الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بين أكتوبر وأكتوبر بقلم حسام بدراوي

بين أكتوبر وأكتوبر بقلم حسام بدراوي

مرفق لكم اصل مقال د.حسام بدراوي اليوم في جريدة المصري اليوم قبل حذف اجزاء منه بعنوان “بين أكتوبر وأكتوبر”
بين ٦ أكتوبر ١٩٧٣ ، و٧ أكتوبر ٢٠٢٣ مرت خمسين سنة . أكتوبر ٧٣ شاهد حدثاً تاريخياً لأول انتصار ‏عربي في معركة حربية منذ قرون ، كان في وقتها غير متوقع ولكن سبقه تخطيط وبناء جبهة عسكرية ‏ومشاركة من كل طوائف الشعب المصري و التحاف شعب عظيم مع جيشه ودخول المتعلمين وحاملي الشهادات ‏العليا الي الخدمة العسكرية مضحين بمستقبلهم الوظيفي حيث كان لا يعلم احد متي سيعاود حياته المدنية.‏
‏ كانت معركة هدفها تغيير وتحريك وضع استدام ٦ سنوات بعد هزيمة منكرةً في ٦ ساعات ، كان الهدف هو ‏المفاوضات من موقع يحترمه العدو ومن يقف ورائه وأمامه ومعه ..‏
كانت مغامرة محسوبة ، ولكنها تحمل أيضا احتمالات مرعبة ، و أتت بنتيجة هامة وهي عودة سيناء إلي مصر ‏وسيادتها علي أراضيها. ‏
وبغض النظر عما يقوله البائسين اليائسين عن حرب أكتوبر ومحاولة قلبها الي هزيمة لأنها لم تحقق القضاء ‏علي إسرائيل كما في خيالهم فإن هناك دروسا وخبرة اكتسبها الشعب المصري من هذه الحرب. ‏
أولها: أن الجيش والشعب منظومة واحدة ، ولولا مسانده المجتمع المدني لقواته المسلحة‎ ‎ما كان النصر ، وكل ‏محاولات تقسيم البلاد بفصل الجيش عن الشعب وتقسيم الشعب الي فئات أيديولوچية ودينية‎ ‎وجغرافية ستفشل ‏بالوعي الحضاري لهذا الشعب العظيم.. ‏
ثانيها : أننا لو كنا دخلنا حرب أكتوبر بدون تغيير جوهري في مفهوم‎ ‎إدارة المؤسسة العسكرية والتأكيد علي ‏حرفية الجيش العسكرية ، والتنسيق بين‎ ‎المدنية والدبلوماسية والعمل الحربي ، ما كان النصر‎. ‎لقد تغير ‏مفهوم العمل العسكري الذي قاد للهزيمة الي مفهوم جديد قاد للنصر.‏
‏ أكتوبر ٢٠٢٣ ،وبعد ٥٠ سنة، لم يكن حدثاً بل حادثة ، حيث هاجمت فصائل من حماس إسرائيل في ساعة ‏زمن بلا حسابات وبلا قياس لتأثيرات طويلة المدي.‏
‏ ‏
تساءلت وقتها قائلاً: من سيدفع الثمن ؟؟؟
‏ وأجبت كاتباً ، في الأغلب الشعب الفلسطيني وغالبا مصر ستتحمل مسئوليات بشكل أو بآخر. وثبت بعد مرور ‏عام كامل علي الفعل العنتري الحماسي ما يمكن الآن قياسه وتوثيقه. ‏
قامت إسرائيل بشن حرب إبادةً للشعب الفلسطيني وتدمير قطاع غزة وتهجير الملايين . اختبرت إسرائيل العالم ‏كله ، وتأكد لديها التأييد المطلق عسكرياً ومادياً من الولايات المتحدة الأمريكية بل تسابق الساسة الأمريكان ‏لإرضاء إسرائيل بشكل فج لم يحدث في ماضي ولا حاضر. ‏
وتأكدت إسرائيل من دوام نوم العالم العربي وغيبوبته، ومأساة قادته الذين لا يستطيعون العمل سويا علي حتي ‏ادانة مشتركة للفعل الإجرامي ، بل وزادو الطين بلّة بكبت شباب بلادهم ، لدرجة أن مظاهرات الشباب في ‏الجامعات الغربية ملأت الأخبار ، ومظاهرات الشعوب الغربية وادانتها لقسوة إسرائيل غير الإنسانية ملأت ‏الشوارع ولم نري احتجاج من طلبة جامعة عربية واحدة ولا تعبير عن غضب الجماهير ،رغم علمنا بوجوده ‏،في أي شارع عربي واحد. ‏
