الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / صحافة / حوارات صحفية / المصري اليوم حوار – د بدراوي: نحن نحتاج إلى مليون فرصة عمل جديدة سنوياً ولن تتوفر بغير الاستثمار

المصري اليوم حوار – د بدراوي: نحن نحتاج إلى مليون فرصة عمل جديدة سنوياً ولن تتوفر بغير الاستثمار

 

أبرز ما جاء في حوار أ. د. حسام بدراوي في المصري اليوم
19/3/2015
————————–————————–—-
■ المؤتمر الاقتصادى جهد مشكور للدولة يستحق التهنئة والاستدامة كل عام، فقد أعطى العالم صورة محترمة لمصر.

■ علينا أن نتعامل مع المؤتمر الاقتصادي فى إطار كونه خطوة جيدة، لكنه ليس نهاية المطاف، التنمية أشمل من مجرد نمو اقتصادى ولن يشعر المواطن بتغير فى نوعية حياته إلا باستثمار الدولة فى التعليم والصحة والمواصلات العامة وتكافؤ الفرص
■ نحن نحتاج إلى مليون فرصة عمل جديدة سنوياً ولن تتوفر بغير استثمار من القطاع الخاص المصرى أولاً والأجنبى ثانياً؛ فهما قادران على تحقيق الربح لزيادة حصيلة الضرائب، وتوفير الوظائف للمساهمة فى حل مشكلة البطالة التى إذا لم تحل فانتظروا موجات من الغضب والعنف أقوى وأعنف.■ لا يوجد تعليم يرتفع فوق مستوى مدرسيه، مهما توافرت الإمكانيات من مبانٍ وكتب وأجهزة، فالمدرس هو سقف العملية التعليمية

■ المنهج هو على غير ما يتصور الناس، فهو ليس مجرد كتاب، فالمنهج معناه أن نحدد لكل مرحلة عمرية المعارف التى يجب أن يتلقاها التلميذ والمهارات التى يجب أن يكتسبها، هذه المعارف، وهذه المهارات تمثلها مؤلفات متعددة، ويجىء معها برامج نشاط عقلى واجتماعى وبدنى لتترسخ المفاهيم فى وجدان التلميذ.

■ ما نريده من خريج التعليم أن يكون مُمكنا تكنولوجياً، ولديه فرصة دون تمييز فى الحصول على المعرفة وإدراكها واستيعابها، بل فى خلقها بعد ذلك، ويجب أن يكون منافساً عالمياً، وعلينا أن نعمل معه لاكتساب مهارات القرن الواحد والعشرين الأساسية.. علينا أن نتيح له مجتمعاً تعليمياً يجعله قابلا للتعدد، ومحترما للاختلاف، وفخورا بتاريخ وطنه، ولديه أمل فى مستقبلها، ويجب أن يكون فاهما أنه يجب أن يكون مواطنا عالميا، ينافس أقرانه فى كل أنحاء العالم.

■ قلة التمويل أو الفقر حجة العجزة والفاشلين فى إصلاح التعليم وغياب للقيادة التى تلهم المجتمع بأولوية التعليم، فيساند الشعب حكومته فيما تقوم به من إجراءات، وتجعله يثق بأهدافها المعلنة.

■ اتخذت قراراً بالاكتفاء سياسياً وعدم الترشح فى الانتخابات البرلمانية القادمة؛ لأن المناخ السياسى للأسف لا يتيح لمن له تركيبتى الثقافية والسياسية أخذ هذه الخطوة الآن، بالإضافة إلى أن أسرتى مجتمعة ترى ابتعادى واكتفائى بما قدمته بضمير مستريح لوطنى.

■ الدستور لم يراعِ ثقافة الشعب وما هو قائم منذ سنوات، نظام الحكم الحقيقى فى مصر رئاسى بالممارسة، حتى وإن كان مختلطاً فى الدستور، وهذه هى الإشكالية التى وضعنا فيها، حيث اعتمد الدستور الحالى على النظام الحزبى، ونحن نعلم أن الأحزاب الحالية لا تمثل أى ثقل مجتمعى، كما أقر الدستور النظام الرئاسى البرلمانى فى الحكم الذى يعتمد على اقتسام السلطة بين الرئيس والحكومة التى تمثل الأغلبية البرلمانية رغم أن الجميع يعلم أن ثقافه الشعب مازالت رئاسية،

■ حكم المحكمة الدستورية العليا وتأجيل الانتخابات البرلمانية فرصة لالتقاط الأنفاس وتصحيح الأخطاء فى رسم الدوائر بعدالة بين السكان والمحافظات، لو كانت الانتخابات تمت وفق القوائم التى عرضت على مستوى الجمهورية لكنا أمام تمثيل برلمانى كرتونى.

■ السياسيون الآن لا يعرضون رؤى مختلفة وليس لديهم وسائل تطبيق شجاعة، ويكتفون إما بالمعارضة كلاماً أو الموافقه المطلقة، وحتى السياسيون على قمة أحزابهم لم يقدموا أنفسهم للانتخابات ليعرفوا قيمتهم الحقيقية وأغلبهم اختبأ وراء القوائم المطلقة، لذا أتساءل كيف يكون السياسى سياسياً بدون مواجهة انتخابات ومروراً بتجارب النجاح والفشل! وكيف يكتسب الخبرة فى إدارة السياسة من وراء مكتب أو أمام شاشات التلفزيون!

