قال المفكر السياسى الدكتور مصطفى الفقى إن مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى تضم خصائص الأمة، إذ بها من التجانس ما يؤكد هذه الكلمة، وإن القوات المسلحة ستظل المؤسسة الأولى المتماسكة فى مصر والقادرة على قيادة البلاد، والجيش هو الذى أنقذ البلاد والعباد، وقيام مصر الحديثة مدينة بوجود الجيش، الذى كان سبباً لقيام الدولة الحديثة.
جاء ذلك فى الاحتفال بانطلاق الجلسة الأولى من «صالون المصرى اليوم» الثقافى الشهرى، لتوقيع الكتب الثلاثة الأخيرة للكاتب والمفكر السياسى الكبير الدكتور مصطفى الفقى وهى «ذكرياتى معهم» و«عرفتهم عن قرب» و«شخصيات على الطريق».
أدار اللقاء السياسى الكبير الدكتور حسام بدراوى، الذى حرص على الوقوف عند محطات معينة فى الكتب الثلاثة، معرباً عن سعادته بأن تتناول هذه الكتب سيراً لقمم وقامات كانت لها إسهامات كبيرة ومتنوعة فى واقعنا.
من جانبهم، أكد عدد من كتاب «المصرى اليوم» والشخصيات العامة، التى شاركت فى حفل التوقيع بالجلسة الأولى للصالون، على أهمية الحوار ودور الصالونات الثقافية فى تدعيم فكرة التحاور وإثراء الحياة الثقافية.
فى بداية الجلسة الأولى للصالون رحب الكاتب الصحفى حمدى رزق، رئيس تحرير «المصرى اليوم»، بالحضور، مؤكداً على أن «المصرى اليوم» تذخر بمجموعة فريدة من كتَّاب المقالات والأعمدة، وهو ما ميزها على مدى سنوات عمرها. وأن فكرة صالون «المصرى اليوم» جاءت لتحتفى بكتَّابها الكبار، وأنه نهج سيتبعه الصالون فى جلساته المقبلة، مع كل الكتَّاب.
ووجه السياسى الكبير والوزير الأسبق منير فخرى عبدالنور الشكر لـ«المصرى اليوم» على فكرة الصالون الثقافى الشهرى، وأن يفتتح جلساته بواحد من المفكرين المصريين أصحاب الرؤى الوطنية كالدكتور مصطفى الفقى.
وقال «عبد النور»: «الفقى» نموذج فريد للمثقف المصرى الذى جاب الدنيا شرقاً وغرباً، وقدم كتابات تتسم بالسهولة واليسر فى القراءة والمتابعة.
شارك فى نقاشات الصالون السياسى الكبير منير فخرى عبد النور، ومن الكتاب أحمد الصاوى، ياسر عبدالعزيز، د. سامح فوزى، عادل نعمان، سوزان حرفى، د. محمد كمال، د. إبراهيم البحراوى، مجدى يوسف، فاطمة ناعوت والناشر محمد رشاد.
وقال السياسى الكبير د. حسام بدراوى إن مصطفى الفقى بدأ كتبه بتلك المقدمة «عشت حياتى مؤمناً بالعنصر البشرى مدركاً أن الفارق بين إنسان وآخر إنما يكمن فى مزيد من العقل والقلب تحت مسمى الوجدان»، مضيفاً «أنا مهتم بالمعرفة والتعليم، فالقضية الرئيسية هى بناء الإنسان، فالدكتور مصطفى يذكر هنا شخصيات مختلفة، وفى الغالب يذكر أفضل ما فيها، فهو هنا يؤكد على أن مصر مليئة بالنماذج المحترمة، وأن هناك إيجابية فى عرض هذه الشخصيات، وكل من سيقرأ سيجد إيجابيات تؤكد قيمة الثقافة العربية».
