الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / بين الدعوةِ والدعاء.. للقضاء على الوباء حسام بدراوي

بين الدعوةِ والدعاء.. للقضاء على الوباء حسام بدراوي

اجتمع الشباب حولى على تطبيق زووم، لنواصل الحديث والحوار عن بعد باستخدام التقنيات الرقمية.

قال واحد منهم: يا دكتور، بأى وسيلة سنقضى على انتشار فيروس كورونا المستجد فى مصر وأى نموذج سنتبع؟

قلت: هناك نماذج مختلفة أخذت بها بلاد العالم فى مواجهة الوباء، والمهم أن نتبع نموذجا الى نهايته ولا نقفز بين نموذج وآخر فلا نصل الى نتيجة رغم معاناة الناس.

قال: وما هى هذه النماذج؟

قلت:

أولها: الإغلاق المطلق والعزل بصرامة لأى منطقة يظهر فيها الوباء فى الوقت المناسب وفى سباق مع الانتشار،

هذا هو النموذج الصينى.. ويحتاج ذلك الى صرامة فى التنفيذ والتزام من الشعب.. وقد نجحوا فى ذلك. بعض البلاد أغلقت حدودها «من بدرى» ومنعت الطيران مثل سنغافورة.

ثانيها هو النموذج الكورى وهو اختبار كل السكان معمليا وعزل المرضى وهو ما أخذت به أيضا ألمانيا، ويتطلب ذلك وجود الاختبار المعملى بالعدد الكافى والتزام الشعب بالتقدم له وإدارة حازمة وتطبيق ونقل معلومات بدقة.

ثالثهما نموذج بريطانيا الذى بدأت به ثم تراجعت وهو ترك الناس تمرض مع توقع وفيات لكبار السن وتحمل فقدانهم ذلك فى سبيل أن الأغلبية من الشباب تأخذ حصانة ضد الفيروس ويستمر الاقتصاد فى النمو ( مناعة القطيع).. وبعد ذلك تراجع رئيس الوزراء البريطانى تحت الضغط إلى نموذج العزل شبه الاختيارى، وأعتقد أنهم فى أزمة الآن..

رابعهم نموذج إيطاليا الذى تأخر فى كل شىء وسبقه انتشار الفيروس ولا يملك وسائل الاختبار بكفاية، ولم تتحمل طاقة النظام الصحى عدد الحالات فتفاقم الوضع وساء، وتتضاعف الأعداد كل أربعة أيام.

خامسهم نموذج الولايات المتحده الذى استهزأ رئيسها بالوباء فى أول الأمر وانشغل باتهام الآخرين ثم عاد ليقاوم سياسيا، وهناك حسب علمى من زملائى فى نيويورك مأساة لأنها أقوى دولة فى العالم عسكريا واقتصاديا وتبدو فى حالة يرثى لها من حيث توفير اجهزة التنفس الصناعى وأسرة الرعاية المركزة فى أهم ولايتين، كاليفورنيا ونيويورك.

قالت شابة معروفة بيساريتها: لقد ظهر الرئيس الأمريكى أول أمس ليحذر من بقاء الناس خارج العمل لأن الكساد آثاره أكبر من مضاعفات الوباء أو وفاة بعض كبار السن.. من وجهة نظرى، فقد أظهر الرئيس الأمريكى أسوأ وجه للرأسمالية المادية العمياء التى تضع المال قبل الحياة والاقتصاد قبل الإنسان.

قال آخر: وفى جميع الأحوال لا نسمع عن دول العالم الثالث كثيرا، فيما عدا إيران والهند ومصر

والقليل عن شمال أوروبا.

قالت شابة نابهة:

أعتقد أن الفكرة كلها هى استخدام العلم التوقعى وفرض الحلول الوقائية قبل الانتشار. أما الاختبارات فتحتاج إمكانات ولوچيستيات قد لا نملكها.

قال زميلها:

والعلاج يحتاج أيضا سعة للنظام الصحى وتدريب العاملين وتواجد الأجهزة.

أما المستقبل فيحتاج استمرار التوعية واستخدام النظام التعليمى والإعلامى فى ذلك بلا هوادة ولا كسل.

وقد نخرج من هذه المحنة ببعض الفوائد.

قال شاب آخر:

كنت أشاهد امس فيلم كونتيجياس وقبله فيلم بانديميك فى عزلتى وهى افلام تدل على أن التوقعات موجودة، وأن رد فعل الحكومات هو الغائب.

فى الأمور العسكرية نسمع عن تدريبات مشتركة بين الجيوش تتكلف الملايين من الدولارات ولكن هل سمعت عن تدريبات لمواجهة المعارك الصحية. امريكا تنفق على بحوث السلاح وعلى طائرة واحدة اكثر ما ينفق العالم كله على بحوث الصحة.

