الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / الفرصة للإنقاذ (٨)‏ التوسع في إتاحة التعليم العالي ‏منطق متفق عليه وأسلوب مختلف عليه

الفرصة للإنقاذ (٨)‏ التوسع في إتاحة التعليم العالي ‏منطق متفق عليه وأسلوب مختلف عليه

الفرصة للإنقاذ (٨)‏
التوسع في إتاحة التعليم العالي ‏
منطق متفق عليه وأسلوب مختلف عليه
يلتحق حوالي ٣٤٪ فقط من المصريين في الفئة العمرية ما بين ١٨-٢٣ سنة بنظام التعليم ‏العالي المصري وتحدد رؤية مصر أن تصل نسبة الإلتحاق الي‎ 45% ‎في عام ‏‎2030 ‎، ‏ويبلغ إجمالي عدد الملتحقين حوالي ٣ مليون طالب أو أكثر وحتى يتسنى رأب هذا الصدع ‏الكبير ، حيث أن المتوقع من زيادة أعداد السكان من فئة الشباب المستهدفة من بين السكان، ‏يصبح عدد الطلاب المتوقع وجودهم بعد عشر سنوات في الجامعات والمعاهد العليا أكثر من ‏أربعة ملايين طالب وطالبة. إنه يجب التخطيط بدقة لأعمال التوسع هذه خاصة إذا تعلق ‏الأمر بالمؤسسات القائمة، حيث أدى التوسع فيها فيما مضى إلى تدهور مستوى الجودة وتدني ‏الكفاءة الإدارية، وظهور أنماط متعددة من الفساد. . ‏
ويواجه منطق التوسع في التعليم العالي وإتاحة الفرصة للشباب المصري المتطلع إلى ذلك، ‏تحديا من قطاع من قادة المجتمع السياسي تحرجا من ربط زيادة عدد خريجي التعليم العالي ‏بالبطالة وكأن هذا التوسع في المستقبل سيحدث دون نمو اقتصادي متوقع وزيادة فرص العمل ‏المتاحة‎ ‎، وهنا علينا إدراك أن تحقيق أهداف الرؤية متداخل بين أطراف التنمية المستدامة. ‏كذلك لا يرى هذا القطاع من الساسة سوى أن تدهور منتج التعليم العالي سيظل مستمرا دون ‏تحسن، الأمر الذي يتهرب في وجهة نظرنا، من مواجهة رفع مستوى جودة أداء الجامعات ‏والمعاهد العليا الذي سيؤدى بدوره إلى أن يكون خريجي هذه المؤسسات خالقي فرص العمل ‏والمبادرين في المستقبل لبناء الأعمال وريادتها وليسوا فقط طالبي وظائف..‏
إننا لا يجب أن نغفل أن خريجي التعليم العالي هم قادة المستقبل ورواده، وإننا ننافس على ‏ريادة المنطقة بقدراتنا البشرية التي يتم بناؤها في هذه المؤسسات، كذلك يواجه تحدى التوسع ‏في التعليم العالي رؤية ضيقة ترى أن التوسع في التعليم الفني هو بديل عن التعليم العالي ولا ‏يراه جزءا منه وهو منهج يغفل أن حوالي ٥٠٪ من شبابنا بعد المرحلة الإعدادية هم الآن ‏في مؤسسات التعليم الفني المدرسي، ويعانون أكثر من غيرهم من تدني مستوى التعليم قبل ‏الجامعي، والمهارات المكتسبة للجدارة المهنية.‏
إن تعديل رؤية التعليم العالي لتشمل بعض توجهات التعليم الفني والتدريب المهني ‏والتكنولوجيا تجعل التوسع متوازنا ويتيح مساحة أوسع من التوسع خارج نطاق الجامعات ‏التقليدية يتواءم مع رفع قيمة التعليم الفني العالي في إطار رؤية متكاملة للإطار القومي ‏للمؤهلات وهو ما نري الدولة تسعي اليه وما نؤيده . ‏
