الجمعة , 27 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / علي مقهي ” الحالمون بالغد”‏ الإفاقة من السبات بقلم ‏حسام بدراوي

علي مقهي ” الحالمون بالغد”‏ الإفاقة من السبات بقلم ‏حسام بدراوي

علي مقهي ” الحالمون بالغد”‏
الإفاقة من السبات ‏
بقلم
‏حسام بدراوي
في الأسبوع الماضي كتبت عن السبات الحضاري للأمم وجائتني عشرات ردود الفعل عن هذا التعريف و المجاز بينه وبين ‏الحقيقة الفسيولوچية للكائنات الحية التي تدخل في سبات عميق أجيالا وسنين وكيفية خروج الأمة المصرية من سباتها .‏
والسبات غالبًا‎ ما ‎يكون‎ ‎وسيلة‎ ‎للبقاء‎ ‎على‎ ‎قيد‎ ‎الحياة‎ ‎خلال‎ ‎فترات تصعب فيها الحياة.‏
خلال‎ ‎السبات،‎ ‎يكون‎ ‎الجهاز‎ ‎العصبي‎ ‎المركزي‎ ‎في‎ ‎حالة‎ ‎انخفاض‎ ‎نشاط أو نشاط مضاد للحياة و‎ ‎الإفاقة‎ ‎تبدأ‎ ‎عادةً‎ ‎بإشارات‎ ‎من‎ ‎عقول الأمة.‏
ان العودة‎ ‎التدريجية‎ ‎للوعي تتم ‏‎ ‎حين ‏‎ ‎يستعيد‎ ‎الدماغ‎ ‎والجهاز‎ ‎العصبي‎ ‎وعيهما‎ ‎الكامل،‎ ‎وتعود‎ ‎الكائنات‎ ‎الحية بعدها ‏‎ ‎إلى‎ ‎نشاطها‎ ‎الطبيعي، أي أن الإفاقة تبدأ من عقل الأمم ويشمل ذلك قادتها السياسيين ومثقفيها ومجتمعها المدني ‏وقوتها الناعمة . ‏
المسئولية مشتركة ولكن يبقي ان دماغ الأمة هو من يجب أن يحس ويبادر ويقوم بمبادرة الإفاقة. ‏
‏“السبات‎ ‎الحضاري هو ‏‎ ‎فترة‎ ‎من‎ ‎الركود‎ ‎أو‎ ‎التراجع‎ ‎في‎ ‎الإبداع‎ ‎الثقافي،‎ ‎والعلمي،‎ ‎والقوة‎ ‎الاقتصادية،‎ ‎والتأثير‎ ‎العالمي‎. ‎ولكي‎ ‎تصحو ‎أمة‎ ‎من‎ ‎هذا‎ ‎السبات،‎ ‎فإنها‎ تحتاج ‎إلى‎ ‎نهضة‎ ‎شاملة‎ تعتمد ‎على‎ ‎مجموعة‎ ‎من‎ ‎العوامل.‏
تحتاج‏ ‏‎ ‎الأمم‎ ‎إلى‎ ‎قادة‎ ‎لديهم‎ ‎رؤية‎ ‎واضحة‎ ‎للمستقبل ‏، ‎وشجاعة‎ ‎لاتخاذ‎ قرارات ‎صعبة،‎ ‎وإرادة‎ ‎للإصلاح والقيادة‎ ‎ليست‎ ‎فقط‎ ‎سياسية،‎ ‎بل‎ ‎تشمل‎ ‎المفكرين،‎ ‎والمبدعين كما قلت‎ ‎‏.‏
صحوة‎ ‎الأمم‎ ‎تتطلب‎ ‎مشروعًا‎ ‎حضاريًا‎ ‎شاملًا‎ ‎يبدأ‎ ‎من‎ ‎الداخل‎ ‎ويستجيب‎ ‎للتحديات‎ ‎المعاصرة‎. ‎عندما‎ ‎يتحقق‎ ‎التوازن‎ ‎بين‎ ‎الأصالة‎ ‎والمعاصرة،‎ ‎وبين‎ ‎القيم‎ ‎الروحية‎ ‎والابتكار‎ ‎المادي،‎ ‎يمكن‎ ‎للأمة‎ ‎أن‎ ‎تستعيد‎ ‎مكانتها‎ ‎وتساهم‎ ‎في‎ ‎بناء‎ ‎الحضارة‎ ‎الإنسانية.‏
تجمع حولي شباب الحالمين بالغد ومجموعة جديدة من شباب تيار المستقبل الواعد وبادروني بالأسئلة حول المخاطر التي ‏تتعرض لها مصر في هذه المرحله من حاضرها. ‏
وأشاروا الي مقالتي الأخيرة والي كيفية الخروج من سبات الأمة المصرية والأمة العربية.‏
قال واحد منهم: إن أهم المخاطر التي تتعرض لها مصر الآن هي المد الصهيوني الذي يخيل الينا أنه قادم قادم الي مصر فهم ‏لا يخفون ذلك بل ويعلنونه في خرائطهم . ‏
‏ وردت شابه أخري قائلة : يا جماعه الخطر الحقيقي من الداخل أكثر منه من الخارج، الخطر هو تغير هويه المجتمع والكفر ‏بالديمقراطية والايمان بفلسفة الطاعة وليس التفاعل وابداء الرأي. ‏
‏ وانبري واحد من الشباب قائلا ، بصراحه انا خائف من الفوضي التي تهدم كل شئ في حالة ترك حبل الحريات التي ننادي ‏بها بدون قانون رادع وناجز يحترمه الجميع ويطبق بدون إنتقائية!!.‏
