السبت , 21 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / آمال عريضة لجمهورية جديدة فلسفة الرعاية الصحية

آمال عريضة لجمهورية جديدة فلسفة الرعاية الصحية

آمال عريضة لجمهورية جديدة
فلسفة الرعاية الصحية
إن حق المواطن في الحصول على الرعاية الصحية في وطنه هو أحد أهم دعائم المجتمع الرئيسية، ومظهر لحضارته، وأساس هام لاستقراره ورضاه، ولقد امتد مفهوم الرعاية الصحية ليشمل بالإضافة إلي تقديم الخدمات التشخيصية والعلاجية والتأهيلية، مفهوم الحفاظ على الصحة العامة ضمن إطار التنمية البشرية للمجتمع. إن الرعاية الصحية تعتمد على أسس محددة أهمها، توفرها للمواطن بالقرب من مكان معيشته وعمله، وتوفرها بجودة محددة، وقدرة المواطن على الحصول عليها و إمكانيته على تحمل تكاليفها بالنسبة لدخله.
وحيث أن تكلفة الرعاية الصحية ترتفع يوما بعد يوم، نظرا لارتفاع قيمة الأجهزة الطبية، والاحتياج لتطويرها، وارتفاع أسعار الدواء والإجراءات التشخيصية. وكذلك ارتباط أسعار المستلزمات الطبية المستخدمة في العمليات بالعملة الأجنبية. فإنه يجب علينا أن نفكر بأساليب أكثر ابتكاراً في كيفية استنباط طرق مختلفة لاستمرار توفير الحق في الرعاية الصحية للمواطنين، بجودة عالية وتحديد دور وزارة الصحة في المجتمع بتغيراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن حق المواطنين في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة يجب أن يعتمد على احتياجاتهم وليس على قدرتهم على تسديد تكاليف هذه الرعاية، لأن الرعاية الصحية ليست منتج كغيره ولا خدمة كغيرها في المجتمع،
إن رؤيتنا نحو الرعاية الصحية في مصر يجب أن تركز على احتياجات المواطنين كأفراد، والمجتمع ككتلة، ونؤمن بأن ذلك لا يحتاج فقط لزيادة الموارد والاستثمار العام في مجال الصحة، ولكن يحتاج إلي تنمية بشرية في هذا القطاع للأطباء، هيئات التمريض والمؤهلين ومتخصصي الخدمات المساعدة للرعاية الصحية وكذلك تحديد الأولويات، ودمج المجتمع ومشاركته كمقدمي خدمة ومتلقيها وأسرهم في هذه الرؤية، والفعالية في استخدام الموارد المتاحة.
ترتبط الصحة العامة للمواطنين بعوامل مؤثرة كثيرة أهمها، التعليم و نسبة الفقر ،و حالة البيئة ،وعادات المجتمع الغالبة،والنمو السكاني ،و نسبة الجريمة والحوادث ،والأوبئة وتجددها.
كل هذه العوامل تتداخل بشكل أو بآخر وتؤثر سلباً وإيجاباً مع الصحة العامة، ولا يمكن تصور عملية إصلاح للصحة في مصر بدون التوجه نحو هذه العوامل الأساسية والتدخل فيها ضمن إطار أعم وأشمل.
وهناك علاقة قوية بين التعليم، ونسبة الأمية والصحة ، فكما أن التغذية في المدارس خصوصاً في المراحل الأولى لها أهمية تعليمية في زيادة قدر استيعاب التلاميذ ، كذلك زيادة عدد المتعلمين لها أهمية في رفع درجة الوعي الصحي في المجتمع.
إن المبادئ أساسية للسياسة الإصلاحية للرعاية الصحية هي :
ـ العمومية : أي أن يحصل جميع المصريين على نفس مجموعة الخدمات الصحية الخاصة بالرعاية الأولية.
ـ الجودة : أي أن تتمشى معايير تقديم الخدمة مع المعايير العالمية المتعارف عليها إكلينيكياً.
ـ العدالة : أن يتوزع العبء المالي لتكلفة الخدمات الصحية بعدالة علي كافة المواطنين، وأنه تحت أي ظروف لا يجب أن يحرم منها من ليس له قدرة علي سداد تكاليفها في أي وقت.
ـ الفعالية : وهي أن يتم تقديم أعلى جودة من الخدمات بأقل تكلفة.
إن الأهداف والعناصر الأساسية لسياسات إصلاح برامج الرعاية الصحية
عليها تحديد مجموعة خدمات الرعاية الصحية الواجب توفرها لكل مواطن ومعايير قياس جودتها بناء على المتعارف عليه عالمياً وعلمياً. وهذه المجموعة الخدمية يجب أن يتوفر فيها عناصر الفعالية، والتوفر، وإمكانية الحصول عليها خصوصاً لغير القادرين والفقراء.
ويتبع ذلك تحديد الموارد المالية المطلوبة للتأكد من إمكانية تقديم الخدمات بدرجة عالية من الجودة والاستمرارية، و يمكن أن تكون هذه المصادر حكومية أو غير حكومية.
ولابد من إستخدام طرق جديدة لتنظيم تمويل تقديم الخدمات الصحية المقررة من الموارد المتاحة. حيث أن الوضع الحالي في تمويل الخدمات، سواء من الحكومة أو من غيرها يحتاج إلي تحسين كبير، وإدارة أكثر فاعلية. ويظهر من التحليلات المختلفة أن الأمر لا يحتاج إلى زيادة الإنفاق العام أو الخاص علي الرعاية الصحية فقط ، بقدر الاحتياج لإدارة أفضل لهذا الإنفاق. وقد يحتاج هذا الأمر إلي العديد من الإجراءات التي يجب دراستها و تشمل قدر أكبر من اللامركزية في الموازنة والإنفاق وحوكمة الإدارة للمؤسسات الصحية المختلفة.
