السبت , 21 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / الزمكان والأدیان كمان وكمان

الزمكان والأدیان كمان وكمان

الزمكان والأدیان كمان وكمان
حسام بدراوي
یصلنى كما یصل للعدید رسائل على الواتس آب كل یوم جمعة تھنئة أحیا ًنا ودعاء أحیا ًنا أخرى.. وعندما یكون لدیك عدد كبیر من المعارف والأصدقاء والمسجلین على قائمة تلیفونك تصبح ھذه الرسائل بالعشرات وأحیا ًنا المئات.. ھذه رسائل لم یكتبھا باعثھا بل ھى منقولة، ویتم إرسالھا كما جاءتھ من غیره، أى أنھا رسائل غیر شخصیة ولا تستدعى الرد، ولكن تستدعى التوقف أمام فكرة إرسال رسالة لم
تكتبھا لشخص لن یقرأھا كل یوم جمعة، وكأن ملابساتھ تتكرر، فما دلالة ذلك وفائدتھ؟!
فى حوارى مع الشباب، تناقشت معھم فى ھذه المسألة، وتطرقنا لموضوع أھم وھو تكرار »تشییر بوستات« دون التحقق من مرجعیتھا وصدقھا، فنشارك فى نشر أخبار كاذبة أحیا ًنا، وقد نكون بلا قصد نساند شبكة تضلیل كبیرة یخلقھا من یریدون نشر الطاقة السلبیة فى المجتمع.
كل ما أطلبھ ھو التحقق قبل نشر أى بوست لكل قائمة تلیفونك بدون معرفة أصلھ وفصلھ.. العلم والذكاء والوعى یقول ذلك.
علینا التأكد من مرجعیة البوستات، التى أحیانا لا تنشر أخبا ًرا كاذبة فحسب، بل ُتح ّرف أقوا ًلا بقصد، وتضیف صو ًرا بكذب، لخلق قصص متكاملة بعیدة عن الحقیقة بھدف.
قالت شابة من الحالمات: أظن أن »بوستات« یوم الجمعة التى ُترسل دون تفكیر أصبحت جز ًءا من سلوكیات المجتمع ودلیل تدینھ.. فھل ھناك قیمة روحانیة لیوم الجمعة للمسلمین والسبت للیھود والأحد للمسیحیین؟.. وما أصل الحكایة؟.. وما علاقة الدین بالأیام؟.
قلت: أظن أنھا علاقة ظرفیة تنظیمیة ولیست إلھیة. وأردفت: لقد انتھیت من قراءه كتاب »ال َكون الخاص بى My Own Universe« لجیمس بیلى، وتلاه كتاب »فیزیاء المستقبل Physics of The Future« لمیكیو كاكو، وكتاب »الكون الأنیق The Elegant Universe« لبرایان جرین، وملخص لكتاب ستیفن ھوكینز »إجابات مختصرة لأسئلة كبیرة Brief Answers to the Big Questions«، وانتابتنى الحیرة حول الزمن وما نعتبره على الأرض ُمسلمات وھى نسبیة للكون، ف ُعدت أبحث فى توسع الزمن وتقلصھ وعلاقتھ بسرعة الضوء والجاذبیة.. وكلھا بدأت كنظریات علمیة أثبتتھا الكشوفات الفلكیة والمعادلات الریاضیة..
وعندما نظرت إلى رسائل الأصدقاء ومن لا أعرفھم بالعشرات بـ »البوستات« التى غالبا لا یقرؤونھا بل یعیدون إرسالھا لكل من على تلیفونھم كما أوضحت، حول تقدیس الدعاء فى ساعة بعینھا أو یوم بعینھ لأن الله یستجیب فیھا للداعى أكثر من أوقا ٍت أخرى، سألت نفسى عن أھمیة الیوم، أى یوم، ولماذا یظن الناس
أن الیوم نسبى جدا بالنسبة لساكنى كوكب الأرض من قطبھا الشمالى إلى الجنوبى والأكثر نسبیة بین یوم الأرض أصلا ویوم المریخ أو زحل، فما بالك بیوم كوكب فى مجرة أخرى؟!، وأردت مشاركتكم بالتفكیر خارج ما ھو محلى )فى ھذه الحالة المحلى وھو الكرة الأرضیة( إلى ما ھو كونى.
