الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / علي مقهي “الحالمون بالغد” التعليم …الفرصة للإنقاذ

علي مقهي “الحالمون بالغد” التعليم …الفرصة للإنقاذ

علي مقهي “الحالمون بالغد”
التعليم …الفرصة للإنقاذ
من المفترض أن يقود التعليم حركة التقدم ، ولكن في حقيقة الأمر أن حركة التقدم سبقت مؤسسات التعليم فأصبحنا نركض وراء ما يحدث فى الصناعة و التكنولوجيا، وليس العكس ،
لكن يظل من يصنع التقدم ،ويخترع ويبدع ويبتكر هم علماء وشباب يتخرجون من نظم التعليم و يصنعون أنفسهم بعد ذلك .
حينما يشترى الإنسان جهاز حاسب آلي ، فهو قطعة من الحديد لا قيمة لها إلا بما يمكن تحميله عليه من برامج (سوفت وير)، و يحتوى كل جهاز علي سعة تحميل معينة ، وفي الاغلب أن غير المتخصص لن يستخدم مما علي الجهاز من إمكانات إلا ما يقرب من 10% من هذه السعة ، فمن الايسر للإنسان أن يعيد استخدام ما يعرفه أصلاً ويرتاح لذلك . كذلك، فإن الجسم البشري بدون ما يحتويه من روح ونفس وعقل ، فليس له قيمة وهو ما يفسر تحلله واختفائه إن تم تفريغه من طاقة الروح و توقف العقل عن العمل وهو ما يعني موته.
العقل البشرى لديه سعة عملاقة ولا نستخدم مما فيه من برامج سوى 7% إلي 8% وحينما يكون الإنسان عبقرياً ربما يستخدم 9% إلي 10% من إمكانات عقلة الجبارة . إن وسيلتا للتطور هي إستخدام إمكانات عقولنا بالتفكير والتعلم المعرفة لاستيعاب ما خلقه الله من سعة في عقولنا لم نستخدمها بعد.
إن كل ما يخطر على الذهن قابل للحدوث لأنه لو لم يكن موجوداً فى برنامج العقل [السوفت وير] ما خطر على البال أساساً . ومن شاهد أفلام الخيال العلمى فى الخمسينات و الستينات يدرك أن ما نعيشه الآن أكثر من خيال البشر منذ نصف قرن فقط.
كلنا نقرأ عن تغيرات فى نوعية العمل فوظائف اليوم قد يختفي أغلبها وتنشأ وظائف جديدة لاحتياجات جديدة.
الإنسانية سوف تتغير بناء على قدرات موجودة وتحدث اليوم، و ما كان يحدث فى القرن العشرين ربما لن يكون له قيمة فى القرن الواحد و العشرين ولكن بدونه ما كان يمكن أن يحدث ما يحدث الآن. الإنسان يبني بالعلم تراكم للمعرفة و دورة الحضارة التي كانت تستغرق آلاف السنين ثم تقلصت الي عشرات السنين أصبحت الآن حوالي سنتان فقط، مما يستوجب علينا أن نفكر إيجابياً وندرك الفرصة الجديدة التي لم تكن متاحة أمامنا فى السابق ، فلسنا بحاجة لمئات السنين ولا حتي عشرات لنلحق بركب التطور أو نكون من صانعيه .
إن الأطفال في مصر يقفون على نفس المسرح الذى يقف عليه باقى أطفال العالم ، فاليوم لدينا إمكانية أخذ طريق مختصر. لدينا الفرصة لننتقل مع غيرنا نقلة نوعية فى وقت قصير، إنه تحدى و فرصة لو كنا عاقلين.
لقد أصبحت المعرفة متاحة للجميع بلا تكلفة و الذين يملكون الخيال أكثر من غيرهم هم الأطفال وصغار السن.
أولادنا يولدون لديهم فضول المعرفة و عقلهم ملئ بالخيال، و يستخدمون حواسهم وخيالهم لمعرفة ما حولهم وما لديهم من أدوات يفوق ما كان لدينا في نفس عمرهم بمراحل ، و نحن الذين نُحِد من استخدام الأطفال لقدراتهم و نحيطهم بالقيود في سنوات حياتهم الأولي حتي يدخلون المدرسة، وهي النظام الذى صنعه الإنسان منذ قرنين ونصف من الزمان فقط لجعل كل الناس نمطاً واحداً. نحن من اخترعنا الوسيلة التي تضع أفكار جيل سابق وكأنها مقدسات في ذهن جيل قادم ليكونوا نسخاً مكررة .
إننا نضع الأطفال داخل إطار نصنعه أربعة عشر سنة، ويتوفر لهم رغماً عنا وسائل الحصول علي المعارف والتي قد تتعارض مع ما نضعه فى عقولهم من أفكار ، و نحن من يصنع وجدانهم فإذا تخرجوا بالرغم من تفوقهم العلمي والتقني ، أحادي الفكر لا يدركون جمال الخلق والإنسانية، ويفكرون بالعنف لجعل الآخرين صورة أخري منهم و لا يقبلون التعددية التي خلقها الله و لا يحترمون حرية الغير في الاختيار فهذا من صنعنا وليس هم.
مجتمعنا يا سادة هو نتاج إدارتنا لنظام التعليم و الاعلام و الفن و الثقافة ….
