الأحد , 22 سبتمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / الفرصة للإنقاذ (٦) التعليم في المؤسسات الدينية

الفرصة للإنقاذ (٦) التعليم في المؤسسات الدينية

الفرصة للإنقاذ(٦)
التعليم في المؤسسات الدينية
حسام بدراوي
يعتبر موضوع التعليم الديني أو الذي تديره مؤسسات دينية من الموضوعات الحساسة ويتجنبه الكثيرين.
يشير مفهوم التعليم الديني إلى معان عديدة:
– فالتعليم الديني قد يراد به ذلك التعليم القائم على مؤسسات علمية دينية تبدأ من أول السلم إلى نهايته.
– وقد يقصد به تعليم الدين في مدارس التعليم العام، كالحصص والدروس والمحاضرات في المدارس والجامعات، المصاحبة للعملية التعليمية المنظمة.
– أو قيام مؤسسات لها صبغة دينية بادارة تعليم عام
– أوقد يقصد به أوجه التعليم الأخرى التي تأخذ الطابع الشعبي أو الخيري كحلقات تحفيظ القرآن الكريم، أو الإنجيل وخلافه.
ورغم أننا نأخذ في اعتبارنا كل صور التعليم إلا أننا سوف نركز على التعليم الديني النظامي، أي ذلك النمط من التعليم القائم في مؤسسات الدولة المسؤولة سياسياً وثقافياً و تُعلم قضايا الدين والعقيدة على نحو منظم، أو كمناهج دراسية في التعليم المدني أو تدير مؤسسات تعليم .
يضم التعليم الديني قبل الجامعي المعاهد الأزهرية للتعليم قبل الجامعي بجانب المعاهد النوعية مثل معاهد المعلمين ومعاهد القراءات، ورياض الأطفال . وذلك بالإضافة الي الجامعات المنتشرة في كل المحافظات وتتميز بمنع إختلاط الطلاب و الطالبات وعدم قبول الطلبة من غير المسلمين حتي في الجامعات التي تدرس العلوم مثل الطب والهندسة وغيرها.
يدخل الدين في منظومة التعليم المدنية من أربع طرق:
الطريق الأول: وجود منهج التربية الدينية الإسلامية (والمسيحية) في كل مناهج التعليم بدءاً من الصف الأول الابتدائي، وحتى الصف الثالث الثانوي. بالإضافة إلي وجود نصوص كثيرة من القرآن والأحاديث النبوية في مقررات اللغة العربية بالمراحل الدراسية المختلفة..
الطريق الثاني: وجود مدارس تنشأ من منطلقات دينية وتؤكد ذلك في اسماء هذه المدارس ، ومعظمها من المدارس الخاصة أو التابعة لجمعيات أهلية أو التابعة لبعثات تبشيرية. وبالرغم من أن هذه المدارس تلتزم في برامجها بخطة وزارة التربية والتعليم، إلا أسماءها تدل على وجود اتجاه ديني واضح في الرؤية التي يتبناها القائمون على شئون هذه المدارس؛ وتحرض هذه المدارس على بعض الأنشطة والممارسات التي تستهدف صبغ التلاميذ بصبغة دينية معينة، وتقدم أنشطة لا صفية تستهدف التلقين الديني على نحو مباشر أو غير مباشر.
الطريق الثالث: المدرسون الذين يتبنون اتجاهاً دينياً خالصاً في عمليات التعليم في المدارس العامة، والذين يفرضون رؤيتهم على التلاميذ، أو ينقلون لهم ممارسات قد لا ترتبط بالضرورة بالمناهج الدراسية (التفسيرات الخاطئة للدين أحيانا، وبث الفكر الخرافي أحياناً أخري، والتطرف في الرأي أحياناً ثالثة) بفرض نوعية الملابس أو بالفصل بين المسلمين والمسيحيين أحيانا أخري.