قالت شابة أخرى: اشرح لنا أكثر..
قلت: أدعوكم للتفكیر، وصو ًلا إلى تفسیرات تستحق التدبیر.. فإذا كانت نظریة النسبیة لأینشتاین قد أثبتت إمكان تغیر الزمن وعلاقتھ بالمكان والسرعة، وأنھ بزیادة السرعة إلى قرب سرعة الضوء یتقلص الزمن وتتضاءل الكتلة، وعند الوصول لسرعة الضوء تنعدم المادة ویتوقف الزمن، فإننى أستطیع أن أفھم أشیاء كانت تقال ومطلوب منى تصدیقھا من باب الإیمان ولیس من باب تشغیل العقل.
قال شاب آخر: زى إیھ یا دكتور؟ وما علاقة ذلك بمئات التھنئة بیوم الجمعة على السوشیال میدیا؟!
قلت: إننى أرى نسبیة الزمن وأتفكر فى بعض آیات القرآن واستوقفتنى الآیات التالیة:
»َوإِ َّن َیْوًما ِعنَد َر ِّب َك َكأَْل ِف َسَنٍة ِّم َّما َتُع ُّدوَن«
»ُیَد ِّبَُراْلأَْمَر ِمَنال َّسَماِءإَِلىاْلأَْر ِض ُث َّم َیْعُر ُجإَِلْیِھفِى َیْوٍم َكاَن ِمْقَداُرهُأَْل َف َسَنٍة ِّم َّماتُع ُّدوَن«
»َتْعُرُجاْلَمَلاِئَكُةَوال ُّروُحإَِلْیِھفِىَیْوٍمَكاَنِمْقَداُرهَُخْمِسیَنأَْلَف َسَنٍة«
و»َفأََماَتُھ َّاللهُ ِماَئَة َعاٍم ُث َّم َبَعَثُھ َقالَ َكْم َلِبْث َت َقالَ َلِبْث ُت َیْوًماأَْو َبْع َض َیْوٍم َقالَ َبل َّل ِب ْث َت ِما َئ َة َعا ٍم«.
وأضفت: كتابى الجدید »دعوة للتفكیر«، الذى صدر عن المصریة اللبنانیة للنشر یناقش الكثیر من الموضوعات المشابھة، لزیادة المعرفة والتفرقة بین ما ھو بشرى وما ھو إلھى.
العلم جمیل، والتساؤل ھو أصل المعرفة. أما من أرادوا اعتبار أن العقل أخذ إجازة بعد تفسیر الأولین لما أقرأه الآن بعد أكثر من ألف سنة، وأن الإیمان بتصدیق ما لیس لھ برھان ھو الطریق إلى الله.. فأقول لھم إن الله أعطانا العقل لنتدبر ونفكر ونسعى بالعلم الذى بدأ بھ كتابھ، وأن ما یمیزنا عن باقى الخلق ھو ھذا الوعى بنعمة الله علینا.
قال الشاب الأول: نرجع لأیام الأسبوع، ما ھو مصدرھا؟
قلت: فى العدید من الثقافات، كان یتم اشتقاق الأسماء التى ُتطلق على أیام الأسبوع من أسماء الكواكب الكلاسیكیة فى علم الفلك الھلنستى، والتى ُسمیت بدورھا على اسم الآلھة المعاصرة لذلك الوقت فى أذھان البشر، وھو نظام أدخلھ السومریون واعتمده البابلیون فیما بعد وأخذت بھ الإمبراطوریة الرومانیة خلال العصور القدیمة، وتم تبنى الأسبوع المكون من سبعة أیام فى المسیحیة المبكرة أخ ًذا من التقویم العبرى، وبقى السبت الیوم السابع وھو المقدس عند الیھود والأحد عند المسیحیین. وكان البابلیون قد أطلقوا على ھذه الأیام أسماء الكواكب المعروفة لدیھم، وكان عددھا خمسة وخصصوا الیوم السادس للقمر والیوم السابع للشمس.