قال زميله: واحنا فى مصر، ماذا نفعل فى هذه الأزمة الآن؟

أخبرونى باسم خبير إحصاء أو متخصص فيروسات أو خبير أوبئة وصحة عامة أو أسماء مشاريع بحثية ظهرت فى الإعلام، أو وقوف خبراء وراء رئيس الوزارء أو وزيرة الصحة عند الحديث حول الأزمة.

عشرات المراكز البحثية وجامعات وآلاف العلماء ولم نر تعليقات مؤسسية علمية تعطينا لمحة أننا مصر التى فى خاطرنا، مصر الكبيرة القوية.

علق شاب آخر قائلا بسخرية: كل ما هو أمامنا هو أخبار فى الجرائد والسوشيال ميديا عن اختراعات وهمية وعلاجات دينية ومظاهرات غبية بلهاء تتوسل إلى الله وتدعو ضد الفيروس مع تبريرات سخيفة عن البلاء والدواء الذى سيأتينا من السماء بدون إجراءات عزل صارمة، وبحوث علمية، وتجارب إكلينيكية، ولوچيستيات واضحة فى ماذا يفعل المواطن عند الشك فى الإصابة أو إذا ثبتت إصابته؟

قلت له: يا بنى، كلما ازداد الجهل توجه الناس للغيبيات، وكلما ازداد الخوف فلا مانع من الدعاء، واعتبره يا سيدى طاقة إيجابية جمعية.

طبعا الشكل الذى تم فى مظاهرة الإسكندرية غير مقبول وأتصور أن وراءه أهدافا سياسية.

قال شاب آخر: سأقرأ لكم بعض عناوين أشك فى مصداقيتها ولكنها تدلل على عدم جديتنا.

إنتاج فاكسين مصرى مضاد للفيروس (غير حقيقى)

«عضو لجنة التعليم بالبرلمان: أدوية مصرية تنجح فى علاج مصاب.. ولجنة علمية تضع بروتوكول علاج للتصدى للوباء» (غير حقيقى).

«مصر وافقت على المشاركة فى إجراء الاختبارات السريرية لتقييم الأدوية المستخدمة فى علاج فيروس كورونا المستجد» (مصر ليس بها قانون يسمح بالتجارب السريريه الإكلينيكية أساسا).

قلت لهم: لا تكونوا مصدرا للإحباط والطاقة السلبية.. هناك أخطاء ولكن هناك أيضا نجاحات. وهناك إنجازات لابد للدولة أن تنشرها بمصداقية، لأن خبرا واحدا كاذبا يزيل تصديق أى شىء بعده.

وأعود لنظرية رئيس أمريكا الذى وصفتموه بالتعدى على القيم الإنسانية وتفضيل الاقتصاد على حياة الإنسان.

أنا لا أقدر السيد ترامب ولا سياسته، لكن علينا أن نناقش رؤيته فى موعد عودة عجلة الاقتصاد للسريان وعمل الحسابات وتقييم الإحصاءات وتحليلها. إنه رئيس الولايات المتحده الأمريكية وسبقه رئيس وزراء المملكة المتحدة، وهؤلاء لا يتكلمون من فراغ بل وراءهم مراكز أبحاث ومفكرون وخبراء.

ماذا لو استمر الإغلاق ستة أشهر، وتوقف التصدير والاستيراد، وتوقف البيع والشراء، وتوقفت عجلة مشاريع المقاولات والبنية التحتية.. من أين ستجد الدولة والقطاع الخاص مرتبات الموظفين؟.. وكيف ستتحمل مصر هذا الضغط، مع احتمالات هز الاستقرار من قوى تنتظر هذه اللحظات.

أتمنى أن تكون هناك مراكز أبحاث تدرس، وتضع السيناريوهات، والحلول أمام صناع القرار فى مصر كما يحدث فى العالم.

أنا لا أتكلم عن مصر بعد كورونا، أنا أتكلم عن مصر أثناء كورونا إذا استمر الإغلاق وتوقف الاقتصاد.

التعليم له حلول، والمحنة أفرزت نماذج محترمة للتعلم عن بعد واستخدام التقنيات الرقمية، والصحة الآن فى المواجهة.. لكن الاستثمار والتنمية والتشغيل والعمل على زيادة موارد الدولة تتباطأ، ومن الجائز أن تتوقف، ومصادرها معروفة.. ضرائب لن يتحملها المجتمع وهو فى حالة كساد، وسياحة متوقفة، وحركة التجارة من خلال قناة السويس بطيئة، وتحويلات مصريين بالخارج قد تنخفض أو تتوقف، واحتمالات زيادة البطالة وعدم التشغيل.

أنا أفكر ولا أملك الحلول ولكنى أتابع ما يحدث فى العالم وأتوقع أن فى مصر أجهزة ومراكز بحث لابد أنها تقوم بذلك الآن.

التعليقات

التعليقات