الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / د. حسام بدراوي في عام 2024 / البارحة صار لمكتبتي درج خاص .. بقلم د خالد فتحي من المغرب

البارحة صار لمكتبتي درج خاص .. بقلم د خالد فتحي من المغرب

البارحة صار لمكتبتي درج خاص بالمفكر والسياسي والطبيب الأستاذ حسام البدراوي، بعد أن جاءتني خماسية كتب من مصر، أظن أنه قد اكتمل بها لدي عقد مؤلفاته التي أصدرها لحد الان .
في الحقيقة، أناشغوف جدا بقراءة المقالات التي ينشرها د حسام بالمصري اليوم، وبمقابلاته التلفزية كذلك، لأني أحب في الرجل غزارة إنتاجه التي لم تخل يوما بقيمة وفرادة مايكتب ، وكذا موسوعيته التي تقطع دابر أسئلتك بخصوص الكثير من القضايا الملحة، ثم وهذا هو الأهم، أكبر فيه قدرته العجيبة على المقاربة التركيبية للمواضيع التي ينشرها ،و التي يتزواج فيها الفلسفي، بالعلمي، بالديني، بالسياسي، بالفني …الخ .
حين يطنب د حسام ،ويقدم لك وجباته الأدبية الدسمة ، فتقرأ له أسلوبه الجزل، و تلمس بآن واحد توهجه العلمي وعمقه الفكري ،تفهم مباشرة أنه كاتب قد جمع الحسنيين، الكتابة والذوق الأدبي الرفيع ،و تبليغ الرسالة التي يحب أن ينهض بها كل مثقف حقيقي داخل مجتمعه وأمته.
هناك دائما خيط ناظم للإنتاج الوفير للدكتور حسام البدراوي ؛ نفض الغبار عن العقل لأجل أن يبني المصريون جمهورية جديدة على أساس قوي ومتين ومستدام . وماينسحب على المصريين ينسحب بالنسبة له على كل العرب .
كل الكتابات لديه تحمل هذا الهم وتقصد إلى بلوغ هذا الهدف الأسمى.
فهو من ذاك الرعيل من الكتاب الذين يتكيفون لأذواق كل القراء ، الذين لا يرهقهم جنس أدبي ولايتوانون عن نمط في الكتابة يمكن أن يجعلهم يخاطبون جمهورا معينا . بغيتهم في ذلك أن يستقطبوا لمشروعهم الفكري والمجتمعي في كل الاتجاهات.
ذلك ان الكتابة عند رجل السياسة الصادق هي موقف ،منبر آخر ينبغي استثماره،طريقة مجربة للإفهام وللحشد وللتعبئة الحماهيرية العريضة من أجل الأفكار العظيمة التي تغير وتقدم . وفي حالة حسام بدراوي، هي تتحول فوق ذلك إلى حسام أو مهند يقطف رأس الجهل والجمود والانغلاق والتعصب ،ولذلك هو يخوض بقلمه معارك فكرية وسياسية شتى، ويجوس لأجل ذلك في رحاب أجناس مختلفة من الأدب، من المقالة ،و الشعر ، والخطبة السياسية في الحزب او البرلمان ،إلى القصة القصيرة .
في قصة ” على مقهى الربيع العربي ” ،فرغم الأسلوب المباشر،إلا أن الفكرة أصيلة ،وتلخص الواقع المرير لوطننا العربي مثلما لن تلخصه مجلدات وأسفار.هذه القصة القصيرة بالنسبة لي أنا هي رواية، بل هي سباعية.كما أنها قصة يمكن أن يرى فيها كل الجمهور العربي هوانه ، وماينتظره من قتامة المصير، إن لم تقع الانعطافة الضرورية نحو العقل و نحو استبصار روح الدين الحقيقية.فأي تلخيص يمكنه أن ينافس مثل هذا التلخيص. وأية قصة قصيرة هاته تختزل أمة بأكملها!.
في القصة الثالثة، يتطرق مفكرنا لقضية المعجزة ،ولعله قد فعل مثل مافعل جورج طرابيشي في كتابه المعجزة أو سبات العقل في الإسلام، فتوجه بهذه القصة للعقل العربي الذي عليه أن يفهم أنه باكتمال الوحي الذي تنزل على سيدنا محمد صلعم ،قد انتهى اتصال السماء بالأرض،وانتهت المعجزات والخوارق،وعلى المسلمين أن ينتبهوا الآن للمعجزات الكونية التي يتضمنها خلق الله تعالى ،انتهت المعجزات النبوية ،وبدأعصر المعجزات الكامنة فينا وفي الكون و التي لن نتوصل لها إلا بالعلم ،وبالتالي لابد أن نفيق مما نغط فيه، ونتصالح مع روح العصر الحديث التي أساسها المعرفة والابتكار قبل أن يفوت الأوان.
