الخميس , 19 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / الحالمون بالغد.. رؤية التعليم ٢٠٣٠ وإنشاء مرصد لمتابعة تطبيقها

الحالمون بالغد.. رؤية التعليم ٢٠٣٠ وإنشاء مرصد لمتابعة تطبيقها

قال الشاب المتحمس لكل ما هو جديد: إيه حكاية مرصد التعليم التى تتكلم عنها يا دكتور ولماذا الآن، مش لما يكون عندنا تعليم أساسا نبقى نعمل مرصد؟

قلت: الحقيقة مزعجة جدا فعلا ولكن يوجد نماذج مضيئة يمكن البناء عليها.. أنتم تعرفوننى متفائلا وأرى فيما حولى أفضل ما فيه.

قال الشاب: عندما لا يوجد عندنا رؤية ولا تعلن استراتيچيا وكل وزير جديد يأتى يبدأ من أول وجديد يبقى كيف ننتظر أى تغيير. يا دكتور نحن نسمع منك هذا الكلام من سنين ولا نرى تطويرا بل انهيارا غير مسبوق فى تاريخ مصر فى العملية التعليمية.

قلت: معاكم حق. إن الشعب المصرى يستحق أن يتطلع وبشغف كبير إلى إنجاز حقيقى وملموس فى مجال التنمية الإنسانية من مدخل التعليم، ومن هنا جاء إيماننا بأهمية رؤية مصر 2020 كوسيلة لاستدامة استراتيـجـيات التعليم والبحث والتطوير تلبية لهذه الآمال.. إن الرؤية لا قيمة لها إلا لو اقتنع بها المجتمع، والتزمت بتطبيقها الحكومات المتعاقبة.

قال شاب آخر: من قام بإعداد الرؤية وكيف لم نسمع أو نقرأ عنها؟

قلت: قام بإعداد هذه الرؤية، فى الجزء الخاص بالتعليم والبحث والتطوير، مجموعة من سبعين من الخبراء والسياسيين والمهنيين، كل فى مجاله، بدعوة، وبتنسيق مميز من وزارة التخطيط. واجتمعت هذه اللجنة أكثر من ثلاثة وعشرين اجتماعا موثقا وتم استطلاع الرأى على شبكات التواصل الاجتماعى لتكون الرؤية ممثلة لآمال الجميع، ووضعها بصيغة محترفة يمكن تطبيقها ومتابعتها. هذا وقد جمعت اللجنة المسؤولة كل ما تم من أعمال سابقة فى هذا الشأن، والسياسات والاستراتيجيات التى وضعت عبر السنين، وناقشت أفضل ما فيها، وراجعت أسباب عدم تحقيقها، فى محاولة لأن يكون للجهد هذه المرة أثر ملموس فى المجتمع.

وحيث إن الرؤية يجب أن تستدام فإن اللجنة قد وضعت إطارا لمراجعتها كل عدد من السنوات لضمان شمول استراتيجيات تنفيذها على ما يجد على العالم من معارف من ناحية، وما يواجهه التطبيق من تحديات من ناحية أخرى.

ومعاكم ألف حق لأن الرؤية والاستراتيجية لم يتم نشرها بالشكل المأمول، ولم تلتزم بها الحكومة بالشكل اللازم خلال السنوات الأربع الماضية رغم أنه تتم الإشارة إليها كعناوين فى تقاريرها وفى الموازنات المقدمة إلى البرلمان.

ونظرا لإيماننا بدور المجتمع المدنى الذى تم تمثيله فى وضع الرؤية، فلقد طرحنا على وزارة التخطيط رغبتنا فى مساندة الدولة فى مراجعة وتحقيق رؤيتها، بإنشاء مرصد لمتابعة التنفيذ، آخذين فى الاعتبار الأهداف الرئيسية، والفرعية للرؤية ومؤشرات قياس تطبيقها وفاعليتها.

قال شاب آخر: أليس التعليم خدمة كبقية الخدمات التى يجب على الحكومة الالتزام بجودتها؟

قلت: إن إيمانى بأولوية التعليم لا يأتى لأن التعليم واحد من أهم الخدمات التى تتعهد أى حكومة فى أى مجتمع بتقديمها للمواطنين، ولكن كحق من حقوق كل طفل وشاب، كل أسرة ومجتمع صغير وكل مواطن مصرى، رجلا كان أو امرأة، فى كل الأعمار وفى كل الأوقات. إن التعليم يجب أن ينظر إليه من خلال مفهوم تنموى يربط مستقبل هذه الأمة ارتباطا جوهريا بتنمية الإنسان المصرى ليكون بانيا للحضارة ومنميا للثقافة، إن هذه الأولوية هى نتاج الدراسات والبحوث العلمية والتاريخية التى تؤكد أن مصر هبة المصريين، وإن تنمية الإنسان وقدراته لها بوابة رئيسية هى التعليم.. يا أولادى التعليم والرعاية الصحية حقوق للمواطنين وليس خدمات ممكن أداؤها أو عدم أدائها.

قالت واحدة من الشباب: أمال إيه قصة إلغاء مجانية التعليم التى نسمع عنها؟

قلت: مبدأ أن هناك تكلفة يجب سدادها مبدأ صحيح، ولكن تظل الدولة مسؤولة عن هذه التكلفة وليس المواطن الذى ليست لديه قدرة السداد.. فى مجتمع تصل فيه نسبة الأمية إلى ٣٠٪ ونسبة الفقر أكثر من ذلك بكثير والتسرب من التعليم فوق الـ٢٠ ٪ فإن الكلام حول تحميل هذا المواطن تكلفة تعليم أولاده يصبح عتها سياسيا واجتماعيا خطيرا يؤدى إلى هلاك مستقبل التنمية الإنسانية فى مصر. إننا يجب أن نناضل لمنع التسرب، واستدامة تعليم البنات اللاتى سيكنّ أولى الضحايا.

قال شاب: والبلد تجيب الأموال دى منين يا دكتور؟

قلت: إن الوزارة المسؤولة عن التعليم هى أضخم الوزارات فى مصر، وبها قرب ٢ مليون موظف، وتتعامل مع ٢٢ مليون تلميذ وقرب المليون مدرس.. أولى قواعد التطوير هى فى حوكمة إدارة هذه المؤسسة ليضمن الشعب كفاءة الإنفاق. حوالى ٩٠ ٪ من موازنة الوزارة تذهب لمرتبات من يعمل ومن لا يعمل.. إن كل مفاسد مؤسسات القطاع العام واحدة فى كل مصر.. عمالة زائدة وعدم كفاءة فى الإدارة.. فى مصر حوالى ٧ ملايين موظف فى الدولة يؤدون عملا يستطيع أداءه ٢ مليون على الأكثر، وهى معادلة معروفة للفساد والإنفاق غير الكفء وسوء تقديم الخدمة.. على العموم هذا ليس موضوعى الآن.

قال الشاب: وما هى رؤية التعليم التى تتكلم عنها؟

قلت: لكى أبسط لكم الأمر: تنقسم الرؤية إلى خمسة محاور رئيسية تندرج تحتها أهداف فرعية ثم مؤشرات قياس ومسؤولية التنفيذ وزمنه وتكلفته.

المحور الأول: تعليم عالى الجودة ومتاح للجميع دون تمييز.

المحور الثانى: خلق إطار مؤسسى كفء وعادل ومستدام لإدارة التعليم والبحث والتطوير.

المحور الثالث: التمكين الرقمى للطالب والمعلم والمدرسة وتطوير وسائل التدريس مما يستلزم تدريب العامل البشرى الأهم وهو المدرس ومدير المدرسين.

المحور الرابع: بناء الشخصية المتكاملة للتلميذ والطالب ليصبح مواطنا سويا معتزا بذاته، مستنيرا، مبدعا، فخورا بتاريخ بلاده، شغوفا ببناء مستقبلها وقادرا على الاختلاف وقابلا للتعددية.

المحور الخامس: أن يكون الخريج مبادرا، قادرا على التكيف مع تغير الظروف حوله، وخالقا لفرص عمل جديدة، ومنافسا لأقرانه إقليميا وعالميا.

المسألة بسيطة لكل من يسألنى حول موافقتى من عدمها لاستراتيچية التطوير المعروضة الآن..

أقول للجميع: انظروا إلى محاور الرؤية البسيطة والمفهومة للمجتمع وتعالوا نرصد تنفيذها باستخدام مؤشرات القياس المتفق عليها مع الحكومة.

قال شاب آخر: وما هى أهداف مرصد التعليم؟

قلت:

■ رصد جهود أجهزة الدولة فى تنفيذ رؤية مصر ٢٠٣٠ فى محور التعليم وإصـدار تقرير نصف سـنوى عنها.

■ رصد الفجوات بين خطط الوزارات المعنية والاستراتيجية المعلنة، وبين أهداف رؤية مصر 2020 فى محور التعليم.

■ رصد أسباب عدم تحقيق الأهداف فى إطارها الزمنى.

■ المشاركة فى مراجعة الرؤية والاستراتيجيات النابعة منها كل فترة زمنية حتى يمكن تطويرها إن كان لذلك لزوم فى ضوء ما يجد فى العالم من تطوير.

التعليقات

التعليقات