الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / التحدى الأكبر لمصر «السكان».. بقلم د بدراوي

التحدى الأكبر لمصر «السكان».. بقلم د بدراوي

(أشار جهاز الإحصاء إلى أن إجمالى عدد المواليد بلغ ٢.٣ مليون مولود عام ٢٠٢٠، وهو ما يعنى ١٨٦ ألف مولود كل شهر، ونحو ٦ آلاف مولود يوميًا، أى ٢٥٥ مولودًا فى الساعة، وهو ما يعادل ٤ مواليد فى الدقيقة، أى مولود جديد فى مصر كل ١٤ ثانية).
إن التحدى السكانى يجب أن يكون أولويتنا فى نظرتنا للتنمية فى مصر، وأدرك الخلل بين أعداد السكان ونموها وبين الموارد الطبيعية والنمو الاقتصادى، وتأثير هذا الخلل على النواحى الاجتماعية والصحية ورفاهية المجتمع.
إن أبعاد المشكلة السكانية يمكن النظر إليها من خلال ثلاثة عوامل:
ـ زيادة معدلات النمو السكانى ـ انخفاض مستوى الخصائص السكانية (الصحية – التعليمية – الاجتماعية- الاقتصادية) ـ عدم توازن التوزيع الجغرافى السكانى.
وتتفاعل هذه الأبعاد فيما بينها على نحو يصعب معه إحداث تنمية حقيقية دون مواجهة متوازنة لها، كما تتفاعل مع كافة جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتؤثر على درجة الاستقرار والتقدم فى المجتمع، وتقلل من مردود الجهود الرامية إلى تحسين نوعية حياة الإنسان المصرى، ويستوجب ذلك تكامل الأهداف السكانية مع خطط التنمية.
يصل فى نهاية عام ٢٠٢١ عدد سكان مصر حوالى ١٠٤ ملايين نسمة، بزيادة قدرها ٦٧ مليون نسمة عن ٢٠٠١( بداية القرن). وقد بلغت نسبة السكان للفئة العمرية أقل من ١٥ سنة حوالى ٣٧% عام ٢٠٠١ مقارنة بـ ٣٤.٢ % عام ٢٠٢١، كما زادت النسبة المئوية للإناث فى سن الإنجاب لتصل إلى ٢٦%.
سؤال نطرحه للمجتمع: ماذا لو لم نستمر ونكثف الجهود نحو نجاح برامج تنظيم الأسرة؟
أذكر للقارئ هذا الجزء من مقالة كتبتها فى بداية القرن الواحد والعشرين، لنرى كيف كانت التوقعات وكيف أصبحت وكيف ستكون.
تقول المقالة: «لو استمر الوضع الحالى دون جهود مثمرة لتنظيم الأسرة، فإن عدد سكان مصر سوف يصل فى ٢٠٣٠ إلى ١٢٠ مليون نسمة، أما إذا تم تكثيف الجهود والتنسيق والتكامل بين قطاعات الدولة المختلفة مع القطاع المدنى وتوصلنا إلى تحقيق هدفنا القومى وهو طفلان على الأكثر لكل سيدة، فسوف يكون عدد السكان فى نفس السنة فى حدود ١٠٨ ملايين نسمة، أى ١٢ مليون نسمة نقصًا فى عدد السكان، وهو هدف ليس بالبسيط».
وقلت أيضا عام ٢٠٠١: «لقد أظهرت التوقعات ودراسات الإسقاطات السكنية ودراسة التكلفة والجدوى للبرنامج القومى لتنظيم الأسرة أن استثمار ٤ مليارات جنيه فى هذا البرنامج خلال خمس عشرة سنة سوف يوفر على الدولة ١٣٧ مليار جنيه ستنفقها على التعليم والصحة والإسكان ومياه الشرب والصرف الصحى ودعم الغذاء لاستيعاب الـ ١٠ ملايين نسمة من السكان الذين سيشكلون عبئًا على الدولة فى هذه المجالات».
