الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / أعظم المهن وأجدرها بالتقدير – حسام بدراوي

أعظم المهن وأجدرها بالتقدير – حسام بدراوي

حوار الأربعاء الأسبوعي ‏
“أعظم المهن وأجدرها بالتقدير”‏‎‎
بقلم حسام بدراوي
مهنة الطب وخدمة المرضى هى من أعظم المهن وأجدرها بالتقدير. ولكن كما يحدث ‏فى كل شىء حولنا، تطورت المعرفة ووسائل الحصول عليها، وتطور تدريس الطب ‏وتداخلت فيه الرقمية، وتغيرت وسائل تقديم الخدمات وسرعتها. الطبيب والممرض ‏والخدمات المساندة كلها تعمل فى تناسق وتكامل، وبناء النظام الصحى لأى دولة يعتمد ‏على إدارة رقمية لها رؤية، وبنية إنسانية مكلفة، وسنوات دراسة وتدريب طويلة، ‏وتمويل مستدام. تقع الجامعات ومؤسساتها الصحية وأطقمها للبحث والتطوير فى قلب ‏ذلك، ونظم التأمين الصحى التى تضمن استدامة التمويل. ‏
قال لى الشاب خريج كلية الطب: هل تتصور يا دكتور أن أوائل الدفعة لا يريدون ‏وظيفة فى الجامعة الآن، ويهربون من التعيين فى وزارة الصحة، والأغلبية تبحث عن ‏السفر لأوروبا وأمريكا.‏
قلت: أعلم ذلك، مع أن العمل فى الجامعة أو فى وزارة الصحة يُكسب الخبرات ويفتح ‏طرق التفوق والحصول على الشهادات العليا ثم التعيين كأعضاء هيئات تدريس أو ‏استشاريين، مما يرفع القامه ويزيد الشرف. ‏
ضحكت زميلته وقالت: الزمن اختلف يا دكتور.. ما نلاقيه من معاملة غير منصفة من ‏أهالى المرضى والإعلام بلا تقدير لساعات عملنا غير الإنسانية أو مرتباتنا الهزيلة ‏التى لا تفتح بيوتا ولا تسمح ببدء الحياة..‏
‏.. جعل ما كان مطلبا وغاية، رفضاً وهروباً من صغار الأطباء.‏
قال أحد الزملاء: قرأت عن عضو برلمان يهاجم الأطباء فى مكان عملهم متهما إياهم ‏بالتقصير، وقبلهم رؤساء أحياء، ومحافظين. فهل كل هؤلاء ظالمون؟
قلت يا صديقى ما لا تعرفه أن الأطباء يلاقون الأمرين من نقص مستلزمات، يشترونها ‏فى أحيان كثيرة من أموالهم، وساعات عمل متصلة وأعداد كبيرة من المرضى وعليهم ‏مواجهة جمهور غاضب يحّمل الطبيب أحياناً ما لا ذنب له فيه، لوفاة قريب أو نقص ‏إمكانات أو حدوث مضاعفات يقبل بها العلم والمهنة.‏
قال: ألا تدافع عنهم نقابة الأطباء وترعاهم؟!‏
قلت: النقابة، كما أرى، يدها مغلولة، ويوجد برود بينها وبين وزارة الصحة. لا ‏خطاباتهم يُرد عليها، ولا اقتراحاتهم تناقش، ولا تدخلهم تعطيه الدولة أهمية. وهى ‏النقابة التى تمثل المهنة..‏
قال: هى نقابة إخوانية ولا إيه؟
قلت: لا، بل تيار مدنى معتدل..‏
قال واحد من أطباء الحالمين بالغد: ساعات أحس أن هناك جهات فى الدولة لا تفضل ‏التعامل مع التيار المدنى المعتدل الذى يتوافق ويختلف أحيانا ويحتاج إلى مجهود وثقافة ‏فى الحوار والإقناع ويستسهلون التعامل من يمكن إتهامهم ، يا دكتور أري أن جزء من ‏ضعف إدارة الدولة هو عدم تحمل الإختلاف في الرأي ، وتقسيم الناس الي موالين ‏وشبه خدم ومعادين وشبة خونة
