الأربعاء , 16 أكتوبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / التفاهة بقلم حسام بدراوي

التفاهة بقلم حسام بدراوي

** التفاهة **
بقلم
حسام بدراوي
في عصرنا الحالي، نجد أن ثقافة التفاهة بدأت تفرض نفسها بشكل غير مسبوق على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية، الثقافية، والإعلامية. يُمكن تعريف التفاهة بأنها التوجه نحو الأمور السطحية، الخفيفة، والمفرغة من القيمة الحقيقية، إذ تميل نحو اللاجدية وترك القضايا العميقة والموضوعات المهمة جانبًا لصالح ما هو سهل ومُستهلك. هذه الظاهرة ليست مجرد صدفة عابرة؛ بل أصبحت تشكل جزءًا من الحياة اليومية لكثير من البشر.
إن أسباب انتشار التفاهة كثيرة أهمها هو
تعدد وانتشار وسائل الإعلام المرئي ومواقع التواصل الاجتماعي التي أدّت الي تحول التركيز من المحتوى العميق إلى الترفيه السريع والمختصر. يفضل الكثيرون استهلاك الفيديوهات القصيرة والمحتويات السطحية التي لا تتطلب تفكيرًا عميقًا.
منصات مثل إنستغرام وتيك توك أصبحت تمجد البساطة الفارغة على حساب المعرفة والتحليل بالرغم من امكانية استخدامها لتعميق الثقافة من جانب آخر وهناك بعضها يقوم بذلك.
أضيف الي ذلك الرغبة في الشهرة السريعة حيث أصبح النجاح السريع هدفًا يسعى له كثير من الأفراد، وخاصة الشباب. في عصر وسائل التواصل، يمكن لأي شخص أن يكتسب شهرة عابرة دون الحاجة إلى مهارات أو إنجازات حقيقية. يكفي أن تقدم محتوى سطحيًا أو مثيرًا للجدل حتى تجذب المتابعين وتحقق انتشارًا.
هل فعلا الانتشار علي السوشيال ميديا حقيقي!؟ بالقطع لا ولكنه انتشار له صوت عالي والا كانت دراسات استطلاع الرأي قد أخذت به. العلم يستلزم عينات ممثلة للمجتمع حتي تصبح لها قيمة وهو غير متوفر في الترندات .
في بعض المجتمعات، باتت الأنظمة التعليمية تركز على النتائج السريعة والمهارات الوظيفية على حساب التفكير النقدي والتفاعل مع الأفكار العميقة ويُهمل تعليم الشباب قيم البحث والاستقصاء، مما يؤدي إلى نشوء أجيال تفتقر إلى العمق الفكري.
في ظل العولمة وانتشار التنافسية، يشعر الكثيرون بالضغط لمواكبة التوجهات الشعبية والمحتويات الرائجة. من السهل أن يُستدرج الفرد إلى محتوى تافه لمجرد الانتماء إلى الجماعة أو الخوف من التفرد والاختلاف.
عندما تصبح التفاهة هي المعيار السائد، يقل الميل لدى الأفراد لممارسة التفكير النقدي والتعمق في القضايا. يفضلون التلقين السريع والآراء السطحية دون أي محاولة للفهم أو التحليل.
و ينتج عن انتشار التفاهة تراجع في مستوى الحوار الثقافي والمجتمعي. بدلًا من مناقشة القضايا الجوهرية مثل العدالة، الحرية، والتنمية، ينشغل الناس بالقضايا الهامشية والفضائح والمحتويات الترفيهية التي لا تضيف شيئًا إلى الوعي الجماعي.
يتسبب الانتشار الواسع لثقافة التفاهة في تآكل الهوية الثقافية للمجتمعات. عندما يتجه الناس نحو تقليد النماذج السطحية والاستيراد العشوائي للقيم الغربية الرائجة، يضعفون الروابط مع تراثهم وقيمهم الأصيلة.
ترتبط التفاهة أيضاً بالنزعة الاستهلاكية، حيث تشجع الأفراد على الانشغال بالمظاهر والمواد الفارغة التي تروج لها الصناعات الثقافية والترفيهية. يصبح الشخص مجرد مستهلك للمنتجات والمحتويات، بعيدًا عن أي نوع من الإبداع أو الإنتاج الفكري.
هل هناك كيفية للتصدي لثقافة التفاهة؟
نعم
ولكنها تحتاج لقيادات سياسية واجتماعية عندها العمق الثقافي لتفهم خطورةً التفاهة
وانتشارها. بالعقل يمكن للأنظمة التعليمية أن تلعب دورًا كبيرًا في مواجهة التفاهة عن طريق تعزيز مهارات التفكير النقدي والتشجيع على القراءة والبحث العلمي. يجب أن تكون الحياة المدرسية والجامعية مشجعة على الاستقصاء والفضول الفكري والمشاركة المجتمعية والرياضة والفن والتشجيع على الحوار العميق.
و يمكن لوسائل الإعلام أن تسهم في ذلك من خلال تقديم برامج ثقافية وتوعوية تتناول قضايا فكرية واجتماعية بعمق.
ان دعم الفنون والآداب والإنتاج الثقافي الذي يهدف إلى تقديم رؤى وتحليلات عميقة حول المجتمع والإنسانية يمكن أن يشكل بديلًا مهمًا للمحتويات السطحية التي تسود الساحة الإعلامية.
و يمكن لكل فرد أن يساهم في التصدي لثقافة التفاهة بنفسه عن طريق التحكم في المحتوى الذي يستهلكه. بدلًا من متابعة المحتويات السطحية والمستهلكة، يمكن الاتجاه نحو ما يغذي العقل ويسهم في بناء المعرفة.