■ المسار الاقتصادى كان مرتبكا، وعلينا أن نعترف بمشكلاتنا وعلى رأسها أننا لم يكن لدينا الشجاعة لإعلان توجهاتنا ونحاول الإمساك بالعصا من المنتصف حتى لا نغضب بعض المتضررين فى أى نظام يتم تطبيقه، ففى الوقت الماضى وحتى بداية المؤتمر الاقتصادى كنا مع القطاع الخاص وضده فى نفس الوقت، نريد إصلاح القطاع العام ونريد تصفيته، نريد فرص عمل جديدة ونعوق الاستثمار بقوانين تتعارض مع ما نقول، نريد تقليل الفقر وندعمه فى نفس الوقت، ندعى مجانية التعليم ونعلم أنه غير مجانى، نعلم أن الرعاية الصحية فى أغلب مستشفيات الدولة مأساة ولكننا نحارب القطاع الخاص إذا أراد الاستثمار فى هذا القطاع، وهذه الأمور اتضحت الآن إلى حد ما بعد كلمة الرئيس فى المؤتمر حول الاقتصاد الحر ودعوته للقطاع الخاص للمشاركة والمعالجة التى أقرها للسياسات الضريبية كلها أمور تريح البال وتطمئننا على المستقبل الاقتصادى للبلاد وعلى مؤسسات الدولة أن تتواءم معه ولا تعطله،

■ 7 ملايين موظف فى الدوله هم عبء وإرهاق للموازنة ولا نحتاج إلا لخمسهم، ولكننا نستمر فى التعيين نفاقاً للرأى العام.

■ الزيادة السكانية ستأكل كل جهود التنمية ومع ذلك لا أرى أولوية فى العمل لتحجيم ذلك.

■ أننا فى حالة حرب وعلى مؤسسات الدولة المدنية والحكومية مساعدة الرئيس ومساندته بالعمل ووضع الرؤى الواضحة للتوجهات. فالرئيس يختار من بدائل يقدمها له مساعدوه ومؤسسات الدولة وليس منتظراً منه أن يكون عالماً بكل شىء.

■ مفهوم العدالة الاجتماعية الذى يتكلم عنه السياسيون والثوريون هذه الأيام، غامض وغير محدد فى كيفية توزيع الدخل الذى تتم المناداة به فى الإعلام، شاملاً اتهاماً ضمنياً لمن يحقق الربح بعدم الأمانة أو على الأقل الجشع، ويتواكب ذلك مع اتجاه للملكية العامة والعودة إلى القطاع العام، حتى ولو كان يحقق الخسائر، رغبة فى المساواة فى الفقر، تحقيقاً للعدالة بين الناس، لذلك لابد من أن تكون لدينا فلسفة ورؤية للعدالة قبل الخوض فى إجراءات فرعية قد تؤدى إلى إفقار المجتمع كله فى الطريق إلى تحقيق هذه العدالة، والحكومة الرشيدة عليها التوازن بين بقاء حافز النجاح وتحقيق الربح واحتياجات الإنفاق العام.

■ السياسة لا يمكن أن تكون مجرد وعود أو مشاريع على الورق، فى النهاية إذا لم تتحقق الرفاهية، وإذا لم يسعد الشعب فقد فشل الساسة وفشلت السياسة، وهدف السياسة هو إسعاد المواطنين وليس الجدل حول الكلمات أو الدفاع عن المواقف بغض النظر عن الحقيقة، والساسة المحترمون يتفقون ويختلفون حول أساليب تطبيق سياسات ترفع مستوى المواطن فى حياته وتعليم أولاده وتدريب كوادره ورعايتهم صحياً، ومواصلات عامة تحترم آدميته وضمانات ليس لدعم فقرائه ولكن لتوفير فرص خروجهم من دائرة الفقر، ليس المطلوب هو رؤية وسياسة فقط، فهى متاحة، إنما علينا أن نشارك المواطن فيها ونضمن استدامتها، لكن القضية الرئيسية هى مواجهة تحديات التطبيق التى تستلزم شجاعة فى المواجهة، وقدرة على إقناع المواطنين ومشاركتهم، وهو العمل الرئيسى للسياسيين.

