الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / ثورة شعب وحضارة أمة

ثورة شعب وحضارة أمة

ثورة شعب وحضارة أمة
نحن نفهم الآن أهمية توثيق التاريخ فى وقت وقوع الأحداث، فما يقال بعد الحدث قد يمتزج فيه ما يحدث بعده، وقد يكون مندمجا بتحليل ما ظهر من مستندات أو كُشف عنه من تسريبات. ويبقى أنه بمرور الزمن ينسى الناس مشاعرهم أثناء أحداث بعينها بتغير الأحوال وتبدل المواقف فيعيد الذهن تلوين ذكرى المشاعر بريشة الواقع الجديد.
إن توثيق اللحظات التاريخية فى وقتها وليس بعدها أمرٌ مهمٌ للغاية. وهذا جمال السوشيال ميديا، لا يستطيع أحد أن يغير ما وثقه الإنسان، لأنه باقٍ، ويستطيع أى كاتب للتاريخ أن يعود إليه.
قال الشاب الثورى: أنا أحتفظ بما كتبته عن ثورة يناير ولا أستطيع تطبيق تعريفها على ثورة ٣٠ يونيو.. قلت بالحرف الواحد: إن الثورة هى «تعبير عن رغبة جموع الناس فى التغيير السياسى لعدم إمكانهم إحداث التغيير بالطريق الشرعى والقانونى، فهى لحظة يحدث فيها انفجار، كان ما قبلها شرعيا وما يأتى بعدها يجب أن يكون شرعيًا وقانونيًا». والفرق بينها وبين الإصلاح «أن الإصلاح هو تغيير ما هو متاح فى إطار الشرعية والقانون لتلبية رغبات المجتمع».. كيف تطبق هذا المفهوم على ثورة ٣٠ يونيو؟
ابتسمت وقلت: أستطيع أن أقول إن ما حدث فى ٣٠ يونيو غير مسبوق فى التاريخ. أولًا: إن موعد الثورة كان محددًا ومعروفًا للنظام الحاكم والعالم. ثانيًا: إن الثورة هذه المرَّة لم يكن فيها هدم كما هو معتاد.. فما فعله الإخوان فى فترة حكمهم وتحكمهم فى البلاد كان كافيًا لإدراك الشعب عدم كفاءتهم ورغبتهم فى تلوين المجتمع بلونهم فقط بلا احترام للتعددية الطبيعية للشعب المصرى. ثالثًا: من اليوم الأول لحكم رئيس الإخوان، لم يحترم الشرعية ولا القانون.. بل أزعم أنه لم يحصل على الأغلبية فى انتخابات الرئاسة، بل تقاربت الأصوات وأُعلن عن فوزه خوفا من تهديد الوطن ببحور الدم، وهو نفس التهديد الذى قاله فى خطبته فى ٢ يوليو ٢٠١٣ قبل عزله.
فى ثورة ٢٣ يوليو، قام الجيش بحركته ودعّمه الشعب بعدها.. وفى ثورة ٢٥ يناير، كان من أعطى الجيش الأمر بالنزول إلى الشارع هو رئيس الجمهورية نفسه، بل كلفه بالحكم عند تنحيه.. فى ٣٠ يونيو، استدعى الشعب جيشه، وهو ما لم يحدث فى أى من الثورات السابقة.
إذًا، ٣٠ يونيو كان فيها الكثير من طلب الإصلاح، فأستطيع أن أعتبرها ثورة تصحيح أوضاع.
وأذكركم أن فى 14 مايو 2012 وقبل فوز مرشح الإخوان فى انتخابات رئاسة الجمهورية بأيام، قضت المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب ـ ذى الأغلبية الدينية ـ بسبب بطلان مواد فى القانون الانتخابى، وقضت بعدم دستورية عدد من مواد قانون الانتخابات التشريعية. وبعد فوز مرسى بأيام قليلة وتحديدا فى 8 يوليو 2012، أصدر أول قرار جمهورى له برقم 11 لسنة 2012 بعودة مجلس الشعب الذى انحل بحكم المحكمة الدستورية العليا؛ لممارسة اختصاصاته وسحب قرار حله، بل أعطى كل قراراته الشخصية حصانة من المحاسبة فى المستقبل!!.
وبعد قرار عودة مجلس الشعب المنحل بالمحكمة الدستورية العليا، أصدر رئيس الإخوان إعلانًا دستوريًا فى 22 نوفمبر 2012، أبرز ما جاء فيه: «الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أى جهة، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وتنقضى جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أى جهة قضائية».
ولقد أصْدَرت بيانا أرسلته لوسائل الإعلام اعتبرت فيه هذا الإعلان الدستورى «إعدامًا للديمقراطية، ومسلكًا ديكتاتوريًا غير مسبوق فى تاريخ مصر«، ونشرت قائلًا:
«إن التوازن والفصل بين السلطات هو جوهر الحكم الديمقراطى، وأساس الخلاف حول دستور عام ٧١ كان تغول السلطة التنفيذية على سلطة القضاء وتحكمها فى السلطة التشريعية، أما عن القرارات التى أخذها رئيس الجمهورية منفردًا أمس، فلا مواربة فى التصرف ولا اعتبار للديمقراطية، واستخدام ديكتاتورى غير مسبوق فى تاريخ مصر لسلطات مطلقة أتت بها لحظة فى التاريخ ستؤدى للعنف والانفصال بين فئات الشعب، وتعصف نهائيا بأحلام كل من خرج فى ٢٥ يناير مطالبا بالكرامة والعدالة، وكل من أيّدهم وساندهم بالقول والفعل الحكيم فى ذلك الوقت. إننى أرى نفقًا مظلمًا تدخل فيه البلاد نتيجة هذا التوجه وهذه القرارات، وكان متاحًا لها فرصة لا حدود لها فى الانتقال إلى عهد جديد من الحرية والعزة والديمقراطية».