وانطلق «الفقى» فى الحديث عن ذكرياته والمحطات التى تناولتها كتبه الثلاثة، ومنها العلاقات المصرية- الجزائرية، حيث قال «كان أول بلد زرته فى حياتى فى يونيو 1966 هو الجزائر، لحضور مؤتمر الشبيبة الجزائرية، ورأيت أن الشعب الجزائرى كان لايزال منبهرا بالشعب المصرى، ولكن وجدت أن الصورة تغيّرت من هذا الانبهار، وكانت المشكلة فى أننا أسرفنا فى الحديث عن دعم الجزائر فى تحريرها، وبدا هذا كما لو كنا نعايرهم، وعلى الجانب الآخر نسى المصريون أن الرئيس الجزائرى (بو مدين) جاء بشيك على بياض، بعد نكسة عام 1967، واستأذن عبد الناصر فى التدخل بينه وبين السوفييت لحل مشكلة السلاح الذى رفضوا أن يمدوا به مصر إلا مدفوع الثمن، وقام بموقف بطولى، وأصبح الأمر بين الشعبين أنه أنتم فعلتم كذا ونحن فعلنا كذا، ومن هنا جاء هذا التغير، خصوصاً أن شعب الجزائر من الشعوب العربية شديدة المراس».
وتطرّق «الفقى» إلى لقائه مع الملكة إليزابيث وزوجها الأمير فيليب، حيث اعترض الأخير على تسمية الجمهورية العربية المتحدة أثناء تجربة الوحدة مع سوريا، نظرا لغياب اسم مصر قبل صدور دستور 1971، وأن اسم مصر له خصوصيته التى لا يجب أن تُمحى، وأوضح «الفقى» أنه «عندما أطلقنا اسم الجمهورية العربية المتحدة لم نكن موفّقين فى إخفاء أقدم الأسماء فى التاريخ وهو اسم مصر، فمصر هى الدولة العربية الوحيدة التى تضم خصائص الأمة، كما كان يُطلق عليها سعد زغلول دائماً، إذ بها من التجانس ما يؤكد هذه الكلمة».
وتابع حديثه عن العلاقات الدولية، حيث ذهب جنوباً إلى السودان قائلاً «السودان هو أكبر بلد فيه طرق دينية وصوفية وسلفية فى المنطقة كلها، ولديهم حسن الترابى، وكان قريباً جداً من عبد الرزاق السنهورى باشا، كما كان رائداً لتحريك جماعة الإخوان فى السودان»، مشيراً إلى أن «عهد النميرى هو العهد الوحيد الذى كان السودان فيه متوافقا مع سياسة مصر وما قبل ذلك كانت هناك مشكلات فى عهدى عبد الله خليل وإبراهيم عبود، وما رأينا من السودان تجاه مصر مثل ما رأينا بعد ذلك من جماعة ثورة الإنقاذ».
ومن بين شخصيات كتبه الثلاثة، تحدث كذلك عن الرئيس الفرنسى فرانسوا ميتران قائلاً «المجتمع الفرنسى هو أكثر المجتمعات ليبرالية فى قبول تكوين الرجل لأسرته، وفرانسوا ميتران كان معروفاً بعلاقاته النسائية، وكان من أخطر السياسيين الذى رأيتهم فى حياتى، وكان محباً لمصر وتراث مصر، وكان هو وجاك شيراك الوحيدين اللذين أعطيا لمصر قيمتها الحقيقية بين الرؤساء الفرنسيين».
وكذلك تحدث عن الرئيس الإيرانى محمد خاتمى، مشيراً إلى أنه «جاء إلى مصر فى احتفال جامعة الأزهر بخريجيها، وجلست معه قرابة يوم فى فندق «كونراد»، وقال لى كلنا واحد، نبينا واحد، قرآننا واحد، وقبلتنا واحدة، فلماذا الخلاف؟، فهو خلاف تاريخى لا يجب أن يشكل أزمة، واعترف بأن سب الصحابة لا يجوز لكن عدم الاعتراف ببعضهم لا يضر بشىء»، مؤكداً أن «حجم مصر لدى الإيرانيين أكبر مما نتصور، وينظرون إلى أن العالم العربى هو مصر، وقضية الانزلاق إلى أن نصبح فى مواجهة دائمة مع الشيعة أمر لا مبرر له، فكما قلت قبلاً إن مصر بلد سنى المذهب شيعى الهوى».
وتحدث د. مصطفى الفقى عن منصور حسن، وزير الرئاسة فى عهد مبارك، قائلاً: «كانت تربطنى به علاقة طويلة حتى وفاته، فكان شخصية تمثل الالتزام والرقى والسمو، وعمل فى القطاع الخاص واقترب من السادات، والذى كان يتمنى أن يقربه منه أكثر وأكثر، لكن مبارك اعترض على تقريبه وقتها، بما كان سيتعدى على صلاحياته كنائب لرئيس الجمهورية، وقد استرضى السادات مبارك وقتها».
