سياسة معلنة للشباب
د حسام بدراوي
قال الشاب المشاغب: استكمالًا لحديث الأربعاء الماضى، هل هناك أساسا أهمية لوضع سياسات للشباب؟.
قلت: نعم، هناك ضرورة لوجود رؤية كلية للتعامل مع الشباب، تنهض على أيديولوجية ومحتوى محدد المعالم لكيفية خلق الدولة المدنية الحديثة التي أقر بها دستور البلاد بعد ثورتين، والتى يتمتع فيها الشباب بتكافؤ الفرص والمساواة، بغض النظر عــن انتماءاتهم السیاسیة أو الدينية أو الفكرية.
إن تعمیم رؤيـة الـبلاد وسـیاساتـها مهم، تخرج منها بـرامـج تخـدم فـئات الـمجتمع وتتیح عدالة توزيع الإنفاق، أمر مهم وحیوى.
قالت زميلته: من هم الشباب الذين تقصدهم يا دكتور؟
قلت: معك ألف حق في سؤالك يا ابنتى، علینا تحـديـد الـمرحـلة الـعمريـة الـتى نـقصدها بـالشـباب، فمرحـلة الـتعلیم الـثانوى والـتعلیم الـعالـى، أي الـفئة الـعمريـة مـن ١٤ سـنة إلـى ٢٣ سـنة، مـرحـلة لـها خـصوصـیة، لأن الشـباب مـوجـود فـى إطـار مـؤسـسات الـتعلیم، ومـن الـممكن الـوصـول إلـیه بـشكل میسـر. وهما مـرحـلتان مختلفتان أيضا.. من سن ١٤ إلى ١٦، مرحلة ينتقل فيها الأولاد والبنات من الطفولة إلى الشباب، ومن ١٦ إلى ٢٣ لـها خـصائـصها الـمرتـبطة بـالنمو البیولـوجـى والانـدفـاع الـعاطـفى والـرغـبة فـى تجـربـة كـل شـىء والحلم. ولابـد لهذه الـمرحـلة مـن فـكرٍ، تـكون وزارة التعليم الشريك الأساسى فیه مع الأسرة مباشرة أو عن طريق الإعلام.
أما الـمرحـلة الـعمريـة مـن ٢٤ سـنة إلى ٣٥ سـنة فهى مـرحـلة لـها خـصائـص مـختلفة، حـیث يـبدأ الـبحث عـن الـعمل والاسـتقلال عـن الأسـرة وخـلق أسـرة جـديـدة، وتـرتـفع فـیها الآمـال أو تـحبط.. هذه الـمرحـلة الـعمريـة فـى غـايـة الخـطورة، فـالـفراغ فـیها سـیملؤه قـطعا شـىء مـا، والـوصـول إلـیهم يـصبح أكـثر صـعوبـة لأنـه سـیعتمد عـلى جـذبـهم إلـى الـتنظیمات الـمدنـیة، سـواء كـانـت جـمعیات أهلیة أو أحزابا سـیاسـیة أو تجـمعات جـاذبـة مـتطرفـة الـفكر تستـخدم إحبـاطاتهم وكسـوف آمالهم في خلـق الفـوضى وعدم الإيمـان بالشرعية ولا الدولة المدنیة الحديثة التي نسعى إلیها.
ولابـد لهذه الـمرحـلة الـعمريـة مـن سـیاسـات ومـشاريـع، وتـدريـب وتجهیز، وخـلق فـرص عـمل، وإعـدادهم وتـمويلهم لـبدء أعـمال ريـاديـة تـحقق لـهم مـعیشة كـريـمة. هذه الـمرحلة الـعمريـة تـكون الـمواصلات الـعامة، والـتعامـل الـكريـم مـع أجهزة الـدولـة، والـسكن، وإمـكانـیة الزواج وخلق أسرة جديدة، هي المؤثرة علیهم. وأخـذًا فـى الاعـتبار كـل مـا سـبق، یجب تحـديـد الـمجالات الـرئیسـیة الـتى يـلزم فـیها اتخاذ إجراءات لتمكین هؤلاء الشباب حسب خصائص عمرهم.
قال شاب ثالث: وما رؤيتك لذلك؟
قلت: من وجهة نظرى، فإن الرؤية يجب أن تشمل تمكين شباب البلد من الوصول إلى كامل إمكاناتهم الذهنية والجسدية والروحية، ومن خلالهم تمكين مصر من تحقيق رؤيتها التنموية وإيجاد مكانتها التي تستحقها بين شعوب العالم. من أجل تحقيق هذه الرؤية، فإننى أرصد خمسة أهداف عامة لتحقيقها، وأرصد أولويات محددة داخل كل هدف، والسياسات الواجب طرحها وتنفيذها في كل أولوية وأهداف وأولويات داخل كل هدف يمكن طرحها..