‏ ما حدث من اسرائيل لا يتعلق برد فعل أو فعل في نطاق مساحة جغرافية محدودة، بل هو اجراء ‏‎ ‎جديد يمتد ‏الي ما يتجاوز فلسطين.‏
هل كان الفعل ورد الفعل ‏‎”‎حماقة سلوكية كبرى‎” ‎دون وعي شمولي، أم هو جزء من ترتيبات جديدة كشفها ‏بوضوح كامل رئيس حكومة عصابة نتنياهو، يوم التاسع من أكتوبر ‏‎2023‎، ثم أعاد تأكيدها بوضوح أشمل في ‏نهاية سبتمبر ‏‎2024‎، بعدما قام بعملية الغزوة الثانية في لبنان.‏
‏ المشروع هو الترتيبات الشرق أوسطية الجديدة، التي تنطلق قاعدتها من تل أبيب تطبيقاً لرؤية طويلة المدي ‏بخلق‎ ‎وقائع كبرى، سيكون لها اليد الطولى في رسم المشهد قبل الأخير. ‏
من وجهة نظري ، المشهد الأخير سيشمل سيناء ولكن ليس في هذه اللقطة. ‏
شهوانية عدوانية فجة غير مسبوقة، نفذتها عصابة وليست دوله ، معتقدة أنها تمتلك ‏‎”‎حصانة فوق القانون‎”‎، ليس ‏ببعده الدولي فهي خارجه، بل وفي المحيط الإقليمي، اعتماداً علي تفوق تكنولوچي وعسكري ومالي يفوق ‏حجمها ولكنه يُعبر عن فلسفة الاحتلال والتحكم الغربي في الوطن العربي بأشكال جديدة .‏
الاعتقاد بأن المعركة القائمة هي تصفية حسابات بين ايران وأدواتها مع إسرائيل، ليس سوى سذاجة سياسية ‏مطلقة، وهروب لعدم المواجهة الكبرى، كون الصراع الحقيقي ليس بينهما، بل كلاهما يعمل من أجل ترتيبات ‏توافقية بشكل جديد، وبرعاية الولايات المتحدة الأمريكية، ترتيبات تمنح‎ ‎ايران شيئاً في العراق وأماناً شكلياً في ‏مقابل ، تغيير البناء السياسي في المنطقة و بناء نظام طائفي يخدم مصالحها الاستراتيجية ويفرق بين العرب ‏وبعضهم وكله في صالح شكل الاستعمار الغربي الجديد والصهيونية المتوحشة التي تُثّبت أركان ، مشروعها ‏لفرض ملامح ‏‎”‎إسرائيل الأكبر من جغرافية فلسطين‎”‎، ولا مانع مؤقتا من مشروع أصغر ينمو كل عقدين من ‏الزمان للوصول الي من‎ ‎‏” إسرائيل الكبرى‎” ‎‏ من النيل الي الفرات والذي لم يختف، ولن يختفي بل من ‏الممكن أن يتمدد شرقاً إلي الجزيرة العربية .‏
سيستمر ذلك طالما لا يوجد جدار صد حقيقي قادر على تحطيم فكرة إسرائيل و طموحها .‏
‏ ملامح المشروع تكشفت مع مسار حرب العدوان على فلسطين ولبنان، حيث أشارت‎ ‎خرائط يتم نشرها ثم ‏سحبها، لترسل رسائل تنطبع في وجدان شباب إسرائيل والعالم العربي عن ماهية إسرائيل. . ‏
الحديث عن ترتيبات شرق أوسط جديد من حكومة نتنياهو، ليست إعادة الترتيبات إلى ما كانت عليه يوم 7 ‏أكتوبر ‏‎2023‎، بل‎ ‎خطوات لتغييرات كبرى، لو واصلت مسارها وفقاً للمخطط ،‎ ‎فدائماً ستحتاج” أحداثاً ‏كبرى‎”‎، من أجل تنفيذها.‏
إن مشروع الحرب الحالية ليس رداً على فعل جانبي كان له أن ينتهي في ساعاتـ، بل مخطط استكمالي لمخطط ‏‎2011 ‎الأمريكي الإنجليزي نحو‎ ‎شرق أوسط جديد تسقط وتُمحي منه اوطان وأمم . ‏
