الجمعة , 20 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / المرأة.. أصل الحياة.. د حسام بدراوي

المرأة.. أصل الحياة.. د حسام بدراوي

المرأة.. أصل الحياة
حسام بدراوي

سألتنى إحدى مريضاتى عن الرابط بين المجتمع والمرأة، فى العموم الذى تتغلب فيه نزعات الذكورة وتُتهم فيه المرأة فى كل الأحوال حتى لو كانت مغتصبة ومنتهكه حقوقها. وبين الرجل والمرأة فى الخصوص لتعرض المجتمع لموجات جديدة من التخلف بانتهاك جسدها بما يسمونه طهارة، وفرض الزواج عليها فى سن للطفولة وإخفاء هويتها باسم الحماية وسلبها حقها فى استمرار حياتها الزوجية بإلغاء قانون يمنحها هذا الحق.

ووجدتنى أفكر حقيقة، ما هو الرابط بين المجتمع والمرأة سوى تلازم ثقافى فيه انفصام شخصية يبجل ويحترم المرأة الأم ويتباهى أن مصر أم الدنيا، ويتهمها ًوينتهك حقوقها حتى لو كانت مغتصبة ويريد إخفاءها عن العيون لأنها أم الشرور فى نظرة ذكورية متخلفة.

وفكرت فى حقيقة اختراع الذكور لفكرة أن الخروج من الجنة كان بسبب إغواء المرأة التى ألبستها عقائد القدماء سبب تعاسة البشر.

فسألت صديقتى المثقفة فى ذلك متشككا فى أن حواء هى سبب خروج الإنسان من الجنة أساسًا كما تعلمنا الأساطير ومدعو التدين، فلا توجد مرجعية لذلك.

قالت لى صديقتى:

إن خروج الإنسان يا صديقى من الجنة ونزوله إلى الأرض كان لاكتمال خلقه، وليس عقابا لذنب اقترفه، فلو ظل بدون ممارسته لقدرته على الاختيار لكان مخلوقا كباقى المخلوقات وما كان له قيمة مضافة أعطاها له الله وطلب من باقى مخلوقاته أن تسجد له. لقد ميزه الله بالعقل والقدرة على الاختيار حتى لو أخطأ. وقد كان اكتمال خلقه عندما اختار وأخطأ فأنزله الله إلى الأرض ليكمل ما خلق له.

قلت: هذا مدخل جديد علىّ يخالف المعتاد من أن نزول آدم إلى الأرض كان عقابًا على مخالفته أمر ربه.

قالت:

هذا هو جمال التفكير واتساع حدوده بمرور الزمن. فمثلا لقد قرأت لك ما كتبته عن الميتوكوندريا ولم أكن أعلم ما هى، وأذهلنى مدخلك العلمى فى ربط تقديرك لحواء تمييزًا عن آدم، دمجًا مع رؤيتك الاجتماعية والثقافية المتكاملة، وأرجوك أن تعيد شرحك لذلك ببساطة سردك.

قلت لها:

إن مصدر الطاقة فى كل خلية من الستة تريليون خلية فى كل جسم إنسانى هو جهاز نانوى اسمه الميتوكوندريا وهو الـorganelle الوحيد فى الخلق الذى يورث من الأم فقط وليس من الأم والأب. لأن الأم هى الأصل. والأم هى مصدر الطاقة وحدها للإنسان ذكرا كان أو انثى.

قالت: وأنا أضيف لك أنى قد بحثت يا سيدى، فلم أجد كلمة حواء فى القرآن كله ولا الأحاديث القدسية المصنفة أنها صحيحة. ولكن وجدت أن الله سبحانه خلق نفسًا (وهى كلمة مؤنثة) وخلق منها زوجها (وهى كلمة تحتمل التأنيث والتذكير)، فتصورت خلق الزهرة (وهى مؤنثة وخلق عضو تذكير فيها نفسها فتصبح زهرة مزدوجة الجنس تلقح ذاتيًا (والذات مؤنثة أيضًا)، وبما أن النفس والذات والزوج كلها مؤنثة فتكون هى الأصل ويكون الزوج المذكر هو الذى خُلق منها وتكون كلمة (آدم) المذكورة فى القرآن ما هى إلا اسم علم لهذا الكائن المزدوج الذى بدأت منه الخليقة. وفى طفرة چينية انقسم إلى كيانين كما حدث للزهور.

ويكون تفسير الآية: «وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا» على أنها خطاب موجه للمثنى لهذا الكائن المزدوج الجنس من أصل أنثى.

والله أعلم.