ازداد حماس «الحالمون».. وقال أحدهم: ما هذه الأهداف؟
قلت:
أولها: خلق قوى منتجة قادرة على الإضافة المستدامة للاقتصاد المصرى.
ثانيها: تنمية جيل قوى وصحى ممكّن تكنولوجيا، معتز بذاته وبتاريخ بلده، مسؤول، يحترم المواطنة، مبدع ومستنير وقادر على المنافسة الإقليمية والعالمية.
ثالثها: زرع مجموعة من القيم الإيجابية المحددة في وجدان الشباب والانتماء إلى الوطن المصرى.
رابعها: تيسير مشاركة الشباب في العمل المدنى التطوعى والجمعيات الأهلية على كل مستويات إدارة البلاد.
خامسها: مساندة الشباب المعاقين أو المهددين بمخاطر صحية في الاندماج في المجتمع والتأكيد على عدم تهميشهم.
وفى كل هدف من الأهداف علينا، وفى كل سياسة لكل وزارة، وضع الأولويات الإحدى عشرة التالية:
١- الانتماء لمصر وهويتها المدنية الحديثة.
٢- التعليم من مرحلة الطفولة إلى التعليم العالى والتعلم المستمر طول الحياة.
٣- تعزيز القيم الإيجابية الاجتماعية والدينية والثقافية.
٤- خلق فرص التوظيف وتنمية المهارات.
٥- بناء القدرات والاستعداد لريادة الأعمال.
٦- الاهتمام بالصحة وأسلوب الحياة الصحى.
٧- الرياضة.. (ممارسة ومتعة).
٨- المشاركة المجتمعية والعمل التطوعى.
٩- تضمين وإشراك الشباب في السياسة والحكم.
١٠- احترام مبادئ تكافؤ الفرص، المعتمدة على الكفاءة والجدارة وقيم العمل الإيجابية.
١١- التواصل مع العالم الخارجى، وزيادة القدرة التنافسية.
قالت الشابة الفيلسوفة: إذن حضرتك تقول إن أهم مرحلة متاحة للدولة في التأثير على الشباب هي أثناء وجودهم في المدرسة والجامعة، لأن بعد ذلك يتوهون في مجتمع أكبر وأوسع.
قلت: نعم
قالت: ولماذا لا تنضم وزارة الشباب ووزارة التعليم تحت مظلة واحدة حتى يمكن العمل مع الشباب بفلسفة واحدة؟
قال الشاب الأول: قد يكون سياسيا ضم التعليم كله، والشباب منطقيا.
قلت: أحسنتم التفكير.
قالت الفيلسوفة: وكيف نؤثر على وجدان التلاميذ والشباب بدون إمتاع وفن وموسيقى ومسابقات.. والمدارس تفتقر إلى الملاعب والمسارح وأدوات صنع الوجدان؟.
رد عليها زميلها قائلا: ولماذا لا تضم قصور الثقافة إلى التعليم أيضا، أليست كلها أدوات في أيدينا أم أن كل وزارة تعمل في معزل عن الأخرى؟
ثم اندفع قائلا: ولكن يا دكتور المدرسون وكثير من أعضاء هيئات التدريس غير مؤهلين للقيام بهذا الدور.
قالت زميلته- وأنا أنظر إليهم بانبهار وسعادة-:
يا دكتور، يتخرج في كليات التربية، وهى المنوط بها تعليم وإعداد المدرسين ٧٠ ألف مدرس سنويا، يعنى في خلال خمس سنوات يمكن لهؤلاء تغيير وجه التدريس في المدارس وتملك الدولة إعدادهم بمعايير العلم الحديث وتمكينهم مع خبرات المدرسين الذين يتم تدريبهم من الأكثر خبرة.
وقال زميلها: وحتى أعضاء هيئات التدريس الجدد كانت لهم برامج إعداد قبل قيامهم بالتدريس لا تؤخذ بالجدية اللازمة.
قلت لهم، وأنا أبتسم: لقد أعفيتمونى من الرد، فكلامكم كله صحيح، واقتراحاتكم هي سبيل تحقيق رؤية وسياسات الشباب التي تكلمنا عنها في بداية هذا الحديث.
ابتسمت الشابة الفيلسوفة وقالت: ويا ريت يا دكتور حسام تضيف إلى مظله التأثير في الشباب وزارة الإعلام، فيكون التعليم والشباب والثقافة والإعلام يتكلمون لغة واحدة، ويحققون hلأهداف التي ذكرتها، مع طرح المبادرات والبرامج علنا، ومؤشرات قياس نجاحها حتى يمكن للمجتمع متابعتها.
استمر الحوار، وأدعوكم لاستكماله معنا على هذا اللينك:
https://www.facebook.com/113193852101417/posts/2591529584267819?sfns=mo