الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / الربيع العربي بين الحقيقة والخيال – بقلم حسام بدراوي

الربيع العربي بين الحقيقة والخيال – بقلم حسام بدراوي

الربيع العربي بين الحقيقة والخيال
حسام بدراوي
تعتمد الحقيقة على إدراك العقل،وربط المعلومات بعضها ببعض، واستخلاص المعرفة . ويقال أن كل واقع هو ترجمة لخيال في مرحلة ما، وعلم السياسة والاجتماع ليسا مختلفين.
كنت مدعواً في ربيع ٢٠١٥ لإلقاء محاضرة في منتدي مونت كارلو جنوب فرنسا حول “الربيع العربي بين الحقيقة والخيال “.
واليوم ، في ذكري ثورة يناير، وجدتني أراجع ما قلته بعد الأحداث بأربع سنوات في مونت كارلو ، وما يدور في ذهني اليوم بعد أثنتي عشر سنة..
كان غوستاف ليبون، عالم الاجتماع الفرنسي، ،قد عمل عام ١٨٩٥ على دراسة العقل الجمعي للحشد وأوضح وجود كينونة جديدة منبثقة عن اندماج الناس مجتمعين، حيث ينشأ مجال مغناطيسي من الجمع ،و تماهي للسلوك الفردي ليصبح جزءا من التكوين الجمعي، الذي يستولى من كل فرد في الجمع على آرائه ومعتقداته وقيمه الشخصية.
وكما قال في واحدة من مقولاته ” إن الفرد في الجمع يكون كحبة الرمل داخل عاصفة رملية ، يتحرك معها ويندمج فيها ولا يوجد لها إرادة فردية.
وتحدث ليبون بالتفصيل عن ٣ عمليات رئيسية تؤثر في سلوك الفرد في الحشد:
*مجهولية الهوية،
*والإيحاء
*والعدوى.
*مجهولية الهوية تعطي شعور بفقدان للمسؤولية الشخصية ويصبح الشخص أكثر بدائية وعاطفية وبلا قيود،وتمنحه شعور بانه لا يقهر.
*والعدوى تعني انتشار سلوك معين خلال الحشد )كأعمال الشغب مثل تحطيم النوافذ والقاء الحجارة ). إذ يبادر شخص بفعلٍ ما فيتبعه آخرون .
*أما الإيحاء فهي الآلية التي يتم من خلالها إنتقال العدوى. الهتافات القوية تجعل اللاوعي عنصري أحياناً، ويصبح الحشد متجانس ومرن ومتقبل إقتراحات أقوى أعضائه، وهؤلاء أصبحوا مدربون في الوقت الحاضر، ومسار أي مظاهرة كبيرة أو ترند في السوشيال ميديا يمكن أن يكون محدداً بشكل كبير مسبقا .
مقدمتي كانت تهدف في المحاضرة إلى إعطاء خلفية علمية لاستيعاب ما حدث، في العالم العربي ومازال.
تعود المرجعية التاريخية للمصطلح الى الاضطرابات في أوروبا الشرقية عام ١٩٨٩ عندما بدأت الأنظمة الشيوعية القوية في السقوط تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية الجماعية بالتتالي على طريقة سقوط قطع الدومنو. وفي فترة قصيرة من الزمن، إعتمدت معظم بلدان الكتلة الشيوعية السابقة أنظمة سياسية ديمقراطية ذات اقتصاد سوق حرة على النقيض مما كانوا عليه عقوداً متتالية .
أما الأحداث في الشرق الأوسط ، فقد ذهبت في إتجاه مختلف، دخلت مصر وتونس واليمن فترة إنتقالية غير واضحة.. ودخلت سوريا وليبيا حرب أهلية، في حين ظلت الأنظمة الملكية الغنية في الخليج والمغرب دون تأثر عميق من هذه الأحداث على الرغم من كونها غير ديمقراطية..
أما الاستخدام المحدد الأول “للربيع العربي” للدلالة على أحداث وقعت بالفعل فكان في مجلة السياسة الخارجية الامريكية حيث أبرزه مارك لينش في مقالته عن السياسات الخارجية للولايات المتحدة، وكان المصطلح ضمن إستراتيجية أمريكية للسيطرة على )التحركات ) والأهداف وتوجيهها نحو النموذج الديمقراطي الأمريكي الليبرالي )الخيال ) ، أو الفوضى المحكومة ( الواقع ).
