الجمعة , 20 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / اقتصاد مصر الأخضر .. حسام بدراوي

اقتصاد مصر الأخضر .. حسام بدراوي

قال الشاب: ما النمو المستدام الأخضر؟
قلت: هو نموذج للتنمية الاقتصادية، يهدف إلى خلق علاقة بين الإنسان والنظام البيئى، يرتبط بالحفاظ على الموارد الطبيعية من الاستنزاف ويحد من التراجع البيئى ونضوب المصادر والأثر العكسى للنشاطات الإنسانية على التغير المناخى والاحتباس الحرارى.
قالت زميلته: وما علاقة ذلك بالتنمية المستدامة؟
قلت: يرتبط مفهوم النمو المستدام الأخضر ارتباطا وثيقا بمفهوم التنمية المستدامة الذى يهدف إلى تطوير الأرض والمدن والمجتمعات والأعمال التجارية، بشرط أن تلبى احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها.
قال شاب آخر: نحن نعلم أنك من مؤسسى المجلس الوطنى المصرى للتنافسية، فما علاقة النمو الأخضر بالقدرة التنافسية؟
قلت: إن النمو الأخضر هو مقياس لقدرة أى بلد على المنافسة استنادًا إلى الميزة الخضراء، أخذا فى الاعتبار التعريفات السابقة، سواء على صعيد السياحة أو الزراعة أو التصنيع. وقد أثبتت الدراسات الدولية أن الدول ذات النظام الرقابى البيئى القوى هى التى تحقق أعلى المراتب فى مؤشر التنافسية العالمية..
قال آخر: إذن ما هو التحول الأخضر؟
قلت: هو الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، يتميز باستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة فى إطار ممارسات بيئية مستدامة، كما يشير إلى التغير فى الأفكار والاتجاهات والقيم والمبادئ، لما له من فوائد اقتصادية وبيئية واجتماعية.
قالت واحدة من الحالمات: حدثنا أكثر عن فوائد ما تدعو إليه!!!
قلت: إن التحول نحو الاقتصاد الأخضر عنصر جذب للاستثمار الأجنبى المباشر، ويشجع الصناعات التكنولوجية، مع أهمية عدم النظر إلى الاستدامة والسلامة البيئية على أنها عبء اقتصادى.. كذلك فهم وإدراك أن التلوث يمثل أحد أشكال هدر الموارد وعدم الكفاءة.
وعلينا اعتبار انخفاض مستوى استهلاك الطاقة أحد العوامل الرئيسية المولدة للادخار.. ويهمنى كما قلت أن تعرفوا أن هناك صناعات مرتبطة بالتحول للاقتصاد الأخضر مثل السياحة والزراعة والصناعة التحويلية والخدمات اللوجستية. ويرتبط مفهوم الاستدامة بالابتكار، ويجعل مصر أقل عرضة للصدمات المستقبلية فى أسعار الطاقة.
أما الفوائد البيئية للتحول نحو الاقتصاد الأخضر فتتحقق من خلال اتخاذ المسار المؤدى إلى مجتمع يتمتع ببيئة منخفضة الكربون، وساعتها يكون التحول للاقتصاد الأخضر بمثابة المساهمة الفريدة لمصر فى تخفيف آثار تغير المناخ..
وفى رأيى، فإن التحول نحو الاقتصاد الأخضر له آثار إيجابية على صحة الأفراد، وذلك من خلال تقليل تلوث الهواء، وتبنى أساليب إنتاجية أقل ضررًا، واستخدام مياه أنظف، الأمر الذى سيؤدى بدوره إلى تقليل تكلفة نظام الصحة العامة، وبالتالى سيؤدى إلى تحسين نوعية الحياة وتحقيق نوعية حياة أفضل.
قال الشاب القارئ: هناك عدد من التساؤلات تُطرح لتوضيح وتقييم الوضع الحالى لمصر وأين نحن من هذا التحول، فهل تعانى مصر أساسا؟
قلت: نعم، تعانى مصر من تلوث الهواء وتلوث المياه والتخلف فى إدارة المخلفات وتدهور جودة الأراضى.