وعليّ أن أنوه الي الدور الحيوي لوزارة الصحة في وضع معايير القياس والجودة وتقديم الرعاية الصحية الأولية، وخطط المستقبل والبحث العلمي وجمع المعلومات الإحصائية بدقة.
ولابد من الانتشار الجغرافى المدروس لخدمات الرعاية الصحية لتقليل مشقة الانتقال للمرضى وأسرهم، وتكثيف الجهود للوقاية والحماية المبكرة ، السيطرة على مصادر التلوث والأوبئة.
إن حماية المواطنين من الممارسات الضارة والتى قد تصدر من المؤسسات أو الأفراد وتؤثر على صحتهم فى الحاضر أو فى المستقبل ضروري وحيوي ويحتاج الي برامج إعلامية ودمج هذه الثقافة في التعليم. .
_ يظن الكثيرين أن نظام التأمين الصحي سيرفع من مستوي خدمات الرعاية الصحية وهو تصور غير حقيقي ، لأن نظم التأمين هدفها استدامة التمويل ولا تدخل في نوعية ولا جودة الخدمة إلا من باب أنها تمثل طرفاً ثالثاً في المنظومة بين مقدم الخدمة ومتلقيها مما يجعل لها دور في عدم سداد التكلفة الا لو كانت بمعايير متفق عليها.. أي أن تأثير تطبيق نظم التأمين الصحي علي جودة الخدمات يكون بشكل غير مباشر.
ويتبقي في كل الأحوال ، أن مقدمي خدمات الرعاية الصحية في مستوياتها المختلفة، من المؤسسات المملوكة للدولة يجب أن تدار بحوكمة ، لتعطي أفضل الخدمات بأقل تكلفة وإلا سينتهي بها الأمر كما حدث من قبل ، الي تراكم ديون ، وخدمة متدنية، غير كاملة ، وإفلاس محتوم لغياب الرؤية الاقتصادية مع هروب المتلقي ، وهو المواطن غير القادر الي القطاع الخاص وهو لا يملك نفقاته ، فيزداد الإحساس بالقهر والغضب والعوز.
لقد أصدرت الدولة قانوناً للتأمين الصحي يشمل ثلاثة أجزاء، خاصة بضمان الجودة، و إدارة مؤسسات تقديم الخدمات الصحية والمستشفيات ، والإدارة المالية لنظم التأمين الصحي الاجتماعي لتغطية كل مواطن علي أرض مصر تدريجيا بمظلة تأمين صحي متكاملة. وأري أن ذلك خطوة في الطريق الصحيح وأؤيد التوسع التدريجي بموضوعية ودراسة واستعدال للنظام أثناء التوسع .
الا أنني أرى أهمية تحديد حزمة الخدمات التي يوفرها التأمين بوضوح، وإيجاد مداخل مبتكرة لتغطية تكلفة الأمراض المزمنة ، مثل السكر وضغط الدم وخلافه ، وأمراض الشيخوخة التي ستتزايد بارتفاع متوسط الأعمار، والأوبئة وغيرها مما قد لا يشملها حزمة التأمين.
وأنبه أن الدراسات الإكتوارية ، ونتائج التطبيق في أول مراحله يجب أن تحلل قبل التوسع.
كذلك فلابد من دفع القطاع الخاص والقطاع غير الهادف للربح في المشاركة في تقديم خدمات التأمين الصحي للمواطنين حتى يكون أمامهم فرصة للاختيار بناءاً على محتوى البرامج التأمينية المقدمة لهم. وقد يكون هذا النظام المخرج الحقيقي، والطريق القويم للارتفاع بمستوى خدمات الرعاية الصحية من خلال طرف ثالث قادر على تمويل الخدمة ومراقبة جودتها في إطار تنافس شريف بمراقبة الدولة لصالح المواطن.
أهمية التوجه نحو الرعاية الصحية الأولية:
إن خدمات الرعاية الصحية الأولية تمثل أكثر من ٦٠٪من احتياجات المواطنين – خصوصا من الطبقات غير القادرة – وهى المساحة التى يتقدم إليها وتتوسع فيها المستوصفات الخيرية، وبعض شركات التأمين الصحي الذكية ، وهي خدمات قليلة التكلفة، ولكنها عظيمة الأثر على المواطنين. إن توسع دور الدولة في تقديم هذه الخدمات أو تمويلها أو إيجاد وسائل مبتكرة لمساندة تمويل الشركات و الأطباء الذين يتجهون إلى أخذ هذا المسار، وتبني مشاريع الرعاية الصحية الأولية بشكل فعال و بأولوية معلنة هام وحيوي.
لابد أن نعلم أن نظم الرعاية الصحية الأولية تنجح وتؤثر إذا توازي معها نظم الإحالة الي المستويات الأعلي ، مما يستلزم وجود تكنولوجيا متطورة تحفظ ملفات المرضي وتنتقل معه من مستوي رعاية الي الآخر وفي نفس الوقت تحفظ المعلومات ويخرج منها إحصاءات تجعل صناع السياسة الصحية علي دراية بحقيقة الوضع الصحي للمجتمع.
إن المشروع الرئيسي الذي يجب أن تتبناه الدولة في الخمس سنوات القادمة هو تعميم خدمات الرعاية الأولية حسب التوزيع السكاني ولدينا أفكار للجمهورية الجديدة تجعل هذا المشروع حقيقي وبدون زيادة الأعباء علي الموازنة..
هذه دعوة للمشاركة مع من لديهم الخبرة والمبادرة.

التعليقات

التعليقات