■ إذا كانت هناك أمة قد انتشر بها الجهل وتريد الحرية فإنها تطلب ما لم يحدث أبداً ولن يحدث أبداً، فلا يوجد جهل يؤدى إلى الحرية، لذلك قلبى يؤلمنى عندما نتحدث عن الأمية على أنها القراءة والكتابة، الدكتور طه حسين قال فى الأربعينيات إن الأمية هى أمية القراءة والكتابة والفهم، فإذا كنت تقرأ ولا تفهم فأنت مادة لغيرك ليتحكم فيك، الآن أنا أتحدث عن الأمية الرقمية، فمن لا يعرف التعامل مع أدوات العصر والمستقبل فهو أمى سواء كان عنده 50 سنة أو طفلا صغيرا، التحدى اختلف فى القضاء على الأمية وللأسف نحن مازلنا فى قفص أمية القراءة والكتابة ولكن مازال أمامنا فرصة لأن التقدم يحدث فى كل مكان وأطفالنا يولدون مثل غيرهم فى كل الكرة الأرضية عندهم الاستعداد وعلينا بشجاعة أن نتوقف عن إرسالهم لنظام تعليمى يقتل فيهم مميزاتهم ويوقف استيعابهم داخل سجن نظام أثبت فشله بكل المقاييس.

■ مشاكل التعليم تبدأ من ضعف ثقة المجتمع بمؤسسات التعليم الرسمية وظهور نسق لا نظامية موازية للنظام التعليمى مثل التعليم خارج المدرسة والانتشار المرضى للدروس الخصوصية، وضعف الثقة فى الركن الأساسى للعملية التعليمية هو المعلم وانخفاض قدره الاجتماعى وتقليص صلاحياته فى تقويم التلميذ، إضافة إلى انخفاض حجم الأنشطة الطلابية أو انعدامه فى كثير من الأحوال، بكل ما يحمل من معانٍ سلبية فى بناء الشخصية، فى نفس الوقت الذى تسارع الزيادة فى المعارف والاحتياج لمزيد من الربط بين مناهج التعليم واحتياجات المجتمع وهو أمر لا يستقيم مع وجود أكثر من فترة يومية فى حوالى 20% من المدارس وبالتالى انخفاض ساعات الوجود بالمدرسة وغياب التلاميذ بشكل ملحوظ عن المدارس خصوصاً فى المرحلة الثانوية، مما يهمش دور المدرسة فى بناء شخصية التلاميذ ويهدر القيمة التربوية لوجودها. كما أن ضغط الامتحانات العامة بشكلها الراهن وأثرها على الطلاب وعلى الأسرة المصرية وكونها ترسخ قدرات الطلاب على الحفظ ولا تقيس قدرات التفكير العليا والإبداع، تخلق مناخاً اجتماعياً وسياسياً من الغضب والإحساس بالظلم ينعكس على ازدياد فقدان الثقة فى المؤسسة التعليمية بل فى النظام السياسى كله. ولا يجب أن ننسى تراكم القوة المقاومة للتغيير والتطوير مما يعيق محاولات التقدم فى العملية التعليمية ويحمل الوزارة وحدها مسؤولية إحداث التغيير وإدارته.

■ جهاز الشرطة فى حاجة ماسة لرفع كفاءة رجاله وزيادة حرفيتهم فى التحقيق وعدم التعميم وتقديم الأدلة الموثقة واحترام حقوق المواطنين إلى أن تثبت إدانتهم.

■ جهاز الأمن تعرض لأكبر عمليه تخريب فى تاريخ مصر بعد ثوره يناير، وتم وضعه تحت مقصلة الإخوان الذين اعتبروه عدوهم الأول، وتم الاعتداء على كل مؤسساته والهجوم على أفراده وتفتيت مخ جهاز الأمن، وهو مباحث أمن الدولة الذى كان يحتفظ بملفاتهم، ويعرف خبراؤه تحركاتهم ومصادر ثرواتهم. ولكن ذلك لا يعفى الجهاز ككل من مسؤولية مواجهة الإرهاب بالعلم واستخدام التكنولوجيا وتغيير الأساليب العقيمة فى مواجهة المظاهرات التى تبغى التخريب،


حوار أ. د. حسام بدراوي كامل في المصري اليوم
أجري الحوار: رانيا بدوي
«نحن دولة فقيرة لدرجة أننا يجب أن ننفق بسخاء على التعليم».. مقولة شهيرة للزعيم الهندى، نهرو، سرعان ما استعان بها الدكتور حسام بدراوى، أمين عام الحزب الوطنى السابق، رئيس لجنة التعليم فى البرلمان الأسبق، أحد أهم خبراء التعليم فى مصر، عندما واجهته بتبريرات الحكومة من ضعف الإمكانيات وقلة الحيلة، مؤكدا أنه يرى أنها مبررات الفشلة والعجزة، وأن النظام الذى يرغب فى تطوير التعليم سيجعله أولوية أولى وقضية أمن قومى.وقال «بدرواى» فى حواره لـ«المصرى اليوم» إنه لا حديث عن حرية ولا ديمقراطية ولا نهضة اقتصادية ولا إصلاح سياسى طالما استمر تفشى وانتشار الجهل، مشيرا إلى أنه رغم نص الدستور على أن النظام الحاكم الأمثل «المختلط» فإن الممارسة تؤكد أن النظام ما زال رئاسياً، بل سيكون كذلك فى المستقبل نتيجة تحايل القوى السياسية للدفع بأغلبية برلمانية مؤيدة للرئيس فى كل قراراته فنعود إلى ما كنا عليه.. وإلى نص الحوار:

■ ماذا عن تقييمك للمؤتمر الاقتصادى الذى أقيم فى شرم الشيخ؟

د. حسام بدراوى أثناء حديثه لـ «المصرى اليوم»
– المؤتمر الاقتصادى جهد مشكور للدولة يستحق التهنئة والاستدامة كل عام، فقد أعطى العالم صورة محترمة لمصر.