هل هناك أسلحة تمتلكها الدول العربية ، لها القدرة على أن تكون هي صاحبة المشروع التغييري الشامل لصناعة ‏شرق أوسط جديد، وفق مفاهيم تنطلق من المصلحة القومية العليا بشكلها المستحدث، بعيدا عن المفاهيم القديمة؟ ‏هل هناك امكانية لخلق رؤية توافقية استنادا لمشروع بناء جديد، يحمي الكيانية العربية من التشوهات الحالية ، ‏ويعيد الاعتبار لمكانتها، وايقاف البعد الفاشي لاسرائيل ،ووضعها أمام خيار، التعايش وفق قانون المنطقة أو ‏مغادرتها لمنطقة غيرها ؟.‏
الإجابة ، نعم هناك أسلحة منها سلاح البترول والتي لم يستخدم إلا قليلا أثناء حرب اكتوبر ٧٣ .‏
‎ ‎وهناك ، وهو الأهم، سلاح البشر وامكانات شباب العالم العربي وخاصة مصر والعراق والسعودية الذين ‏يمكن في غضون عقدين من الزمان أن يكون قوة جبارة إذا أفقنا لأولوية التعليم والتكنولوچيا والتدريب وبناء ‏القدرات وتوفير الفرص. ‏
أننا لا يجب أن نسعي لرد فعل لحظي في لقطة لما يحدث من الصهيونية العالمية والغزو الغربي لدول الشرق ‏الأوسط واحتلال عقول مواطنيها والضغط الاقتصادي الرهيب علي مصر بالذات. ‏
مصر ستظل هي الأمل في التوازن الإقليمي إذا احتفظت بنفسها بعيدة عن مكيدة الدخول في مغامرات عسكرية ‏لمدة عقدين من الزمان بشرط أن يكون هناك مخطط لبناء قدرات لشبابها ليكونوا عماد صناعة المستقبل .‏
‏ إننا يجب أن نسعي لحلول مستدامة .‏
إن التعاون بين مصر والسعودية والعراق قد يكون قلب امكانية الوقوف امام المد الصهيوني. ‏
‏ أنهي مقالي بجزء مقتبس من مقال للدكتور إبراهيم نوار بتصرف أراه ملائما لموقفنا حيث يقول:‏
الإنسان العاقل، يستطيع‎ ‎أن يتحايل على عقله، أن يخدعه وأن يخدع الآخرين، وأن يكذب عليه وعلى الآخرين، ‏وأن يزيف الحقيقة على نفسه وعلى الآخرين، حتى يصبح هو نفسه ضحية للخداع والكذب والتزييف. وهذا ما ‏يحدث على نطاق واسع في السياسة وفي العلاقات بين الأمم وزاد ذلك أثرا تقنيات الإعلام والسوشيال ميديا . ‏
أرى أن البعض منا قبل أن يتكلم يجب أن يفهم، ولن يفهم المرء ما لم يحاول أن يتعلم ، ولن يتعلم ما لم يسمع ‏ويقرأ ويرى بعقل مفتوح خارج حدود ما يرى وما يعرف. وهو لن يرى الحقيقة كما هي، ولن يسمع الرأي كما ‏هو، ولن يقرأ الحجة كما هي، مالم يخرج من السجن او الصندوق المغلق الذي صنعه لنفسه ليعيش فيه،.‏
قادةً عالمنا العربي يعيشون في صندوق السلطة والثروة والحكم ويرون ما يريدون رؤيته فقط. ‏
في الختام، يقول د. إبراهيم وأثني علي ما يقول “إن لدينا ما نتطلع إليه، ولدينا ما نخاف عليه، وفي مواجهتها ما ‏نخاف منه، وما يمكن أن يعرقلنا، لكن يقيني هو اننا سادة مصيرنا، سادة مستقبلنا، نصنع ما نريد اذا أردنا. قد ‏نصنع الخطأ، وقد نصنع الصح ، الأمر يتوقف على أن ننطق بعلم، وأن نعمل بمعرفة، وأن نكف عن الاحتفال ‏بالفشل باعتباره الفخر، الذي يجب أن نحتفل به. مرة أخرى أحذر من إعادة إنتاج الفشل، خصوصا في قضايا ‏مصيرية ترتبط بمستقبل أجيالنا القادمة.

التعليقات

التعليقات