الفرصة للإنقاذ (١٠)
دمج القيم في التعليم
بقلم حسام بدراوى
كتبت تسعة مقالات متتالية في المصري اليوم حول حالة التعليم وكيفية تطويره ، وأبدأ اليوم مجموع مقالات مكمله حول القيم الواجب إدماجها في نسيج التعليم لأنها القاعدة التي تبني عليها شخصية المواطن المصري في المستقبل.
ولكي يكون لهذا الهدف وهذه المقالات قيمة أكبر فقد عقدت لقاءات مع التلاميذ والشباب وأحياناً بمشاركة أولياء الأمور وأدرت حوارات معهم وشجعتهم علي المواجهة والصراحة معي وحتي النقد لأجيالنا كأولياء أمور وجدود وصانعي سياسة.
قالت لي واحدة من الشباب: تقول لنا يا دكتور أن التعليم والإعلام والثقافة هى أهم أعمدة بناء الوجدان، وأن الأسرة والمدرسة والمجتمع مسؤولون عما نراه من عنف وتحرش وفساد، وانتشار للكذب والغش والنفاق، إذن عليكم ألا تنتقدوا الشباب بل يجب أن تلوموا أنفسكم كجيل مسؤول عن كل ذلك؟
قلت: عندك الحق كله يا إبنتى.
قالت: فلنبدأ بالتعليم، ما هو الموقف من وجهة نظرك؟
قلت: يقضى الطفل والشاب من عمره حوالى ثمانية عشر عاماً فى مؤسسات التعليم المسؤولة عنها الدولة، ومن هنا تكمن أهمية وصول رؤية ورسالة قادة المجتمع الخاصة بحقوق المواطنة والانتماء إلى مصر والفخر والاعتزاز بها، واحترام المرأة وحقوقها بشكل تراكمى مباشر وغير مباشر لأطفالنا وشبابنا. ولا يوجد مكان يتجمع فيه كل المواطنين لمدة 14 سنة فى المدرسة و4 سنوات فى الجامعة فى إطار له جدران، محدد الزمان والمكان مثل المؤسسات التعليمية.
وعلينا أن نعترف أنه إذا تخرج الشاب أحادى الفكر، متعصباً، وغير قابل للتعددية، عنيفاً أو متطرفاً أو رجعياً أو يري الغش والكذب حق من حقوقه ليصل الي مبتغاه ، من هذه المؤسسات التعليمية، فلابد أننا نفعل شيئاً خطأ.
قالت الشابة: مع كل احترام، أنا أشك أن لدى الأجيال المسؤولة رؤية متفق عليها و استراتيجية تراكمية وأعتقد وزملاء لى، أن سبب التحدى الذى يواجهه الشباب هو التباس أفكار جيل الآباء. نحن بكل أخطائنا نتاج عدم وضوح رؤيتكم وتخبط أفكاركم.
قلت: هاتِ كل ما عندك..
قالت: أنتم جيل مع من سبقوكم التبست عندكم المفاهيم سياسياً واجتماعياً وثقافياً. هل نحن دولة مدنية حديثة كما يقول بعضكم وكما نؤمن نحن أم دولة دينية سلفية.. الأمور أمامنا مختلطة. هل يحترم المجتمع حرية الرأى ويحترم المرأة ومؤمن بالتعددية وعنده التسامح الذى يقبل المختلف عنه؟. أشك أن جيلكم مستقر على توجهاته، أنتم فى صراع حول مفاهيم منذ بدء القرن العشرين وتلوموننا على ما حدث فى وجداننا.
قلت: حتى لا ندخل فى جدل بدلا من الحوار، فأنا أوافقك ولكنى أبحث عن الحلول.
قالت: نعود للتعليم..