‏ قالت الشابة المثقفة الذكية : السؤال يا دكتور حسام هو ، هل نحن دولة قوية لنستطيع مواجهة كل هذه التحديات وللإفاقة من ‏السبات الحضاري الذي أشرت اليه؟
نظرت إليهم متفهما مخاوفهم ومدركا قلقهم ، وقلت بهدوء: كل ما ذكرتموه تحديات حقيقية ،. ‏
فتحدي المياه من الجنوب جوهري وتتداخل فيه أجهزة مخابراتية من دول كبري ..وتحدي فرض الخلافات الطائفية خطير ‏ونموذج سوريا في الأذهان ونعم أوافقكم أن التحدي الحضاري هو بيننا وبين إسرائيل علي المدي الطويل.. ‏
وأثني علي من ذكر تحديات الداخل الثقافية والوجدانية والاقتصادية، ولكن أهم سؤال في كل ما ذكرتم هو هل نحن دوله قويه ‏لمواجهة كل ذلك؟!‏
والإجابة هي تلخيصا نعم، ‏
والإجابة تفصيلا هي كالآتي:‏
مصر يا شباب تملك ثروة بشرية ، كبيرة في العدد، والقيمة، صغيرة في العمر ، ف٦٥٪ من تعدادها عمرهم أقل من ٤٠ ‏سنة.. هذه ثروة جبارة قادرة علي التعلم والتدريب واكتساب المعارف وخلق الفرص. هذه الثروة البشرية ، هبة من الله إذا ‏أحسننا إعدادها ، وهو ما نملك أن نفعله وننفذه. التعليم والرعاية الصحيه هي سبيل جعل هذه الثروة ، القوة الرئيسيه للبلاد ‏والركيزة الأولي للتنمية فيها. إن بناء الشخصية المصرية الواثقة من نفسها ، الفخورة بماضيها وحاضرها ، والتي تملك الأمل ‏في مستقبلها في أيدينا، وعقد واحد من الزمان يغير الكثير.. ‏
هذه هي قوة مصر الكامنة ، وأمل مصر في مواجهه التحديات كلها واستخدام ما أعطاه لنا الله من فرص وثروات.‏
قالت نفس الفتاه الذكيه: وهل عندنا ثروات ؟؟؟
إبتسمْت وقلت: ياااااه، تعالي أعدد لكي بعضا منها. ‏
نحن لدينا أكبر مخزون تاريخي من حضارة العالم، وما علينا سوي إظهارها والإستفادة منها سياحياً لتدر ثروة إقتصادية ‏غير مسبوقة.‏
نحن لدينا شمالا أجمل شواطئ البحر الأبيض وشرقا شواطئ البحر الأحمر التي لا مثيل لها وأكبر بحيرة للماء العزب جنوبا. ‏
نحن نملك أهم ممر مائي علي الكرة الأرضية، قناه السويس ،الذي يربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب ، حفرها أجدادنا ‏بدمائهم. هذا الممر المائي الذي يساند موقع مصر الجغرافي العبقري من الممكن أن يكون ممر التنميه الرئيسي في البلاد. ‏
مصر تملك ثروه من الغاز تحت أرضها وفي أعماق بحارها قد تكون من مداخل إقتصادنا المستقبلي بحدود لم تصل اليها من ‏قبل. ‏
مصر تملك ثروات معدنيه في أراضيها ، يتم إكتشافها الآن ولم نعرف بوجودها من قبل. ‏
مصر تملك أكبر سوق تجاري في الشرق الأوسط. نعم سوق مصر قوة تجذب الإستثمار وتفتح الآفاق..‏
مصر تملك شمساً ساطعة أغلب السنة ومصادر رياح معروفة وتستطيع إصدار طاقة نظيفة تكفيها وتكفي أوروبا أيضاً.‏
مصر تملك قوه ناعمه من الفن والثقافة والمعرفة علينا إعاده فتح الآفاق أمام إنطلاقها وإبداعها مره أخري. إن قوة مصر ‏الناعمة كانت سببا في تأثيرها علي من حولها وما زالت تملك نفس الإمكانات إذا رفعنا عنها القيود وأزلنا من أمامها ‏المعوقات. ‏
مصر تملك مخزونا حضاريا في شعبها وقدرات كامنة في شبابها وشيوخها لا تحتاج لانطلاقها سوي للحريه وإحترام القانون، ‏