الفضول فضيلة وبدونه تتوقف حركة الحضارة الإنسانية ونظم التعليم سواء فى مصر أو فى غير مصر ستشترك أرادت أو لم تريد في مناهج الرياضيات والعلوم فهي عابرة للحدود وليست من صنعنا ، ولكن تدريس العلوم الإنسانية والمعايشة في مؤسسات التعليم ما زالت تدور في نمط جيل أسبق يحاول أن يستنسخ جيلا يشبهه ليعيش في الماضي بدلاً من الحاضر الذي سيصنعه أو المستقبل الذي سيبنيه هؤلاء الأطفال.
ولأن مصادر المعرفة أصبحت موجودة وبلا تكلفة فشكل مدرسة و جامعة المستقبل إختلف وسيختلف ،و لابد له أن يختلف . وظيفه المدرس الذى يشرح درساً بالشكل التقليدي أصبحت غير كافيه ولا واقعية لأن التلميذ أصبح قادراً أن يقرأ عن موضوع الدرس قبل أن يأتى للفصل، وعنده من الوسائل حسب مرحلته العمريه ما يجعله مستعدا للمناقشه بدلاً من مجرد تلقي العلم من طرف واحد. المدرس أصبح ميسراً، وهو الذى يضمن للطالب صحة مرجعياته ، أو يقوم بتوجيهه لمراجع أخري ويرشده كيف يختار الأفضل ، و يغرس في وجدانه منهجية البحث وإيجاد البرهان .
المؤسسة التعليمية لا يقتصر دورها علي التعليم التقليدي ولكن دورها الرئيسى يجب أن يكون صياغة الوجدان وبناء الشخصية السوية وزرع قيم أخلاقية وإنسانية تتوازن مع الذكاء الاصطناعي و الرقمية التي لابد آتية آتية.
الحقيقة إن المدرسة يجب أن تكون المكان الذى يذهب اليه التلميذ لكى يتوافق مع زملائه الأخرين و يمارس مهارات القرن الواحد و العشرين ويتعلم أن يعمل ضمن فريق ويرسم و يغنى ويعزف الموسيقى و يمارس الرياضة و يخطئ و يصيب ويشارك ويقابل تحديات ويعبر عن نفسه ويتنافس علميا ورياضيا ويفوز بشرف بلا غرور و يخسر بلا غضاضة ويتعلم من أخطائه…
يتكلم اولياء الأمور والإعلام علي تغيير المناهج وكأنها أصل المشاكل وهي ليست كذلك ، بل هي أبسطها فما نريد تغيره حقا هو أسلوب توصيل المعلومة الي الطالب، علي حسب قدرة استيعابه، وأن نوجد المدرس الميسر الذي يتابع هذا التحصيل ، ويدمج التكنولوجيا في وجدانه ليفكر ويُثَبت قيم النزاهة والصدق والدقة وغيرها من القيم الإنسانية والأخلاقية أثناء ذلك . التحدي في مصر ليس في الأطفال والشباب ولكن فينا، فى مدرسيهم و مدارسهم غير المجهزة لهم . التحدي في تغيير ثقافة أولياء أمورهم الذين دفعهم النظام لأن يقيسوا نجاح أولادهم بالشهادة وليس الاستيعاب أو التعلم . .
دور المدرسة هو صياغة الوجدان السوي من خلال النشاطات المصاحبة لوجود الطالب فى المدرسة ، فالمدرسة التي ليس بها مكتبة ورقية ورقمية ، و نشاط رياضي و موسيقى و تختفي عنها الفنون ، هي مدرسة غير قادرة على تحقيق هدف بناء الإنسان السوى فالمسألة ليست فى العلم والتعلم فقط ، المسألة فى مجموعة القيم التى تجعل من الطفل إنساناً . المدرسة قد تكون منصة إنطلاق لعقول ونفوس أطفالنا ، وقد تتحول الي سجن نحصرهم بداخله فى إطار نمطى من صناعتنا.
لا أعتقد أن لدينا مشكله فى تعليم أطفالنا ولكن لدينا مشكلة فى إدارة هذا التعليم ، فنحن الذين أخترنا و وضعنا ثلاثة و عشرين مليون تلميذ و تلميذة فى يد سبعمائة الف معلم
لا نؤهل أغلبهم لمهمتهم بالشكل الكافي ، ولا نعطيهم الاحترام المستحق إذا ارتفعوا لمستوي ظنونا بهم . ذلك هو الواقع الذي أراه و أنت تراه و الحكومة تراه..اليس هذا مؤسفاً وعجيباً!! .
إذا كانت المعرفة متاحة و المدارس موجودة و الشباب و الاطفال ممتازين فما الذى يتبقى؟
يتبقى من يقودهم داخل هذا الإطار أي مديري المدارس و المعلمين و هم الأساس و” لا يرتفع مستوى التعليم فوق مستوى معلميه” .
المجتمع المصري بذكاء قرر أن يأخذ الأبناء خارج منظومة التعليم الي منظومة الدروس الخصوصية لتحقيق هدف الدولة و هو الحصول على شهادة.
الدروس الخصوصية هي عرض للمرض وليست هي أصل الداء.
أصل الداء هو طريقة إدارتنا لنظام التعليم الذي وجه المجتمع وساقه الي ما هو فيه..
أنا لا ألوم أولياء الأمور فهم يتكيفون مع الواقع ، ولا ألوم المعلمين ، فلم يتم إعدادهم لدورهم المختلف بالقدر الكافي..
أمامنا فرصة في حوار وطني عليه أن يعيد أولوية التعليم الي مكانها ومكانتها ولدينا رؤية وإستراتيجية عمل عليها الخبراء، ووضعوا لها معايير قياس نتائجها ، وعلينا أن نطبقها و نلتزم بها ، فرأس مالنا البشري هو أهم ما نملك ، وهو فرصتنا للإنقاذ.

التعليقات

التعليقات