قلت: فى كتاب د. طه حسين الشهير «مستقبل الثقافة فى مصر» كان يتحدث عن الأمية فقال بحكمة، إن محو الامية لا يعنى تعلم القراءة والكتابة ولكنها محو أمية القراءة والكتابة والفهم، لأننا لو محونا أمية القراءة والكتابة بدون فهم أصبح من يقرأ ولا يفهم، عرضة لان يتحكم فيه من يفكر. فالمسألة ليست قراءة وكتابة لكنها مسألة تتضمن عمق فهم، وقدرة على الاختيار، واتخاذ القرار، والتمييز بين الخطأ والصواب.
إن تحدى التعليم مسألة عابرة للحدود، فلا يوجد شىء اسمه تعليم مصرى أو أجنبى فالتعليم واحد، لانه يقوم على أسس واحدة والتطور يسير فيه على نفس النهج، لكن فى آخر 10 سنوات أصبحت التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي فرضاً رئيسياً فى الحياة، لن يمكن الإستغناء عنهما ، والتعليم يتغير تغيرات شامله فقد أصبحت المعرفة متاحة للجميع وبدون تكلفة، فتغير دور التعليم من مجرد نقل المعرفة لأذهان الطلاب إلى معايشة الطلاب فى المدرسة والجامعة و نموذج للمعايشة داخل إطار مؤسسة التعليم فى تسيج رقمى وإنساني فى نفس الوقت.
إننى أعى أنه من الممكن أن ننجح فى تطوير التعليم ونستخدم وسائل التطور بشكل فائق، لكننا قد نُخَرّج أيضاً، المبتكر والعالم والمبدع و العبقرى ولكنه فى نفس الوقت، المتطرف فى الفكر والعنيف والكذاب والنصاب. فالمسألة ليست فى إدخال منهج لحقوق الإنسان لمنع العنف أو إصدار التعليمات بمنع التحرش واحترام المختلف، ولكنها طريقة حياة داخل المؤسسة التعليمية التى يخرج منها هذا الشاب/ الشابة قادراً على التمييز بين الحق والباطل وأن يعيش فى إطار يحترم حقوق الاخرين من غير منهجية العنف الزائد الموجود فى المجتمعات الحديثة. إن صنع الوجدان يتم فى مؤسسات التعليم، فى الاسرة، من الإعلام، فى مناخ الثقافة العامة والفنون. وتتداخل فى التعليم أمور جديدة مثل الرياضة ، و اللعب والالكترونيات واستخدام الانترنت والوصول للمعارف غير المحدودة واليوتيوب وغيرها.
كل هذه التكنولوجيا متاحة للأطفال والشباب بدون أى تحكم من جانبنا ومن يحاول الوقوف أمام استخدامها فمصير جهوده الفشل.
هل هذه محنة أم فرصة..!
إذا تعلمنا كيفية استخدام أدوات العصر لخلق الوجدان الذى يسمح برسوخ قيم نتفق عليها وقبول الإختلاف واحترامه والسلام مع النفس ومع الآخرين أصبحت لدينا فرصة للقفز فوق تحديات بُنيت عبر السنين. وإذا انتظرنا أن يأتى الحل بالدعاء والتمنى فإن المجتمع سينزلق أكثر ويغرق فى تناقضات فُرضت على جيلنا ومن سبقونا نتيجة الجهل، بين الحداثة والسلفية وبين التنوير والجاهلية وبين العلم والمعرفة وخرافات الماضى ومعتقدات خُلقت فى وجدان الناس فى وقت كانت فيه المعرفه قليلة ومنهجية العلم غائبه.
والحكمه والخبرة تقول:
أولا: إنه لا يوجد نظام تعليمى يرتقى فوق مستوى معلميه، فلو أننا نتكلم عن منهج يُدرس وعن إدراك للحقوق يتم تدريسه للاجيال الحديثة، وصناعة مستقبل، وصناعة شخصية فيجب تركيز هدفنا على القائمين على العملية التعليمية من معلمين ومديرين لأنهم الميسرون لحصول الطالب على المعرفة فى المؤسسة التعليمية فيجب أن نحدد هدفنا بالارتقاء بمستوى المعلم ومستوى التعليم معا.
