الجمعة , 20 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / المصري اليوم | د. بدراوي يكتب: متى.. وكيف نطبق الديمقراطية فى مصر

المصري اليوم | د. بدراوي يكتب: متى.. وكيف نطبق الديمقراطية فى مصر

لا شك أن الانتخابات الحرة النزيهة هى جوهر الديمقراطية وشرط ضرورى لها، إلا أنها قد تفرز حكومات معدومة الكفاءة قصيرة النظر، تهيمن عليها المصالح الخاصة، سواء الأيديولوجية أو الاقتصادية، وقد تفرز حكومات غير قادرة على تبنى سياسات تنهض بالمجتمع.. ذلك كله يجعل منها حكومات غير كفء، ولكنه لا يجعلها غير ديمقراطية.

إننا يجب أن ندرك أن ما يسبق الانتخابات من توجيه للرأى العام، خاصة إن لم يكن محصنا بالعلم والمعرفة، وجذبه أو تخويفه أو تهديده يؤثر على نتائج الانتخابات. كذلك فإن استخدام قوة المال أو خلق مناخ لا يسمح بأى قوى منظمة للعمل السياسى الحر يوجه الناخب ويؤثر عليه.

أما ما يلى صندوق الانتخابات من احترام المنتخب للحريات وللدستور والقانون والتوازن بين السلطات والتعرض للمحاسبة، فهى أمور جوهرية فى تطبيق الديمقراطية، فالمسألة ليست فقط صندوق انتخابات.

ولعل تجربة انتخابات السيد محمد مرسى، ممثلا لجماعة الإخوان رئيسا لمصر، كانت تطبيقا عمليا لشكل ديمقراطى سبقه وتلاه كل ما ذكرته من ظروف تضرب الديمقراطية فى مقتل.

ولعلى وأنا أذكر ذلك أنبه أن كل من يصل للسلطة فى بلاد غير معتادة على الديمقراطية يهيأ له أن وجوده هو الضامن الوحيد لسلامة البلاد، واستقرارها ويعيش فى وهم أنه الوحيد الذى تتماسك الدولة بوجوده وتتبارى أجهزة الدولة المحيطة به والإعلام الموجه لتعميق ذلك الشعور لديه ولدى قطاع كبير من الجماهير.

لذلك فإننى وأنا داخل الحزب الحاكم كنت أعلن وأصر على أن أهم تعديل فى الدستور كان واجبا هو تعديل المادة التى يجب أن تحدد فترة الحكم، ولعل أهم أثر إيجابى لما حدث فى ٢٠١١ ثم فى ٣٠ /٦ هو إصرار الشعب على تحديد مدة الحكم لضمان تطور الديمقراطية وتداول السلطة.

يتبقى أنه فى هذه الحالة التى حدثت وإمكان تكرار الحدوث فى مصر، وفى غيرها من الدول التى تنتقل حديثا إلى نظم ديمقراطية- طرح السؤال الأهم: أين يكمن الرادع الواقى الذى يضمن الصلاح والاستقرار والاستدامه للديمقراطية؟ وكيف يمكن التطبيق فى بلادنا؟!

فى الغرب، استقرت التقاليد عميقة الجذور فى حماية الاستقلال الذاتى للفرد وحقوقه وكرامته من إكراه مهما كان مصدره، سواء من جانب الدولة أو الكنيسة أو حتى أغلبية المجتمع، فى إطار يحمى حقوق الأقليات والحريات، لأنه يستند إلى تزاوج بين الديمقراطية والحرية والنظام.

أما عندنا، فما زالت هذه البديهيات غير مستقرة لا فى وجدان الحكام أو حتى الأفراد، فى إطار نظام تعليمى وثقافى لا ينمى هذا التوجه، ولا يجعله مستقرا فى الوجدان المجتمعى.

عندنا لا يوجد إطار مؤسسى واضح يمنع من يجلس على كرسى الحكم حتى لو أتى بإرادة شعبية حرة ونزيهة أو أى حكومة تأتى فى إطار أغلبية برلمانية حقيقية من عبور الكوبرى باستخدام صندوق الانتخابات، ثم إلى الاستبداد بالحريات والبقاء فى الحكم بدعوة المصلحة العامة والاستقرار فى إطار نظرة أيديولوجية خاصة أو الخوف من الفوضى، أو تجمع مصالح محلية أو إقليمية أو دولية، أو إطار دينى يفرض على المجتمع ثقافة بعينها، ويمنع التعددية والمواطنة.

وأذكر الجميع بأن الدستور (أبوالقوانين) وجد لينظم الحياة فى الدولة، ويتعاظم دوره كمرجعية اتفق عليها المجتمع عندما يحدث الخلاف بين الفصائل. فى لحظات الخلاف والثورات التى يركب أثناءها الأكثر تنظيما والأقوى تمويلا والأعلى صوتا، تكون المرجعية الدستورية أكبر وأكثر أهمية. إلا أننا تعودنا عندما نمر بهذه اللحظة أن نسقط المرجعية ونلغى الدستور ويصبح مصير الأمة فى يد مالك الأمور فى هذه اللقطة التاريخية.