وإذا لم تتخذ مصر إجراءات لوقف هذا التدهور، فسيزداد الضغط على الموارد الطبيعية للبلاد فى ظل الضغط المتزايد الناتج عن الزيادة السكانية، وسيؤثر الإفراط فى استغلال الموارد الطبيعية سلبيًا على جودة الحياة لكل قطاعات المجتمع، وخاصة الفقراء.
قالت زميلته: ما المميزات التى تملكها مصر فى هذا المجال؟
قلت: تتمتع الطاقة المتجددة فى مصر بإمكانيات تمكنها من أن تصبح مصدرًا سريعًا للنمو، فساحل البحر الأحمر فى مصر يحتوى على طواحين هواء عالية الكفاءة، تعمل على توليد كميات متزايدة من طاقة الرياح المتجددة إلى شبكة الكهرباء مع إمكانية وجود مشاريع أخرى عملاقة للاستفادة من الطاقة المهدرة. وتمتلك مصر أكبر محطات الطاقة الشمسية فى العالم.. ومنذ شهور، افتتحت محطة جبارة جديدة للطاقة الشمسية فى جنوب مصر. وهناك قطاعات أخرى تعتمد على النمو الأخضر كقطاع السياحة الذى يتطلب مزيدا من الالتزام بالمعايير الخضراء، خاصة لتميز البيئة بخصائص استثنائية كالشعب المرجانية والرواسب الحفرية الغنية وهجرة أنواع كثيرة من الطيور يمكن استخدامها كأساس لصناعة سياحية مربحة قائمة على الطبيعة.
وقد كان هناك تخطيط على أن يتم تحويل شرم الشيخ إلى شرم الخضراء.. لا أعلم أين هو من مراحل التنفيذ.. ويهدف التحول إلى استخدام سياسات تهدف إلى تحسين الاستدامة البيئية وزيادة كفاءة استخدام الطاقة وخفض انبعاث الكربون وتحسين كفاءة المبانى الخضراء. كما أن هناك التزامات دولية تهدف لتبنى قطاع الزراعة المصرية أساليب خضراء فيما يتعلق بالأسمدة والمبيدات.
تَدَافع عدد من الشباب قائلا: وما الحلول الواجب الالتزام بها؟
قلت: أنا طبعا لست متخصصا ولكنى قارئ جيد، وكل إجاباتى لكم من مصادر معرفة ألجأ إليها، ومنها أشارككم فيها. فحسب علمى هناك مبادرات المكاسب السريعة، يسهل تنفيذها وقابلة للتطبيق، وتحقق أثرًا فوريًا، وتخلق الزخم اللازم لإحداث مزيد من التغيير يؤدى فى النهاية إلى حدوث تغير ملموس للمحافظة على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، مثل الحد من أزمة المرور.. ومتعارف دوليا أنه من أهم الطرق لتقليل النفايات وانبعاث الكربون، وتحسين إنتاجية الأفراد الذين يهدرون وقتا غير ضرورى أثر التكدس المرورى.
كذلك مشروعات التعامل مع القمامة وخلق قيمة مضافة لتدويرها. وتمثل مبادرة إدارة المخلفات الصلبة مظهرًا واضحًا وسريعًا للنمو المستدام الأخضر، فبجانب القدرة على خلق نشاط اقتصادى، فإن إعادة تدويرها يعود بالنفع صحيًا وجماليًا.
كذلك فإن السرعة فى إعادة تأهيل المناطق العشوائية أو إحالتها لأخرى على نمط حديث آدمى تؤثر إيجابًا على تحسن البيئة.