وقال «الفقى» عن عدم تعيين مبارك نائباً له رغم أنه كان نائباً للسادات، أنه «كان يعتقد أن المصريين يمتلكون صفة النفاق، وأنه إذا عيّن نائباً فسيسعى الناس إلى استرضاء الرئيس القادم متمثلاً فى نائبه، لكنه كان وطنياً حتى النخاع، خاصة فيما يخص الأرض المصرية وحرصه عليها».
وخلال الندوة تطرق الحديث إلى القوات المسلحة المصرية ودورها الوطنى، والتى قال عنها «الفقى» إنها «ستظل المؤسسة الأولى المتماسكة فى مصر والقادرة على قيادة البلاد، والجيش هو الذى أنقذ البلاد والعباد، وقيام مصر الحديثة مدين بوجود الجيش، الذى كان سبباً لقيام الدولة الحديثة وإحداث التطوير والتحرير العقلى بدرجة كبيرة»، مضيفاً أن «ميزة العقلية العسكرية المصرية أنها متجانسة ونسيج واحد وليس بها فرق، ومصر فى مرحلة انتقال حالياً ومن الظلم القياس على ما يجرى الآن»، مؤكداً أنه فيما يخص الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات وعلاقته بهما «عواطفى مع عبد الناصر وعقلى مع السادات»، واصفاً حركة التصحيح فى 15 مايو، التى قام بها السادات، بأنها «هى مثل مذبحة القلعة لمحمد على لكن دون دماء، مع الفارق بين القيادات الوطنية المصرية ومماليك محمد على».
وقال «الفقى» عن د. سعد الدين إبراهيم إنه «واحد من أفضل أساتذة علم الاجتماع، ويملك تأثيراً كبيراً فى الخارج، كما أنه صاحب دعوات توثيق العلاقات مع إسرائيل والمجتمع الغربى، وليس صاحب المفهوم الضيق للوطنية المصرية».
وأبدى «الفقى» إعجابه بشخصية المشير أبو غزالة، موضحاً أن «له مؤلفات عن استراتيجيات الشرق الأوسط ودراسات عميقة جداً، وكان من أفضل العسكريين تحدثاً بالإنجليزية، وفى إحدى المقابلات مع جورج بوش وهو نائب للرئيس ريجان، جلس أمامه أبو غزالة، حيث عرض توصيفاً دقيقاً للوضع فى الشرق الأوسط، فكان من الطبيعى أن يُقلق أى حاكم، لما له من (كاريزما) وحب وتقدير الأمريكان وغيرهم، وقد كان موالياً ووفياً للرئيس مبارك، وخاصة فى أحداث الأمن المركزى».
وتطرق د. حسام بدراوى إلى زوجات الرؤساء، وانطباع «الفقى» عن كل منهن، حيث قال الأخير إن «تحية عبد الناصر سيدة تقليدية كل أملها أن تعيش فى كنف زوجها فى أسرة مستقرة، ولم تر رجلاً أو تهتم برجل إلا جمال عبد الناصر، وهو كان صعيدياً فى تعامله معها، بينما جيهان السادات هى أذكى امرأة اجتماعياً رأيتها على الإطلاق، وكانت متألقة ولماحة وراقية جداً، وتعرف كيف توزع اهتماماتها جيداً، لكن سوزان مبارك فلولا أنها تزوجت رئيس جمهورية لكانت من أفضل الباحثات الجامعيات، فهى مدققة علمياً جداً وتحب التفاصيل، وليس صحيحاً أنها كانت عصبية».
وتحدث «الفقى» عن الكاتب الكبير يوسف إدريس، واصفاً إياه بأنه «أذكى وأعمق روائى فى تاريخ العربية» وقال: «عشت معه فى لندن شهورا طويلة، كان شخصية متألقة، طلب مقابلة أنديرا غاندى فقررت المقابلة فى نفس اليوم، وكان مرشحاً لجائزة نوبل قبل نجيب محفوظ، وربما لأن الأخير الأديب الوحيد الذى لم يكتب فى الإسلاميات حصل عليها، كما أنه من أكثر الروائيين ترويجاً للعلاقات بين الديانات المختلفة واندماجها فى مصر، وخاصة اليهودية، وكان هو الروائى الوحيد الذى أيد كامب ديفيد بشدة، وجوائز نوبل كلها محكومة باعتبارات سياسية».