إن انتشار ثقافة التفاهة يشكل تحديًا حقيقيًا للمجتمعات الحديثة، حيث يضعف من جودة الحوار الثقافي ويعزز السطحية في التفكير والسلوك. لا بد من أن نسعى جميعًا لتغيير هذا الواقع من خلال التركيز على العمق الفكري والإنتاج الثقافي الهادف، والابتعاد عن الاستسلام للإغراءات السطحية التي قد تبدو مغرية على المدى القصير ولكنها فارغة من أي قيمة حقيقية.
في هذا الإطار كتب لي صديقي د. رؤوف رشدي رسالة رائعة بعنوان : : “مقال تافه جدا”
يقول فيه:
لا تستطيع أن تستيقظ في الصباح و تقول لنفسك : من هنا و رايح أنا حابقي تافه …
ذلك صعب جدا … صدقني
فالتفاهة ليست اتجاه .التفاهة اسلوب حياة . يجب ان تعيشه منذ نعومة اظافرك. و من استمتع بالسباحة علي الشاطئ سوف يمل كثيرا من الغوص في المياة العميقة. انها باختصار توقف للنمو العقلي و العاطفي عند سن الخامسة في مرحلة ما قبل المدرسة . تظن ان عليك ان تكون غضوبا عصبيا عنيفا سطحيا عشوائيا مظهريا لكي تستطيع دخول عالم التفاهة السحري . و لكن هذا ايضا قد لا يجدي نفعا فالتفاهة في الاصل موهبة و تحتاج الي صقل مثل باقي المواهب . يجب ان يكون لديك الاستعداد الفطري لان تكون إمعة. انه الحس التلقائي النبيل لاختيار مصادرك العبيطة للمعرفة و ليس لك حجة فالاعلام المصري لم يقصر في ذلك علي مدي عقود. قد يجدي نفعا ايضا كره القراءة و مقاطعة البشر ذوي العمق الفكري و تجنب اي مناقشة منطقية و لكن تبقي الموهبة الاساس الاول .
التفاهة فن . اي والله . فالتافه شخص انفق جل حياته لتجويد و تلميع تفاهته .و اضاف لمسته الخاصة الي عبطه و انماطا فريدة في تفسير هبالته واحاط نفسه بطقوس ثابتة لاضفاء جدوي لازمة الي هطلانه .
تيجي ايه انت جنب واحد دايما بيجي في الهايفة و يتصدر منذ ان كان صغيرا تافها بحكم السن .
المعجزة تكمن فقط في ان تحرص الا يكبر عقلك . والسر السهل الممتنع ان تمتنع الياتك العقلية عن التراكم الادراكي لكي تضمن ثبات سلوكك العبيط .
أرأيت كم يتعب الشخص التافة ؟
أنت اذن لا تصلح لأن تكون مثله لانك ببساطة تفكر في ان تكون تافها بطريقة عميقة .
اين لك بالسطحية التي يصل بها التافه الي قرارته ؟ اين لك باعجابه بنفسه ؟ وولعه بنصاعة تفكيره ؟
و انت شكاك ناقد لنفسك كل الوقت .افنيت عمرك مع ديكارت و نيتشه و شوبنهاور .
التافه يا رجل هو شخص تعمق كثيرا في السطحية و يمتلك اليات حاسمة مؤكدة لا تقبل الشك في تفكيره . والمسافة بين مداخل اداركه و مخارج قراره اقصر مما قد يصل اليه ادراكك الحلزوني المعقد .
أنسي إذن ان تكون تافها ،
فهي فكرة تافهة،
خليك عميق و اشقي في النعيم بعقلك
و لا تحقد علي التافه الذي هو في الشقاوة ينعم ….
و يقول الكاتب الكندي آلان دونو
في كتابه الشهير :
“نظام التفاهة”
” إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام، لقد تغير الزمن زمن الحق والقيم ، ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء، بكل تفاهتهم وفسادهم؛ فعند غياب القيم والمبادئ الراقية، يطفو الفساد المبرمج ذوقاً وأخلاقاً وقيماً؛ إنه زمن الصعاليك الهابط”. وكلما تعمق الإنسان في الإسفاف والابتذال والهبوط كلما ازداد جماهيرية وشهرة”. إن مواقع التواصل نجحت في ترميز التافهين، حيث صار بإمكان أي جميلة بلهاء، أو وسيم فارغ أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين، عبر عدة منصات تلفزيونية عامة، هي أغلبها منصات هلامية وغير منتجة، لا تخرج لنا بأي منتج قيمي صالح لتحدي الزمان…” !!!
لقد أصبحت ثقافة التفاهة تسيطر على الحياة اليومية للبشر وتأخذ من جهد عقولهم الكثير فتجد الناس يقضون أغلب ساعات أعمارهم في جدال ونقاش وخصام أحيانا حول أجمل قميص وأفضل حذاء رياضي وآخر صيحات الموضة الرجالية والنسائية والشبابية وأجمل طلة يمكن أن تقدم بها نفسك للناس وأعلي مبني وأكبر جامع وأجمل بقرة وأفضل ثور. إن التافهين أصبحوا قدوة للأجيال القادمة حتى أصبح العالم مهددا بتأبيد سلطة التفاهة.
حكمة هذه الأيام
“الا أيها التافهين تقدموا و تناموا،
هذا هو عصركم و هذه هي أيامكم”.
ويا أيها النابهون تقهقروا و تداروا
إن التفاهة ليست فقط غالبة
لا بل……..إنها أيضاً ……مُعدية
” لكل داءِ دواء يستطب
زًززززبه
إلَّا ( الحمق / تفاهة)
أعيَّت من يداويها.”
لا تستهينوا بالتفاهة لأنها ستستوعب الجميع ان لم نقف أمام مدها..

التعليقات

التعليقات