■ هل تعتقد أن المؤتمر الاقتصادى سيؤتى ثمار الرخاء قريبا؟

– علينا أن نتعامل معه فى إطار كونه خطوة جيدة، لكنه ليس نهاية المطاف، التنمية أشمل من مجرد نمو اقتصادى ولن يشعر المواطن بتغير فى نوعية حياته إلا باستثمار الدولة فى التعليم والصحة والمواصلات العامة وتكافؤ الفرص، فى النهاية نحن نحتاج إلى مليون فرصة عمل جديدة سنوياً ولن تتوفر بغير استثمار من القطاع الخاص المصرى أولاً والأجنبى ثانياً؛ فهما قادران على تحقيق الربح لزيادة حصيلة الضرائب، وتوفير الوظائف للمساهمة فى حل مشكلة البطالة التى إذا لم تحل فانتظروا موجات من الغضب والعنف أقوى وأعنف. وبقدر حماسة الإدارة السياسية لجلب الاستثمار آمل ألا يعيق الجهاز الإدارى هذا فى التطبيق، وأن يكون على قدر المسؤولية وإلا ضاعت كل الجهود التى بذلت.

■ الكل يحمل الرئيس المسؤولية ويطلب من الرئيس وينتظر من الرئيس، فهل أخطأنا فى وضع الدستور، أم أننا لم نعتد على ممارسة النظام المختلط؟

– نظام الحكم الحقيقى فى مصر رئاسى بالممارسة، حتى وإن كان مختلطاً فى الدستور، وهذه هى الإشكالية التى وضعنا فيها، حيث اعتمد الدستور الحالى على النظام الحزبى، ونحن نعلم أن الأحزاب الحالية لا تمثل أى ثقل مجتمعى، كما أقر الدستور النظام الرئاسى البرلمانى فى الحكم الذى يعتمد على اقتسام السلطة بين الرئيس والحكومة التى تمثل الأغلبية البرلمانية رغم أن الجميع يعلم أن ثقافه الشعب مازالت رئاسية، كما نعلم جميعاً أن الانتخابات القادمة لن يكون بها أغلبية برلمانية لأى حزب، وأن الاتفاقات تتم بين الأشخاص وليس على أساس الرؤى والأيديولوجيات السياسية أو الاجتماعية، لذا أرى أن الدستور لم يراعِ ثقافة الشعب وما هو قائم منذ سنوات، لذا نجد أن هناك وسائل عدة من قِبل القوى السياسية للتحايل والدفع باتجاه أغلبية برلمانية مؤيدة للرئيس فى قراراته لتتحقق فكرة النظام الرئاسى مرة أخرى ولكن بشكل غير مباشر.

■ ربما ليس هذا تحايلاً وإنما مخرج من المأزق السياسى لعدم وجود أغلبية برلمانية؟

– ربما.

■ كيف استقبلت حكم المحكمة الدستورية العليا وتأجيل الانتخابات البرلمانية؟

– الحكم من وجهه نظرى يعطينا فرصة لالتقاط الأنفاس وتصحيح الأخطاء فى رسم الدوائر بعدالة بين السكان والمحافظات، وعلى أى حال لو كانت الانتخابات تمت وفق القوائم التى عرضت على مستوى الجمهورية لكنا أمام تمثيل برلمانى كرتونى.

■ لماذا ابتعدت عن خوض الانتخابات البرلمانية هذه المرة؟

– أنا دخلت فى حياتى عدة انتخابات، وواجهت جمهورى وأبديت رأيى ونجحت أحيانا وواجهت مؤامرات وفشلت أحياناً أخرى، واستبعدت مراراً ودخلت قلب الأحداث السياسية أحياناً، واكتسبت خبرتى طوال 25 عاماً من العمل العام كمستقل وكحزبى، والحمد لله اكتسبت احترام الناس والمعارضين قبل المؤيدين ومستعد لنقل خبرتى لمن يريد، ولكنى اتخذت قراراً بالاكتفاء سياسياً وعدم الترشح فى الانتخابات البرلمانية القادمة؛ لأن المناخ السياسى للأسف لا يتيح لمن له تركيبتى الثقافية والسياسية أخذ هذه الخطوة الآن، بالإضافة إلى أن أسرتى مجتمعة ترى ابتعادى واكتفائى بما قدمته بضمير مستريح لوطنى.

■ ما رأيك فى إعلان بعض أعضاء الحزب الوطنى البارزين خوض الانتخابات البرلمانية؟

– إذا كان لدينا الشجاعة والإيمان بالديمقراطية فمن حق أى شخص التقدم إلى الانتخابات والتعرض لاختيارات الشعب، أما من ناحية المواءمة السياسية فأنا لا أرى أن هذا وقت مناسب لدخول قيادات بعينها من الحزب الوطنى الانتخابات.

