الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / المأمول.. من دروس الجائحةحسام بدراوي

المأمول.. من دروس الجائحةحسام بدراوي

المأمول.. من دروس الجائحةحسام بدراوي

(1)

بادرنى الشاب اللماح قائلا: غلب غلبنا يا دكتور!! التصريحات حول كوڤيد- 19 أصبحت متناقضة! بل والتعليمات الإرشادية تبدو أحيانا متضاربة! فهمنا أهمية التباعد الاجتماعى والضرورة القصوى للتباعد البدنى. ثم بعد ذلك.. أقنعتنا بضرورة إجراء «فحوص جماعية» أسوة بكوريا الجنوبية وألمانيا. كذلك عرفتنا بأهمية إشراك المجتمع من خلال تطبيقات إلكترونية للإبلاغ والتسجيل لأى أعراض مرضية. ثم حدثتنا عن التعليم عن بعد، وأيضا عن توسيع ورفع كفاءة النظام الصحى للبلاد حتى يستوعب احتمالات الإصابات المستقبلية. بل وإنك كذلك أقنعتنا بضرورة تحقيق التوازن بين الحاجة إلى العودة للعمل من أجل تجنب حدوث مأساة اقتصادية، وبين مخاطر كسر تعليمات التباعد الاجتماعى والبدنى، مع التركيز على أهمية رفع وعى الجماهير ومشاركتهم الإيجابية!

قلت: نعم.. صحيح.. قلت كل ذلك!!

قال: إذن.. تحملنى قليلاً! نحن فى مصر.. لم نفعل أيا مما اقترحته! ومع ذلك.. فنحن من أقل البلدان إصابة من حيث انتشار ڤيروس كورونا المستجد! فلماذا؟!!

ابتسمت، خلال محاولة منى لإيجاد إجابة علمية، شافية!

إلا أن زميلة له.. أردفت قائلة: لم نعمم اختبارات الفحص، وصورة الزحام فى الشوارع تكشف بوضوح عدم الالتزام بالتباعد الاجتماعى والبدنى، ولم نسمع بعد عن بروتوكول علاج فعال نستخدمه، ولم تنتشر التطبيقات الإلكترونية! بل إن الحكومة من جانبها قللت من ساعات الحظر خلال شهر رمضان لتسمح للمحال التجارية بالعمل لساعات أطول، وبالتالى للمواطنين أن يتجاوزوا تعليمات التباعد الاجتماعى والبدنى.. فيما أعتبر إشارة واضحة لقدر أكبر من تخفيف القيود، ومن التساهل! ورغم ذلك كله.. فإنك كما قال زميلى.. تؤكد أننا فى وضع أفضل من غيرنا!!

قلت: لا يوجد لدى تفسير علمى يعتمد على دراسة أو بحث يبرر ذلك.. ومعكم كل الحق فيما تقولونه! ولكن.. من حسن السياسة والإدارة للأزمة.. أن نتحوط، وأن نراقب حتى لا نتفاجأ بانتشار للمرض يفوق إمكاناتنا!

عاد الشاب اللماح ليسأل: إذن.. ما الذى فشل فيه الغرب، وأقصد تحديداً، الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة الأمريكية؟! لماذا ظهروا بهذه الهشاشة، وانتشرت العدوى لديهم؟!

قلت: الحقيقة أن الحكومة المصرية تعاملت بتوازن مع الجائحة، وعلى قدر الإمكانات المتاحة حتى الآن.. وعلينا أن نشيد بذلك.

ولكن رداً على ما حدث فى الغرب، فإن رأيى أنه إخفاق سياسى من الدرجة الأولى! فلقد علمت هذه الدول مسبقاً باحتمالات انتشار الجائحة من قبل حدوثها.. إلا أنها لم تستعد لها!!

إن أموال وموازنات الغرب التى تنفق على التسليح، والحروب المفتعلة، خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى وكالات الاستخبارات لإحداث ثورات وانقلابات فى جميع أنحاء العالم.. كان جزء منها فقط كافياً لعمل الاستعدادات والتجهيزات المطلوبة لحماية مواطنيهم، بل والعالم بأسره من شراسة هذه الجائحة!