الطريق الرابع: من خلال خطب الجمعة وهي أكبر منبر لنشر الثقافة الدينية ، وهو مايجب أن ترحب به الدولة فقط إن كان في إطار إحترام حرية ممارسة العقائد وإحترام كل الأديان وعدم التركيز علي قصص بعينها تنشر الخرافات وتؤكدها . يلي ذلك الدروس التي تلي الخطب في الجوامع وخطب الأحد في الكنائس التي تتم بلا مراجعة ولا إعتماد لمضمونها بشكل جدي..، ومن البديهي أن هذا النمط من التعليم يعد تعليماً غير مقنن ، ويصعب التحكم في الأفكار التي تقدم من خلاله، إلا أنه نمط هام جداً لأثره التراكمي عبر السنين على جموع الشعب وخصوصا شبابه..و يقدم أسبوعيا بلا توقف.
كان التعليم الديني التقليدي قاصراً على الذكور في الماضي، ولكن البيانات المعاصرة تؤكد أن مساحة الإناث تتسع على خريطة التعليم الديني.
يمثل التعليم الديني بهذه الامتدادات والتوسعات تعليماً موازياً للتعليم المدني، إلا أن هذه التوسعات لا تصاحبها توسعات كيفية في نوعية البرامج التي تقدم إلى الطلاب ولا وسائل تقديمها. وبرسم خط بياني لزيادة التعليم الديني يتضح أنه بحلول عام 2030 كسنة قياس أن التعليم الديني سيمثل 14 % من مجمل التعليم فى المدارس وأكثر من 30% فى التعليم الجامعى.
إن الواقع يشير إلى إمكانية أن يكون التوسع في التعليم الديني داخل منظومة التعليم المدني العام كبير أيضا إذا نظرنا إلى الموضوع خارج نطاق المناهج الدينية المقررة، بل الأيديولوجية الكامنة في العملية التعليمية، وإدارتها، وفي عقول المشرفين عليها والقائمين بالتدريس والنماذج التعليمية في اللغة العربية والمناهج الأخرى التي تعمق مفاهيم قد تكون غير متوافقة مع الدستور مثل حقوق المواطنة.
إن فلسفة التعليم الديني بالمعاهد الأزهرية خصوصاً في السن الصغير يعتمد علي الحفظ والتلقين كأساس وهو ما يمثل تحدياً فلسفياً فى إطار توجه التعليم بعيداً عن هذه الفلسفة.
ولا يتم لا في التعليم العام ولا الديني تحقيق المحور الرابع من رؤية التعليم 2030 وأقصد بناء الشخصية و لا ممارسة الفنون والرياضة المدرسية ولا المناخ الرقمي الذي تؤكد عليه رؤية البلاد . كما يعاني التعليم عموما والديني مثله من غياب للامركزية وانخفاض مستوي المعلمين والحوكمة في إدارة المدارس..
قد تكون المنافسة في التعليم بالمعاهد الأزهرية بين الطلاب أقل منها في التعليم العام حيث أن الطلاب يعلمون أن هناك أماكن تستوعبهم بجامعة الأزهر الأمر الذي قد يدفعهم لعدم المنافسة الجادة ولا يشجعهم على المنافسة وهو المحور الخامس من رؤية التعليم ٢٠٣٠.
إن الآخذ بالمناهج التعليمية العامة في المعاهد الدينية، يضاف إليه حِمل أكاديمي آخر وهى العلوم الدينية–مما يُحمل الأطفال- خاصة في السنوات الأولي من العمر، عبئا قد لا يتوافق مع قدراتهم الاستيعابية في المرحلة السنية المحددة.
إن تضخم جامعة الأزهر بعدد من الطلاب يفوق قدرة أي مؤسسة تعليمية للوصول إلي معايير جودة مقبولة. ( الرؤية ان لا يزيد عدد الطلاب عن ٥٠ الف طالب في الجامعة الواحدة دينية او مدنية).
