الخميس , 19 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / حقوق الإنسان بين الدين والحداثة

حقوق الإنسان بين الدين والحداثة

سألنى الشاب المثقف عن حقوق الإنسان والتناقض بين الإسلام وهذه الحقوق، نظرا لأن الدول الإسلامية تاريخيا تُمارس انتهاكات مستمرة لحقوق المواطنين.

قلت له: لا يوجد تناقض بين الإسلام الذى أعرفه بعقلى وقلبى وحقوق الإنسان، ولكن هناك تناقضا بين تصرفات المسلمين وشيوخهم وحكامهم وهذه الحقوق.

قال: أعطنى أمثلة.

قلت: فلنأخذ حق الإنسان فى الاستمتاع بالحياة، حيث يعطى الإسلام حقوقا عليا للإنسان ولا يحرمه من حقه فى الحياة، بل ويطلب منه الاستمتاع بطيبات ومحاسن الحياة. فهو مأمور بالسعى والعمل والاستمتاع بما يكسبه، ويأمره بحقه من العدل والحرية والكرامة، فيقول القرآن: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِى الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ».

ويقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ».

ويقول: «يَا بَنِى آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ».

ويقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».

لذلك فإن الإسلام يأمر بحق الحياة وهو من أجمل ما جاء به، لأن الإنسان لم يتعود من أى دين قبله أن يأمره بهذا الحق، وإنما تعود من أديان كثيرة أن تنهاه عنه وأن تجعل زهده فى الأرض شرطا لحظوته فى السماء.

قال: زدنى من الحقوق التى تتوافق مع العهد العالمى لحقوق الإنسان.

قلت: خذ حق الإنسان فى الاختيار، ومنها اختيار ديانته، ولعل الإسلام رغم أنه آخر الديانات الكتابية فقد أعطى حقوقا للإنسان المسلم وغير المسلم فى ديانته بقدرة فائقة على فهم المجتمع البشرى بتنوعه وارتباطاته الاجتماعية والدينية.. حيث يقول: «لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ»، ويقول: «فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ»، ويقول: «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ»، ويقول فى مواقع كثيرة من القرآن إن الله يهدى من يشاء، فإن الإسلام يعطى للإنسان الحق فى التفكير والتعقل فى أمر نفسه، ويكلفه بالسعى لذلك، وتحمل نتيجة عمله واختياراته «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ».

قال: وكيف يكفّر المتطرفون الآن كل من هو ليس على الإسلام؟

قلت: يا بنى، المعنى اللغوى للكفر هو عدم التصديق والاختلاف، ولكن متطرفى الفكر حوّلوا المعنى فى ذهن العامة إلى ما يعنى دخول جهنم وبئس المصير بل العقاب على مجرد الاختلاف دنيويا وفى الآخرة. إن المسلمين على الأرض يا بنى أقل من ثلث سكانها فكيف بالله نرمى من يحسن عملا وينتج خيرا ويتعامل بالحسنى فى جهنم لمجرد اختلافه معنا فى الدين؟.. الدين معاملة، وجوهر الأديان واحد، وهو مكارم الأخلاق، وحتى بعض الديانات غير الكتابية لديها ما هو جميل فى المعاملة وتسميات أخرى للخالق.

قال: أعطنى أمثله أخرى..

قلت: ما بالك بحقوق الأسرة كمدخل ضمنى لاحترام كبار السن والأطفال.

فقراءتى تقول إن الإسلام قد أعطى الأسرة والوالدين خصوصا حقوقا يكمن فى تطبيقها كل أسس الرحمة والحب والاحترام، ويعطى للمجتمع مدخلاً لاحترام الكبير والمسنين ويحرم سوء معاملة الأطفال والمواليد.. وهى كلها مما نفخر بتحقيقه فى الحضارة المعاصرة.. علما بأن القرآن قد ذكر هذه الحقوق منذ آلاف السنين، كمبادئ عامة تحفظ للإنسان حقه فى الحياة الكريمة.. مولودا كان أم مسنا، طفلا كان أم ولدا، فالأسرة هى التى تمسك اليوم ما بناه النوع الإنسانى فى ماضيه، وهى التى تؤول به غدا إلى مستقبله حقبة بعد حقبة وجيلا بعد جيل.

