الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / بقلم وريشة حسام بدراوي “رؤية مستقبل مصر السياسي”

بقلم وريشة حسام بدراوي “رؤية مستقبل مصر السياسي”

ملف الحوار الوطنى
رؤية مستقبل مصر السياسي
حسام بدراوي
بقلم وريشة
حسام بدراوي
لم تمس وثيقة رؤية مصر 2030 الجانب السياسي لإدارة البلاد ولم تضع له استراتيجية مستقبلية ولا توقيتات. وحيث أنني أعتقد بخبرتي أن الحوار الوطني هو حوار سياسي من الدرجة الأولي ، فلابد أن تتوافر الإرادة لمراجعة مواد الدستور و الالتزام| بفلسفته لأنه الوثيقة والمرجعية التي يجب أن تحكم حوارنا.
لقد أنقذ جيش مصر البلاد من حكم فاشيستى تحت عباءة دينية كان سيُطْبق على رقاب المصريين وعقولهم. ومهمة الحكم الحاليّة أن يؤسس لاستدامة طريق التنمية لمصر العظيمة، ليس اعتمادا على فرد ولكن على نظام مستدام، وتداول للسلطة بإرادة حرة للناخبين، واحترام لتوازن القوى داخل المجتمع المصرى،
وربما يكون الاهتمام الأكبر للمواطن الآن يتركز على فاعلية الحكم effectiveness أى قدر الإنجاز والاستجابة لمطالب المواطن بغض النظر عن الفكرة الأيديولوجية التي يتبناها أي نظام.
إن تحقيق أكبر فاعلية للحكم يرتبط بوصول الاكفأ لمقاعد الحكم من خلال نظام يتيح ذلك، ويرتبط أيضا بأهمية وجود نظام الرقابة والمساءلة للسلطة التنفيذية، وتحديد فترات للحكم لضمان التجديد فى الفكر وحيوية الأداء.
سياسياً فإنه علينا أن نركز على العناصر التالية:
– فاعلية الحكم،
– كفاء الحكام،
– الرقابة والمساءلة المستقلة عن السلطة التنفيذية،
– نظام عدالة مستقل وفعّال (الثورة الحقيقية يجب أن تحدث هنا فى هذا المجال)
– نظام تعليم وثقافة يتيح للمواطنين بناء قدراتهم ليكون عندهم فرصة اختيار الأفضل، والمساهمة الفعالة في الإسهام في تنمية أنفسهم ومجتمعهم..
ـ الالتزام ببتطبيق فلسفة الدستور ، ومواده ، وتوفير حقوق المواطنين
إننا في رؤيتنا لمستقبل سياسي يضمن استدامة التنمية ، نبحث عن مبادرات تحقق أحلامنا بجمهورية مدنية حديثة ،بتوازن بين القوي الحقيقية على أرض الواقع، مبادرة لا تَحرم البلاد من إمكاناتها الإنسانية ولا من مؤسساتها الفاعلة الوطنية، مبادرة تعطى للحرية مكانها واحترامها بضبط العدالة الناجزة التى لا تسمح للحرية بالتحول إلى فوضى، ولا بالتلاعب الانتقائي للقانون، مبادرة تسمح لعموم الشعب بالاختيار الحر، وحسن الاختيار لممثليه في البرلمان .
إن القوات المسلحة المصرية تملك زمام الأمور الآن، ولا يجب أن توضع سياسيا أمام مسؤولية تحدى التنمية، وتفقد قيمتها المرجعية فى حالة الخروج عن الدستور والشرعية، أو الثورات الهدامة، إذا استدعاها الشعب.
لا يجب أن تصبح القوات المسلحة هي المسؤولة أمام الشعب عن الأوضاع السياسية أو الاقتصادية ، وعلينا الحفاظ على دورها فى الحفاظ على استقلالية مصر ضد أى عدوان، وعلى حماية الشعب والدستور عند الاحتياج.
