بين الحلم والسياسة
بقلم
حسام بدراوي
في عالم المبادئ، يعلو صوت القاعدة الصارمة: “الكل أو لا شيء”. إنها دعوة للمثالية الخالصة، التي لا تقبل أنصاف الحلول، ولا ترى في التدرّج إلا تراجعًا عن الحق، أو تنازلاً عن الثوابت.
لكن في واقع السياسة، حيث المصالح تتشابك، والقوى تتنازع، والتوازنات تتغير ، والزمن لا ينتظر، لا مكان لمثل هذه الصرامة. هنا، السياسة هي فنّ الحصول على الممكن، وبناء الطريق إلى الأفضل على أرض الواقع.
السياسي الواعي لا يفرّط في القيم، لكنه لا يحبسها في جمود المواقف. يفهم أن التغيير لا يحدث دفعة واحدة، وأن التقدّم الحقيقي يبدأ غالبًا بتنازلات محسوبة، لا باستعراضات رافضة. يعرف أن خطوة إلى الأمام، ولو صغيرة، قد تفتح الباب لخطوات أكبر، بينما الإصرار على كل شيء دفعة واحدة قد يُفقده كل شيء.
إن الفرق بين الحالم والسياسي، هو أن الحالم ينتظر اكتمال الصورة، بينما السياسي يرسمها جزءًا جزءًا، بذكاء وصبر وإرادة،
فلا يُستصغَر الممكن، ولا يُحتقر التدرّج. ففي السياسة، الممكن اليوم هو حجر الأساس في معمار الغد.
إننا نحتاج إلى السياسي الذي يفهم الواقع، ويعرف حدوده، ويُدير الإمكانات بحكمة، وكذلك نحتاج أيضًا إلى الحالم الذي يُلهم، ويُذكّر بالمبادئ، ويضع الأفق البعيد أمام الأعين.
الحالم يرسم الهدف، والسياسي يمهّد الطريق إليه. الأول يضيء الشعلة، والثاني يحملها دون أن تُطفئها الرياح.
في قضية فلسطين والصراع مع الصهيونية عشنا فتراتٍ ضاعت فيها الفرصة لأننا طالبنا بـ”الكل الآن”، ورفضنا أيّ شيء دون الكمال المتصور في اذهاننا.
إن بناء المستقبل لا يتحقق بإقصاء الحالمين، ولا بإحباط السياسيين، بل بتحالف العقل والحلم، التدرج والطموح، الخطوة والهدف. فالممكن هو بذرة الحلم، والحلم هو ما يعطي للممكن معناه.
السياسة الناجحة ليست انحناءً للواقع، بل فنٌ في استخدامه لتغييره.
دار في ذهني واسترجعت عددا من الفرص الضائعة علي الشعب الفلسطيني عبر الخمسة عقود الماضية .
أولا : بعد زيارة السادات لاسرائيل وكلمته القوية العظيمة في الكنيست دعت مصر اليً مؤتمر المينا هاوس وحضرت الأطراف ولم يحضر وفد فلسطين.
ثانيا :في اتفاقيات كامب ديفيد الموقعة عام 1978 بين مصر وإسرائيل، تم تناول القضية الفلسطينية من خلال وثيقة بعنوان “إطار للسلام في الشرق الأوسط”. ركزت هذه الوثيقة على منح الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة حكمًا ذاتيًا مؤقتًا لمدة خمس سنوات، يتم خلالها التفاوض على الوضع النهائي لتلك المناطق. تضمنت الوثيقة حكما ذاتيا وًتأسيس سلطة حكم منتخبة في الضفة الغربية وقطاع غزة، تتولى إدارة الشؤون المحلية للفلسطينيين خلال الفترة الانتقالية و انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق محددة لتمكين سلطة الحكم الذاتي من ممارسة مهامها ووضعت اطار بدء مفاوضات بين إسرائيل ومصر والأردن وممثلي الفلسطينيين في غضون ثلاث سنوات من بدء الحكم الذاتي، بهدف تحديد الوضع النهائي للضفة الغربية وقطاع غزة.
اعتبر العرب أن ذلك لا يلبي التطلعات الفلسطينية في الاستقلال الكامل وتم رفضه.
ثالثاً :اتفاقية أوسلو، المعروفة رسميًا بـ”إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”، هي اتفاقية سلام تم توقيعها في 13 سبتمبر 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، بحضور الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون. جاءت هذه الاتفاقية نتيجة لمفاوضات سرية جرت في أوسلو، النرويج، وهدفت إلى وضع إطار لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
أبرز بنود الاتفاقية هو الاعتراف المتبادل بين إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية وحق الفلسطينين مقابل اعتراف السلطة الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود بسلام والتزام الجميع بنبذ الإرهاب والعنف.
والاتفاق على إقامة سلطة حكم ذاتي فلسطينية مؤقتة، تُعرف بـ”السلطة الوطنية الفلسطينية”، تتولى إدارة الشؤون المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة مع اجراء انتخابات لمجلس تشريعي فلسطيني لتمثيل السكان الفلسطينيين في المناطق الخاضعة للسلطة.
كما تم تحديد فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، تبدأ بانسحاب إسرائيل من قطاع غزة ومنطقة أريحا و الالتزام ببدء مفاوضات حول “الوضع النهائي” قبل نهاية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية، لمناقشة القضايا المحورية مثل القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، والحدود مع تشكيل قوة شرطة فلسطينية للحفاظ على الأمن والنظام في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينيةو استمرار مسؤولية إسرائيل عن الدفاع ضد التهديدات الخارجية وضمان أمن الإسرائيليين.