وقلت أيضًا: «لقد أثبتت الدراسات أن كل جنيه ينفق فى تنظيم الأسرة بهذا المنطلق يحقق عائدا قدره ٣٣.٨ جنيه، وهو الأمر الذى يدعونا إلى التأكيد على الدعوة للاستثمار فى تنظيم الأسرة المصرية».
تعالوا نضع الأرقام الواقعية لعام ٢٠٢٠، ونرى كيف جاوز الواقع استشراف المستقبل نتيجة فشل المجتمع فى برامج تنظيم الأسرة والعبء الاجتماعى والاقتصادى الذى يتحمله الجيل الحالى والقادم.
إن المبادئ التى نؤمن بها للسياسة القومية للسكان هى:
ـ إقرار حق الأسرة فى اختيار العدد المناسب لأطفالها بما لا يزيد على اثنين، وحق الحصول على المعلومات والوسائل التى تمكنها من تنفيذ قرارها فى هذا الشأن.
ـ توفير كل وسائل تنظيم الأسرة، والأخذ بنظم الحوافز الإيجابية المبينة على زيادة وعى الفرد والجماعة بتنظيم الأسرة، أما اللجوء للأساليب التى تتسم بالضغط فستعتمد على حرمان الأسرة من حوافزها الإيجابية الاقتصادية التى توفرها لها الدولة فى حالة إنجاب أكثر من ثلاثة أطفال، فمسألة صعبة جدًا نظرا لتفشى الفقر (٣٢ مليون نسمة) والجهل (٢٨ مليون أمى).
وأذكّر القارئ بمقولة الدكتور طه حسين: «إن الأمية ليست فى القراءة والكتابة فقط، بل فى القراءة والكتابة والفهم»، وأضيف إليها اليوم «إن الأمية يزداد فى تعريفها مفهوم الرقمية لأنها لغة العصر، ومن هو ليس رقميًا فهو خارج نطاق الحياة الحديثة».
قال لى الرجل المحترم أبوبكر الجندى مذكرًا بحقائق المشكلة السكانية، إنها تكمن فى جانبها الأكبر فى عدم التوازن بين النمو السكانى والنمو الاقتصادى، وعدم كفاية الموارد والإمكانيات لتقديم الخدمات الضرورية من تعليم ورعاية صحية وطرق وإسكان ومواد غذائية أساسية بأسعار مناسبة.. وأدى هذا الخلل فى التوازن بين السكان والموارد وعجز الدولة عن القيام بدورها التنموى إلى تراجع مستويات معيشة فئات عديدة فى المجتمع، وتدنى خصائصها السكانية، فبلغ معدل الأمية حوالى ٢٥٪، وفق ما أعلنته هيئة تعليم الكبار، بينما ذكرت اليونيسكو أن نسبة الأمية ٢٨ ٪ عام ٢٠١٩ من إجمالى السكان عشر سنوات فأكثر، وترتفع هذه النسبة بين الإناث إلى ٣٠.٨ ٪ وفى الذكور ٢١ ٪، كما وصلت نسبة الفقر فى آخر مسح للدخل والإنفاق والاستهلاك عام ٢٠١٩ /٢٠٢٠ إلى حوالى ٣٠ % من السكان، ترتفع تلك النسبة فى ريف الوجه القبلى إلى أكثر من ٤٨ %، كما بلغ متوسط الاستهلاك الفعلى للأسرة لأفقر ١٠ % من السكان حوالى ٢٠ ألف جنيه سنويا للأسرة، بواقع حوالى ١٨٠٠ جنيه شهريا، أى تحت متوسط خط الفقر الذى تبلغ قيمته حوالى ٢٠٠٠ جنيه للأسرة.
وتبرز ظاهرة الزواج المبكر كأحد روافد وأسباب هذه المشكلة، حيث بلغت نسبة الإناث المتزوجات (أقل من ٢٠ سنة) حوالى ٢٧٪ من إجمالى الإناث المتزوجات عام ٢٠١٥، ومع استمرار مستويات الإنجاب الحالية (٣.٥ طفل لكل سيدة)، من المقدر أن يصل عدد سكان مصر مع نهاية استراتيجية التنمية الوطنية ٢٠٣٠ إلى حوالى ١٢٠ مليون نسمة، وأن يزيد إلى ١٥٠ مليون نسمة بعد 13 سنة أخرى (٢٠٤٣).