وقال الناشر محمد رشاد، رئيس مجلس إدارة الدار المصرية- اللبنانية، إن د. مصطفى الفقى بقيمته الكبيرة عندما تتعاون معه تجده فى منتهى الاحترام والتعاون والود، ما يجعل أى ناشر يحب التعامل معه، لأنه ليس من الكتاب الذين يرهقون الناشر، فهو يستمع إلى الآراء ويتعاون بشكل جيد مع الناشر، متسائلاً عن الوقت الذى سيكتب فيه «الفقى» سيرته الذاتية.
وقال د. الفقى: «حياتى فرضت علىَّ العمل دبلوماسيا وسياسيا وإعلاميا وبرلمانيا وأكاديميا، ومعجب بما كتبه لويس عوض ومحمد سلماوى فى سيرتيهما، سوف أتكلم عن كل شىء بما لا يجرح الآخرين».
وقال الكاتب ياسر عبد العزيز إن د. الفقى تخصص فى كتابة «البروفايل» للشخصيات، إن هذا النوع من الكتابات له جمهوره، وإن القراء يتابعون ما يكتبه فى مقالاته، ولكن بالطبع ليس كل ما هو معلوم يصلح للنشر.
وقال الكاتب الأديب أحمد الشهاوى إن د. مصطفى الفقى «يعيد تقديم الشخصية فى مقاله، فإذا كان لدىَّ موعد مثلاً مع إحدى الشخصيات فيكفى أن أقرأ مقالاً للفقى عن تلك الشخصية لأعرف كل شىء عنها، فهو شديد التنظيم ومجدول ذهنياً ويعرف أين يضع هذا العنصر وذاك، ولديه تلك المنطقة الكاشفة بالإضافة وليس العيب، ورغم أنه لم يكتب بعد السيرة الذاتية له، إلا أننى أستطيع أن أجتزئ من الكتب الثلاثة سيرة ذاتية عن حياته وأساتذته وزملائه فى المدرسة والدبلوماسية وأبناء محافظته البحيرة، لذا يستطيع أى شخص أن يكشف سيرة مصطفى الفقى عبر تلك الكتب».
وتناول الكاتب الصحفى د. سامح فوزى العلاقة بين د. مصطفى الفقى والرئيس مبارك، وكيف كان يتعامل معه بأسلوب موضوعى وبسيط دون قيود أو شكليات.
فيما اختلفت الكاتبة سوزان حرفى، مع د. «الفقى» فى مقارنة السادات بمحمد على، قائلة إنه «يكفى إفراجه عن الإخوان وتسييس الدولة فى اتجاه الدين، فالسادات لم يبن مصر من جديد كما فعل محمد على على عكس عبد الناصر».
وقال د. محمد كمال، الأستاذ الجامعى المعروف، إن «قيمة الدكتور مصطفى عندى كبيرة جداً، فعندما نتكلم عن القوى الناعمة، فهى ليست مؤسسات فقط وإنما أفراد، وإذا تحدثنا عن الأفراد فمصطفى الفقى هو خير مثال».
فيما قال د. إبراهيم البحراوى، أستاذ الإسرائيليات، إن «مصطفى الفقى دعمنى فى العمل الحزبى داخل الحزب الوطنى، وهو الذى ساعدنى فى موازنة موقفنا من إسرائيل، وكان يدعمنى فى مواجهة شخصيات كبيرة فى الحزب، رغم سننا المتقارب إلا أننى أنظر إليه نظرة الأستاذ، ولم تكن عينه قط على خدمة نفسه من خلال علاقته بالسلطة، وإنما خدمة الوطن، وهذا ما ينطبق عليه مسمى مثقّف الدولة وليس مثقف النظام».
وقال الكاتب والناقد مجدى يوسف: «د. الفقى يمتاز بأنه يقترب كثيراً من الشخصيات التى يكتب عنها. وكتاباته يتبين فيها الإشارات الناقدة التى لا تجرح.. هى تشير ولكن لا تضر».
وقالت الكاتبة فاطمة ناعوت إن الدكتور الفقى يعد من القلائل الذين اقتربوا من السلطة وحافظوا على علاقتهم بالشارع والمثقفين فى نفس الوقت. هو شخص فريد واستثنائى وكتاباته ستكون مرجعاً لأجيال قادمة.