(2)

باختصار.. إن فشل سياسات الغرب وساساته هو المتسبب فى هذه الأزمة التى نعيشها!

إن كل الاتفاقيات التى أبرمت، والضغوط التى مورست لدخول جميع دول العالم فى منظومة التجارة الحرة، والإيمان بالعولمة، وارتباط خطوط الإنتاج بعضها ببعض.. قد سقطت فى أول اختبار حقيقى لها!!

إن الجائحة بالنسبة لكل شعب تعد مأساة محلية، وحلها لا يمكن بدون حدوث تعاون دولى وقيادة دولية.

فى ساعة الجد- للأسف الشديد- انسحبت القوى الكبرى من الساحة، وتضاءلت لتصبح قوى محلية بلا دور دولى! بل إن الولايات المتحدة الأمريكية أوقفت تمويلها لمنظمة الصحة العالمية، مثلما انسحبت من قبل من اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة) وكأنها تعترف بأنها تنزوى من قيادة العالم، وتعلن محليتها! وفى هذا الإطار، فقد أظهرت قيادة البيت الأبيض فى واشنطن عدم كفاءتها فى إدارة بلادها محلياً، وتخبطت الولايات على حدة من جانبها، وقايضت ضد بعضها البعض للحصول على احتياجاتها!

أما الاتحاد الأوروبى.. للأسف لم يكن أفضل حالاً.. وحدث ولا حرج!

سألنى الشاب النابه: إذن.. ما هو الترياق السياسى الحقيقى للأزمة؟!

قلت: الترياق السياسى هو إعلاء كلمة العلم فوق متطلبات السياسة، وبث الأمل الذى يأتى من رؤية قيادة تبرز أفضل ما فى الناس، من خلال إلهام التعاون، والغرض المشترك، والاستفادة من الإمكانات المتاحة بين كل بلدان العالم. صحيح أن الشعوب تحب، وتقدر سماع الأخبار السعيدة، والمتفائلة من قادتهم.. ولكن فقط إن كانت قائمة على أساس الواقع والحقائق والبيانات الصحيحة! فى لحظات كهذه.. عندما تكون الاختيارات التى تتخذها مؤثرة للغاية.. يريد الناس بشدة تصديق أن قادتهم يعرفون جيداً ما يفعلونه. إلا أنهم سرعان ما يدركون أيضا أنه فى مثل هذه الأوقات.. إما أن تنمو قدرات أولئك القادة فترتفع إلى مستوى التحدى، أو تتضخم أسوأ نقاط ضعفهم، فيهبطون إلى مستويات جديدة من التدنى!! والأوبئة.. لحسن الحظ.. لا تترك شيئاً فى الخفاء! فالوباء يندفع إلى كل زاوية صغيرة.. ممسكاً وكاشفا لكل نقاط القوة أو الضعف فى المجتمعات! فيظهر مدى ثقة المواطن فى حكومته، ومقدار الثقة المجتمعية المتوافرة لتحقيق التعاون المشترك، وقوة الميزانيات العمومية لشركات القطاعين العام والخاص، ومدى جاهزية الحكومات للتعامل مع غير المتوقع، وأعداد المواطنين العاملين باليومية ويعيشون على هذا الأجر اليومى، ونوعية شبكات أمان الرعاية الصحية العامة التى أنشأتها الدولة قبل حدوث الأزمة. فى هذه الأثناء.. تظهر أهمية القيادة فى كل موقع.. فى العديد من المجالات والمستويات، على سبيل المثال: فى التعليم، المعلمون ومديرو المدارس وأولياء الأمور. وفى الصحة، مديرو المستشفيات. وفى وسائل الإعلام، وأيضا المحافظون فى محافظاتهم…. ففى كل مكان.. على هؤلاء القادة مواجهة قضايا أخلاقية، ومبادلات محيرة.. وذلك لأن ما يبدو كأزمة صحية قد ينفجر، ويتحول إلى أزمة إنسانية.. سرعان ما تصبح أزمة اقتصادية وحالة بطالة غير مسبوقة! وهى بهذه الكيفية تصير أزمة تجبر القائد على المواءمة بين إنقاذ أرواح البشر وبين إنقاذ سبل العيش!