وأضفت: «إننى أهيب برئيس الجمهورية التراجع عن هذه القرارات، وأن يسعى لجمع المواطنين لا تفريقهم، وألا تأخذه نشوة السلطة ولا ضيق أفق من يستشيرهم، فقد رأيت هذا المشهد من قبل وخَبِرت نتائجه. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد».
وفى بيان آخر نشر فى الإعلام أيضًا قلت:
«أهم هدف لا يناقشه الناس هو حصول رئيس السلطة التنفيذية على كل السلطات الاستثنائية لحالة الطوارئ والأحكام العرفية دون إعلانها ودون وجود لأى حماية قضائية للمواطن؛ فقد أعطى الرئيس لنفسه ترخيصًا بدون شروط أن يتخذ الإجراءات والتدابير الاستثنائية التى تتخذ عادة فى حالة الطوارئ، دون أن تكون حالة الطوارئ، ووضع قيودا ورقابة على حرية التعبير وحرية الإعلام والصحافة وحرية التظاهر السلمى وحرية الأحزاب، وغير ذلك من الحقوق والحريات.
علمًا بأنه فى حالة الطوارئ التى ثار الشعب على استمرارها، فإن هناك قيودا على السلطة التنفيذية فى مدة حبس المواطن للاشتباه، وتدخل القضاء فى مدة محددة وحق المواطن فى المحاكمة العادلة، وكلها أمور تصبح فى خبر كان بصدور هذا الإعلان الدستورى الذى يعلن حالة الطوارئ دون الإعلان عنها أو ضماناتها«.
بشكل عام، أذكركم أن الإعلان الدستورى أدى إلى استقطاب شديد وحاد فى الشارع المصرى، واعتبر المجلس الأعلى للقضاء فى مصر أن هذا الإعلان يتضمن »اعتداء غير مسبوق» على استقلال القضاء وأحكامه، وأن المجلس هو المعنىّ بكافة شؤون القضاء والقضاة.
يا أولادى.. حكم الإخوان كان حكمًا غير دستورى، وانتهى بإرادة شعبية كاسحة. وسأسرد عليكم بعضًا مما كتبته ووثقته فى شهر يونيو ٢٠١٣ لعله يعطيكم صورة عما كان يحدث هذه الأيام:
13 يونيو ٢٠١٣ـ رسالة إلى من يهمه الأمر: من لا يتعلمون من دروس التاريخ محكوم عليهم بإعادته.. الإصرار على عناد الشعب هو انتحار سياسى رأيت مشهده من قبل.
14يونيو: الشعب المصرى يملك من الحس الحضارى أكثر مما يتصور حكامه.
16 يونيو: أخشى أننا نسعى لإسقاط حكم فشل فى احترام تعددية المجتمع المصرى ولم نحدد ما نريده بعد ذلك، وهى نفس المعادلة التى أتت بالإخوان بعد يناير. علينا الحذر.
17 يونيو: تغيير الواقع السياسى دون مشروع بديل ودون تنظيم شعبى مؤثر خطير على البلاد. الدرس واضح.
25 يونيو: السلطة التى لا تحترم معارضيها تفقد كل شىء فى النهاية.
26 يونيو: أرجو التأكد أن الشرطة فى الحقيقة مع الشعب، إلا أن المحاولات لابتداع العنف معهم أو منهم لتهديد تجمع المواطنين لا يجب أن تشتتنا عن الهدف.
27 يونيو: ما حدث فى إيران وأفغانستان وباكستان والسودان واستمر سنوات، يجهضه الشعب المصرى العظيم فى سنة واحدة بعمق تاريخه وحضارته.
28 يونيو: مصر تثبت اليوم مرة أخرى أنها أكبر وأعمق وأعرق من أى فرد أو جماعة وما تظن أمريكا ومما يعتقد الإخوان.
2 يوليو: كطبيب.. أرى أن الإخوان تحولوا بخطاب الرئيس غير المسبوق بإعلانه سفك الدماء لمن يعارضهم من مرض مزمن ممكن علاجه والتعامل معه إلى ورم خبيث.
2 يوليو: على ماذا يعتمد هذا الرجل؟ إن كان الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والفن والمثقفون ومؤسسات الدولة والعمال والفلاحون وأغلبية الشعب ضده..
يا الله.
■ خطاب مرسى غير معقول يهدد ويتوعد ويخير الناس بين بقاء الإخوان فى الحكم أو سفك دمائهم.. أعتقد أنه خطاب ينهى أسطورة الإخوان إلى الأبد.
■ يا خبر أسود.. لم أر فى حياتى مثل هذا التهديد من مسؤول لشعبه خارج نطاق العقل والمنطق، الموضوع يحتاج إلى مستشفى أمراض عقلية.
3 يوليو: مبروك رفع الغمة وإزالة اللعنة وعودة مصر المشرقة الواعدة السعيدة بعظمة شعبها وإذن الله.
■ هذه ثورة شعب ودولة، فجميع مؤسسات الدولة الرسمية ساندت الإرادة الشعبية غير المسبوقة فى التاريخ.. وعلى الولايات المتحدة وبريطانيا إعادة حساباتهما مع مصر العظيمة.
انتهى الدرس ويبدأ درس جديد.

التعليقات

التعليقات