■ لو قبل طعن أحمد عز ونجح وغيره فى الانتخابات القادمة، هل سنكون بصدد حزب وطنى جديد؟

– بالقطع لا.. الحزب الوطنى كان يمثل أيديولوجية ترتبط بوجود رئيس الجمهورية.

■ يقال إن قائمة «حب مصر» مرتبطة بالرئيس السيسى، فهل نعيد الحزب الوطنى بشكل أو مسمى آخر؟

– أنا لا أعلم إذا كانت قائمة «حب مصر» مرتبطة بالرئيس السيسى أم لا، لكن فى أى نظام برلمانى، ووفقاً للدستور المصرى، فإن الأغلبية البرلمانية قد تكون مساندة للرئيس، وفى هذه الحالة فأنا أرى أن الأمر عاد كما كان.

■ لماذا لم يعتمد عليك الرئيس السيسى فى تطوير ملف التعليم رغم خبرتك فى هذا الملف؟

– الإجابة لدى الرئيس.

■ مجالس عدة للمستشارين.. هل تراها مؤثرة فى القرار السياسى.. ومن يصنع القرار من وجهة نظرك؟

– وجود مجالس استشاريه للرئيس شىء جيد لكن المهم ألا تكون مجرد ديكور وهذا أمر ستظهره الأيام وليس من حقى الحكم قبل رؤية ما يحدث. ولكن ما يشغلنى هو معايير اختيار أعضاء هذه المجالس ومؤشرات قياس نجاحهم التى بدونها لا يصبح لهم قيمة. أما عمن يصنع القرار فى مصر، فدعينى أقل لك بصراحة إنه لأننا فى حالة حرب فعلاً فمن يصنع القرار فى الوقت الراهن هو الرئيس والقوات المسلحة.

■ هل ترى أن للأحزاب السياسية أى دور فى تحريك المشهد السياسى؟

– السياسيون الآن لا يعرضون رؤى مختلفة وليس لديهم وسائل تطبيق شجاعة، ويكتفون إما بالمعارضة كلاماً أو الموافقه المطلقة، وحتى السياسيون على قمة أحزابهم لم يقدموا أنفسهم للانتخابات ليعرفوا قيمتهم الحقيقية وأغلبهم اختبأ وراء القوائم المطلقة، لذا أتساءل كيف يكون السياسى سياسياً بدون مواجهة انتخابات ومروراً بتجارب النجاح والفشل! وكيف يكتسب الخبرة فى إدارة السياسة من وراء مكتب أو أمام شاشات التلفزيون!

■ هل تعتقد أنه لنفس هذه الأسباب يثق الرئيس أكثر بالعسكريين؟

– إجابة هذا السؤال عند الرئيس وليس عندى، أما تأثير ذلك فيختلف حسب الموقف، فإذا كان يستشير ويثق فى معاونيه من القوات المسلحة فى الأمور التكتيكية للجيش والحرب على الإرهاب فهذا أمر جيد وطبيعى لكن اتخاذ قرار الحرب أمر أوسع من القرار العسكرى والعسكريين، كذلك فى أمور التنمية والاقتصاد والحياة السياسية، فعلى الرئيس ألا يحصر نفسه فى دائرة واحدة وأن ينفتح على كل من له خبرة مدنيا كان أو عسكريا.

■ ماذا عن المسار الاقتصادى؟

– المسار الاقتصادى كان مرتبكا، وعلينا أن نعترف بمشكلاتنا وعلى رأسها أننا لم يكن لدينا الشجاعة لإعلان توجهاتنا ونحاول الإمساك بالعصا من المنتصف حتى لا نغضب بعض المتضررين فى أى نظام يتم تطبيقه، ففى الوقت الماضى وحتى بداية المؤتمر الاقتصادى كنا مع القطاع الخاص وضده فى نفس الوقت، نريد إصلاح القطاع العام ونريد تصفيته، نريد فرص عمل جديدة ونعوق الاستثمار بقوانين تتعارض مع ما نقول، نريد تقليل الفقر وندعمه فى نفس الوقت، ندعى مجانية التعليم ونعلم أنه غير مجانى، نعلم أن الرعاية الصحية فى أغلب مستشفيات الدولة مأساة ولكننا نحارب القطاع الخاص إذا أراد الاستثمار فى هذا القطاع، وهذه الأمور اتضحت الآن إلى حد ما بعد كلمة الرئيس فى المؤتمر حول الاقتصاد الحر ودعوته للقطاع الخاص للمشاركة والمعالجة التى أقرها للسياسات الضريبية كلها أمور تريح البال وتطمئننا على المستقبل الاقتصادى للبلاد وعلى مؤسسات الدولة أن تتواءم معه ولا تعطله، ورغم ذلك مازال الارتباك قائما فى نواحٍ أخرى فكلنا يدرك أن 7 ملايين موظف فى الدوله هم عبء وإرهاق للموازنة ولا نحتاج إلا لخمسهم، ولكننا نستمر فى التعيين نفاقاً للرأى العام. كلنا ثق أن الزيادة السكانية ستأكل كل جهود التنمية ومع ذلك لا أرى أولوية فى العمل لتحجيم ذلك. الأمثلة كثيرة لعدم الوضوح فى المسار بشكل عام سواء فى السياسة أو الاقتصاد، ولكننى أيضاً أعلم أننا فى حالة حرب وعلى مؤسسات الدولة المدنية والحكومية مساعدة الرئيس ومساندته بالعمل ووضع الرؤى الواضحة للتوجهات. فالرئيس يختار من بدائل يقدمها له مساعدوه ومؤسسات الدولة وليس منتظراً منه أن يكون عالماً بكل شىء.