الوضع الحالي هو أن حوالي ٤٠٪ فقط من شبابنا يتوجه للمرحلة الثانوية المدنية، وإن لم يتم ‏التوسع في التعليم العالي، فإننا ننتقص من حق هؤلاء الشباب بل ونهدر فرص التنمية في ‏مصر، ناهيك عن عدم القدرة على حل عنق زجاجة الثانوية العامة دون التوسع في القبول في ‏التعليم العالي بأشكاله المختلفة مع فتح الطريق للخروج منه والدخول إليه في أي عمر ‏للشباب، ويجب أن يأتي هذا دعما للتعليم المستمر الذي يمثل العمود الفقري لاستمرار التقدم.‏
ويبقى السؤال، هل تستطيع الدولة وحدها أن تقوم بأعمال التوسع هذه مع الحفاظ على جودة ‏التعليم؟ والإجابة في هذا السياق هي النفي بالتأكيد. إذن من يستطيع القيام بذلك؟ إن مثل هذا ‏التحدي يحتاج إلى:‏
‏.‏
‏١- تحفيز غير تقليدي لمبادرات القطاع الخاص غير الهادف للربح .‏
‏٢- تنظيم استثمارات القطاع الخاص الهادف جزئيا أو كليا للربح بشكل يتسم بالشفافية.‏
‏٣- أن تعتبر الدولة ملكيتها للأراضي حصة لها في الاستثمار التعليمي يخفض من التكلفة علي ‏المستثمر وينعكس علي تكلفة التعليم للطلاب و يجتذب الاستثمار دون مغالاة. ‏
وفي هذا السياق، لا ينبغي إنشاء مؤسسات سواء كانت تابعة للقطاع العام أو الخاص، إلا إن ‏كانت قادرة على تقديم مستوى أعلى من الجودة. وأعتقد أن مبادرات القطاعين العام والخاص ‏تستطيع أن تقود التنمية في الفترة الحالية، كما تستطيع الدولة أن توجد المناخ الصالح للتنمية.‏
وفي إطار تولي الدولة مسئولياتها تجاه التعليم العالي المملوك للشعب، فيجب :‏
أولا: إحترام إستقلالية الجامعات الأكاديمية ، وإدارتها الذاتية و أن لا نتعامل مع أساتذة ‏الجامعات على أنهم موظفين بل بعقود مشروطة وحسب إحتياجات كلياتها.‏
ثانياً: يجب على الدولة في هذه الحالة أن تضاعف التمويل الحكومي والاجتماعي الموجه ‏للتعليم العالي الحكومي، مرة كل ثلاث سنوات، على مدار التسع السنوات القادمة وأن تحدد ‏الدولة قيمة الموازنات التي يحتاجها كل طالب عبر دراستة والتي ستوفرها له الدولة .‏
ثالثاً: إيلاء اهتمام خاص للجامعات التي تباشر أنشطة بحثية على مستوى عالمي ومضاعفة ‏موازنتها. ‏
رابعاً: أن ترفع كفاءة استخدام الموارد المتاحة داخل مؤسسات التعليم العالي. (الحوكمة/الحكم ‏الرشيد)، والتخلص من العمالة الإدارية والأكاديمية الزائدة خامساً: تعظم الفوائد التي تأتي ‏بها المعرفة والمزايا المجتمعية لهذه المؤسسات، وضمان انعكاس ذلك على المؤسسة نفسها ‏والعاملين فيها.‏
وكي يتسنى تحقيق مثل هذه المهام، ينبغي أن تحظى مؤسسات التعليم العالي بالمزيد من ‏الاستقلالية (الإدارة الذاتية) وفي ذات الوقت تهتم بالسعي نحو تقوية روابطها بشكل منظم مع ‏المؤسسات والشبكات الإقليمية والدولية. وعلى أي حال يجب أن تكون تلك المؤسسات:‏
مسئولة مالياً. ‏
خاضعة لأنظمة اعتماد صارمة، و لرقابة دقيقة وذلك لضمان الجودة. ‏
ملتزمة بمواثيق النزاهة المؤسسية.‏