والسؤال هو: هل يستطيع المجتمع بإمكانياته المتاحة أن يحقق التوازن بين السكان والموارد، والذى يتطلب أن تكون معدلات التنمية الاقتصادية ثلاثة أضعاف معدلات النمو السكانى كى نحافظ على مستويات المعيشة الحالية التى لا نرضى عليها، على الأقل؟!
سوف تترتب على هذه الزيادات المتسارعة فى أعداد السكان تأثيرات واضحة على كافة مناحى الحياة، وبصفة خاصة القطاعات التى تُعتبر الأساس فى تحقيق التنمية الاحتوائية المستدامة، وهى التعليم والصحة والتشغيل، وما تتطلبه من استثمارات ضخمة لمواجهة الأعداد المتزايدة فى الطلب على خدماتها.. فقطاع التعليم سيتطلب المزيد من الاستثمارات للمحافظة على نسب الاستيعاب، وستكون لذلك تبعاته على محاولات الارتقاء بجودة ونوعية العملية التعليمية. وبالنسبة للمرحلة الابتدائية فقط، فإنه لاستيعاب ما يقرب من حوالى ٥ ملايين طفل بحلول عام ٢٠٣٠ يتطلب إضافة ما يقرب من ١٠٠ ألف فصل، تبلغ تكلفة كل منها ما يقرب من 300 ألف جنيه (بالأسعار الحالية)، وسنحتاج حوالى 300 مليار جنيه فقط للاستعداد لاستقبال هذه الأعداد، أى بمتوسط حوالى ٢٠ مليار جنيه سنويا إضافية خلال هذه الفترة للمرحلة الابتدائية فقط.
وفى ظل هذه الزيادة السكانية، سوف نحتاج إلى زيادة أعداد الوحدات الصحية إلى حوالى 3٠٠٠ وحدة صحية بحلول عام ٢٠٣٠، حتى نضمن استمرار الخدمات الصحية على مستواها الذى لا نرضى عنه حاليا. ولاشك أن هذه التوسعات تتطلب المزيد من الاستثمارات فى كافة قطاعات الخدمات الصحية، فضلًا عما تتطلبه من تكلفة زيادة أعداد الأطباء المطلوبين وتأهيلهم والارتقاء بمستواهم والإبقاء عليهم داخل البلاد.
وبالنسبة لقطاع التشغيل وخلق فرص العمل المنتجة لاستيعاب الداخلين سنويا إلى سوق العمل نتيجة الزيادات السكانية المتسارعة، التى من المنتظر أن تضيف حوالى ١٠ ملايين نسمة من السكان الراغبين فى العمل حتى عام ٢٠٣٠، وباعتبار أن متوسط تكلفة خلق فرصة عمل يبلغ فى حده الأدنى حوالى ٥٠ ألف جنيه، فإن إجمالى الاستثمارات الإضافية المطلوبة يبلغ حوالى خمسة آلاف مليار جنيه، أى حوالى ٣٣ مليار جنيه سنويا خلال هذه الفترة.
ويوضح هذا العرض البسيط لتأثيرات الزيادة السكانية المتسارعة على عدد محدود من قطاعات التنمية الاحتوائية المستدامة خطورة استمرار هذا الوضع، بالنظر إلى ما يتطلبه من استثمارات هائلة تفوق قدرات المجتمع فى الوقت الحالى، حتى يمكن تأهيل هذه الأعداد لتصبح عناصر منتجة تمثل طاقة إضافية حقيقية للمجتمع.
إن هذه الحقائق تدعو إلى وقفة مجتمعية جادة من أجل تقييم السياسات السكانية وانعكاساتها على استراتيجيات التنمية المستدامة، للوصول إلى برنامج عمل يتسم بالواقعية والوضوح والقابلية للتنفيذ، ويضمن تنفيذ أهداف المجتمع فى تحقيق التوازن بين السكان والموارد.

التعليقات

التعليقات