■ رغم أهمية التشريعات إلا أنه لم تصدر بعد قوانين العمال والتأمينات وكل ما هو مرتبط بالعدالة الاجتماعية؟

– مفهوم العدالة الاجتماعية الذى يتكلم عنه السياسيون والثوريون هذه الأيام، غامض وغير محدد فى كيفية توزيع الدخل الذى تتم المناداة به فى الإعلام، شاملاً اتهاماً ضمنياً لمن يحقق الربح بعدم الأمانة أو على الأقل الجشع، ويتواكب ذلك مع اتجاه للملكية العامة والعودة إلى القطاع العام، حتى ولو كان يحقق الخسائر، رغبة فى المساواة فى الفقر، تحقيقاً للعدالة بين الناس، لذلك لابد من أن تكون لدينا فلسفة ورؤية للعدالة قبل الخوض فى إجراءات فرعية قد تؤدى إلى إفقار المجتمع كله فى الطريق إلى تحقيق هذه العدالة، والحكومة الرشيدة عليها التوازن بين بقاء حافز النجاح وتحقيق الربح واحتياجات الإنفاق العام.

■ كيف يستطيع المواطن أن يعرف أن الوطن يسير فى الاتجاه الصحيح بعيداً عن وعود المسؤولين البراقة؟

– السياسة لا يمكن أن تكون مجرد وعود أو مشاريع على الورق، فى النهاية إذا لم تتحقق الرفاهية، وإذا لم يسعد الشعب فقد فشل الساسة وفشلت السياسة، وهدف السياسة هو إسعاد المواطنين وليس الجدل حول الكلمات أو الدفاع عن المواقف بغض النظر عن الحقيقة، والساسة المحترمون يتفقون ويختلفون حول أساليب تطبيق سياسات ترفع مستوى المواطن فى حياته وتعليم أولاده وتدريب كوادره ورعايتهم صحياً، ومواصلات عامة تحترم آدميته وضمانات ليس لدعم فقرائه ولكن لتوفير فرص خروجهم من دائرة الفقر، ليس المطلوب هو رؤية وسياسة فقط، فهى متاحة، إنما علينا أن نشارك المواطن فيها ونضمن استدامتها، لكن القضية الرئيسية هى مواجهة تحديات التطبيق التى تستلزم شجاعة فى المواجهة، وقدرة على إقناع المواطنين ومشاركتهم، وهو العمل الرئيسى للسياسيين.

■ إشكالية الحريات دائماً هى هاجس الشباب فى حين تبرر الحكومة أنها فى حرب على الإرهاب؟

– إذا كانت هناك أمة قد انتشر بها الجهل وتريد الحرية فإنها تطلب ما لم يحدث أبداً ولن يحدث أبداً، فلا يوجد جهل يؤدى إلى الحرية، لذلك قلبى يؤلمنى عندما نتحدث عن الأمية على أنها القراءة والكتابة، الدكتور طه حسين قال فى الأربعينيات إن الأمية هى أمية القراءة والكتابة والفهم، فإذا كنت تقرأ ولا تفهم فأنت مادة لغيرك ليتحكم فيك، الآن أنا أتحدث عن الأمية الرقمية، فمن لا يعرف التعامل مع أدوات العصر والمستقبل فهو أمى سواء كان عنده 50 سنة أو طفلا صغيرا، التحدى اختلف فى القضاء على الأمية وللأسف نحن مازلنا فى قفص أمية القراءة والكتابة ولكن مازال أمامنا فرصة لأن التقدم يحدث فى كل مكان وأطفالنا يولدون مثل غيرهم فى كل الكرة الأرضية عندهم الاستعداد وعلينا بشجاعة أن نتوقف عن إرسالهم لنظام تعليمى يقتل فيهم مميزاتهم ويوقف استيعابهم داخل سجن نظام أثبت فشله بكل المقاييس.