إن التزام الحكومة تجاه التعليم العالي لا يعني أن كل مؤسسات التعليم العالي ينبغي أن تملكها ‏الحكومة، وتديرها، فهذا وضع نقل كل الفساد الثقافي الكامن في جنبات القطاع العام وممارسته ‏إلى هذه المؤسسات بدرجات متفاوتة. كما أن مثل هذه المؤسسات لا بد وأن تديرها من وجهة ‏نظري مجالس مستقلة، بتمثيل رباعي متمثل في الدولة والمجتمع المدني والمجتمع الأكاديمي ‏والقطاع الخاص، وهو تصور قابل للتطوير وإضافة أصحاب مصلحة آخرين بأشكال مختلفة، ‏وقد تكون نسب التمثيل أيضا في حاجة إلى المناقشة لضمان التوازن النسبي بين هذه الجهات. ‏
إلا أن هذه الدائرة الجديدة التي من شأنها أن تحل محل الحكومة، تحتاج إلى التطوير والتنمية ‏حتى تصبح مسألة محاسبة مثل هذه المؤسسات أمام المجتمع مسألة واقعية. وبناءً على ما تقدم، ‏فالأمر يحتاج من وجهة نظري إلى فترة انتقالية تصل إلى خمس سنوات لبناء قدرات تلك ‏الجهات التمثيلية، ونرى أنه خلال هذه الفترة يمكن أن يتم تعيين هؤلاء الممثلين من قبل الدولة ‏بشكل شفاف وبناء على معايير معلنة، وبالاتفاق ما بين المجتمع الأكاديمي والدولة على ‏أساليب الاختيار ، والأهم في إطار زمني محدد..‏
وأكرر أنني أشجع مشاركة القطاع الخاص في تقديم خدمة التعليم العالي ولكن بالعلم أنه ليس ‏بديلاً لدور الدولة .‏
‏ قد يعاب على القطاع الخاص في التعليم استقطاب الشباب من الأسر القادرة ماليا بغض ‏النظر عن قدراتهم وكفاءتهم مما يعطى فرصة لذوى الإمكانات المادية دون الاعتداد بتكافؤ ‏الفرص والعدالة الاجتماعية ، وهي في الحقيقة وظيفة الدولة وليس مؤسسي هذه ‏الجامعات. ولولا قصور كفاءة الجامعات الحكومية وعدم قدرتها على استيعاب الطلب ما ‏ظهرت الجامعات الخاصة من الأصل. وعموما طالما انها مؤسسات قانونية ولها شرعية فلابد ‏من احترام وجودها ومساندتها في إطار رؤية واضحة لدورها . ونحن نعلم أن قدرة التعليم ‏الخاص الهادف للربح الآن من الاستيعاب لا يمثل سوى أقل من ‏‎7% ‎‏ من مجموع الطلاب ‏في الجامعات المصرية . ‏
إنني أري دخول الدولة منافساً للقطاع الخاص في التعليم العالي خطئاً إستراتيچياً ، فلا الدولة ‏مستثمر جيد ، ( وهو ما ثبت عبر التاريخ ) ولا هو واجب الدولة في المقام الأول حتي لو ‏أسمينا مؤسساتهاً الخاصة أسماءاً لا تمثل حقيقتها ولا يجب علي الدولة تحويل الجامعات ‏المملوكة للشعب الي قطاع خاص بالتحايل بخلق نظم لتحصيل الأموال من الطلاب . ‏
وعلي العموم فإن تحمل الطلاب وعائلاتهم جزء من تكلفة التعليم العالي يجب أن يكون من ‏خلال نظام تمويل طلابي طويل المدي بدون فوائد يتم سداده فقط عنما يعمل الخريج بعد ‏تخرجه( الأمثلة والنظم متاحة في دول أخري ).‏
لذلك فإنني أرى في الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص في بناء مؤسسات التعليم العالي ‏الجديدة نموذجا، قد يكون حلا وسطا بين القطاع الخاص الهادف للربح، والقطاع الأهلي الذي ‏يعتمد كلية على التبرع والهبة والوقف، وهو الذي ينشأ عادة من تراكم الثروة في القطاع ‏الخاص في إطار نمو اقتصادي مستدام، وهو الأمر الذي أراه سيحدث في مصر خلال عقدين ‏من الزمان لن نستطيع الانتظار خلالهما بدون تحرك.‏

التعليقات

التعليقات