القاهرة وشيخ الأزهر بالأمس عن صراع قديم يتجدد منذ بدأ عصر النهضة الذى تراجعت أنواره مرات، وتكررت إخفاقاته مع تقويض كل مبادرة يقوم بها تيار التنوير.

ينبئ هذا الحوار عن منهجين متقابلين فى التفكير، علينا أن نختار طريقنا منهما. واحد يثمن العقل الناقد، القادر على التساؤل ومناقشة الموروث وليس التسليم به، غير المتهيب من القطيعة مع كل ما يثبت عدم ملاءمته لمقتضيات العصر الحديث وعلومه وحقوق الإنسان به، قادر على تقديم الرؤية التى تثق أن بإمكان الإنسان المعاصر بعد كل ما توافر له من علوم ونظريات ومعارف وتراكم خبرات ودروس التاريخ أن يبدع فكر لحظته وينظم احتياجاتها، كما يقدّر الأحكام التى تتلاءم معها.. ومنهج يختار تقديس التراث وتثبيته وإيقاف العقل وتعويقه.

فأيهما نختار؟!!!.

التعليقات

التعليقات