دیانا كالقمر لیوم الاثنین، المریخ لیوم الثلاثاء، عطارد لیوم الأربعاء، المشترى لیوم الخمیس، كوكب الزھرة لیوم الجمعة، زحل لیوم السبت، وأبولو كالشمس لیوم الأحد.
جاءت بعد ذلك مرحلة ثانیة عند العرب اتبعوا فیھا باقى الشعوب، وتبنوا استخدام الأسبوع المكون من سبعة أیام، وكانوا لا یحسبون الأسابیع قبلھا.
وفى المرحلة الثالثة، تمت تسمیة أیام الأسبوع بأسمائھا المعروفة الیوم وھى: ) السبت،الأحد، الاثنین، الثلاثاء، الأربعاء، الخمیس، الجمعة(، فالأسماء من الأحد إلى الخمیس منشقة من العدد نفسھ الأول، الثانى.. إلى الخامس، وكان الأحد أولھا، أما أصل تسمیة الجمعة فیعود إلى الجمع والاجتماع بقصد الصلاة أو غیرھا ثم جاء القرآن مثب ًتا یوما للجماعة یلتقون فیھ ویصلون سویا.
إ ًذا فى اللاتینیة والإنجلیزیة، فإن أیام الأسبوع سمیت نسبة إلى الأجرام السماویة، وفى زمن آخر باسم بعض الشخصیات الأسطوریة فى التاریخ القدیم
ولأن اللغة الإنجلیزیة تعتمد على اللغات الیونانیة، واللاتینیة، والجرمانیة القدیمة، فتكمن رؤیة تلك التأثیرات فى تسمیتھم لأیام الأسبوع.
كانالترتیبالأصلىللأیامبینالقرنینالأولوالثانىمیلادًیا،نسبًةللآلھة الیونانیة والرومانیة، فكانت ھى: )الشمس، القمر، أریس، ھیرمیس، زیوس، أفرودیت، وكرونوس(، ثم انتقلت بعد ذلك أسماء الكواكب من اللاتینیة إلى لغات أخرى فى جنوب وغرب أوروبا.
وقدسمىالرومانأیامالأسبوعبعدتسمیةآلھتھم،وذلكلأنھمرأواعلاقًةمابین آلھتھم والوجھ المتغیر للسماء، فكانوا قادرین كل لیلة على رؤیة عطارد، والزھرة، والمریخ، والمشترى، وزحل، بالإضافة إلى القمر والشمس، مما ش ّكل لدیھم سبع ھیئات فلكیة رئیسیة، لذا كانوا یستخدمون ھذه الأسماء السبعة عندما استقروا على أن أیام الأسبوع سبعة.
ثم قلت: كلھا مجرد أسماء عكست ثقافات لأزمنة مختلفة، فلم یكن الأسبوع ً موجو ًدا ثم ُو ِجد، وكان خمسة أیام وأصبح سبعة، و ُسمیت الأیام بأسماء مختلفة، مرتبطة بثقافة زمنھا، ولكنھا فى النھایة إبداع إنسانى لھ تاریخھ واحترامھ.
یظن، وأحیانا یؤمن البعض بأن تكرار أسماء الأیام أو موعدھا فى الأسابیع والشھور لھ مغزى دینى، وكأن الزمن یتكرر، وكأن الأحداث وموقع الیوم والشھر تعود كما كان فى لحظة سابقة، وھو لیس كذلك.. فباعتبار حركة الأرض حول الشمس، ومجموعة الكواكب الشمسیة، ودوران كل المجموعة الشمسیة حول شىء آخر، وحركة الجمیع وسفرھم عبر الكون، فإن العودة لنفس الوضع الكونى فى نفس الیوم أو الشھر أو السنة الأرضیة مستحیلة.
وبنفس المنطق، فإن الخالق القریب منا قُرب حبل الورید لا یوجد لھ جدول زمنى للاستماع لدعائنا، وكل التقسیمات الأسبوعیة والیومیة ھى تنظیمیة لحیاة البشر ولیس {، لأن الله عز وجل موجود فى كل وقت وفى كل مكان وفى كل زمان.

التعليقات

التعليقات