الدولة المدنية الحديثة التي أشار إليها الدستور
هي دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية وتنميهم. وهناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين، ليس كهبه من الحاكم ولكن كحق من واجبه الحفاظ عليه،
ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فهناك دوما سلطة عليا هي سلطة الدولة من خلال آليات ناجزه للقانون والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.
من مبادئ الدولة المدنية الثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة، فالدولة المدنية لا يوجد بها تعسف ولا نقض للتعاقدات لصالح فئة عن فئة .
وتتميز الدولة المدنية بتكافؤ الفرص بين المواطنين بأسس معلنه ، كذلك الإيمان وتطبيق مبدأ المواطنة والذي يعني أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن، أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين..
ومن أهم مبادئ الدولة المدنية أنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة. كما أنها لاتعادي الدين أو ترفضه فرغم أن الدين يظل في الدولة المدنية عاملا في بناء الأخلاق وخلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم. أن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية، كما أن هذا الأمر قد يعتبر من أهم العوامل التي تحول الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة.
كذلك تتميز الدولة المدنية بمبدأ احترام القانون و الديمقراطية والذي في جوهره يمنع أن تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو نزعة أيديولوجية
ويتم تبادل السلطه فيها في إطار من حريه الفرد في التعبير و الترشح والانتخاب ،وتوضع كل مؤسساتها في نطاق المحاسبيه، وتتوازن السلطات التفيذيه والرقابيه والقضائية فيها فلا تتوغل سلطة علي أخري .
أما لماذا نريد حكما مدنيا بالتعريف الذي ذكرته، فذلك لأن تداول السلطه، والرقابه علي مؤسسات الدوله والتوازن بين السلطات هو الحامي للأفراد ولحقوقهم المذكوره في الدستور. إن امكانيه تداول السلطه تضع كل حاكم امام لحظه تركه الحكم وحساب الجماهير، فيتعظ ولا يتغول علي الحقوق ولا يتسلط في الحكم. نعم ، هناك نظما ديكتاتوريه حققت طفرات تنمويه، ولكنها الاستثناء، ويوتوبيه الديكتاتور العادل الذي برغم دوام حكمه لا تأخذه سكرة السلطة ويظن انه فوق القانون غير ثابته.
من يقرأ التاريخ لا يتوه، والمجتمع الإنساني على اختلاف جغرافيته وثقافاته إلا أن احتياجاته الأساسية للتقدم مشتركه، وأيضا عوامل نجاحه أو فشله متوافقه، والتاريخ يقول أن جميع النظم الفئوية التي تمنع تداول السلطة بشكل مباشر أو غير مباشر ، مهما انجزت في لحظات، فهي كمن يبني قصرا من رمل على الشاطئ، تنتهي إلى انتهاكات للحريات أو انقلابات أو حروب أو ثورات أو اغتيالات تهدم ما تم انجازه وتعود بالبلاد الي نقطة الصفر مرة اخري.
فلم يتحقق لدولة انجازات حسابية كما فعل هتلر ألمانيا، فهو صاحب أكبر نهضة صناعية واقتصادية وعسكرية خلال النصف الأول من القرن الماضي إلا أن الوضع انتهي به وبدولته إلى الدمار.
وحتى بعد الحرب العالمية الثانية، المواطن الألمانى فى الشطر الغربى بعد الحرب هو نفس المواطن فى الشطر الشرقى، والمواطن الكورى فى الطرف الجنوبى هو نفسه فى الطرف الشمالى، إلا أنه تفوق بنسبة ١٠٠٪ فى الحالتين الغربية والجنوبية، وفشل بنسبة ١٠٠٪ فى الحالتين الشرقية والشمالية، رغم أن الچينات والعقلية واحدة هنا وهناك، عوامل النجاح والفشل واحدة، الموارد الطبيعية والثروة البشرية، إلا أن أسلوب الإدارة كان مختلفاً من كل الوجوه
الأمثلة متعددة بين ما كان يظهر من قوة الاتحاد السوفيتي ثم انهياره، في أوروبا الشرقية والغربية، وبين كل ما كنا تقرأه عن حكم الرئيس تيتو وتقسيم بلاده وحروبها الأهلية غير الإنسانية بعد ذهابه، ونهرو الذي انتهي بالهند إلي أن تكون من القوى الكبرى في ظل ديموقراطية اختارها نهرو وديكتاتورية اختارتها الباكستان.
والأمثلة متعددة في أفريقيا التي استقلت بلادها وتحت حكم عسكري او ديني لأغلب أقطارها، انهارت اقتصاديا وانهزمت حضاريا، وانتشرت المجاعات والحروب الأهلية والفساد.
لن أتكلم عن مصر، وفرصها الضائعة باستمرار نظام الحكم بنفس الفلسفة في انتظار نتائج مختلفة. إختارت اليابان بعد الحرب العالميه واستكملت طريقها نحو الحكومة المدنية الكاملة، بينما وقعت مصرتحت الحكم الفئوي المستمر باشكال مختلفه، فصنعت اليابان نهضتها، وتعثرت مصر وكنا في نفس المكان بموارد اكبر.
لقد وقف الجيش المصري ولبي نداء شعبه في ٣٠ يونيو ، ليخلص البلاد من الحكم الإخواني الفئوي الديني ،ولكن لا ننسي ان الشعب المصري وقف مع جيشه ولبي نداءه، بعد هزيمه ٦٧ المروعه .ولولا تلاحم الجيش والشعب عبر تاريخ مصر ما كنا بقينا، وما كنا أصبحنا وكل ما حولنا يشيرالي ذلك.
مصر الآن في مفترق طرق، بعد ثورتين ، ونجحنا في إقرار دستور مصري محترم يحدد هوية الدولة وطريقة الحكم بشكل واضح كدولة مدنية حديثة، وقد وافق عليه كل المصريين بأغلبية ساحقة، يستحق من الجميع الالتفاف حوله والسعي لتطبيقه وتهيئة المناخ له، كما ورد في نص مادته الخامسة التي تقول
: “يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور”.
ومقدمه الدستور التي تقول :
“نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنيه”
إنني أصرخ كسياسي لا أملك سوي صوتي ومؤمن كإصلاحي لا أملك سوي قلمي وعملي العام في جمعياتي الأهليه، إن استدامة التنمية والتقدم مرتبطة بمشاركة الجميع وليس فئه من الشعب وببناء قدره الجميع ليكونوا شركاء إيجابيين في دولة مدنية حديثة كما قال الدستور، الواجب احترامه، وقد تكون التنمية الإنسانية والتعليم والثقافه هم مدخله والفرصه للإنقاذ.