قلت: النقيب أستاذ محترم مرموق ومنتخب بجدارة مرتين وقبلها عميد لكلية طب قصر ‏العينى، ومجلس إدارة النقابة معه يمثلوننى وكل طبيب فى مصر. احترام النقابة من ‏احترامنا كمجموع أطباء مصر ولا يعقل عدم التعاون معهم.‏
وأضفت، أتفهم ما تقول يا بني ، وحجة المتطرف دائما مبنية علي عدم القدرة علي ‏الإختلاف وعدم المعرفة التي تسمح بالحوار، ولكننا لنا دور كأطباء ومعالجين أن ‏يتسع صدرنا فما تزال للمهنة إحترامها وسموها.‏
واستطردت قائلا: فلنكن إيجابيين. الدولة تحتاج أطقما طبية ذات كفاءة وخبرة، فماذا ‏تقترحون؟
قال الطبيب حديث التخرج والشغوف بالبحث والإحصاءات: أزمة نقص الأطباء ليست ‏حقيقية وحلها ليس بزيادة عدد الخريجين، بل فى الاحتفاظ بهم. فالإحصاءات تقول إن ‏لدينا ٣٠ كلية طب بين حكومى وخاص وقوات مسلحة يتخرج فيها ما يقرب من ‏‎12000‎‏ طبيب سنويا. وعدد الأطباء البشريين وفقا لآخر إحصائيات نقابة الأطباء ‏حوالى ‏‎240000‎، منهم حوالى ‏‎130000‎‏ طبيب بمصر والباقى خارج مصر نتيجة ‏إعارات أو هجرة، تتزايد بشكل مطرد فى السنوات الأخيرة ولا سيما بعد فتح أبواب ‏دول كثيرة لاستقبال الأطباء المصريين والترحيب بهم، ومعلوماتى أن آلاف فيزات ‏السفر تعطى للأطباء لأوروبا وأمريكا لتغطية احتياجات هذه الدول.‏
واذا اعتبرنا المعيار العالمى 1.8 طبيب لكل ألف نسمه فإن نسبة الأطباء للسكان فى ‏مصر هى 1.3 طبيب لكل ‏‎1000‎‏ نسمة، وبالتالى، نسبتنا ليست بعيدة عن المعيار ‏العالمى.‏
قلت: هذا تعميم قد يخل بنتيجة الإحصاءات لأنه حسب علمى فإن الأطباء بالحكومة ‏‏(بوزارة الصحة) عددهم وفق آخر إحصاء قرأته وقد يكون قد تغير فيه عجز قدرة ‏حوالى خمسين ألف طبيب.‏
هذا العجز يتزايد نتيجة هجرة واستقالة عدد كبير من الأطباء فى السنوات الأخيرة كما ‏تقول. إذن عدد الأطباء ليس جوهر التحدى، بل هو نقص عدد الأطباء العاملين بوزارة ‏الصحة هو التحدى.‏
ثم استدركت قائلا:‏
‏- ونقطة مهمة أخرى فى العجز، حيث ينتج من عدم توازن توزيع الأطباء على ‏المحافظات. ناهيك عن غياب بعض التخصصات مثل طبيب الأسرة والتخدير والرعاية ‏المركزة وغيرها..‏
قال صديقى: إذن هى مسألة إدارة للموارد البشرية.‏
قلت: قد يكون هروب الأطباء مرتبطا ارتباطا وثيقا بفن الإدارة ولكنه مرتبط أيضا ‏بالعائد المادى والمعنوى وعوامل الجذب المالية والأكاديمية فى العالم. فمن غير ‏المعقول أنه بعد ‏‎15‎‏ عاما من الدراسة والتدريب والجد يكون مرتب طبيب الامتياز ‏‎2200‎‏ جنيه بالشهر وحوالى ‏‎3000‎‏ جنيه للطبيب المقيم، وأن تكون بيئة العمل ‏والسكن المتاحة لهم غير ملائمة فى المحافظات، إلا أننى يجب أن أشهد أن هناك ‏اهتماما بدأ يظهر قبل وازداد بعد أزمة كورونا.‏
‏- وأضفت: وفى رأيى أن التقدير المعنوى للطبيب وحمايته هو العنصر الأكثر تأثيرا، ‏وغيابه قد يكون سببا مباشرا لفهمنا هجرة الأطباء وتركهم عملهم. لقد لاحظنا قبل أزمة ‏كورونا كم الاعتداءات المتكررة والضرب والإهانة للأطباء والاعتداءات على المنشآت ‏الصحية اليومية دون رادع وهو ما يؤلمنى ويحزننى.‏
