أثار حوارى مع الشباب حول قيم الحرية والنزاهة والمحاسبية العديد من القراء، عندما ربطت ذلك بانتخابات مجلس الشيوخ منذ أيام، وانتخابات الغرفة الأولى من البرلمان بعد أسابيع.. وكما كان حوارى مع الشباب حرًّا كان حوارى مع الكبار حادًا. كان الشباب أحيانا قساة على الأجيال السابقة عليهم ويحملونهم ذنب تبديد طاقتهم، وإلقاء مسؤولية الفقر والجهل والمرض على المواطنين وليس على من أداروا المنظومة عبر السنين.
قالت الشابة السياسية: هل ستنزل انتخابات النواب يا دكتور؟
قلت: أنا لن أخوض انتخابات بشخصى، ولكننى أقود مجموعة من المتحمسين الذين يودون أن يكون لهم دور فى صناعة مستقبل بلادهم من حزب الاتحاد الذى أسسته فى ٢٠١١، ولم يلوثوا سياسيًا لا بالمال ولا بجنون السلطة ليكونوا نواة لجيل جديد فى البرلمان.
قالت: ولماذا لا تخوض معهم تجربتهم وترشدهم إذا نجحوا؟.. إننى أعلم من والدى، وكان برلمانيًا، أنك كنت الوحيد فى برلمان عام ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٥ الذى أسست مكتبا من الشباب لمساعدتك فى البحوث والدراسة والتحليل لكل القضايا التى كانت تُعرض على المجلس، وأن العديد منهم الآن فى مناصب مهمة فى الدولة.. وكنت ترسلهم فى بعثات تبادلية للكونجرس الأمريكى والبرلمان الإنجليزى والفرنسى، بل إننى أعلم من والدى أنك كنت تصطحب عددا منهم فى سفرياتك على نفقتك لدراسة قانون حقوق الملكية فى سويسرا عندما كُلفت لجنة التعليم التى ترأستها وقتها بدراسته وإصداره.
قلت لها: كل زمن وله جنوده، وكل وقت وله أيامه.. إننى الآن أريد أن أعطيكم من خبرتى ومعرفتى، وأن أكون مثلاً للسياسى الذى يسعى لمصلحة بلده بلا مغنم له. هدفى الوحيد هو أن يكون لكم دور فى إطار من التعددية السياسية، وأن نخطو خطوة إلى مستقبل فيه تنافسية مبنية على النزاهة السياسية، وأسعى لأن يكون مركز البحوث السياسية والاجتماعية الافتراضى «مركز تحوت»، الذى أنشأته عام ٢٠١٩، مركزا يمد أعضاء البرلمان الجدد بالتحليلات والأبحاث التى يستطيعون من خلالها بناء آرائهم السياسية عن معرفة، ويقررون عن علم مستقبل بلادنا الحبيبة.
قالت الشابة: وماذا عن الانتخابات الحالية ومقارنتها بالسابقة
ودائما ما أعطى مقولة أينشتاين الحكيمة مثلا عندما قال: «لا يمكن تكرار فعل نفس الشىء بنفس الطريقة وانتظار نتائج مختلفة»، ولكنى أعلم أن القيادة السياسية الآن واعية لذلك، ولن تسمح بأحادية التوجه، ولا بالتأثير السلبى الذى قد تسعى إليه بعض مؤسسات الدولة أحيانا بنية حسنة، فتقوم بتكتيف الحريات خوفًا من الفوضى والإرهاب.. وكلنا يعلم ما تتعرض له مصر الآن من تدخلات ودعوات للتظاهرات بهدف تقويض استقرار البلاد.
إننى أنتهز هذه الفرصة لأنبهكم بعدم الخلط بين رغبتكم فى التعبير عن أنفسكم بحرية والوقوع فى براثن من يريدون استخدام طاقة الشباب الإيجابية ورغبتهم فى العزة والكرامة والحرية للهدم وليس البناء.
رد الشاب قائلا: وكيف ذلك؟
قلت: إننى مؤمن بحركة التغيير المبنى على المعرفة وطرح البدائل، وطرح الأفكار فى إطار الشرعية وداخل نطاق القانون.. والثورات كما خبرنا وعشنا تنتهى فى أغلب الأزمنة بتحكم الأكثر تنظيما والأكثر تمويلا الذين يركبون عليها ويحركونها لصالحهم، وتتدخل فيها التخابرات العالمية والتنظيمات الإرهابية وتنتهى بكوارث سياسية واقتصادية للبلاد.. نحن لا نريد تكرار ما حدث فى يناير ٢٠١١ الذى بدأ بكل النيات الحسنة وانتهى بحكم جماعة سياسية أرادت تلوين البلاد بلون التعصب، وإبعادنا عن الدولة المدنية الحديثة التى لا خلط فى إدارتها بين الدين الذى يدعون وحدهم ملكيته، وكفاءة الإدارة وحوكمة المؤسسات والمواطنة.