وتحتاج لجلي الصدأ من عليها بالتعليم والثقافة والفنون..‏
مصر طبعا قوية يا شباب ، ومن الممكن ان تكون أكثر قوة وأكثر إستقراراً بالإدارة الواعية والعمل الجاد من الجميع..‏
علي فكره ،كلامي ليس شعارات ، ولكنه كلام علمي وله مرجعية ومنهجية‎ ‎وممكن الحدوث. مصر قوية وستزداد قوة، وعلينا ‏التكاتف سوياً لتحقيق ذلك .‏
قال شاب من الحضور: وما الطريق لتحقيق ذلك؟
قلت: استدامة تنفيذ المخططات التي يجب أن تكون معلنة وموثقة وملزمة ، والتي تنشأ بالمشاركه بين حكمة الخبرة، وطاقة ‏الشباب.. والقيادة الواعية ، و يمكن تحقيق ذلك بالاستماع الي مختلف الآراء وتقديم البدائل من الخبراء.. من الممكن تحقيق ‏ذلك بالإيمان أن الإبداع والابتكار لا يحدث إلا في إطار من الحرية وليس الفوضي. ‏
قالت الشابه المثقفه: وما هو أساس كل ذلك؟
قلت : ستستغربون مما أقول ، إنه نظام الحكم السياسي.. السياسة هي مدخل تحقيق سعادة الشعوب وتمكينها من إمكاناتها ‏وزيادة قوة البلاد ،لذلك فإن الدولة المدنية الحديثة هي أساس وركيزة كل ذلك..‏
وأذكركم بمقولة إبن رشد”التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإن أردت التحكم في ‏جاهل ، لا عليك إلا أن تغلف كل باطل بغلاف ديني أو بنشر الخوف بين الناس “. ‏
أعلم صعوبة تطبيق الديمقراطية في ظل الفقر والجهل، وهذه هي معضلة مصر التي علينا التكاتف للمرور من خلالها فقوة ‏مصر وضعفها في بنيتها الإنسانية. قوة مصر في حرية مواطنيها ، وضعفها في كبت الحريات أو عدم التقيد بقواعد القانون ‏الذي يضبط هذه الحريات.‏
‏ علينا الالتزام بفلسفة الدستور لأنه الوثيقة والمرجعية التي يجب أن تحكم حوارنا. ‏
‏”نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنيه‎”‎…يقوم النظام السياسي على أساس ‏
‏1‏‎ ‎‏-التعددية السياسية والحزبية
‏ 2- والتداول السلمى للسلطة ‏
‏ 3ـ الفصل بين السلطات والتوازن بينها ‏
‏ 4ـ تلازم المسئولية مع السلطة
‏ 5ـ احترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور
هذه هي مقدمه الدستور والمادة الخامسة منه و الذي وافق عليه الشعب المصري بأغلبية ساحقة عام ‏‎2014 ‎‏ ولم تلحق بهذه ‏المقدمة ولا المادة الخامسة تعديلات في ‏‎2019 .
يوجد في الدستور مواد علينا الحفاظ عليها، ومواد لم تطبق ولابد أن لذلك أسبابا ‏‎ ‎وأري أن علينا وضعها في إطار التطبيق ‏مثل اللا مركزية، وأغلب ما يخص الفصل بين السلطات والتوازن بينها ، وطريقة تطبيق العدالة وإحترام الحريات واحترام ‏حقوق المواطنين. ‏
وعلينا الحذر من المجتمعً من البعض الذين يرون ، وقد يكون بحسن نية ، ولكن بخطأ ، أن الإستقرار وسلامة المجتمع ‏تأتي بالسكون وعدم التغيير وتجنب فتح أبواب التعددية. ‏
الأسهل لمن لا يملك القدرة علي إقناع الآخرين أن يسعي للفكر الواحد وفرض الطاعة ، وتضييق الإختيارت.‏
‏ ‏
مصر لتكون قويه في مواجهه تحديات الخارج ، يجب أن تكون قويه من الداخل ، وسيظل إيماني وأملي في بناء قدرات شبابها ‏وأطفالها والاستفادة من خبرة كبارها. ‏

التعليقات

التعليقات