وكما تقول التقاليد، فوالد المولود له الحق في تسمية طفله، وهكذا أتي الاسم من الولايات المتحدة.
وفي وقت لاحق تم الكشف أن العديد من قادة الشباب لهذه التظاهرات تم تدريبهم وتمويلهم في أوروبا الشرقية، من قبل مخابرات دول كبرى مؤثرة، (الولايات المتحده والمملكة المتحده ) وهم لم ينكروا هذا عندما نجحت الثورات في إسقاط الأنظمة.
طالب المتظاهرون السياسيون في الأنظمة الملكية غير الديمقراطية بإصلاح النظم تحت إدارة نفس الحكام ، ودعا بعضهم إلى التحول إلى مَلَكية دستورية، والبعض الآخر إكتفى بالوعد بالإصلاح التدريجي.
أما الشعوب التي تعيش في ظل الأنظمة الجمهورية مثل مصر وتونس فقد أرادوا إسقاط الرئيس ونظامه ولكن لم يكن لديهم أفكار عما يجب فعله بعد ذلك غير المزيد من الدعوات للعدالة الاجتماعية.لم يكن لديهم فكرة بسيطة حول ما يجب القيام به ولم تُوجِدْ لهم الثورات عصاً سحرية لإصلاح الاقتصاد أو التغلب علي الفقر ، أو حتي كيفية الحصول علي الحرية في ظل فوضي عارمة….
بعد إنتهاء التظاهر والثورة ، ذهب المجموع الأصيل (genuine) الي منازلهم وتبقي المحرضون و المستفيدون .
والحقيقه أن مصر وتونس بالذات كانتا تقفان علي مرتبة عالية من توجه إقتصادي سليم زاد من النمو والتنمية ، وكان ممكنا أن يؤدي الي طفرات إقتصادية عملاقة.
علي أرض الواقع ، الجماعات اليسارية والنقابات أرادت أجوراً أعلى وتثبيت توظيفات حكومية ، وإلغاء صفقات الخصخصة .
أما الإسلاميون المتشددون ،كانوا أكثر اهتماماً بصورة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الصارمة من خلال تفسيراتهم، وسعوا لملء الفراغ السياسي الذي تخلفه الثورات، و كان ذلك معداً من قبل الأحداث بشكل نسبي أو كامل وبتأييد من أجهزة مخابرات غربية.
كان الشكل الذي فرضته أمريكا والغرب في الدول التي حدثت فيها ثورات هو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان،(الخيال و إزدواجية المعايير) معتبرين أن الديمقراطية هي فقط صناديق الاقتراع، علماً بأن ما يسبق ويلي عملية التصويت والانتخابات مليئ بالخداع الذي نعلم جميعاً أنه يُخرج الديمقراطية من جوهرها، حيث يسيطر عليها من يملك التمويل والتنظم والسلاح في دولٍ ينتشر فيها الفقر والجهل ، تم حقن الفكر السلفي الديني في وجدانها لسنوات..أي أن نتيجة الإنتخابات في هذه الظروف تكون محددة سلفاً.
السؤال هو: هل الربيع العربي نجاح أم فشل ؟
ومع تدفق المعلومات عبر الإنترنت، وإتاحة مواقع اليوتيوب لأعداد ضخمة من الفيديوهات التي تحتوي على وقائع مُفترضة وأخبار متنوعة، تجعل من كل شخص بطل أو شرير، فالخلط بين الوهم والحقيقة أصبح عميقا كما لم يكن من قبل، فمع هذا الكم الهائل من التسريبات أصبح الناس يعيدون النظر فيما يرونه بسبب تعرضهم لأخبار متعارضة ومتناقضة، وربما أيضا لفقدان الثقة في كل ما يقدم إليهم.
الصعوبة الآن (٢٠١٥) أصبحت تأكيد الحقيقة وسط الكثير من الخداع، والشائعات، والمزاعم والأكاذيب و الدعايا و الدعايا المضادة، فلا تستطيع ان تعرف ما هي المؤامرة وما هي الصدفة..