وربما يا صديقى يكون علما التشريح والچينات عندك- حسب قولك- فيهما كلام مؤيد أو معارض لهذه الفكرة المبنية على منطق التحليل اللُغوى البحت.

قلت لها بابتسامة- وكانت داليا زهرتى وابنتى قد سألتنى لماذا أحب المرأة وأقدرها وأساندها دائما اجتماعيا وسياسيا:

عارفة لماذا أحب المرأة صديقة ورفيقة أكثر من الرجل؟.. قالت: لماذا؟.. قلت: الصداقة كلها محبة وسكينة نفس.. الجميل فى الصداقة أنها لا لوم فيها ولا احتياج لتبرير فعل أو غياب.. الصداقة تتخلص من ضغوط ارتباط الزواج، ويمكن الشراكة فيها، ولا تستوجب إرضاء الصديق بل أن تكون كما أنت.. فى الصداقة الزمن نسبى فقد تمر سنون وتقابل صديقا فكأنه الأمس.. فى الصداقة بهجة بدون تكلفة، وسند بدون ثمن، وحضن وصدر حنون لحظة الاحتياج.. أصل الصداقة صدق فى الإحساس والتعبير فلا احتياج لسواه.. فى الصداقة ثقة لا تختبر فى كل لقطة، وحب لا يدخل امتحان لأنه لا يحتاج شهادة لإثباته.

أقدر محبة الصداقة وبهجتها، ومعزة الصداقة ودوامها، وحريتها.

وأضفت قائلا:

لأنى أحب الحياة، وأقدس العدالة، وأسعى للحضارة وأرنو للرفاهية والعيش فى الجنة.

ولأننى لا أستطع العيش بلا حرية وفلسفتى شاملة بالمعرفة والمحبة والصحة بلا سقم فإننى أحب المرأة وأساندها.

قالت: وما علاقة ذلك بالرجل والمرأة؟

قلت وأنا أبتسم: إن كل ما أؤمن به وأحبه، طلع مؤنث وكل ما أخافه وأتجنبه طلع مذكر.

قالت وهى تضحك: وكيف ذلك؟..

قلت:

لقد ترجم ذلك أحمد شوقى أمير الشعراء فيما قاله عن تاء التأنيث..

قالت: زدنى معرفة..

قلت: َقاَل شوقى مبينًا انحيازه وانحيازى وانحياز اللغة العربية إلى تاء التأنيث: الحرف بمحدوديته ذكر واللغة بشمولها أنثى

والحب بضيق مساحته ذكر والمحبة بسموها أنثى

والسجن بضيق مساحته ذكر والحرية بفضائها أنثى

والبرد بلسعته ذكر والحرارة بدفئها أنثى

والجهل بكل خيباته ذكر والمعرفة بعمقها أنثى

والفقر بكل معاناته ذكر والرفاهية بدلالها أنثى

والجحيم بناره ذكر والجنة بنعيمها أنثى

والظلم بوحشيته ذكر والعدالة بميزاتها أنثى

والتخلف برجعيته ذكر والحضارة برقيها أنثى

والمرض بذله ذكر والصحة بعافيتها أنثى

والموت بحقيقته ذكر والحياة بألوانها أنثى

ابتسَمَت، وابتسمْت، وابتسمَت صديقتى ونحن نُثْنِى على أن المرأة هى أصل الوجود وأن الأم هى منبت الحياة.

وذكّرنى ذلك بما كتبته عن أمى عندما سألنى ابنى عليها وعنها قائلًا له:

أمى هى النسمة الرقيقة، صوت الموسيقى فى وجدانى وكل فرد منّا، والتى نحسها بلا تدخل، ونذهب إليها بلا دعوة، ولا ضغط، ونرى حبها مثبتًا لعلاقاتنا ببعض، ورابطًا لمشاعر أربعة أجيال متتالية فى أحضانها.

أمى هى شخصية متفردة فى الرقة، والحنان، والبساطة.. لا يختلف اثنان فى الأسرة على أنها الأحلى والأجمل بين كل بنات وسيدات الأسرة..

أكثر من تسعين عامًا ومازالت تعطينا نفس الإحساس، بالسلام والسكينة. لم نعرف معها توترًا، ولا غضبًا، لم نرَ تدخلًا فى خصوصية ولا تفضيلًا. تعطى الجميع محبتها وكأنها زهرة فى بستان كله من صنعها هى، فيعم علينا كلنا ريحانه وجمالها ومحبتها ومودتنا. أشكر الله على نعمته علينا بأمى، فالأم والمرأة هى أصل الحياة.

التعليقات

التعليقات