ترجمة مقاله د.حسام بدراوي في مجلة ايجيبشن جيوجرافيك بعنوان “عجائب المصريين القدماء في الطب”
علم المصريات، وهو دراسة التاريخ واللغة والدين والفن والمجتمع في مصر القديمة، هو مجال يثير اهتمام كل من العلماء وعامة الناس. تجذب أهرامات مصر، وغموض الهيروغليفية، وعظمة الفراعنة الخيال منذ قرون ، ولكن علم المصريات ليس مجرد إعجاب بالعجائب القديمة؛ إنها دراسة علمية صارمة تستخدم مجموعة متنوعة من الأساليب لفك أسرار حضارة ازدهرت لأكثر من ثلاثة آلاف عام. على مر السنين، تطور علم المصريات من دراسة تاريخية ولغوية بشكل أساسي إلى علم متعدد التخصصات.
الآن يجمع علم المصريات بين علم الآثار والأنثروبولوجيا وتاريخ الفن والجولوجيا وحتى التقنيات المتقدمة مثل تحليل الحمض النووي والاستشعار عن بعد ، و في العقود الأخيرة، استوعب علم المصريات التقنيات العلمية الحديثة لتعزيز الأساليب التقليدية للدراسة.
لقد غيرت الأشعة المقطعية والتصوير بالأشعة السينية فحص المومياوات، مما سمح للباحثين بدراسة صحة ووجبات الطعام وسبب وفاة المصريين القدماء دون الإضرار بالبقايا. كشفت هذه الفحوصات عن تفاصيل مثل وجود أمراض مثل التهاب المفاصل وخراجات الأسنان، وحتى أدلة على إجراءات طبية مثل تقنيات التحنيط.أصبح تحليل الحمض النووي أيضًا أداة قوية في علم المصريات. من خلال استخراج وتسلسل الحمض النووي من المومياوات، يمكن للعلماء تتبع نسب الفراعنة، وفهم ديناميكيات السكان، ودراسة انتشار السمات الوراثية بمرور الوقت.
من بين أكثر جوانب الثقافة المصرية القديمة جاذبية، نهجهم تجاه الطب. في حين أن مصر غالباً ما تحتفل بهندستها المعمارية الضخمة وأساطيرها الغنية، فإن مساهماتها في مجال الطب عميقة بنفس القدر، وتقدم لمحة مثيرة للاهتمام عن الممارسات التي شكلت الرعاية الصحية المبكرة.
يعود الطب المصري إلى أكثر من 4000 عام، وهو واحد من أقدم الأنظمة الطبية المسجلة. كانت معرفة وممارسات الأطباء المصريين القدماء مزيجًا معقدًا من الملاحظات التجريبية والمعتقدات الدينية والعلاجات العشبية.
تعد بردية إبريس، أحد أهم الوثائق الطبية من مصر القديمة، هي سجل شامل للمعرفة الطبية من حوالي 1550 قبل الميلاد. يحتوي على أكثر من 700 وصفة وتعويذة تهدف إلى علاج مجموعة متنوعة من الأمراض، من الإصابات الجسدية إلى الآفات الروحية.
لقد آمن المصريون أن الصحة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالرفاهية الروحية، وأن الأمراض كانت غالبًا بسبب غضب الآلهة أو الأرواح الشريرة أو اضطراب توازن الجسم ، لذلك، شمل العلاج الطبي في مصر القديمة مزيجًا من العلاجات العملية والطقوس الروحية المصممة لتهدئة الآلهة أو طرد الكيانات الضارة.
كان الأطباء، المعروفون باسم “سوني” في مصر القديمة، يحظون بمكانة مرموقة في المجتمع. كانوا ليسوا فقط ممارسين طبيين، بل كانوا أيضًا من العلماء الذين درسوا مجموعة واسعة من الموضوعات، بما في ذلك علم التشريح والصيدلة واللاهوت. كان الأطباء المصريون غالبًا ما يرتبطون بمعابد محددة وكانوا يعتبرون وسطاء بين الآلهة والمرضى. كان الإله إمحوتب، الذي تم تأليه لاحقًا كإله للطب، شخصية محترمة للغاية ويعتبر الفضل في تقدم كبير في هذا المجال.
صنف المصريون القدماء أطباءهم في تخصصات مختلفة، بما في ذلك أطباء العيون وأطباء الأسنان وأطباء أمراض الجهاز الهضمي وحتى أطباء أمراض المستقيم. يشير هذا المستوى من التخصص إلى فهم متطور للجسم البشري واعتراف بأهمية الخبرة المركزة في علاج الأمراض المحددة.
كان استخدام العلاجات العشبية حجر الزاوية في الطب المصري. تم استخدام النباتات مثل الثوم والسرو والمير والمُر لتخفيف مجموعة متنوعة من الحالات. على سبيل المثال، كان يعتقد أن الثوم يعزز المناعة وكان يوصف لعلاج العدوى، بينما كان الصبار يستخدم لخصائصه المهدئة والشفائية على الحروق والتهيجات الجلدية.كانت الإجراءات الجراحية في مصر القديمة متقدمة بشكل مفاجئ بالنسبة للوقت. الأدلة الأثرية، بما في ذلك المومياوات ذات الكسور الملتئمة والثقب في الجمجمة (حفر ثقوب في الجمجمة)، تشير إلى أن الجراحين المصريين كانوا ماهرين في تجبير العظام، وإجراء البتر، وجراحة الجمجمة. تم العثور على أدوات جراحية مثل المشرط والملاقط وأدوات الكي في المقابر، مما يشير إلى أهمية الجراحة في ممارستهم الطبية.
التقاطع بين السحر والطب لعب السحر دورًا متكاملًا في الطب المصري، حيث ضبابية الخط الفاصل بين العلم والروحانية. تم استخدام التعاويذ والمخاطبات والتمائم جنبًا إلى جنب مع العلاجات المادية لعلاج الأمراض. كان الاعتقاد أنه من خلال استدعاء أسماء الآلهة واستخدام الأشياء المقدسة، يمكن حماية الجسم من الأذى وإخراج القوى الشيطانية.امتدت تأثير الطب المصري القديم إلى ما وراء وادي النيل. درس العلماء اليونانيون، بما في ذلك أبقراط وغالينوس، النصوص الطبية المصرية ودمجوا معارفهم في ممارساتهم الطبية الخاصة، والتي مهدت لاحقًا الأساس للطب الغربي.
تواصل دراسة علم المصريات والطب اليوم وتقديم الرؤى حول كيفية فهم المصريين القدماء للجسم البشري وعلاج الأمراض. غالبًا ما يلجأ العلماء والأطباء الحديثون إلى الممارسات المصرية القديمة للإلهام، خاصة في مجالات الطب العشبي والشفاء الشامل.
أنا متأكد من أن مستقبل المصريين سيتصل بماضيهم الرائع.