لذلك فلابد من إيجاد صيغة جديدة تحترم توازن القوى ولكن لا تهدر قواعد الدولة المدنية وهذا ما يجب أن يسعى إليه كل أصحاب المصلحة فى المجتمع ، والكتابة حوله بلا حساسية ولا خوف.
إننا نعتقد أن نظام الحكم الرئاسي ، الذي يتولي فيه الرئيس المنتخب سلطات واسعة للحكم ، هو النظام الأمثل لمصر، بل هو الواقع السياسي منذ عام ١٩٥٢ رغم أننا ندًعي غير ذلك.
ولكن هذا النظام يؤدي إلى الاستبداد بالسلطة ما لم يكن محدد المدة بمدتين على الأكثر لا تزيد عن إثنى عشر سنة ،. هو ما يؤكد عليه الدستور ، ويكون ذلك اختيارا دستورياً غير قابل للتعديل من أي سلطة حاكمة لصالح بقائها..
النظام البرلماني الأوروبي لا يناسب الشعوب التي تنتشر فيها الأمية والفقر. ولكن يتوازى مع النظام الرئاسي الذي يعطي سلطات واسعة للرئيس ، تمثيل برلماني يضمن اختيار ممثلي الشعب بحرية ، وهو الأمر الذي قد لا يجئ بأفضل العناصر نتيجة للفقر والجهل، ولكنه واجب الحدوث ، وإلا حرمنا الأغلبية من إبداء الرأي.
لذلك يصبح وجود غرفة أعلي أخري للبرلمان كما أقر الدستور المعدل أمراً حيوياً ولكن ليس بالطريقة التي تم تطبيقها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي استخدمت اسلوب القوائم المطلقة.
هناك تفصيلات كثيرة من الواجب دراستها ، وأري أن الحوار الوطني قد يكون مؤهلا لمناقشة ذلك لنتجنب تكرار الأخطاء السياسية التي وقعت فيها البلاد تكراراً ، وخلق إرادة فاعلة في سلطة الحكم ، ومسائلة السلطة التنفيذية على المستوى المركزي و المستوى اللامركزي بدون إعاقة التنمية.
ان اللامركزية التي أقرها الدستور الحالي والسابق والأسبق و التي يجب تطبيقها تدريجيا ، هي الوعاء الأوسع للاستماع الي الشعب على مستوى القرية والمركز والمدينة والمحافظة وقد يكون ذلك أيضا مهمة الحوار الوطني..
كل ذلك يجب أن يقام على عمودين أساسيين ، التطبيق الناجز للقانون ، وخطة تنمية إنسانية من خلال التعليم والرعاية الصحية لا يُسمح بالتراجع عنها تحت أي ظروف..
إذن متى وكيف تطبق الديمقراطية فى مصر؟
لا شك أن الانتخابات الحرة النزيهة هي جوهر الديمقراطية، وشرطاً ضروريا لها، إلا أنها قد تفرز حكومات معدومة الكفاءة قصيرة النظر، تهيمن عليها المصالح الخاصة سواء الأيديولوجية أو الاقتصادية، وقد تفرز حكومات غير قادرة على تبني سياسات تنهض بالمجتمع، ولكن ذلك كله قد يجعل منها حكومات تفتقر إلى الكفاءة، ولكنه لا يجعلها غير ديمقراطية.
إذن، علينا أن ندرك مخاطر تطبيق الديمقراطية في مناخ غير مستقر أو في غياب القدرة على الاختيار نتيجة الجهل أو الفقر أو كلاهما في آن واحد.
هنا يصبح السؤال بشأن متى وكيف أكثر من مهم.
كذلك، فيجب علينا أن ندرك أن ما يسبق الانتخابات من توجيه للرأي العام، خاصة إن لم يكن محصنا بالعلم والمعرفة، وأن جذبه أو تخويفه أو تهديده يؤثر على نتائج الانتخابات. ويضاف إليه قوة استخدام المال السياسي في تحديد مسار الاختيارات في مجتمع تصل نسبة الفقر فيه إلى أكثر من ٣٠٪ .
