قال لى الشاب خريج إدارة الأعمال: ما الفرق يا دكتور بين التنظيم ووضع قواعد العمل وبين إدارة العمل فعليا والتحكم فيه.
قلت: سؤالك فيه الإجابة.. فى اللغة العربية والثقافة العربية الأمر مختلط فى الأذهان. مثلا، الدولة هى مقدم خدمة التعليم المدرسى الرئيسى والقطاع الخاص والاستثمارى والدولى يقدم الخدمة التعليمية لما لا يزيد عن عشرة بالمائة من التلاميذ.. أما فى التعليم العالى والجامعات والمعاهد العليا فالدولة دورها مختلف.. الدولة هنا منظم للخدمة التعليمية لأنه حسب الدستور فالجامعات تدير نفسها باستقلالية فى إطار تنظيمى تضعه الدولة.
الفرق كبير جدا من دور الدولة فى التعليم قبل الجامعى ودور الدولة فى التعليم العالى.. فإذا تدخلت الدولة فى إدارة الجامعات، حكوميه كانت أو أهلية أو خاصه فهى تخرج عن نطاق دورها التنظيمى الذى أشار إليه الدستور والذى نصت عليه استراتيجية مصر ٢٠٣٠، وفى نفس الوقت، إذا تخلت الدولة عن دورها فى تقديم خدمة التعليم قبل الجامعى فى المدارس فإنها تخرق نصوص الدستور أيضا.
قال الشاب الذكى: أغلب الشعب لا يعرف نصوص الدستور أساساً يا دكتور….
وقالت زميلته: وهل كل نصوص الدستور صدرت لها قوانين مكملة تطبقها؟
قلت: ولماذا لا تبحثون بأنفسكم!!!. تعالوا ننظر إلى نصوص الدستور ونناقش ما يتم تنفيذه منها، وما صدر من قوانين لتطبيقها..
قالت الشابة الباحثة: فلننظر إلى التعليم ثم الصحة، ونتابع فى كل حوار مواضيع أخرى أشار إليها الدستور. منها نوجه نظر أعضاء البرلمان الجدد إليها ومنها نرفع درجة معرفة المجتمع بدستور بلاده..
قلت: فكرة عظيمة…… مواد الدستور التى تتكلم عن التعليم وما صدر من تكليفات فى رؤية مصر ٢٠٣٠ حولهما هى كالآتى، وسأقسم المادة إلى أجزاء وأترك لكم الأسئلة حول ما تم تنفيذه وما لم يتم بعد ٦ سنوات من إصدار الدستور.
المادة 19
١ـ التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية.
٢ـ والتعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون.
٣ـ وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها.
المادة 20
٤ـ تلتزم الدولة بتشجيع التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى وتطويره، والتوسع فى أنواعه كافة، وفقا لمعايير الجودة العالمية، وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل.
المادة 21
٥ـ تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعى وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعى.
٦ـ وتكفل مجانيته فى جامعات الدولة ومعاهدها، وفقا للقانون.
٧– وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم الجامعى لا تقل عن 2% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
٨– وتعمل الدولة على تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية التى لا تستهدف الربح.
٩– تلتزم الدولة بضمان جودة التعليم فى الجامعات الخاصة والأهلية والتزامها بمعايير الجودة العالمية.
١٠– إعداد كوادرها من أعضاء هيئات التدريس والباحثين، وتخصيص نسبة كافية من عوائدها لتطوير العملية التعليمية والبحثية.
المادة 22
١١– المعلمون، وأعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم، الركيزة الأساسية للتعليم، تكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية، ومهاراتهم المهنية، ورعاية حقوقهم المادية والأدبية، بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه.
المادة 23
١٢– تكفل الدولة حرية البحث العلمى وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومى لا تقل عن 1% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
١٣– كما تكفل الدولة سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلى وإسهام المصريين فى الخارج فى نهضة البحث العلمى.
المادة 24
١٤– اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطنى بكل مراحله مواد أساسية فى التعليم قبل الجامعى الحكومى والخاص، وتعمل الجامعات على تدريس حقوق الإنسان والقيم والأخلاق المهنية للتخصصات العلمية المختلفة.
١٥– تلتزم الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين فى جميع الأعمار، وتلتزم بوضع آليات تنفيذها بمشاركة مؤسسات المجتمع المدنى، وذلك وفق خطة زمنية محددة.
وتقول رؤية مصر ٢٠٣٠ فى التعليم والتى أعلنها رئيس الجمهورية، بما يعنى وجوب الالتزام بها على:
1- المحور الأول: تعليم عالى الجودة ومتاح للجميع دون تمييز.
2- المحور الثانى: خلق إطار مؤسسى كفء وعادل ومستدام لإدارة التعليم والبحث والتطوير.