يمكن تصنيف اتجاهات الفكر الذي ينادى بإصلاح التعليم الديني في ثلاث اتجاهات:
الأول: ينادى بمحاصرة التعليم الديني وتحويل منظومة التعليم برمتها إلى منظومة مدنية.
الثاني: ينادى بإصلاح المناهج الدينية من خلال تحويلها إلى مناهج عقلية تقوم على الإبداع والحوار والمنافسة، لا على الاستظهار والحفظ والتلقين.
الثالث : ربط إصلاح التعليم الديني بإصلاح المنظومة التعليمية ككل بداية من مقررات التربية الدينية وما تحمله من مضامين غير متوافقة مع الدستور والتطور والتركيز علي المعاملات ومكارم الأخلاق والفضائل والقيم الإنسانية، مروراً بالمعلم وكفاءته التربوية ومستواه العلمي، والوسائل التعليمية المتاحة وأثرها في الطالب، وانتهاء بالمنظومة المجتمعية بشكل عام وتعدد المداخل التي يتسرب منها التعليم الديني والتي قد تبدو في ظاهرها شرعية إلا أنها قد تمرر الفكر الهدام من جهة أخرى وتزعزع قدره الطلاب على التحصيل الجيد للعلوم.
ونؤيد المنهج الثاني والثالث في التعامل مع التعليم الديني.
إننا نؤمن بتميز الأزهر (جامعاً وجامعة) بخبراته الدينية المتراكمة معبراً عن الوجه الحقيقي للإسلام الذي يتميز بالوسطية والاعتدال مما يؤهله عن جدارة لأن يمثل المرجعية الدينية الكبرى للإسلام في العالم متبنياً نظرية تكامل الحضارات وليس صراعها، الا أن الكثير من المناهج تحتاج الي المراجعة لأنه يوجد بها أفكار قد تؤدي الي التطرف وتدعم العنف مع المختلف وعدم المساواه بين الرجل والمرأة ..
التعليم الديني مثله مثل التعليم العام يجب أن يتجدد في مؤسساته معايير جودته، والمنتظر من مخرجاته وأن يحدد الخبراء فيه، وأهل العلم من أساتذته وأئمته هذه المعايير، والمؤشرات الواجب استخدامها وتقويم أداء مؤسساته بنفس المنهج العلمي وصولا لتحقيق أهدافه المعلنة
. إن ما نطرحه ليس تدخلا في محتواه ولكن في تحديد السياسات التي تحكم جودته وتقويمه وساعات التمدرس فيه ضمانا لجودته وزيادة أثره الإيجابي في المجتمع وتكامل نظم التعليم الأخرى معه..
علينا المظر في تقسيم العبء الأكاديمي للعلوم الدينية علي الأطفال بشكل يتناسب مع قدرتهم العقلية في كل مرحلة سنية وتحديد المراد من الطفل في كل مرحلة تعليمية، من ناحية المعارف والمهارات، بشكل يتوافق مع قدراتهم السنية، ووضع المعايير القياسية للعلوم الدينية.
وقد يكون دراسة زيادة سنوات التعليم في المعاهد الأزهرية، سنة مدرسية كاملة، حتى يمكن للطالب استيعاب الإضافة التعليمية الدينية التي يضعها العلماء المتخصصون توزيعا علي سنوات الدراسة إقتراحاً وجيهاً
لابد من السماح بحرية الانتقال بين نظم التعليم العام والديني، حسب المعايير المعلنة لذلك في كل مرحلة سنية.
ولابد من ±نقل محاسبية التعليمالديني في البرلمان للجنة التعليم بدلا من اللجنة الدينية وهو الوضع الذي تغير الي هذا الشكل أيام حكم الإخوان ، ولم يتعدل بعد الخلاص منهم وهو ما يؤكد صبغ كل التعليم في المؤسسات التابعة بصبغه دينية وليس بصبغة تعليمية علمية.

التعليقات

التعليقات