■ هل تعتقد أن تغيير وزير التعليم وحده أمر كاف ليشعر المواطن أن الدولة مهتمة وجادة بتطوير التعليم؟

– «لو دخلتى مدينة ومعاكى خريطة غلط هتوصلى للعنوان إزاى!! لو غيرتى العربية ومعاكى نفس الخريطه الخطأ، لو أنفقتى الأموال ببذخ مش هتوصلى، ولو غيرتى الخريطة وأنتى لا تعرفى قراءتها برضه مش هتوصلى»، المهم هو تغيير الخريطة وهذا لا يمكن أن يحدث بدون تغيير نوعية مدير المدرسة والمدرسين ليتوافقوا مع الرؤية والاستراتيجية وهى الخريطة التى أقصدها.. المسألة تبدأ من هنا، وللأسف التعليم يواجه تحديات أكبر بكثير من مجرد تغيير القيادات والمسؤولين، فهى تحديات تشبه التى كان التعليم يواجهها منذ أيام طه حسين، وهذا نتيجة لكوننا نناقش دائماً نفس المشاكل بنفس الطرق والأساليب، ولإحداث تغيير يجب أن نفكر بشكل علمى، ونراقب التجارب الشبيهة الناجحة فى الخارج، وقد حددت أبرز التحديات التى يجب أن نعمل على معالجتها ضمن كتابى (التعليم الفرصة للإنقاذ) وتحدثت عنها بالتفصيل.

■ مثل ماذا؟

– ضعف ثقة المجتمع بمؤسسات التعليم الرسمية وظهور نسق لا نظامية موازية للنظام التعليمى مثل التعليم خارج المدرسة والانتشار المرضى للدروس الخصوصية، وضعف الثقة فى الركن الأساسى للعملية التعليمية هو المعلم وانخفاض قدره الاجتماعى وتقليص صلاحياته فى تقويم التلميذ، إضافة إلى انخفاض حجم الأنشطة الطلابية أو انعدامه فى كثير من الأحوال، بكل ما يحمل من معانٍ سلبية فى بناء الشخصية، فى نفس الوقت الذى تسارع الزيادة فى المعارف والاحتياج لمزيد من الربط بين مناهج التعليم واحتياجات المجتمع وهو أمر لا يستقيم مع وجود أكثر من فترة يومية فى حوالى 20% من المدارس وبالتالى انخفاض ساعات الوجود بالمدرسة وغياب التلاميذ بشكل ملحوظ عن المدارس خصوصاً فى المرحلة الثانوية، مما يهمش دور المدرسة فى بناء شخصية التلاميذ ويهدر القيمة التربوية لوجودها. كما أن ضغط الامتحانات العامة بشكلها الراهن وأثرها على الطلاب وعلى الأسرة المصرية وكونها ترسخ قدرات الطلاب على الحفظ ولا تقيس قدرات التفكير العليا والإبداع، تخلق مناخاً اجتماعياً وسياسياً من الغضب والإحساس بالظلم ينعكس على ازدياد فقدان الثقة فى المؤسسة التعليمية بل فى النظام السياسى كله. ولا يجب أن ننسى تراكم القوة المقاومة للتغيير والتطوير مما يعيق محاولات التقدم فى العملية التعليمية ويحمل الوزارة وحدها مسؤولية إحداث التغيير وإدارته.

■ إذا كانت المشكلات معروفة والحلول كذلك فما سبب تأخر تطوير التعليم؟

– هناك عدة أسباب لعدم تحرك هذا الملف، منها عدم اهتمام الحكومات بتطبيق سياسات التعليم المتفق عليها، على الرغم من الاعتراف بأولويته، حيث يتنافس ملف التعليم الذى يمس المستقبل مع ملفات أخرى قد يكون لها آثار سياسية قصيرة المدى، أو تمس احتياجات المعيشة اليومية، التى أراها تفوز فى الأغلب على ملف التعليم عند تطبيق الأولويات، عدم ملائمة التمويل المتاح، رغم تعاظم حجمه عبر السنين لاحتياجات التطوير والإنفاق غير الرشيد للتمويل المتاح، والتخوف من الالتزامات التى سيفرضها التغيير، والتى قد تتعارض مع المصالح السياسية قصيرة الأمد، مع مقاومة أصحاب المصالح المستقرة، فى ظل الأوضاع كما هى عليه الآن، مثل الدروس الخصوصية وموظفى وزارة التعليم الذين يستهلكون ٨٥٪ من الموازنة، ولا نحتاج أغلبهم فى العملية التعليمية، والأهم هو عدم إشراك المجتمع وأصحاب المصلحة فى شراكة فعالة وفهم إيجابى لتطوير التعليم.

■ دائماً عند الحديث عن تطوير التعليم نجد من يبادر بالقول أن تغيير المناهج هو الحل؟

– لا يوجد تعليم يرتفع فوق مستوى مدرسيه، مهما توافرت الإمكانيات من مبانٍ وكتب وأجهزة، فالمدرس هو سقف العملية التعليمية، أما المنهج فهو على غير ما يتصور الناس، فهو ليس مجرد كتاب، فالمنهج معناه أن نحدد لكل مرحلة عمرية المعارف التى يجب أن يتلقاها التلميذ والمهارات التى يجب أن يكتسبها، هذه المعارف، وهذه المهارات تمثلها مؤلفات متعددة، ويجىء معها برامج نشاط عقلى واجتماعى وبدنى لتترسخ المفاهيم فى وجدان التلميذ.