لايمكنني أن أنهى هذا المقال دون أن ألج بكم الى أحداث القصة الخامسة،خصوصا وأنها من أسبغت عنوانها على المجموعة القصصية بأكملها. وبالتالي هي تكتنز سرا أودعه فيها الكاتب .أولا هي قصة قصيرة ولكن يمكن أيضا اعتبارها رواية قصيرة جدا ،فهي قصة قصيرة من تلات فصول ،ونادرا ما قد يلجأ قاص إلى مثل هذا المعمار القصصي ،إلا إذا كان واثقا من نفسه ،ومن علمه ،ولا يساوره أدنى خوف من عدم قبول محتمل من الجمهور . والا اذا كان مرشحا في نفسه ليكتب الرواية في مرحلة قادمة .
——-//////////
في هذه القصة ،يبرز لنا الطبيب الذي يقص ،أو القاص الذي جلس لمحراب الكتابة لابسا وزرته الطبية .
حسام البدراوي يحكي لنا عن ليلى وحملها الغريب ، الذي بالكاد سجلت ١٤ حالة منه في العالم بأسره .هذا الحمل تكون فيه الحامل هي الأم والأب في نفس الآن.حمل ما عجيب لكن له تفسير ووجود،ولايشبه في شيء معجزة العذراء وابنها المسيح .لن أفشي كل القصة التي هي في واقع الامر معلومة مصبوبة في قالب قصصي بديع ،فأنا لا أستطيع مهما حاولت أن أسردها بالسلاسة والتبسيط اللذان برع الطبيب القاص حسام بدراوي في سردها من خلالهما ،ولكني أكتفي بالقول أنه على قصر هذه القصة القصيرة ،يناقش كاتبنا قضايا حساسة من قبيل الحمل المستكن،الإجهاض،البصمة الوراثية ،…الخ .لذلك ،ومن باب أضعف الانبهار،قد قررت أن اناقش حمل الكيميرا مع ألاطباء المقيمين في أمراض النسائية ،هنا بجامعة الرباط.
هناك قصص أخرى كلها تغص بالمعاني العميقة ،وكلها تجذبك إليها جذبا رفيقا وعميقا .قصص بليغة لايمكن إلا أن تطرح بداخلك تساؤلات واستفهامات تشحذ عقلك وروحك . هي قصص يتوخى منها واضعها أن تحث على البحث، وعلى تبني الجرأة في التفكير أسلوبا في الحياة ،أذكر منها “أحمد المنصوري…وسقراط” ،” زيزو” ،” النوم سلطان ” ،” الهدهد والانترنيت” وغيرها .
لقد نجح لدي حسام بدراوي في الامتحان الذي أجريه عادة مع نفسي للأعمال الإبداعية، وهو أن يفلح العمل الذي أراه مقيدا فوق بياض الصفحات، في أن يستحيل لشريط تتوالى شخوصه وأحداثه في مخيلتي وأمام ناظري .هذا ما حدث لي مع ” الكيميرا”،وما شجعني على أن أعتبر هذه القصص القصيرات صالحة ان تصيرنصوصا أدبية، وعلمية أيضا، لتدريسها لتلامذتنا وطلابنا سواء في التعليم المدني أو التعليم الديني ،بل إني ادعو كتاب السيناريو والمبدعين من المخرجين السينمائيين إلى نقل بعضها إلى شاشات السينما .ولأخالكم ستجدون أية تكلف أو أية غرابة في هذا الاقتراح ،لأنكم حين ستقرأونها، ستدركون أن مؤلفنا الكبير قد توفق كثيرا في تكثيف المعنى في قصصه القصيرات لدرجة أني أحس أني أتعسف، وانا أهم بختم هذا المقال .فلازال بجعبة هذه المجموعة ما علي أن أذكره وأبسطه.
وأخيرا إني لأشعر بهذه القصص التي قرأت بلهفة واستمتاع و لذة لايوصفون ،أن حسام بدراوي في طريقه أيضا لأن يشكل ظاهرة جديدة متجددة في أدبنا العربي .اذ هو الدليل القاطع على أن الأطباء هم الأقدر على ان يخرجوا لنا بقصص وروايات تجمع بين الروعة، والمتعة ،والرصانة العلمية ،وثراء الخيال، وقوة الأسلوب ،ودقة التبليغ مثلما قد لايتيسر إلا نادرا لمهن أخرى . لقد جاء هذا الكاتب الفذ للقصة عن موهبة ،ولا أخاله إلا أنه سيفرض نفسه فرضا في عالمها،
،لأننا عندما نقرأ قصصه القصيرات نشعر للتو أننا نرتوي ذوقا وعقلا وقلبا وروحا . وأننا أمام كتابة قصصية من طراز آخر مختلف عما ألفناه.
طبيب وكاتب مغربي

التعليقات

التعليقات