فيقول عز وجل: «وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا».

ويقول: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا».

ويقول: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا».

ويقول: «قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ».

ويقول: «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ».

قال الشاب: تعال معى لحقوق المرأة، فإننى أرى كغيرى من شباب جيلى أن المرأة مهضوم حقها فى ديننا، وأخيرا تعود نغمة اتهام المرأة حتى لو كانت منتهكة أو متحرشا بها.

قلت: المرأة مهضوم حقها بالتفسيرات الذكورية، وعدم تطبيق القانون وليس بفلسفة الدين.

فالإسلام لم يهبط بمنزلة المرأة فى جانب من جوانب حياتها العامة أو حياتها المنزلية التى وُجدت عليها، ولكنه ارتفع بها من الدرك الذى هبطت إليه فى الحضارات السابقة وعقائد الأمم التى تأثرت بتلك الحضارات قبل ظهور الإسلام. وكلها لم تكن مرضية للمرأة ولا تحمل لها احتراما نهائيا.

كانت معيشة البداوة فى الجاهلية العربية تمنح المرأة بعض الحرية لأنها كانت تسقى وترعى وتستخرج الطعام، ولكن نفس المعيشة كانت تُرغب الآباء فى ذرية البنين وتزهدهم فى ذرية البنات، وشاع قتل البنات بعد ولادتهم إشفاقا من العار.

وكانت المرأة فى عصور الظلام الأوروبى مخلوقا من الدرجة الثانية، ضائعة حقوقها وتابعة للرجل، تُعامل معاملة سيئة وأحيانا وحشية.

ويأتى القرآن الكريم ليقول عز وجل: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ».

ويقول: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ»، والتفضيل هنا من وجهة نظرى يعود على المرأة والرجل، والتفضيل هنا بالعلم والمعرفة والثروة والأسرة وخلافه.

وقال رسول الله، عليه السلام: «لا تنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا البكر حتى تُستأذن».

ويقول عز وجل فى آياته البينات: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً».

كذلك فإن الدين لا يعرف الخطيئة الموروثة أو المنقولة، فلا يُحاسب أحد بذنب غيره ولو كان أباه، فيقول تعالى فى سور فاطر والأنعام والزمر: «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ»، ويقول: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»، ويقول: «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِى عُنُقِهِ»،

ويقول: «كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ».

ولعلنا فى النهاية نقرر أن حقوق الإنسان كفرد وأسرة قد حُفظت حسب فهمى، بل إننا يمكن أن نقول إن فلسفة الإسلام هى لحقوق معترف بها وليست خططا عملية لتوازن القوى فى المجتمعات كما حدث فى تطور البشرية.

قال الشاب: وماذا عن نظام الحكم؟

قلت: التوصية الوحيدة بنظم الحكم هى أن يقوم على الشورى، وترك لنا اختيار الأسلوب والطريقة التى تحقق مشاركة الشعوب فى حكم نفسها، وكل من يفسر الشورى بالخلافه فهو مغرض من وجهة نظرى.

لكن تساؤلك هو عن حق فلا يمكن أن نغفل القول بأن حقوق الإنسان وحريته التى أقرها القرآن الكريم بوضوح قد غفل عنها أغلب المسلمين، فحدث الخلط بين تصرف الأفراد الذين لا يراعون حرية الآخرين، ويريدون أن يفرضوا هويتهم على غيرهم أو الحكومات الديكتاتورية، وقبلهم الخلفاء الملكيون الذين أورثوا الحكم لأبنائهم، ولم يتركوا الخلافة والحكم إلا بالانقلابات أو الغزو أو الموت بدون محاسبية، محصنين أنفسهم بالدين.

هذا يا بنى هو الخلط الذى نريد أن نزيله من الأذهان لوضوح الرؤية حول موقف الدين من هذه الحقوق الأساسية للإنسان كموقف فلسفى ومبدئى لا يرتبط سوى بالإيمان بالمساواة بين البشر وحريتهم.

التعليقات

التعليقات