ولقد قرأت عن مبادرة حظر الصيد الجائر وتحديد مناطق حظر الصيد، وهى مبادرة مهمة جدًا، والتى تهدف إلى وضع خطة لتقسيم مناطق الصيد بشكل معلن ونافذ من أجل حماية الموائل الحساسة والمشاتل ومناطق التكاثر، فعلى سبيل المثال لا يقتصر تدمير الثورة السمكية فى البحر الأحمر على كونه تصرفًا خاطئًا من وجهة النظر القانونية والاجتماعية والأخلاقية، بل يسبب أضرارًا على استدامة الموارد البيئية. ناهيكم عن مبادرة كفاءة استخدام الطاقة التى تهدف إلى تحقيق مكاسب سريعة تؤدى إلى خفض التكلفة وتوفر وجودها.
كما أن استخدام العزل الحرارى فى البناء، والذى يمثل خفض استهلاك الطاقة لأجهزة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء الذى يشكل نحو 50% من إجمالى الاستهلاك للقطاع السكانى والتجارى يعتبر طريقًا سريعًا أيضا.
ولابد لنا هنا أن نتكلم عن مبادرة كفاءة استخدام المياه فى مصر، والتى تهدف إلى تحقيق مكاسب سريعة لاستخدام النوع المناسب من المياه فى المكان المناسب بشكل ملائم. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، ينبغى مراعاة تحلية مياه البحر فى المدن الساحلية وتحلية مياه الصرف الزراعية أو مياه الصرف المعالجة الغنية بالمواد الغذائية محل مياه النيل لأغراض الزراعة، والحد من الكميات المهدرة، وتأمين إمدادات المياه، وتجنب الهشاشة والضعف الاقتصادى والسياسى المرتبطين بقضايا المياه.
قال الشاب الناشط: وما المبادرات طويلة الأجل؟
قلت: تشمل مبادرات طويلة الأجل تحفيز الاستثمارات فى الاقتصاد الأخضر وتسهيل إنتاج واستيراد وتصدير وإعادة تصدير المنتجات الخضراء والتكنولوجيات وتخطيط المدن الخضراء والمبانى الخضراء وتوفير وسائل النقل الصديقة للبيئة وتشجيع الزراعة العضوية والحفاظ على التنوع البيولوجى والتوازن البيئى فى مصر وتعزيز التثقيف البيئى، وتطوير التكنولوجيا الخضراء والاعتماد على الطاقة النظيفة كأحد أهم العناصر للمحافظة على البيئة.
قال واحد من الشباب: على من تقع مسؤولية التحول الناجح للاقتصاد الأخضر؟.
قلت بلا تردد: هو واجب الحكومة، حتى مسؤولية المجتمع تبدأ بتعريف الشعب وتثقيفه بأهمية هذا التحول.
يجب على الحكومة تحديد مسارها نحو التحول للاقتصاد الأخضر من خلال صياغة سياسة واضحة وشاملة، والحرص على توفير الدعم المالى لها، وإعادة تنسيق الإطار التشريعى المؤسسى الذى لا يسمح بأى نشاط لا يضع فى اعتباره التوازن البيئى والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة مهما كانت إغراءات اللحظة، مع تصميم نظام حوافز للاستثمارات الخضراء، وتشجيع التوعية بالفرص المتاحة، ورفع مستوى الوعى العام بالتكنولوجيا الخضراء، وإنشاء نظام متابعة لتقييم مدى تحول مصر نحو اقتصاد أكثر خضرة معروف ومحدد المدة.
يا أولادى.. إن الثورة التى عليكم احتضانها ليست ثورة الهدم والغضب، بل ثورة التنمية البشرية، ومدخلها التعليم والمعرفة، ثورة العمل على تحقيق الرعاية الصحية ذات الجودة العالمية، وثورة السعى لوسائل النقل العامة صديقة البيئة الحافظة لاحترام المواطن.
علينا أن نعمل على أن تحتل مصر مركزًا متقدمًا للثورة الخضراء القادمة من الناحية الاقتصادية والبيئية والاجتماعية فى إطار من الحرية والكرامة والعدالة فى إدارة البلاد.
على مصر أن تقود، وأن تكون المثل والقدوة.

التعليقات

التعليقات