3- المحور الثالث: التمكين التكنولوجى للطالب والمعلم والإدارة المدرسية وتطوير وسائل التدريس.
4- المحور الرابع: بناء الشخصية المتكاملة للطالب ليصبح مواطنا سويا معتزا بذاته، مستنيرا، مبدعا، فخورا بتاريخ بلاده، شغوفا ببناء مستقبلها وقادرا على الاختلاف وقابلا للتعددية.
5- المحور الخامس: أن يكون الخريج مبادرا، قادرا على التكيف مع تغير الظروف حوله، وخالقا لفرص عمل جديدة، ومنافسا لأقرانه إقليميا وعالميا.
هذه الرؤية تحكم أى سياسات فى التعليم. واختصارا بالنسبة إلى التعليم العالى فهذه هى السياسات العشر لنهضته:
أولا: إعادة صياغة مسؤوليات الدولة تجاه نظام التعليم العالى جامعاته ومعاهده..
ثانيا: التوسع فى نظام التعليم العالى لتلبية احتياجات الطلاب الجدد وفقاً لرؤية محددة ومعلنة تشمل التعليم الفنى والتدريب المهنى..
ثالثا: إعادة تنظيم جذرية للمؤسسات التعليمية بهدف تحسين الجودة، والوصول إلى المستويات العالمية التى نختارها..
رابعا: تطوير نظام متعدد ومرن يتفق واحتياجات التنمية ويتصل وينفتح على الحركات الدولية المعنية بالتحسين وتحديث طرق التدريس والبحث العالمية والمحلية.
خامسا: إجراء تحرك ضخم ومتكامل كأساس لوضع البحث العلمى ونشاطاته كمكون حياتى فى مؤسسات التعليم العالى..
سادسا: تنمية العلاقة الديناميكية بين مؤسسات التعليم العالى وسوق العمل..
سابعا: الالتزام بالنزاهة الأكاديمية والمؤسسية، وتوضيح ذلك فى بيان رسالة كل مؤسسة تعليمية بحيث ينبغى أن تعكس قيم الصدق والمساءلة والمسؤولية كقيم أساسية فضلاً عن احترام الأمانة العلمية والحرية وبالإضافة إلى مبادئ تحترم تكافؤ الفرص والتعددية.
ثامنا: دمج التكنولوجيا والثقافة الرقمية فى وجدان الطلاب وأعضاء هيئات التدريس بأولوية واضحة لا تسمح بالتراجع والعمل على التوسع فى التعليم عن بعد كجزء من التعليم المدمج بل السماح بمؤسسات متخصصة ومستقلة بالتعليم عن بعد والتوسع فيها فى إطار ضمانات الجودة العالمية فى هذا النوع من التعليم.
تاسعا: حوكمة إدارة مؤسسات التعليم العالى، وكفاءه تنظيمها.
عاشرا: تنميه مناخ التعليم العالى بالرياضة والفنون والعمل الجماعى والتواصل بالمجتمع لبناء إنسان سوى قابل للتعددية، يملك مهارات القرن الواحد والعشرين، منافس عالميا وعنده سماحة الاختلاف مع الآخر بلا تعصب ولا عنف.
ومرة أخرى أؤكد أنه ينبغى أن تستمر مسؤولية الدولة تجاه التعليم العالى، ولكن بصيغة وشكل مختلفين عما كانت عليه الأمور عبر سنوات متعددة. إننا نرى وجوب تحرير التعليم العالى من: هيمنة الحكومة، وهو وضع قد أصبغ الجامعات بصبغة التيارات السياسية عبر فترة زمنية طويلة..
إن التزام الحكومة تجاه التعليم العالى لا يعنى أن كل مؤسسات التعليم العالى ينبغى أن تملكها الحكومة، وتديرها، فهذا وضع نقل كل الفساد الثقافى الكامن فى جنبات القطاع العام وممارسته إلى هذه المؤسسات بدرجات متفاوتة. كما أن التوجه نحو تشجيع الجامعات الأهلية يجب أن يكون فى إطار تعريفها العالمى، وألا يكون شكلا آخر من التعليم الحكومى بمصاريف تخرج عن فلسفة المجتمع فى تعليم عال يتميز بتكافؤ الفرص وليس دورانا حول مجانية التعليم. كما أن مثل هذه المؤسسات لابد وأن تديرها من وجهة نظرى مجالس مستقلة، بتمثيل رباعى متمثل فى الدولة والمجتمع المدنى والمجتمع الأكاديمى والقطاع الخاص. وهو تصور قابل للتطوير وإضافة أصحاب مصلحة آخرين بأشكال مختلفة، وقد تكون نسب التمثيل أيضا فى احتياج للمناقشة لضمان التوازن النسبى بين هذه الجهات..
وتعالوا نناقش الالتزامات الدستورية وما يتم لتنفيذها فى المقال القادم..