قالت الشابة السياسية: إن انتخابات البرلمان هى الأمل الوحيد أمامنا لوجود آلية مدنية دستورية للتعبير عن رأى المجتمع واختلافاته الطبيعية. وإذا لم يُسمح فى هذه الانتخابات بإفراز تمثيل لهذه الاختلافات فى نور التواجد البرلمانى أمام الجميع فإنه سيتم التعبير عنها فى ظلام الخوف، مما يؤدى إلى خلل فى التوازن السياسى.. يا دكتور التعددية موجودة فعلا بين الشباب والمواطنين ولابد من وجود طريق لإظهار ذلك وعدم تخبئته.
قال زميلها: تجربة انتخابات مجلس الشيوخ، وعدم ذهاب ٥٤ مليون ناخب لإبداء رأيه لا يجب أن تمر مرور الكرام، لابد من تحليل الظاهرة وفهم طبيعة الشعب المصرى الذكى الذى عبر عن عدم رضاه بمقاطعة التصويت.. والآن نسير فى نفس الخط بنفس الطريقة فى انتخابات الغرفة الأولى من البرلمان.
قلت: أتفهم قلقكم، ولكنى أتوقع أن تتسع مساحة التعبير فى الانتخابات القادمة، وها أنا مع زملاء لى فى أحزاب الاتحاد والمحافظين وبعض الأحزاب الأخرى نعمل على تكوين قوائم انتخابية تقدم للمجتمع بديلاً أمام ما يظنونه حزب الدولة، ولا نجد لذلك ممانعة ولا ردود فعل سلبية حتى الآن. نعمل فى النور وندقق فى الاختيارات ونسجل وجودنا كبديل برلمانى أمام الشعب بلا تدخلات. إننى أثق فى أن قيادة مصر السياسية تتفهم أهمية وجود معارضة ومحاسبية طالما فى حدود الشرعية وفى إطار القانون.
قالت الشابة السياسية: ما اسم قائمة هذا التحالف الذى يبدو لى أملاً؟
قلت: سميناه تحالف «الاختيار الحر».
قال زميلها: وكيف يتم التحالف الانتخابى إذا اختلفت أيديولوجيات المتحالفين؟
قلت: يتم على أساس نقاط الاتفاق بينهم وإعلانها.
قال: وما هى نقاط الاتفاق؟
قلت: الإيمان بالدولة المدنية الحديثة التى بدأ بها الدستور ديباجته، والتى أقرها فى مادته الخامسه التى تقول: «نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية»، «يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسؤولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور».
هذه هى مقدمة الدستور، والمادة الخامسة منه، والذى وافق عليه الشعب المصرى بأغلبية ساحقة عام ٢٠١٤ ولم تلحق بهذه المقدمة ولا المادة الخامسة تعديلات.. الدستور هو مرجعيتنا فى إدارة مصر والحفاظ عليها، وهو أساس أى تحالف انتخابى أو سياسى.
أيها الشباب، أنتم أمل مصر، ومستقبلكم يبدأ اليوم وكل يوم، فشاركوا فى صنعه بالإيجابية، والمشاركة بإبداء الرأى. لا تقفوا مكتوفى الأيدى فى انتظار أن يأتى إليكم المستقبل على مزاجكم، عليكم صناعته والعمل له.
ومرة أخرى مصرنا لا تتحمل هزات جديدة، علينا أن نغير فى إطار الشرعية، بالبناء وتقديم البدائل وليس بالثورات والهدم.. مصر أم الحضارات، والشعب المصرى جيناته الحضارية حية، ظهرت فى أول ثلاثة أيام من ثورة يناير، وفى ٣٠/ ٦، وفى نهاية يوليو، والشعب هو القائد وما نحن سوى مخرجاته.
إن إيمانى بكم حقيقى لأنى أرى معدنكم النقى فلا تتأثروا بدعوات الهدم، ولنتكاتف لبناء وطننا الذى يستحق.