شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تحولًا جذريًا مع تولي دونالد ترامب الرئاسة ، حيث اتسم نهجه بما يُعرف بـ”الترامبية” (Trumpism)، والتي تجسدت في أولوية المصالح الأمريكية عبر أدوات غير تقليدية، كالخطاب الصدامي والعنف الرمزي ، والانسحاب من الاتفاقيات متعددة الأطراف، واعتماد الدبلوماسية المباشرة ، و التحول من التعددية إلى الثنائيةً.
كما يميل ترامب الي استخدام العقوبات الاقتصادية كأداة رئيسية في سياساته مثل فرض رسوم جمركية علي دول حتي الصديقة منها، مُطلقاً حربًا تجارية هزت الأسواق العالمية، بادعاء حماية الصناعة الأمريكية كما انه يضغط على حلفاءه الأوروبيين فما بالك بالآخرين .
إن التركيبة الشخصية لترامب تتسم بالنزعة التفاوضية كرجل أعمال، حيث أن رأيه أن السياسة صفقات (Deals) قابلة للربح والخسارة، مع التركيز على النتائج الفورية. كذلك هو يهتم بالتواصل المباشر حيث يستخدم تويتر لتجاوز الإعلام التقليدي، مما يسمح له بتشكيل الرأي العام عبر الصدمة والإثارة.
و تتضح صورةً النرجسية السياسية في سعيه لتعزيز صورته كـ”صانع صفقات” (Dealmaker)، حتى لو كانت رمزية.
الخلاصة التي نلاحظها ونلمسها هي ان “الترامبية” مثلت قطيعة مع الدبلوماسية الكلاسيكية، مستبدلة إياها بنموذج قائم على التصعيد اللفظي والتفرد في صنع القرار. بينما نجح هذا النهج في تحقيق بعض الأهداف قصيرة المدى، شخصية ترامب الأحادية محورية في تشكيل هذه السياسة، مما يطرح أسئلة حول استدامة “الترامبية” كمنهج بعد رحيله.
وجهة نظر ترامب في الصراع العربي الاسرائيلي التي أعلنها في يناير 2020، والتي تُعرف باسم “خطة ترامب للسلام” تضمنت خريطة مفاهيمية تحدد الحدود والترتيبات الإقليمية المقترحة بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقبلية.
وأشارت الخريطة إلى أن إسرائيل ستضم حوالي 30% من الضفة الغربية، بما في ذلك جزء من الأردن والمستوطنات الإسرائيلية القائمة، في حين سيتم منح الفلسطينيين دولة منزوعة السلاح تضم الـ 70% المتبقية من الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى تبادل أراضٍ إضافية في صحراء النقب.
كما اقترحت الخطة ربط الضفة الغربية بقطاع غزة عبر نفق أو طريق سريع مرتفع لضمان التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية.
في كل الأحوال ستبقى القدس العاصمة غير المقسمة لإسرائيل، مع إمكانية إنشاء عاصمة فلسطينية في مناطق على أطراف القدس الشرقية، مثل أبو ديس.
وقد لقيت الخطة وقتها ردود فعل متباينة؛ حيث رحبت بها إسرائيل إلى حد كبير، بينما انتقدها القادة الفلسطينيون والعديد من المراقبين الدوليين لكونها منحازة للموقف الإسرائيلي وتقوض فرص إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة.
في أوائل عام 2025، وفي بدء الولاية الثانية للرئيس ترامب، برز اقتراح جديد يتعلق بقطاع غزة. اقترحت الخطة أن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على غزة، وإعادة تطوير المنطقة، وتهجير المواطنين الفلسطينيين غصبا وإعادة توطينهم في الأردن ومصر. وقد واجه هذا الاقتراح انتقادات واسعة من قبل كل من الحكومات العربية وأغلبية الدول الأوروبية ، بسبب المخاوف بشأن جدواه وإمكانية تسببه في مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، ردت مصر ودول عربية أخرى بطرح خطط بديلة تركز على إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، مؤكدين على أهمية الحفاظ على الوجود الفلسطيني في وطنهم.
تعكس هذه المبادرات التعقيدات المستمرة والاختلافات في وجهات النظر حول معالجة الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، حيث تقترح مختلف الأطراف حلولًا متباينة بناءً على مصالحها الاستراتيجية واعتبارات الاستقرار الإقليمي.
أعتقد أن تراجع ترامب عن خطة تهجير أهالي غزة من تهجير قسري الي تهجير طوعي ما هو إلا تغيير شكلي حيث تطور النهج من دولة فلسطينية منزوعة القدرات الي لا دولة ولا حقوق للفلسطينيين.