ماذا نفعل لجعل دعوتنا للديمقراطية دعوة أيضا للحرية وحماية حقوق الأفراد وعدم انهيار المؤسسات لحظه التغيير؟.. وكيف نرشد آثار الانتخابات الحرة النزيهة إذا أتت بحكم ديكتاتورى جديد أو بفوضى عارمة تتنازع فيها المصالح؟.. وهو ما نراه الآن للأسف على مستويات متعددة فى كل مجلس منتخب بدءا من مجالس العمارات أو الأحياء أو المجالس المحلية أو النقابات المهنية أو الأقسام فى الجامعات أو حتى البرلمان. نموذج متكرر فى مصر يعطى مؤشر واضح وصريح للمستوى الأعلى فى الدولة التى هى مجموع ما يحدث على المستويات الأقل. الجميع فى صراع، وعدم التسامح والجدال، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات والفوضى التى تجعل بعض الأفراد يودّون تدخل الدولة، لفرض النظام بالقوة كما كانت تفعل من قبل فى عودة عكسية لكل ما حاربنا من أجله عبر السنين من أجل انتخابات حرة نزيهة.

الحرية الحقيقية هى الضمانة، ولا تمثلها الفوضى، وإنما من قدر من النظام. إن الحرية تحتاج إلى معالم إرشادية وأحيانا قيود.. إن الأمان الحقيقى للحرية يرتهن بقوة بعض الأسوار الحامية التى تقيها.. وهذا هو ما أفرز الديمقراطية الليبرالية الحديثة، عبر تراكم السنين فى الغرب وهو الأمر الذى لا نملك أن ننتظره فى بلادنا طويلا.

إننا يجب أن نستعيد التوازن بين الديمقراطية والحرية والحاجة للنظام، حيث تحتاج المجتمعات الديمقراطية إلى معدات ومعالم إرشادية جديدة مصحوبة للتصدى للمشكلات وظروف العصر الحالى.

إن ذلك يبدأ وبلا تردد بالعدالة والتطبيق الحازم للقانون، بدون انتقائية، وأن نفكر فى القانون باعتباره القيود الحاكمة الحكيمة التى تجعل المواطنين أحراراً، فى إطار حرية المجتمع كله انبثاقا من دستور يحترمه فعلا الحاكم والمحكوم.

هذا الدستور وما ينبثق عنه من قوانين لا بد أن يسمح بالحريات الأساسية لكل مواطن وبلا تراجع، وعدم تمتع أى سلطة كانت، مهما كانت درجة نزاهة من أتى بها، فى الاستمرار فى الحكم تحت أى ظروف أكثر من مدة محددة. فى إطار من المحاسبة السياسية فى برلمان متوازن مع السلطة التنفيذية وليس تابعا لها، وأن يقى الدستور المجتمع من أى نظام حاكم يسعى بشكل مباشر أو غير مباشر لتعديله لصالح بقائه أو التعدى على حقوق المواطنين.

إن الديمقراطية والحرية مثل تلازم أساسى فى عدم الانتقال إلى الفوضى يحكمه تطبيق العدالة وإحداث ثورة جديدة داخل مؤسسة العدالة لضمان الحق، الناجز، فى الوقت المناسب، ليس من منطلق سياسى أو أيديولوجى ولكن من منطلق حيادى لحماية مصر من اللقطة القادمة. إن أى نظام حكم يجب ألا يراهن على الوقت ليمارس الظلم مؤقتا، من خلال الإجراءات اعتمادا على طول وقت التقاضى لتحقيق العدالة، حيث تصبح الدولهة فى هذه الحالة خصما غير شريف.

ويتكاتف مع إصلاح النظام القضائى والتطبيق الناجز للقانون، فى إطار تحقيق العدالة رفع كفاءة جهاز الشرطة المنوط به تنفيذ القانون بالعلم والتدريب والمهنية اللازمة لعدم انتهاك حقوق الأبرياء فى الطريق للوصول إلى المذنبين.

أما التوجه الثانى الحاكم حول الديمقراطية والحرية، فإنه يتأكد بتغيير مفهوم التعليم والوعى الثقافى لبناء وجدان المواطن السوى الذى يتفهم الفرق بين الحكومه والوطن، ويستطيع المشاركة الفعالة فى اختيار إدارة بلاده على المستوى المركزى واللامركزى، واختيار ممثليه لمحاسبة السلطة التنفيذيه التى لا يحق لها الانفراد بالحكم دون ضوابط الديمقرطية والحرية. وسيظل هذا المحور الرئيسى والأساسى لبناء الإنسان القادر على رؤية المستقبل هو شغفى، وسأظل أحارب من أجله مهما كانت العوائق والتحديات.

التعليقات

التعليقات