لم يتم تطبيق الإتفاق …….
رابعاً ؛ في ديسمبر 2000، قدم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ما يُعرف بـ”معايير كلينتون” كإطار لحل نهائي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. هدفت هذه المقترحات إلى تحقيق تسوية شاملة تشمل القضايا الرئيسية التالية:
1.إقامة الدولة الفلسطينية: على 94-96% من الضفة الغربية وكامل قطاع غزة علي أن تضم إسرائيل الكتل الاستيطانية الكبرى التي تضم حوالي 80% من المستوطنين، مع تعويض الفلسطينيين بأراضٍ من داخل الخط الأخضر بنسبة 1-3%.
•الإتفاق علي ضمان تواصل جغرافي للدولة الفلسطينية وتقليل المناطق المضمومة وعدد الفلسطينيين المتأثرين بذلك إلى الحد الأدنى.
2. أن تُقسم مدينة القدس بناءً على التركيبة السكانية؛ الأحياء العربية تحت السيادة الفلسطينية، واليهودية تحت السيادة الإسرائيليه مع سيادة فلسطينية علي الحرم الشريف (جبل الهيكل)مع “ملكية رمزية” لإسرائيل على المنطقة، وضمان حق الوصول وممارسة الشعائر للجميع.
3 – انسحاب إسرائيلي من المناطق الفلسطينية خلال 36 شهرًا، يتبعه وجود دولي لمراقبة التنفيذ وإقامة الدولة الفلسطينية: منزوعة السلاح مع قوة أمنية قوية للحفاظ على النظام الداخلي.
على الرغم من قبول الحكومة الإسرائيلية للمقترحات مع بعض التحفظات، إلا أن القيادة الفلسطينية، برئاسة ياسر عرفات، أبدت تحفظات جوهرية. أعربت عن قلقها بشأن تقسيم القدس، وتم رفض الإتفاق .
انتهت الفرص المرتبطة بتوازنات القوي في زمنها وازدادت قوة إسرائيل وضعفت القدرة التفاوضية للعرب وتقسمت السلطة الفلسطينية وبدأنا في مرحلة جديدة ظهرت فيها :
: خطة ترامب للسلام:
في يناير 2020، كشف الرئيس الأمريكي ، دونالد ترامب، عن اقتراح للسلام في الشرق الأوسط، يُعرف غالبًا باسم “خطة ترامب للسلام”. تضمنت هذه الخطة خريطة مفاهيمية تحدد الحدود والترتيبات الإقليمية المقترحة بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقبلية. وأشارت الخريطة إلى أن إسرائيل ستضم حوالي 30% من الضفة الغربية، بما في ذلك جزء من الأردن والمستوطنات الإسرائيلية القائمة، في حين سيتم منح الفلسطينيين دولة منزوعة السلاح تضم الـ 70% المتبقية من الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى تبادل أراضٍ إضافية في صحراء النقب.
في كل الأحوال ستبقى القدس العاصمة غير المقسمة لإسرائيل، مع إمكانية إنشاء عاصمة فلسطينية في مناطق على أطراف القدس الشرقية، مثل أبو ديس.
رحبت إسرائيل بالخطة إلى حد كبير، بينما انتقدها القادة الفلسطينيون والعديد من المراقبين الدوليين لكونها منحازة للموقف الإسرائيلي وتقوض فرص إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة.
في أوائل عام 2025، وخلال بداية الولاية الثانية للرئيس ترامب، برز اقتراح جديد يتعلق بقطاع غزة. اقترحت الخطة أن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على غزة، وإعادة تطوير المنطقة، وإعادة توطين سكانها الفلسطينيين. وقد واجه هذا الاقتراح انتقادات واسعة من قبل كل من المجتمعات الإسرائيلية والعربية، بسبب المخاوف بشأن جدواه وإمكانية تسببه في مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، ردت مصر ودول عربية أخرى بطرح خطط بديلة تركز على إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، مؤكدين على أهمية الحفاظ على الوجود الفلسطيني في وطنهم.
تطور النهج من دولة فلسطينية منزوعة القدرات الي لا دولة ولا حقوق للفلسطينيين.
الملحوظ أنه بمرور الزمن وضعف الجانب التفاوضي العربي ، مع اختلاف القيادات الفلسطينية مع بعضها ، فان المطروح علي طاولة المفاوضات قلص تدريجياً الحقوق الفلسطينية وتعمق الاحتلال، ورويداً رويداً اختفت الجولان من الطلبات العربية وأصبح الكلام علي الدولتين بعيد المنال ووصلنا الي صفاقة طلب التهجير القصري لأكثر من ٢ مليون فلسطيني الي الأردن مصر.
لا أري فخراً بما فعلته حماس يوم ٧ أكتوبر وأنا أري ٢.٣ مليون فلسطيني يُهَجرون وغزة مدمرة ، و٥٠ الف قتيل ، وهناك من يحتفل بنصر وهمي، لدرجة انني بدأت أظن أن 7 اكتوبر هو أفضل ما حدث للدولة الصهيونية في تاريخها الحديث .
بدأت أظن أن جزء كبير من مأساة الشعب الفلسطيني من صنع قياداته والعرب بنفس قدر اجرام اسرائيل .
نبهني السفير محمد أنيس الي ما سبق زماننا :
لجنة بيل:
قرار تقسيم فلسطين:
الادارة الاردنية للضفة الغربية: