” الحوار الوطني بين الدبة و الأوزة”
“تروي القصة أن لدى رجل وزوجته أوزة يخرج منها بيض من الذهب كل يوم، وبغباء افترضا أنها لابد أن تحتوي على كمية كبيرة من الذهب في داخلها ، ولكي يحصلوا على كل الذهب، فإنهما يقتلونها، فاكتشفوا أن الأوزة لا تختلف عن الأخريات. مُلّاك الأوزة الذين يأملون في أن يصبحوا أغنياء ، ويسددوا ما عليهم من التزامات ، حرموا أنفسهم من المكاسب التي يحصلون عليها كل يوم من البيض…الخرافة مغزاها تحقير وذم الجشع والطمع والغباء”
قال شاب : لي أصدقاء كثيرين في شركات صغيرة ومتوسطة عندهم معاناة شديدة في العمل. انا بفهمي البسيط اعلم انه كلما زادت الفوائد علي ايداعات البنوك ، فلماذا نأخذ مخاطرة تشغيل الأموال اذا كان عائد ايداعها اكبر من تشغيلها ، فهل هدف الدولة تجميع الأموال ام تريد دفع المواطنين الي الاستثمار .
قالت زميلته: هل أحد أهداف الحوار الوطني المصارحة وبيان التناقض بين ما تدعو اليه الحكومة من تشجيع القطاع الخاص وبين الضغط الرهيب علي نفس القطاع، خصوصاً الصغير والمتوسط.
قلت : أعلم بجدية الدولة في حوارها الوطني، وأتفهم في ظل أزمة مالية طاحنة رغبتها في جني أكبر قدر من الأموال والضرائب لتمويل موازنة الدولة وسداد ديونها .
إنني في إطار المصارحة الوطنية، وتأكيداً علي ما تقولونه ، فإنني قابلت في الأسابيع الأخيرة العديد من أصحاب الأعمال الذي يصرخون من ملاحقات ضرائبية جائرة لشركاتهم علي سنوات مضت وأُغلقت ملفاتها من عشرات السنوات، والتهديد بسيف التهرب الضريبي والسجن أو سداد ضرائب علي خسائر تحققت لا تعترف بها المصلحة.. ولولا إنني أثق ثقة مطلقة في بعض من قالوا لي تفاصيل قاسية ما ذكرت ذلك لك..
وفي نفس الوقت فإن الخروج من السوق بإعلان إفلاس أو لتكرار الخسائر شئ أشبه بالمستحيل لأن الدولة ستلاحق المستثمر بلا رحمة حتي لو كان إغلاقه للعمل ناتج من خسائر حقيقية… فالدولة تعتبر نفسها علي حق دائما وهي الاقوي وتملك يداً غليظة..
ومن ناحية أخري أمامي شواهد عديدة لمستحقات للشركات علي مؤسسات تابعة للدولة لا تسددها، رغم أن القروض التمويلية من البنوك التي مولت هذه المشاريع لا تتوقف عن حسابات الفوائد التي تأكل أرباح القطاع الخاص ثم تمتد الي تحقيق الخسائر علي مشروعات كانت رابحة لولا تأخر الدولة في سداد مديونياتها الي مقاولين أنهو أعمالهم وسلموها وإعترفت جهات الإسناد بذلك..
أمر يتكرر ، وأراه كل يوم ، يأكل الأرباح ويلقي بالشركات الي ظلمات موحشة ، ولا يحمي أحد هؤلاء المستثمرين من الدولة الجائرة في هذه الحالات، رغم أنه في المقابل، فإن تأخر سداد مستحقات الدولة التي تفترضها ثم تفرضها ، والتي لا تعترف بميزانيات الشركات ، لا يحمي المستثمر بل يضعه في موقف إما السداد الظالم ، أو التحايل ، أو الرضوخ الي فساد نعلم كلنا بوجوده ناتج من عدم توازن القوي وعدم تطبيق العدالة في وقتها..
وأضفت: إن السياسات تدعم القطاع الخاص لكن بيروقراطية التطبيق تطبق علي رقبته والتحفيز علي عدم الاستثمار هو الحقيقة .
