دعاني الصديق جمال الشاعر للتحدث أمام المجلس الأعلي للثقافة حول دور الإعلام في تشكيل وعي المجتمع ، وبمشاركة محترمة من د. وسيم السيسي ، وحضور كوكبة من أعضاء المجلس وأمينه العام د. هشام عزمي.
فقلت:
الوعي يا سادة هو حالة عقليّة يتم من خلالها إدراك الواقع والحقائق الّتي تجري من حولنا، وذلك عن طريق اتّصال الإنسان مع المحيط الّذي يعيش فيه واحتكاكه به فتتاح له فرص الإختيار .
إن القدرة على الاختيار هى موضوع الساعة وموضوع المستقبل، إننا نستطيع أن نجعل من كل فرصة أمامنا مشكلة وأزمة، وأن نرى ونكتشف فى كل أزمة تواجهنا فرصًا جديدة يمكن استثمارها والتنمية من خلالها، وسيعتمد ذلك على طريقة وعينا بكل جوانب الأمور ومعالجتنا للواقع، الذي يطرح فرصًا متعددة للانتقال إلى عهد جديد.
إن القدرة على الاختيار الأصوب والأفضل، والذى يراعى القيم الأصيلة الواجب إدماجها فى وجدان الفرد والأسرة والمجتمع كله، تنبع من مدخل المعرفة واستخدام العقل والمنهج العلمى فى التفكير.
إن الوعي ينضج تدريجيا بإدراك كل ما حول الإنسان من موجودات من خلال منافذ الوعي التي تتمثل في حواسه التي تنقل الي ذهنه ذلك فيُترجمها ويُركبها ويُدرك ، وهو مايبنيه التعليم الجاد والفن الراقي والإعلام ..
واستطردت قائلا :
من أبرز العوامل التي تشكّل الوعي لدى عامة الناس هو الإعلام؛ فإذا كان الإعلام موجّهاً في غالب الأوقات والأحيان لخدمة مصلحة معيّنة فسيتشكل لدي المواطنين وعيا زائفاً ، أما الإعلام النزيه العادل فيعرض القضايا والأحداث بموضوعيّة مطلقة كما هي ، لهذا السبب فينبغي عدم الاكتفاء بوسيلة إعلاميّة واحدة؛ بل يتوجّب مشاهدة الخبر أو سماعه من العديد من وسائل الإعلام حتّى تتضّح الصورة كاملة، فما أُخفي هنا سيتّضح هناك وهكذا.
ومن العوامل الأخرى التي تؤثّر في وعي الإنسان بشكل عام هي: التعليم والمؤسسات الدينيّة؛ حيث إنّ هذه المؤسّسات تتجمّع مع بعضها البعض لتشكّل الوعي الجمعي الذي قد يكون زائفاً وقد يكون حقيقياً، فالمؤسّسات التعليميّة والمؤسّسات الدينيّة لديها القدرة على إخفاء الحقائق وإظهار حقائق أخرى لقلب الموازين وارساء المعتقدات في وجدان الناس فلا يدرون انهم مساقون وتحت تأثير َمن جهات لها أچندات محددة .
ولن نغفل في هذا المقام دور المؤسّسات العامّة والرسميّة والفن والمثقّفين والأدباء والكتّاب والعلماء؛ فكلّ هؤلاء يسهمون أيضاً في تشكيل الوعي العام.
وتماشياً مع موضوع الندوة ، كنت أشرح لشباب الحالمين بالغد نشأة الجنين في رحم الأم ، وتَدَرُج الخلق من خليتان تلتقيان الي مخلوق متعدد الخلايا ، ثم الي أعضاء وأجهزة داخل جسم الجنين بوظائف مختلفة.
وتَدرَج الحوار حول متي يصبح هذا الجنين إنسانا ، ثم متي تدخله الروح وأين في كل ذلك النفس التي يتكلم عنها القرآن ، وهي كما نفهم التي تحيا وتموت .
قلت لهم : قد يكون جسم الجنين وتريليونات الخلايا فية ، وحمضه النووي، وهي الماديات التي نراقب تواجدها ، وفهمنا فيها ومنها الكثير ،شئ، والروح والنفس شيئ آخر مازلنا في أول درجات فهمها.
وسألوني عن علاقة ذلك بالوعي، و متي يعي الجنين والطفل؟
قلت : يعتبر الوعي حالة عقليّة يتم من خلالها إدراك الواقع والحقائق الّتي تجري من حولنا، وذلك عن طريق اتّصال الإنسان مع المحيط الّذي يعيش فيه، واحتكاكه به.
وكلما إزداد المحصول الفكري الذي ينضوي عليه عقل الإنسان، بالإضافة إلى وجهات النظر المختلفة التي يحتوي عليها هذا العقل والتي تتعلّق بالمفاهيم المختلفة التي تتمحور حول القضايا الحياتيّة والمعيشيّة ،كلما زاد وعيه وإدراكه بنفسه في إطار الموجودات والأحداث حوله.
إذن الجنين والطفل ساعة الولاده وما بعدها ليس واعيا بهذا المفهوم..
اذن يصبح السؤال هو وهل كل المخلوقات الاخري واعية؟
قلت: الوعي هو حالة يتميز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات. والوعي بأمر ما يتضمن معرفته وما يحيط به والعمل علي أساسه.
وقد يكون الوعي وعيا زائفا، وذلك عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله.
وقد يكون جزئيا، وذلك عندما تكون الأفكار والمفاهيم مقتصرة على جانب أو ناحية معينة وغير شاملة لكل النواحي والجوانب والمستويات المترابطة والتي تؤثر وتتأثر في بعضها البعض في عملية تطور الحياة.