■ فى رأيك.. ماذا نريد من التلميذ بعد انتهاء فترة تعليمه؟

– أن يكون مُمكنا تكنولوجياً، ولديه فرصة دون تمييز فى الحصول على المعرفة وإدراكها واستيعابها، بل فى خلقها بعد ذلك، ويجب أن يكون منافساً عالمياً، وعلينا أن نعمل معه لاكتساب مهارات القرن الواحد والعشرين الأساسية.. علينا أن نتيح له مجتمعاً تعليمياً يجعله قابلا للتعدد، ومحترما للاختلاف، وفخورا بتاريخ وطنه، ولديه أمل فى مستقبلها، ويجب أن يكون فاهما أنه يجب أن يكون مواطنا عالميا، ينافس أقرانه فى كل أنحاء العالم.

■ لكننا عند الحديث عن نظم تعليمية متطورة نصطدم دائماً بضعف الإمكانيات؟

– نهرو، زعيم الهند، فى خطبة عبقرية له فى نهاية الخمسينيات قال: «أيها المواطنون، نحن أمة فقيرة جداً لدرجة أننا يجب أن ننفق على التعليم بسخاء». إن قلة التمويل أو الفقرحجة العجزة والفاشلين فى إصلاح التعليم وغياب للقيادة التى تلهم المجتمع بأولوية التعليم، فيساند الشعب حكومته فيما تقوم به من إجراءات، وتجعله يثق بأهدافها المعلنة.

■ إذا كانت لديك الرؤية والحلول فى نفس الوقت.. فلماذا تدهور التعليم إلى هذا الحد ولم تُطبق هذه السياسات أيام مبارك؟

– دعينى أذكرك، وأذكر القارئ الكريم بأننى لم يتح لى أبداً أن أكون فى منصب تنفيذى يسمح لى بتطبيق هذه السياسات، ودائماً كنت أعلن أن الحكومة لا تنفذ السياسات التى تعلنها لجنة التعليم.

■ نعود إلى الأمن والحرب على الإرهاب.. ما تقييمك لكيفية مواجهة هذا الملف؟

– جهاز الأمن تعرض لأكبر عمليه تخريب فى تاريخ مصر بعد ثوره يناير، وتم وضعه تحت مقصلة الإخوان الذين اعتبروه عدوهم الأول، وتم الاعتداء على كل مؤسساته والهجوم على أفراده وتفتيت مخ جهاز الأمن، وهو مباحث أمن الدولة الذى كان يحتفظ بملفاتهم، ويعرف خبراؤه تحركاتهم ومصادر ثرواتهم. ولكن ذلك لا يعفى الجهاز ككل من مسؤولية مواجهة الإرهاب بالعلم واستخدام التكنولوجيا وتغيير الأساليب العقيمة فى مواجهة المظاهرات التى تبغى التخريب، جهاز الشرطة فى حاجة ماسة لرفع كفاءة رجاله وزيادة حرفيتهم فى التحقيق وعدم التعميم وتقديم الأدلة الموثقة واحترام حقوق المواطنين إلى أن تثبت إدانتهم.

■ كيف قرأت أحداث مباراة الزمالك وما حدث فيها من مأساة؟

– كنت عام 2005 قد كتبت مقالاً بعنوان «ثقافة الباب الواحد»، حذرت فيه من وجود مشاهد حولنا تتكرر فى أماكن مختلفة بأشكال مختلفة، ولكنها تعبر عن ثقافة معينة لإدارة الدولة سميتها مجازاً «ثقافة الباب الواحد»، أثار ذلك فى نفسى وقتها المأساة التى حدثت فى بنى سويف فى مقر قصر الثقافة الذى أغلقت فيه الأبواب، ما منع الحاضرين من المغادرة، وأدى بجانب عوامل أخرى متعددة إلى مأساة إنسانية ومقتل العشرات.

وأعود بك لمأساة استاد بورسعيد وغلق الأبواب وتدافع الجمهور ومقتل العشرات، إنها الثقافة ضيقة الأفق فى إدارة وتيسير حركه التجمعات الكبيرة، والأمثله كثيرة ومتعددة، لكنها تنبع من منطق أمنى ضيق الأفق، وهى ظاهرة يجب دراستها حتى نغير أسلوب التعامل مع الجمهور، لأنها ثقافة سياسية عامة فى التعامل مع الجمهور، وليست فقط ثقافة أمنية.

■ كيف؟

هناك عشرات النماذج التى توضح ما أقول، مثل غلق كل حارات الحركة على طريق سريع إلا واحدة، أو غلق أبواب عشرات الأبواب فى استاد كرة قدم إلا عددا ضئيلا، أو فتح منفذ واحد أمام التقديم للجامعات أو سداد فاتورة فى مكان حكومى، أو المرور من بوابات الطرق السريعة أو فتح منفذ واحد للقادمين فى المطار.. الثقافة هى إغلاق المنافذ إلا قليلاً حتى يمكن التحكم فى حركة الناس.. أو منع من ليس له حق.. بحجة الأمن، حتى لو أدى ذلك إلى عذاب كل من له حق الحركة السلسة السريعة الميسرة باحترام وبساطة. إنها ثقافة المراقبة والتحكم، وأولوية المنع والشك والاتهام، بدلاً من الإجراءات المتقدمة لمعرفة الأخطار وعدم التعدى على حقوق المواطن وآدمية الإنسان.

 

التعليقات

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *