الفرصك للإنقاذ (٩)
الجامعات الخاصة والأهلية
الفرصة والمحنة
بقلم حسام بدراوي
تطرقت في المقالات السابقة للفرص في التعليم العالي ، ورؤية مصر ٢٠٣٠ فيها بتطوير التعليم بكافة أشكاله ومراحلة في إطار تنمية الإنسان المصري.
التعليم العالي ، قطارُ التنمية وله قواعده وعلي كل قطاعات المجتمع مسئوليات تجاهه. وشرحت دور القطاع الخاص وأنواعه وتاريخه ، وأشرت الي المحنة من بعيد. وأنهيت المقال بوجود حلول للتحديات مع بيان دهشتي وتعجبي من تصرف الدولة أحياناً تجاه سياسات التعليم العالي التي قد لا تتوافق مع الدستور ولا رؤية ٢٠٣٠ ، وعندي أمل في الفهم المتسع للوزير الحالي وقبوله النقد والنصيحة بدون حساسية وهو ما أثني عليه.
إنني علي عكس الكثيرين أري حق الشباب المؤهل والمستعد للتعليم العالي حقاً دستورياً ، لا يستلزم ملاءة مالية ولا انفاق أسري للحصول عليه.
وأري ان توفير تمويل الطلاب المؤسسي للحصول علي هذه الفرصة حق أساسي لهم.
ولا ننسي ان هناك فجوةً في إتاحة التعليم العالي لابد من تخطيها لأن نسبة من يحصلون علية من شبابنا من ٣٣ الي ٣٨ ٪ وأن رؤية البلاد هي توفير هذا التعليم ل٥٠٪ من هذه الفئة.
واذكر القراء بأن التعليم العالي والتعليم العالي المهني هو قاطرة التنمية وأعود دائماً لمقولة د. طه حسين :
”إن الجامعة لا يتكون فيها العالم وحده، وإنما يتكون فيها الرجل المثقف المتحضر الذي لا يكفيه أن يكون مثقفا، بل يعنيه أن يكون مصدرا للثقافة، ولا يكفيه أن يكون متحضرا، بل يعنيه أن يكون منمياً للحضارة، فإذا قصرت الجامعة في تحقيق خصلة من هاتين الخصلتين فليست خليقة أن تكون جامعة.
ويقول أيضاً” إن الأمية ليست هي أمية القراءة والكتابة فقط بل هي أيضاً أمية القراءة والكتابة والفهم ، فمن لا يفهم يصبح أسيرا لمن يقدمون له معرفة منقوصة أو مُحَورة ويتملكون عقله”
وكأنه كان يضع فلسفة اتساع المعرفة وبناء الشخصية والقدرة علي الاختيار الذي يجعل من البشر ، صانعي حضارة ، أمام أعيننا .
انتقل إلي موضوع المقال الأساسي وهو علاقةً القطاع الخاص بالتعليم العالي.
إنني أرى في الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص في بناء مؤسسات التعليم العالي نموذجاً، قد يكون حلا وسطاً بين القطاع الخاص الهادف للربح، والقطاع الأهلي الذي يعتمد كلية على التبرع والهبة والوقف، وهو الذي ينشأ عادة من تراكم الثروة في القطاع الخاص في إطار نمو اقتصادي مستدام، وهو الأمر الذي أراه قد يحدث في مصر خلال ثلاث عقود من الزمان لن نستطيع الانتظار خلالهما بدون تحرك.
الدولة تملك الأراضي، والخدمات، وتملك الثروة البشرية في جامعتها العامة التي أنفقت عليها، واستثمرت فيها، والقطاع الخاص يملك مصادر التمويل التي لا تلقى عبئاً على موازنة الدولة ، وهذه الشراكة، يمكن لها تحقيق أهداف متعددة، وتقدم نموذجاً يستعيد فيه المستثمر أمواله بعد عدد من السنين، ويحقق عائداً عليها، أو قد يرتضى إيقافها على المؤسسة التعليمية، وتستطيع الدولة المالكة للأرض والثروة البشرية استخدام حصتها في الشراكة كى تتيح التعليم لهؤلاء الذين يملكون القدرة الذهنية والأكاديمية، و يفتقرون للقدرة المالية. إن هذا التوسع قابل للدراسة، ويستطيع استيعاب الحلم، بالفوز لكل الأطراف ، الدولة والمستثمر، والطالب والمجتمع.
والآن ما هو الدور الذي يلعبه هذا القطاع في التعليم عموماً، وفى التعليم العالي على الأخص؟ . إن التعليم الخاص التجاري الذي يهدف إلى الحصول على مصروفات دراسية تمول إدارة الجامعة الخاصة، ويتحقق بعدها عائد تجارى يمكن توزيع أرباح منه على المساهمين هو شكلٌ ،مهما وصل التوسع فيه ، فإنه لن يستطيع أن يستوعب غير عدد محدد من الشباب، فهذه الجامعات بعد ٢٩ سنة من البدء في نموذجها لا تستوعب كما ذكرت الا حوالي ٦.٢٪ من مجموع الطلاب في هذه المرحلة.
إن هذا الشكل من القطاع الخاص في التعليم العالي ينبغي أن يتم التعامل معه بما يضمن حقوق مساهميه، وبما يضمن قبل ذلك حقوق المواطن، لذلك فإنني وضعت من وجهة نظري بعض التوصيات التي أراها واجبة لتحقيق هذا الهدف الثنائي، ألخصها في التالي.