أما ما يلي صندوق الانتخابات من احترام المنتخب للحريات والدستور والقانون والتوازن بين السلطات والتعرض للمحاسبة فهي أمور جوهرية في تطبيق الديمقراطية، فالمسألة ليست فقط صندوق انتخابات.
ولعل تجربة انتخابات السيد محمد مرسي، ممثل جماعة الإخوان رئيسا لمصر، كانت تطبيقا عمليا لشكل ديمقراطي سبقه وتلاه كل ما ذكرته من ظروف تضرب الديمقراطية في مقتل.
ولعلي وأنا أذكر ذلك، أنبه أن كل من يصل إلى السلطة في بلاد غير معتادة على الديمقراطية، يُهيأ له أن وجوده هو الضامن الوحيد لسلامة البلاد، واستقرارها ويعيش في وهم أنه الوحيد الذي تتماسك الدولة بوجوده و تتبارى أجهزة الدولة المحيطة به والإعلام الموجه لتعميق ذلك الشعور لديه ولدى قطاع كبير من الجماهير.
إذن أين يكمن الرادع الواقي الذي يضمن الصلاح والاستقرار والاستدامة للديمقراطية؟ وكيف يمكن التطبيق في بلادنا؟
في الغرب، استقرت التقاليد عميقة الجذور في حماية الاستقلال الذاتي للفرد وحقوقه وكرامته من إكراه ، مهما كان مصدره سواء من جانب الدولة أو الكنيسة أو حتى أغلبية المجتمع في إطار يحمي حقوق الأقليات والحريات لأنه يستند إلى تزاوج بين الديمقراطية والحرية والنظام.
أما عندنا، فلا زالت هذه البديهيات غير مستقرة، في إطار نظام تعليمي وثقافي لا ينمي هذا التوجه، ولا يجعلها مستقرة في الوجدان المجتمعي.
وأُذّكر الجميع، بأن الدستور، أبو القوانين، وجد لينظم الحياة في الدولة، ويتعاظم دوره كمرجعية اتفق عليها المجتمع عندما يحدث الخلاف بين الفصائل .
في لحظات الخلاف والثورات التي يركب خلالها الأكثر تنظيما والأقوى تمويلا والأعلى صوتا، تكون المرجعية الدستورية أكبر وأكثر أهمية، إلا أننا تعودنا عندما نمر بهذه اللحظة على أن نُسقط المرجعية ونلغي الدستور ويصبح مصير الأمة في يد مالك الأمور في هذه اللقطة التاريخية.
صحيح أن الحرية هي الضامن، ولكن لا تمثلها الفوضى وإنما قدر من النظام. تحتاج الحرية إلى معالم إرشادية وأحيانا قيود. إن الأمان الحقيقي للحرية يرتهن بقوة بعض الأسوار الحامية التي تحميها، وهذا ما أفرز الديمقراطية الليبرالية الحديثة عبر تراكم السنين في الغرب وهو الأمر الذي لا نملك أن ننتظره في بلادنا طويلاً.
يجب علينا أن نستعيد التوازن بين الديمقراطية والحرية والحاجة إلى النظام، حيث تحتاج المجتمعات الديمقراطية إلى معدات ومعالم إرشادية جديدة مصحوبة للتصدي للمشكلات وظروف العصر الحالي.
يبدأ ذلك، وبلا تردد، بالعدالة والتطبيق الحازم للقانون دون انتقائية، وأن نفكر في القانون باعتباره القيود الحاكمة الحكيمة التي تجعل المواطنين أحرارا في إطار حرية المجتمع كله انبثاقا من دستور يحترمه حقاً الحاكم والمحكوم.
بلادنا تحتاج إلى حكم قوي، وإلا انفرطت مؤسسات الدولة وتوقفت التنمية، أما ما الذي يضمن عدم التحول إلى الديكتاتورية إذا حدث هذا؟
والإجابة لا تخرج عن شيء واحد ومهم هو ضمان تداول السلطة سلمياً. فهذا ما يضمن استدامة التنمية وتراكم الخبرات.

التعليقات

التعليقات