اندفعت الشابة المشاغبة قائلة: تقول لنا يا دكتور.. إن الحكومة المصرية نجحت فى أن تواجه الجائحة بتوازن.. فما هى فى رأيك معايير الحكم على أداء أى حكومة فى مواجهة الأزمة؟!

(3)

قلت: سؤال وجيه، والرد عليه له شق سياسى كما ذكرت، وهو ما أحيى قيادة البلاد عليه. وأيضا له جانب عملى. وهنا أعتقد أن ثمة سبع ركائز يجب التأكد من توافرها للحكم بمدى جاهزية الدولة، وكفاءتها وقدرتها على المواجهة إذا ما تأزمت الأمور:

1- مدى توافر الاختبارات التشخيصية (الفحص الجماعى).

2- مدى توافر المستلزمات الوقائية من كمامات وقفازات وملابس واقية ومطهرات.. سواء للفرق الطبية أو للمجتمع.

3- الشفافية فى إعلان الإحصاءات عن حالات الإصابة والوفيات، ومقارنتها بالنسب العالمية.

4- مدى توفر أسرة الرعاية المركزة، وأجهزة التنفس الصناعى، والبنية التحتية والمعملية.

5- مدى كفاءة المنظومة الصحية وقدرتها على استيعاب الأعداد الكبيرة من المرضى فى حالة تفشى الوباء.

6- مدى فاعلية واستدامة نشر الوعى الصحى بين المواطنين.

7- استمرار تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. ونركز هنا على التعليم، وتوفير احتياجات الطعام، وحماية الوطن داخلياً وخارجياً، فضلا عن الخدمات اللوچيستية المطلوبة لاستمرار الحياة.

عاد الشاب اللماح ليسأل: هناك من يتنبأ بأنه بنهاية هذه الأزمة.. ستسقط النظم الليبرالية، الديمقراطية.. وتعود النظم الاشتراكية والديكتاتورية.. كحلول سياسية، وتصير أكثر تحكما فى الشعوب؟! بل إن هناك من يتحدث عن تأميم الشركات الكبرى فى الغرب، لضمان استمرارها فى الإنتاج؟!

قلت: أولا.. هذه ترهات غير منطقية! فقد ثبت بما لا يدع أى مجال للشك أن إدارة الدولة للشركات تنتهى بمأساة الخسارة، وتدنى كفاءة الإنتاج! لقد سقط الاتحاد السوڤيتى لهذا السبب، وأفلس نظامه!

ثانياً.. حق الإنسان فى الحرية مثل حقه فى الحياة تماماً. والعودة إلى النظم الديكتاتورية تبدو لى كانتكاسة إنسانية.. لا يمكن تقبلها.

ثالثاً.. إن بزوغ نظام عالمى جديد يبدو منطقياً. فلا الرأسمالية العمياء عن الاحتياجات الإنسانية وشبكات الأمن الاجتماعى.. تبدو أمرا صائبا، ولا تحكم الدولة فى أدوات الإنتاج، الذى ثبت فشله هو الآخر.. يبدو صائبا!! أما الديمقراطية فهى من وجهة نظرى.. تدخل فى إطار جديد، يقترب من نموذج دول شمال أوروبا.. وهو ما يحتاج لازدياد الثروة، حتى يمكن كفاية الجميع.

* وصدقونى.. فإن ثروات العالم تكفى لأن تعيش البشرية فى سلام ورفاهية.. إذا ما تخلت عن الحروب وصناعة السلاح، ورغبة البعض فى التحكم فى الجميع (!) وركزت على البناء، والتنمية، والعلم. وقد تكون جائحة كوڤيد- 19 هى ناقوس التنبيه والإفاقة.. إذا ما استوعبنا الدرس المأمول!

التعليقات

التعليقات