.
(أولا ) وجوبية قيام هيئة الاعتماد وضمان الجودة في التعليم التي جاهدنا لإنشائها بأداء دورها في تقييم هذه الجامعات، حيث أن ذلك سيعطى المجتمع الثقة في أن كافة الجامعات في مصر تخضع لنظام موحد لتقييم الأداء وضمان الجودة، بشكل دوري ومنظم وفي إطار معايير التقييم العالمية. وبذلك نحمي المجتمع من ناحية ونحمي الجامعات الخاصة من الاتهامات التي تعم علي الجميع فتأخذ معها الصالح والطالح في قفص واحد.
(ثانياً) الاهتمام والدعوة على أهمية توسيع قاعدة الملكية لأسهم هذه الجامعات، بدلا من الملكية الأحادية أو الأسرية وتحفيز القطاع الخاص علي ذلك ومباركة الدولة لهذا التوجه.
(ثالثاً) تحديد مسئوليات كل من صاحب رأس المال والإدارة الأكاديمية واليومية للجامعة، بحيث تتوفر الحرية في اتخاذ القرار الأكاديمي وكذلك الإداري اليومي للقائمين على العمل بالجامعة، بدون التدخل من صاحب رأس المال أو من يمثله وبما يحقق رسالة الجامعة وكفاءة الخدمة التعليمية المقدمة للطلبة. وهذا ينطبق علي الدولة كمالك للجامعات الحكومية أو شبه الأهلية.
(رابعاً) إن إشراف الدولة على التعليم الخاص لا يجب أن يُترجم في أي وقت على أنه التحكم في مرونة وحرية هذه الجامعات في الابتكار والإبداع والاختلاف عن النظم النمطية. إن هناك فرقا بين المنظم والمراجع لضمان تحقيق الأهداف، والمتحكم والمتداخل بهدف السيطرة السياسية او منع المنافسة بالتدخل لصالح ما تملكة الدولة من مؤسسات تعليمية قديمة تحت مسمي الجامعات الحكومية او مؤسسات تعليمية جديدة تحت مسمي الجامعات الأهلية . علي الدولة الاحتفاظ بدورها في التنظيم والتدقيق وتبتعد عن ان تكون منافسا في نفس الوقت.
أما ما يخص الجامعات الأهلية فإن لها تعريف دولي أكاديمي متعارف عليه ، وآخر مصرى مُبتدع . فحسب التعريف الدولي فالجامعة الأهلية هي التي ينشئها الأهالي وليست الحكومة، واذا شاركت الحكومة في انشاءها فلا تأخذ عائدا علي استثمارها بل يكون استثمارها هبة او وقف. والمجتمع الأهلي هو مجتمع المواطنين، ومؤسساته الأهلية التي يكونونها ويُمولونها ويُديرونها في حدود القانون العام. فمثلا جامعة القاهرة نشأت بدايةً كجامعة أهلية تَسابق علي تمويلها المواطنين وأعضاء الأسرة العلوية ثم تحولت الي حامعة حكومية.
وأحب أن أنوه بأن قرار إنشاء عشر جامعات أهلية جديدة في مصر جاء بعد اجتماع حكومي على أعلى مستوى لم يكن فيه ممثلين للمجتمع المدني ، الذين يفترض بحكم التعريف أنهم هم الذين سينشئون هذه الجامعات. ووفقا لتصريح الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالى وقتها وما ثبت بعدها فإن الحكومة هي التي ستوفر الاستثمار والدعم لهذه الجامعات والذى سيصل إلى قرابة ثلاثين مليار جنيه وانه سيتم استرجاع استثمار الدولة في ٢٥ سنة ، أي أنه من الناحية الاقتصادية فهذا ليس استثماراً موفقاً ومن الناحية الفلسفية لتعريف الجامعات الأهلية فانه لا يحقق هدف كونها أهلية. والواقع أنني أراها جامعات حكومية خاصة بمصاريف، وتتبع المجلس الأعلى للجامعات الذي أصبح هو المتحكم في الجامعات كلها رغم أن أصل نشأته كان تشاوريا بين الجامعات وليس رقيباً عليها او متحكماً فيها .
إن مفهوم وفلسفة ودور الدولة في التعليم العالي لا يجب فيه خلط الدور التنظيمي الضامن للعدالة والدور التحكمي الباحث عن السيطرة ودور المالك المنافس ،فلا يجب ان تكون الدولة منافس وحَكم في نفس الوقت.
في النهاية فإننا يجب أن ننظر إلى الجامعات بمفهوم مختلف، حيث أن تعدد واختلاف الملكية، لا يجب أن يؤثر على معايير الحكم والتقييم للمؤسسة، لأنه في كل الأحوال يجب أن تتمتع الجامعات بغض النظر عن الملكية بالاستقلال الأكاديمي وأن تٌقيم تقيماً محايدا من هيئة ضمان الجودة والاعتماد . وأكرر إننا يجب أن ندافع عن حق الاستقلال الأكاديمي عن السلطة السياسية، أو السلطة الاقتصادية التجارية، وهو المفهوم الذي لا يجعلنا ننظر للجامعات من مدخل الملكية، ولكن من مدخل جودة الأداء، ومدى قدرة الخريج على التكيف مع أسواق العمل، والاستمرار في التعلم، وقبل كل ذلك، قدرته على صنع الحضارة، وتنمية الثقافة، والمشاركة في صنع مستقبل بلاده.