هذا جزء من محاضرتي حول الربيع العربي أمام مجموعة من السياسيين من مختلف دول أوروبا في منتدي مونت كارلو السياسي عام ٢٠١٥، وأعيد نشره الآن وافكر بعد سبع سنوات من اللقاء و أثنتي عشر سنة من الثورة، هل ما زال رأيي هو هو أم تغير ؟.
كيف نقيس الحدث ؟ هذا هو السؤال…
بأحداثه أم بنتائجه أم بأثره المستدام!!
بعد أثنتي عشر سنة ، هل نحن أفضل اقتصادياً؟
هل زادت رفاهة الشعوب ، وأصبحت أكثر سعادة ؟!!
هل تم القضاء علي أسباب ثورة يناير ، التي أنتفض شباب مصر الجميل أثناءها من أجل العِزة والكرامة والعدالة قبل اختطافها من الإخوان المسلمين؟؟!!
هل حددنا أساساً أسباب الثورة ؟ هل يمكننا تجنب تكرار أثرها السلبي والبناء عِلي أثرها الإيجابي؟
ما هي المؤسسات التي كانت مصب غضب الجماهير في يناير؟
في رأيي كانت الحزب الوطني وجهاز أمن الدولة.. الحزب الوطني إختفي ، فهل ظهر له مماثل ،أو بديل ؟؟. البدائل التي ظهرت كرتونية وبلا مضمون والكل يعلم ذلك.
للعلم ، أنا من المساندين والفاهمين لأهمية جهاز أمن الدولة ، لأنه عقل مؤسسة الأمن ، كما كنت أفهم من حماي السياسي الفاضل حسن أبو باشا وزير الداخلية الأسبق ، وأنه ليس أداة في يد أي نظام حكم ضد معارضيه. مهمة هذا الجهاز الهام هو حماية الدستور وأمن البلاد بفهم وعقل وتحليل وتدبير، وجرس الإنذار للسلطة التنفيذية بما يدور خلف الستائر من مؤمرات ضد الإستقرار، وأفراده مؤهلين لذلك بحكم تدريب وإعداد أعلم أنهم يمرون به ..
أجد أحيانا أن الدروس التي تعلمتها من يناير ، تَعلم غيري عكسها!!بل يكررون فعل نفس الشئ في انتظار نتائج مختلفة.
كنت أظن أن مساحة الحريات كانت ضئيلة، وتداول السلطة شرعياً كان مستحيلاً ، وفَهَم غيري أن هذه المساحة الضئيلة هي التي شجعت الناس علي الثورة، ويجب إغلاق منافذها حتي لا تتكرر.
أكتب ذلك الآن ، وأنا أري تحريك جماهيري في السوشيال ميديا يسوق المجتمع نحو تصلب ثقافي جديد. وحسب نظرية چوستاف ليبون ، يتضح أمامي خَلقْ جديد لموجة خطيرة ضد الدولة المدنية الحديثة، تختبر الوجدان السياسي الديني الاخواني الذي تغير نسبيا بعد ثورة ٣٠ يونيو . تيار يدفع نحو وأد الفنون والثقافة والتنوير، ولا يسمح بالاختلاف في الرأي باستخدام نظرية قيادة القطيع والتلاعب بعواطفهم الدينية ، أمام ضعف من مؤسسات الدولة تعليمياً و ثقافياً وإعلامياً أمام ذلك كما حدث تاريخياً من قبل أكثر من مرة. .في رأيي أن التيار الإسلام السياسي يختبر أرضية معركته القادمة خاصة بعدما بدأ مصنع الرجعية والتطرف يغلق أبوابه في الخليج ولكن الوكلاء يجدون أرضية صالحة في مصر للأسف ، ويزيدون خصوبتها بتلفيق الأخبار المحبطة وتحريض الجمهور يساندهم فراغ وقت الشباب
الطريق الوحيد هو الدولة المدنية الحديثة ومساندة تيار التنوير والحداثة فعلاً وليس كلاماً.

التعليقات

التعليقات