قال صديقي الصحفي أحمد ابراهيم في مقال له وكأنه يشاركنا الحوار علي لسان احد كبار صناع الأحذية في مصر : “إحنا بنشتغل بأقل كمية إنتاج ممكن نفتح بها المصنع علشان مفيش مكسب ولازم نفضل فى السوق، المشكلة إن الخامات سعرها ارتفع وبقى فيها ندرة، فكرت كتير أقفل المصنع وأحط الفلوس فى البنك وهيكون أكسب لى ولكن فى رقبتى ناس كتير مقدرش أستغنى عنهم حتى لو كان البنك هيكسبنى أكتر»، وهو كلام لابد أن ينزعج له كل مواطن غيور على بلده؛ لأن كلامه لا ينطبق فقط على مجال ناجح ومستقر مثل الجلود، بل هو مشكلة كبيرة تواجه كل المنتجين الصناع والزراع، فمن الواضح أن توجهات الدولة الإيجابية تطبق بطريقة عكسية.
قالت الشابة: أري أن الحوار قد يكون فرصة فريدة لإعادة الثقة بين الشعب المُنتج والدولة مع أمل في أن تتوافق أقوال الحكومة مع تطبيقاتها .
قلت : علينا أن نعلم أنه لا أنا ولا أنتم تعرفون ما تتعرض له البلاد من مؤامرات ، وضغوط ، بهدف خلق فوضي غير مطلوبة وغير صحية لمجتمع يحاول الخروج من أزماته الاقتصادية والاجتماعية في ظل أزمة عالمية خلقتها حرب أوروبية لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وسبقتها جائحة لم تكن من صنعنا بل كنا من ضحاياها، وسبق ذلك خريفا وشتاءً عربياً سماه من أنشأه بالربيع العربي وأثناء كل ذلك إرهاباً يلاحقنا يلطمنا ويقتل شبابنا ، ودعوة سلفية تشدنا الي الخلف حضارياً.
قالت الشابة خريجة العلوم السياسية : الحقيقة نحن نفهم الضغط السياسي والإجتماعي والاقتصادى علي مصر من جراء كل ذلك ، ولكن يا دكتور أزمتنا ، تنبع من الداخل قبل الخارج…تنبع من اسلوب ادارة مواردنا وليس من نقصانها ، ولنستطيع الخروج من أزماتنا نحتاج رؤية متكاملة تعتمد علي فلسفة جامعة وليس طفرات تخطر علي بال وزير أو رئيس حكومة ، فمهما كان حسن النية فهو لا يكفي لتحقيق النجاح ، ولا تكفي النزاهة بدون كفاءة ، ولا عبقرية فردية بدون عمل جماعي مؤسسي ، ولا التنمية بدون استدامة..
قلت : أنا منبهر بكم يا بنيتي ، زيدوني من أفكاركم .
قالت زميلتها : أود أن أذكرك بمقالك عن النصف الذي تكلمت عنه في كتابك الجديد ” حوارات مع الشباب لجمهورية جديدة ” و حاورك فيه المحاورون في البرامج التلفزيونية ، وكتبت عنه في المصري اليوم وقلت فيه ، ( وأخرجت أوراقها وقرأت ) :
“هل نحن مستعدون للاختيار ؟! ، وهل نحن مستعدون للحسم الثقافي والاجتماعى و السياسى الذى لا يخدم فقط تنوير العقول ويغير شكل مستقبل البلاد ويلائم تطور البشرية ، بل يكون صانعها؟ أم نريد نصف انفتاح ونصف انغلاق.. ؟! إذن فلنقرر في الحوار ونفعل.
هل نريد قطاعا خاصاً قوياً خالقاً لفرص العمل ، أم لا ، هل نحن دولة مدنية حديثة أم دولة دينية رجعية ؟؟. كل ما يحدث أمامي يقول أننا في النصف نريد القطاع الخاص ونخنقه ، و نحن لا دولة دينية بمعناها الكامل ولا نحن دولة مدنية بمعناها الكامل، فنحن نسمح بقوانين تمنع مناقشة ما هو إنساني بحجة أنه إلهي .
ننادي بالمواطنة وأفعالنا فيها تمييز سخيف بين المواطنين المختلفين في الدين ولا نقبل من يتجرأ أن يقول غير ذلك ، نحن في النصف .
نعمل الأيام والليالي ، ونُكّون اللجان ، عبر الأزمنة لنخرج للعالم بإستراتيجيات تحفظ حقوق الإنسان ، ونُكلم العالم بشكل ونتعامل مع بعضنا بشكلٍ آخر، وندّعي الحفاظ علي حقوق الإنسان ونتمسك بالمواطنة في الدستور ، ولا نتجرأ علي رفع خانة الديانة من بطاقة الهوية تأكيداً لأن هوية المواطن مرتبطة بالدين وليس الوطن .
ندّعي حماية الحريات ، ونسمح بالحبس الاحتياطى بالسنين وبدون إجراء تحقيقات تستحق التحفظ علي المتهم ، وكلنا يعلم أن الحبس الاحتياطى أصبح عقوبة في حد ذاته تتحكم فيه السلطة التنفيذية بقيود شكلية..
كلها أمثلة لواقع يمكن تعديله بجرة قلم .
هل نحن دوله أمنية أم دولة مدنية حديثة كما يقول الدستور! نحن في النصف. كلامنا يقول مدنية وحقيقة أفعالنا دولة أمنية .
وأقول وأنا مسئول عن كلامي أن هناك إنطباعاً لدي المجتمع أننا كلنا مراقبون.. في أي حوار أجد الناس تُبعد التليفونات وتُغلقها خوفا من الحديث بحرية تخوفاً من الرقابة !! وقد لا يكون هناك رقابة ، ولكن في السياسة يصبح الإنطباع حقيقة حتي لو لم يكن لها برهان.. وكم من انهيارات حدثت في الدول ، جراء تقليل قيمة انطباعات المجتمع السلبية علي أمور غير حقيقية ولكنها ثبتت في الوجدان وكأنها الحقيقة( فلسفة حروب الجيل الرابع ).
هل حقا نحترم حرية التعبير أم فقط نحترم حرية التعبير إذا أيدت النظام ولا نحترمها اذا عارضت بل نجرمها ؟..نحن في النصف”
وإستطردت الشابة السياسية قائلة: أليس ذلك ما كتبته بل ونشرته في كتابك الجديد وتقوله علي شاشة التلفزيون.
قلت : نعم يا إبنتي هذا ما أقوله بهدف إستغلال حميد لمبادرة الدولة لحوار وطني جاد.
قالت وقلت : اذن علي أجهزة عديدة في الدولة ، خاصة التي تتعامل مع المواطنين ، من الحذر من إستمرار وقوع السيستم رغم الرقمية ( مبرر للتعطيل نسمعه يوميا) أو في التزيد فيما يظنونه حماية الوطن من الفوضي ، لأنه أحياناً ما يصبح سبباً فيها .
بدأ الحوار بقصة الأوزة وانتهي بقصة الدبة التي تريد حماية صاحبتهما من ذبابة تقف علي رأسه فتقضي عليه بحجر تريد به ابعادها حتي لا تضايقه ، فلنتعظ ارجوكم.
تداخلت في الحوار والدة واحد من الشباب قائلة:
عزيزي د حسام .. أعادتني مقالاتك و حواراتك الممتعة مع الشباب النابه إلى حكاية موقف المواطن المطحون
من الأوزة و الدبة.
ماذا يفعل عقل المواطن السوي بين مطرقة الدولة الأمنية
و سندان الدولة الدينية؟؟
و ماذا يفعل مع الرعب من عودة الفوضى و انعدام الأمن
أو الخوف من عودة الحكم الديني السلفي ؟!
فلنعذر المواطن العاقل ، الفقير الجائع،
اذا ما ذبح الأوزة عملاً بالمثل
“احييني…بأوزة.. النهاردة و موتني بكرة )
و لنعذر المواطن العاقل ،المتوجس الخائف، اذا ما ارتمى في أحضان الدبة عملاً بالمثل
” الدب اللى تعرفه احسن من اللي ما تعرفوش “
يا عزيزي وأنت تعلم ، فإن الدعوة للإصلاح يجب أن تبدأ بإصلاح منظومة التربية و التعليم ومنظومة الرعاية الصحية و منظومة العدالة و توحيد المفاهيم الأساسية في إطار حرية التعبير و تنمية المهارات و خلق فرص العمل للكفاءات واعتناق سياسة اقتصادية واضحة
و مستدامة تنفيذاً لخارطة طريق متفق عليها و خطة تنفيذية مفصلة مع ترسيخ استقلالية جهات التشريع و الرقابة و المساءلة.
باقي من الزمن 8 سنوات و نصبح في عام 2030 و
عدم المسير للأمام في اتجاه الدولة المدنية الجديدة ليس معناه فقط التوقف كما نحن ( محلك سِر )
بل، للأسف ، معناه السياسي الحضاري ( التقهقر للخلف ).
( السيستم الواقع ) يمكن أن ينهض و (الابليكيشن ممكن تشتغل ) بإرادة سياسية تستمد شجاعتها من ظهير شعبي حر مؤيد لها و أن يحرك الجميع ضمير…جمعي…….طوعي…….واعي .
النهضة لن تأتي ابداً قبل أن تسبقها……… يقظة.
وأشكرك علي حوارك الحر مع الشباب وتقبلك للرأي الآخر.