الحكمة الثانية تقول، إنه لتحسين مستوى التعليم يجب تهيئة المناخ للمتعلم فإذا كان مناخ التعليم قبيحاً وليس به جمال فلا تنتظر من المتعلم أن يحب الجمال أو أن يصفو وأيضاً لو كان المناخ مليئا بالكذب وانعدام الامانة فلا يجب أن ننتظر من التعليم أن يرتقى لمستوى أعلى نظنه سيتواجد وحده.
الحكمة الثالثة تذكرنا بالذى يفرق الإنسان عن سائر المخلوقات وما الذى أودعه الله فى الانسان يميزه عنهم؟.. الإجابة هى العقل و الخيال والحلم وتراكم المعرفة والإرادة الحرة فى اتخاذ قراره.
الأطفال هم أكثرنا خيالاً وأوسعنا حلماً ولو تأملنا العنف الذى نقدمه لأطفالنا فى الألعاب والأفلام السينيمائية والرسوم المتحركة لأدركنا حجم البث الوجدانى الذى نغرزه فيهم ويشكل أحلامهم. و يجيء البث الآخر من مدعى التدين بالخرافات التى لا أساس لها فى ديننا السليم الجميل لتكتمل منظومة وجدانية لا علاقة لها بالحداثة والعلم.
إن احترامى للأزهر الشريف يعلمه القاصى والدانى، إلا أن هذا لا يمنعنى من التساؤل فى كيفية التأثير على وجدان طالب يقضى أربع عشرة سنة من الدراسة فى مدارس ثم أربعة أعوام فى جامعة فى التعليم الأزهرى ولم يجلس بجانبه مسيحى ولم تجلس بجانبه فتاة- أن يتقبل أن يكون هؤلاء مواطنين معه لهم نفس الحقوق.
إذا كانت هناك سياسات فيجب تطبيقها على الجميع لأنه لا ينبغى أن يكون لدينا مسار يسمح بأحادية الفكر، ومسار آخر يسمح بتعدديتة ،فالرسالة لا بد لها أن تتغير فأنا لم أصادف إلى الآن رسالة تجمع بين التوجهين. نحن نريد إبداعاً أكثر فى دمج الأفكار وازالة الالتباس.
فى رأيى أن ذلك مسؤولية الحكومات وقادة المجتمع، ويجب أن نُظهر جدية حقيقية فى التعامل فى هذا الأمر. بدون أن نُفَعل هذه المفاهيم الإنسانية ونُعَرفها وندمجها فى وسائل التكنولوجيا الجديدة فمن الصعب جداً أن نتوقع جيلاً جديداً أكثر إبداعاً وأكثر عبقرية وأكثر تسامحاً وأقل تطرفاً فى نفس الوقت.
نعم يا ابنتى، عندك حق وعلى جيلنا أن يسعى معكم وبكم للخروج من هذا المأزق وتخطى الالتباس فى المفاهيم وفرض طريق بلا تناقض بين ما نقول وما نفعل.
اتفقنا بعد الحوار الي تقسيم القيم الي مجموعات وهذا ما اتفقنا عليه:
أولا: الحرية والعدل والمسئولية،
ثانياً: الصدق و النزاهه والأمانه،
ثالثاً: العلم والدقه والإتقان.
رابعاً: الشجاعة والمواطنة والسماحة والرحمة والإحسان ، والغفران، والرأفه، والإمتنان ، والبر والتكافل والصبر الإيجابي.
خامساً: الجمال والسعادة والقناعة
سادساً: الصداقة والمحبة والعطاء
سابعاً: النظافه وتوازن البيئه وإحترام الذات
واتفقنا أن نترك الأولويات النسبيه بين القيم لمناقشه أخري.
كيف ندمج هذه القيم في التعليم
هذا هو مضمون المقال القادم.