قال صديقى: لقد سمعتك أكثر من مره تتكلم عن تغير دور وزارة الصحة عما كان، ‏فماذا كنت تقصد؟
قلت: إن الوزارة عليها قيادة تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية، من خلالها أو ‏بالشراكة مع القطاع الخاص، على أن يتحمل التكلفة نظام التأمين الصحى. الدولة هى ‏منظم تقديم الخدمة وليس مقدمها، وراعى الجودة وواضع معاييرها، وجامع البيانات ‏ومحللها ومنفذ سياسة الدولة المعلنة، وكذلك المسؤول عن الصحة العامة، والغذاء ‏الصحى والبيئة، ومقاومة الأمراض المتوطنة والأوبئة والأمراض المزمنة والمحفز ‏للحياة الصحية للمواطنين. الوزارة هى عقل الدولة فى رعاية المواطنين الصحية، وقد ‏نجحت أخيرا فى التخلص من فيروس سى الكبدى الوبائى، كما نجحت عبر التاريخ فى ‏تخلص البلاد من البلهارسيا، وشلل الأطفال، والسل الرئوى وغيرها من الأمراض ‏المتوطنة، وكان برنامجها فى تطعيم الأطفال ناجحا ومؤثرا فى تقليل نسب وفيات ‏الأطفال وزيادة متوسط عمر المصريين إلى ‏‎72‎‏ سنة بزيادة تصل إلى ‏‎20‎‏ سنة عما ‏كان فى الخمسينيات. هذا إنجاز تراكمى للدولة يستحق الإشادة، بأيدى أطبائها وأطقمها ‏الصحية..‏
قالت الطبيبة الشابة: وما هو رأيك فى زيادة عدد الأطباء بتخريج دفعات استثنائية أو ‏تحويل الصيادلة إلى أطباء بشريين لتغطية النقص الناتج من هروب الأطباء وليس ‏النقص المطلق فى عددهم..‏
قلت: إن تخريج دفع استثنائية من كليات الطب يمثل واقع تفكير وفلسفة لا أفهمها، وليس ‏لها مثيل. الطبيب لكى يكون مؤهلا لتقديم الخدمة الصحية يحتاج على الأقل لعشر إلى ‏اثنتى عشرة سنة من التعليم والتدريب والممارسة تحت إشراف. ولا يعنى تخريج دفع ‏استثنائية إلا تخريجهم قبل اكتمال تعليمهم أو تدريبهم مما سيمثل كارثة. أما تحويل ‏الصيادلة إلى أطباء فهو ممكن ولكنه يحتاج إلى نظام دراسى جديد، ولا أفهم أن صيدليا ‏ناجحا سيترك مهنته المحترمة التى يتكالب عليها الشباب، ليقضى أربع سنوات جديدة ‏فى تعلم مهنة الطب البشرى. إن هذا تصور ساذج إلا لو كان المقصود زيادة عدد ‏الصيادلة الإكلينيكيين، وهو تخصص صيدلى وليس تحويلا إلى طبيب بشرى.‏
ولكن الممكن الآن هو التوزيع المتزن للأطباء على البلاد، باستخدام المحفزات وليس ‏الجبر والإهانات.‏
إن كنا ننوى الإصلاح، فالعامل البشرى فى الرعاية الصحية من أطباء وتمريض ‏ومهنيين ومديرين هو الهم الأكبر. يا أولادى هذه أعظم مهنة وأجدرها بالاحترام ‏والتقدير. مهنه الرعاية بالبشر المتكاملة أركانها بأجنحة التمريض والعلاج الطبيعى ‏والصيدلة الإكلينيكية والبحث العلمى الطبى والخدمات المساعدة والمساندة لمهنة الطب ‏والحكماء..‏
هذا وقت التكاتف بين أجهزة الدولة وممثلى خدمات الرعاية الصحية وليس وقت ‏الخلاف. هذه دعوة منى للجميع أن نستمع لبعض لأننا شركاء الوطن.‏

التعليقات

التعليقات