وهناك أيضا الوعي الجمعي ، الذي قد يسيطر علي ذاتية الفرد ويجعلة جزء من تكوين فكري لا يستطيع الفكاك منه ، مثل التدين بدين معين أو الانتماء لمجموعة أيديولوچيه، بل وقد يرفض مناقشة ذاته المستقلة طالما هو في إطار وعي جمعي ، الذي يزداد تأثيره بزيادة أعداد هذا الجمع وتأصل وتكرار تعليماته ومناسكه…
ويقول الفيلسوف الألماني هيجل أن الإنسان هو الموجود الوحيد الذي يعي باعتباره موجودا لذاته. أما المخلوقات الأخرى فإنها لا توجد إلا بكيفية واحدة ولا يوجد لديها تراكم معرفة ولا نقل خبرات يجعل وعيها شامل موجودات أخري وأزمنة مختلفة وخبرات متراكمة .
. فالإنسان يعمل دائما على تغيير الأشياء خارجه لأنه يريد أن يرى ذاته مؤثره في صنع ما حوله.
ويرى الفيلسوف الفرنسي ديكارت أن الشك هوالذي يجعلنا نحيط بذواتنا. هكذا شك ديكارت في كل شيء بما في ذلك وجوده. و تأكد له بوضوح فقط أنه لا يستطيع أن يشك في أنه يفكر، حيث أن التفكير هو الخاصية الوحيدة التي لازمت الذات منذ البداية . فانطلاقا من التفكير يمكن أن ندرك بصفة حدسية وجود الذات ؛ هكذا استطاع ديكارت أن يقول : “أنا أفكر إذن أنا موجود”. فالذات والتفكير متلازمان، فحينما تتوقف الذات عن التفكير تنقطع عن الوجود.
ولا يجب ان نغفل ان خلق الوعي الجمعي بأهمية التفكير واستخدام العقل يقابلة الوعي المرعب بعدم الاعتراف بالاختلاف.
إن من ينادي مثلاً بعقاب المفطر ( المختلف ) .. هو من يحرض على قتل القمص ( المختلف ) ؟
إن الأفكار عندما تتحول الي وعي زائف عندما تخرج ممن له على عقول الناس سلطة أيديولوچية أو دينية .. تمتد تلقائيا الي رؤوس المتلقيين لتتجلي في أشكال شتي من عقاب ( المختلف ) ؟
ان الرغبة في أن يكون الآخر نسخة مننا و إلا نقوم بوصمه / ايذائه / قتله .. خلقة وعي زائف أن من ليس مثلي فهو خاطئ .
علينا أن نحفز عقولنا لتعي الحقيقة ؟
قالت شابة : سمعناك تقول أن دراستك في الطب ثم قرائتك في الفلسفة و العلوم وخاصة الفيزياء ارتقت بادراكك الله والكون، بل ايضا فهمك للتصوف.
وقال زميلها: هل معني ذلك ان العلم والعقل طريق للوصول الي الله.؟
قلت :
الحقيقة ، بعد حدوث ثورة التعرف علي فيزياء الكم ، أستطيع أن أقول أن المبدأ الذي قام عليه الإيمان ، وهو أن معرفة الخالق وجدانية فقط وليس لها طريق علمي ، وأن أساسه هو تصديق ما ليس له برهان اصبح مبدأ مشكوك فيه لأن معرفة الله بالعقل تتوافق مع كل ما جاء بالقرآن.
قالت الشابة: ماذا تعني ، وماهي فيزياء الكم او ميكانيكا الكم التي تتكلم عنها؟
قلت:ميكانيكا الكم تبحث في عالم الظواهر فائقة الصغر وفائقة السرعة ، و هي مجموعة من النظريات الفيزيائية تفسر الظواهر على مستوى الذرة والجسيمات دون الذرية وقد دمجت بين الخاصية الجسيمية والخاصية الموجية ليظهر مصطلح ازدواجية الموجة -الجسيم.
العلم واالفيزياء الكلاسيكية لهم دلائل معلومة هَدَمها إكتشاف فيزياء الكوانتم. كل مصادر الاستدلال العقلية ، ومبدأ السببية، أي أن لكل حَدث ، مُحدث
وعدم التناقض في العلم تسقطه دراسة فيزياء الكم وتلغي كل المبادئ التي أقرها العلم .
إن المضمون الفكري لما يحدث علي مستوي الإلكترون البروتون والكواركات يتحدي المألوف ويثير القلق في الأذهان.
ثبت أن كل جسيم داخل الذرة هو جسيم وموجة في نفس الوقت مما عُرف بازدواج الوجود.
اليس هذا قلب فكرة الذوبان في الله والتواصل مع الخالق..
الكل يشترك في الأصل…وما الإنسان الا جرم صغير، وفيه ينطوي العالم الأكبر.
الإنسان هو الكتاب الجامع لكل موجودات الخلق، ففيه الجسد والروح، المادة والطاقة، الحياة والموت ، الديمومة والزمان….كله في وقت واحد.
الإنسان يجمع كل التناقضات سويا ، هو المعجزة الكونية الكبري.
إن نظريات الفيزياء الكميه وما تعنيه، رغم أنها ما تزال قاصرة عن تفسير الوعي والروح والنفس ، لكنها تعني أن العلم قادم قادم ليفتح آفاق جديدة للمعرفة ولا يجعل الإنسان أكثر غرورا بنفسه ولكن يدفعه ليكون أكثر تواضعا عندما يعي حقيقة وجودة.