ذكريات يناير….. دروس الحاضر
بقلم حسام بدراوي
كلما أتي شهر يناير يدور في ذهني قصة مصر كما رأيتها في ٢٠١١ بما هو متاح لدي من معلومات والتي لخصتها ثم وثقتها في مذكراتي التي لم أنشرها. أعلم من خبرتي أن الأحداث إذا كتبت وقت حدوثها ، غير ما يكتب بعدها. بعض الأحداث، تختلف الانطباعات حولها وتختلط الرؤي بها تأثرا بمعرفة تتكشف بمرور الزمن ، وانطباعات قد تختلف ، وقد تتعدد بعد الحدث.
لذلك آليت علي نفسي كتابه وتسجيل أفكاري ، وتوثيق انطباعاتي يوماً بيوم ولحظةً بلحظه..وحتي إذا غَيرتُ رأيا بتكشف حقائق جديدة ، فإن الرجوع الي قراءة مشاعر اللحظه وتحليل واقعها وقت حدوثها مهم في تسجيل التاريخ..
ما أهمية الكتابة عن ذلك في يناير 25؟؟
إنها أحداث سوريا ، وجلوس متطرفي الأمس ممثلين للدين علي كرسي الحكم ودخول اسرائيل تتريض في جنبات سوريا وتستولي علي أسلحة الجيش السوري وتقسيم البلاد الي مقاطعات ، وإعطاء الجنسية السورية للمليشيات ولأفراد من المخابرات الإسرائلية تمهيداً لأحداث الغد.
أهمية ذلك أن نتذكر تاريخ يمكن إعادته في مصر لضعف الذاكرة ودخول أجيال جديدة في المعادلة السياسية لم تعيش التجربة.
لقد اكتشفنا أنه كان أحد أهم أهداف من يديرون ثورة يناير من ـ خلف الستار-أي الإخوان المسلمين والمخابرات الأمريكية والبريطانية – كان تدمير رأس المؤسسة الأمنية في وزارة الداخلية وخلق توتر شديد بين أي زي رسمي والشعب. مع ذلك، فقد إحتفظت القوات المسلحة باستقلاليتها وظهرت سليمة وواثقة، ولكنها تميل لمساعدة أي هيكل مدني ما عدا الحزب الوطني والذي كان يحكم السياسات والانتخابات، لكنه لم يحكم البلاد فعليّاً ، ولنا في هذا كلاماً عندما يحين وقته.
كان تفكيك جهاز أمن الدوله هدفاً، وهو عقل وزاره الداخلية والتأكيد من خلال إقالة قياداته ، وسرقة مستنداته، وتغيير إسمه ، تركه عرضة لغضب الشباب الثائرين مما كان يرضي المنظمين، ليكون جهاز أمن الدولة ضحية الثورة التي لابد لها من ضحايا.
لسوء الحظ كان الإخوان المسلمون والسلفيون هما البديل الوحيد للحزب الوطني، كان لديهما التنظيم والتمويل. المؤكد أنه لم يتظاهر الشعب في التحرير لتسليم السلطة للحكم الديني المتعصب.
مره أخري لدًي الكثير الذي يقال في هذا الأمر، وأنا كنت شاهداً علي الأحداث ومشاركاً فيها، ومعلناً مسبقاً أن تركيبتي الثقافية والسياسية ضد التوريث ، ولكن مع الديمقراطية، وهو ما سبب لي الكثير من الضرر في مسيرتي السياسية ، إسقاطاً مقصودا في الانتخابات بواسطة بعض قادة الحزب الذي كنت أحد نجومه ..
كان خلق فراغ سياسي هو الفخ الذي وقعت فيه مصر وقد أعمتها الدعاية الهائلة التي صُنعت لاستبعاد كافة القوى السياسية المنظمة إلا الإخوان المسلمين.
لابد أن نتذكر هنا أن هذا الفخ ما زال ممكنا ، فالتاريخ والتجربة علمتنا أن الفراغ السياسي لا تملأه أجهزة الأمن مهما كان تنظيمها وقوتها لأنها في النهاية تمثل النظام الحاكم الذي إن سقط سقطت معه أجهزته ولا يتبقي غير الفراغ السياسي الذي يملأه الأكثر تنظيماً وتمويلاً ومساندة من الأجهزة المخابرتية الدولية التي تريد نشر الفوضي حسب إحتياجها المخطط.
لم يشكل الإخوان المسلمون أي خطر ظاهر على امتيازات القوات المسلحة وقتها، وفي الواقع أعتقد أنه لم يكن لديهم النية لتفكيك البنية التحتية لديكتاتورية الحكم في مصر وإخضاع أنفسهم للأجواء المتقلبة في العملية الديمقراطية. لم يريدوا إلا الاستيلاء على موقع مبارك في القمة واستخدام زَخم الثورة في إجراءات ديمقراطية شكلية للوصول للحكم بتهديدات خلف الستار بإشعال النار في الشارع المصري في حالة عدم نجاحهم، وقد نجحوا في ذلك.
كان عدو الإخوان الأول هو جهاز أمن الدوله، و المخابرات المصرية والذي يعلمون عنهم كل شيء. يعلمون مصادر ثروتهم والعلاقات الداخلية والخارجية التي يقومون بها مع الاستخبارات الدولية في العالم وخاصه الولايات المتحدة، والمملكه المتحده.
نجح الإخوان المسلمون في التخلص من جهاز أمن الدوله كما أوضحت ، بلا مقاومه من بعض قاده البلاد الذين كانوا علي اعتقاد أن الجهاز يساند التوريث من ناحية ، وفي إطار آخر فقد كان وضعه أمام الثوار فريسة للغضب من السلطة علي وجه العموم يجنب القوات المسلحة مواجهة مع الثوار . ولاحقًا وضع الإخوان مادة في دستورهم يمنع أيًا من القادة المدنيين المؤهلين لمنافستهم من من الترشح لمنصب رئيس البلاد لمدة عشر سنوات وبذلك تخلصوا من التنظيم القادر علي منافستهم ومن الأفراد المؤهلين لمنافستهم.
في فبراير 2011 ، وقبل وقوع نظام مبارك وتخليه عن السلطة، وأسجل، أنه بينما تحصن المتظاهرون في ميدان التحرير، دخل محمد مرسي ممثلا للإخوان و سعد الكتاتني، في مفاوضات علنية و سرية مع رئيس جهاز المخابرات ونائب رئيس الجمهورية عمر سليمان للحصول علي نصيب أكبر من السلطة في مقابل إيقاف الثورة. وقد حضرت شخصيًا أحد هذه الاجتماعات في الخامس من فبراير، وفي هذا الاجتماع مثّل محمد مرسي الإخوان المسلمين بعد هروبه من السجن بمساعدة هجمات من مسلحين، والتي إشتُبه حينها أنهم مقاتلين من حماس عبروا الحدود من غزة لهذا السبب ، وقد تأكد ذلك لاحقًا.
وبصفتي السياسية حينها طرحت اعتراضي لعمر سليمان نائب الرئيس متسائلاً عن وجود هارب من السجن في لقاء للقوي السياسية، إلا أنه حثني علي تمرير الأمر ، ورجاني أن أثق به وألا أخلق المزيد من التوتر والارتباك في المفاوضات ،حيث يحدث الكثير أكثر مما يبدو على السطح .
بعدها تم استبعادي من أية مفاوضات مستقبلية وأُقصيت تمامًا خوفًا من ألا أكون لاعبًا بالفريق، كما إعتبر بعض مساعدي الرئيس مبارك من الحرس القديم وقتها أن وجودي يجب أن يكون شكلياً فقط لأني قد أمثل خطرًا عليهم بعد انتهاء الأحداث.
فور خلع مبارك، ضغط الإخوان وتبنوا البرنامج الأمني العسكري المطروح وهو الانتخابات البرلمانيه أولًا والدستور والإصلاح لاحقًا، أما القلة-وأنا ضمنها-والتي جادلت أن الديمقراطيات الجديدة تحتاج لوضع بعض الإرشادات الأساسية قبل الاندفاع إلى صناديق الاقتراع فقد تم إبعادها ومهاجمتها وتهميشها. وأذكر أنني والأستاذ منير عبد النور والأستاذة مني ذو الفقار قد حاولنا إثناء قيادات اللحظة من الاندفاع نحو إجراء الإنتخابات البرلمانية قبل الإنتخابات الرئاسية ولم نفلح حيث كان واضحاً أن غياب الحزب الوطني بعد حله وكان يضم أكثر من ٣ مليون عضو سيعطي الإخوان البرلمان علي طبق من فضة .
خلال هذه الفترة الانتقالية وبعد فوز الإخوان بما يزيد قليلًا عن 40%من مقاعد البرلمان -كما كان متوقعًا-مقابل كتلة منقسمة سياسية وغير منظمه، أظهر الإخوان الوجه الآخر لهم ، وألقوا اللوم على المتظاهرين في العنف الموجه إليهم من الدولة وادعى الإخوان مرارًا وتكرارًا بأن النشطاء، بيادق لوكالات الاستخبارات الأجنبية. وفي البرلمان، انتهز الإخوان كل الفرص المتاحة لمدح جهات إنفاذ القانون ومنعوا كل المحاولات لمحاسبتهم بعد أن سيطروا عليهم.
تناقض في المواقف أصبح جلياً بعدما إنتقل الإخوان من طرف طاولة الحكم كمعارض الي طرف الحاكم..
وبمجرد حلف مرسي لليمين،بعد التهديد بالحرب الأهلية إن لم تعلن النتيجة علي هواهم، هنأ الشرطة (أعداء الماضي القريب ) على إصلاح نفسها مشيراً إليهم بجرأة، بصفتهم الشركاء المبجلون في ثورة 2011. وغني عن القول أن انتهاكات الأمن زادت خلال ولاية مرسي القصيرة، وعززت ميليشيات الإخوان المسلمين الإكراه الرسمي، فقد كان هدفهم هو تأليف كافة القوى لصالح الحفاظ على قبضتهم على السلطة.
وأُذًكر أن الرئيس “المنتخب ديموقراطيًا” !! التابع للإخوان المسلمين ونظامه خالفوا كل قوانين وأعراف الشرعية. حاصر أنصار الرئيس المحكمة الدستورية العليا لأكثر من 30 يومًا لإعاقة العدالة وتأخير الحكم في قضيتين حاسمتين يتعلقان بدستورية كل من الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى.
خلال تلك الفترة منح الرئيس نفسه الحق في التشريع وتحصين كل قراراته من الملاحقة القضائية، وأقال النائب العام مخالفًا ليمينه الدستورية وعين شخص من اختياره، مخالفًا أيضًا حدوده الدستورية، وبذلك أصبح الحاكم الأعلى لمصر، الرئيس التنفيذي والمُشرع والقاضي.
فلنَتَذكر ، التاريخ و الحقائق حتي لا نتوه في تمنيات جديدة، قديمة تعتمد علي النسيان وفقدان الذاكرة.
و لننظر الي سوريا اليوم ونتعظ ، فلا توجد في السياسة صدف.
الحياة اختيارات ولا يصح في كل مفترق طرق أن نعيد إختيار نفس الطريق وننتظر نتائج مختلفة.
قد يظن البعض أن القبضة الأمنية القوية علي الحركة السياسية هي ما يحمي البلاد ، وأظن العكس ، في أن زيادة مساحة الحرية في إطار القانون وإشراك المجتمع وإحترام الحقوق وظهور معارضة ومحاسبة هو الطريق الي بناء مناعة مجتمعية ضد الفوضي والثورة والتشبه بنموزج أحداث الشام..