الجمعة , 20 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / حوار الأجيال حول القيم الإنسانية

حوار الأجيال حول القيم الإنسانية

بعد اتفاقنا على تقسيم القيم إلى مجموعات، واستبعاد بعضها، أُذكّر القارئ أننا اتفقنا على المجموعات التالية:

أولا: الحرية والعدل والمسؤولية

ثانيا: الصدق والنزاهة والأمانة

ثالثا: العلم والدقة والإتقان.

رابعا: الشجاعة والمواطنة والسماحة والرحمة والإحسان، والغفران، والرأفة، والامتنان، والبر والتكافل والصبر الإيجابى.

خامسا: الجمال والسعادة والقناعة

سادسا: الصداقة والمحبة والعطاء

سابعا: النظافة وتوازن البيئة واحترام الذات.

واتفقنا أن نترك الأولويات النسبية بين القيم لمناقشة أخرى. وأثارت واحدة من الشباب وجهة نظر فى إضافة قيمة الثقة فى الذات والآخرين، رغم أنها تُكتسب عبر السنين.

قلت لها: نستطيع ضم احترام الذات إلى الثقة بالنفس، وهى قيمة تختلف عن الثقة بالآخرين. الثقة بالنفس تأتى بتراكم المعرفة ومهارة الإنسان فى التعامل مع المواقف، وإنجازاته المتكررة والتفوق، الذى ينعكس أيضا على ثقة الآخرين به. وعادة يكون صاحب الثقة ذا موقف ووجهة نظر ثابتة، ولا فرق إذا كان ذلك الموقف صحيحًا أم خطأ، بل هو مدى تأكد الشخص من ثبوته.

إن الإنسان الواثق من نفسه لديه القدرة على تحفيز ذاته تلقائيا من دون الحاجة إلى التحفيز الخارجى، والذى هو مهم أيضا، وهذه الثقة تعطيه القدرة والقوة والحماس للعمل والعطاء والإنجاز بقوّةٍ للوصول للأهداف وتحقيق الأمنيات والرغبات، وفى العادة يَكون مُتصالحًا مع نفسه والآخرين.

قالت الفتاة: ليس شرطا يا دكتور أن يكون الواثق من نفسه إنسانا مميزا ومنجزا، فمعظم الأنانيين يرون أنفسهم على صواب دائما ولديهم ثقة بأنفسهم مبنية على جهلهم وعدم رؤيتهم للبدائل، فهم لا يرون إلا أنفسهم.

ابتسمت معجبا بلمحتها التى قد تغيب عن الكثيرين. وأضاف زميلها: كذلك المتعصبون لفكرة أو لدين أو لأيديولوچية قد يكونون واثقين من أنفسهم جدا، ولكن ذلك لأنهم لا يستطيعون رؤية أى وجهة نظر غير ما يرونه. الكل عند هؤلاء مخطئون مطلقا، وهم على صواب مطلق..

قال شاب آخر: إذن تصبح الثقة بالنفس هنا نقمة على المجتمع.

قال زميله: وماذا عن الثقة بالآخرين؟ هل من الممكن العيش فى الحياة دون الثقة فى الوالدين، أو الثقة فى الأصدقاء، أو الأسرة؟

قالت شابة ثالثة: وماذا عن الثقة فى النظام، أو فى شركتك أو المجتمع؟

قلت: ما تقولونه مهم جدا، لأن الثقة لها أجنحة، ومداخل، ولكن علينا أن نعلم أن الثقة بالنفس صفة لا تولد مع الإنسان، لكنها تُكتسب يومًا بعد يوم. وهذا ما يفسر كون بعض الناس يتمتعون بالكثير منها، وبعض الناس لا يملكون ما يكفيهم من الثقة بأنفسهم. وعلى كل واحد منكم يعرف من أيّ الناس هو.. وهل يمكنك تعزيز ثقتك بنفسك أكثر؟ وكيف؟.

الأشخاص قليلو الثقة بأنفسهم هم أُناس لا يكفّون عن التقليل من أهمية أنفسهم، بل إنهم لا يتصورون أنّ الآخرين يمكن أنْ يروا فيهم أى شىء متميز. إن انعدام ثقتهم بأنفسهم وضَعف إيمانهم بقدراتهم يمنعانهم دائمًا من اتخاذ المبادرة والتقدم إلى الأمام، فهم يستبعدون دائمًا احتمال نجاحهم فيما يقومون به. كذلك، فإن الأشخاص الذين لا يتمتعون بما يكفى من الثقة بالنفس يُسبِّبون لأنفسهم شعورًا بالضيق وعدم الاطمئنان. هؤلاء غالبًا ما يواجهون مشكلة فى الإمساك بزمام أمور حياتهم اليومية. فى حين أن الثقة بالنفس تُعلم الفرد كيف يفكر ويتصرف بكل استقلالية وحرية، وتعطى لعلاقاته مع الآخرين طابعًا مختلفًا ومتميزًا عن غيره.

قال الشاب النابه: وماذا عن الثقة بالآخرين؟

قلت: الثقة بالآخرين مسألة مختلفة، وهى مهمة كما ذكرتم، ولكنها تأتى من تجربة كل واحد فيكم وخبراته مع الحبيب أو الصديق، ولعلها يجب ألا تكون مطلقة.. ولكن التراكم التاريخى للعلاقات الإنسانية يجعل الثقة فى الوالدين مثلا شبه مطلقة.

قال الشاب: وما مفاتيح الثقة بالنفس يا دكتور؟

قلت: وجد علماء النفس أن أسباب انعدام الثقة بالنفس تكون فى الغالب متجذرة فى مرحلة الطفولة أو المراهقة، ويكون للآباء والأمهات والمدرسين أو الأشقاء والمحيط عمومًا دور كبير فى تكوين ذلك، عندما يعايرون الطفل مثلًا فى شكله أو بفشله فى الدراسة أو بأى شىء سلبى يتصف به، بدلًا من أن يحاولوا العمل على تصحيحه وتشجيعه على التحسن. ويزداد ذلك باللوم السلبى المتكرر بدلا من العتاب الإيجابى الإصلاحى.

وهناك مفاتيح خمسة أستطيع أن أنصحكم بها لزيادة ثقتكم بأنفسكم: أولا: أن تتميزوا، فكل إنسان لديه مميزات، فليعمل عليها ويبرزها ويزيدها ويعبر عنها. ثانيا: أن تَثْبتوا ولا تحاولوا تغيير شخصياتكم إرضاءً للآخرينـ فلا يمكنك أن تكون نسخة من الآخرين لمجرد أن تفوز برضاهم عنك. ثالثا: أن تتحدَّوا وتضعوا لكل يوم أهدافًا صغيرة، اعتمادًا على معرفتكم بحقيقة قدراتكم، بحيث تكون معقولة وقابلة للتحقيق على أرض الواقع فى مدة معينة. افعلوا ذلك بالتدريج، وقسِّموا عملكم إلى مراحل، وفى كلّ مرة ارفعوا من صعوبة التحدى، رابعا: تذكَّروا ولا تتوقفوا عن ترديد جمل إيجابية فى قرارة أنفسكم، أو حتى بصوت مسموع عندما تكونوا وحدكم: «يمكننى فعل ذلك»، أو «نعم، لدىّ الكفاءة اللازمة لهذه الوظيفة»، أو «أنا الأفضل». ستساعدك هذه الحيلة على أن تصبح إيجابيا أكثر فى طريقة تفكيرك، وأن تتغلب على أى إحساس بالإحباط أو بعدم الثقة بالنفس، وستجعلك تطرد من رأسك الأفكار السلبية. لكن هذه الطريقة لن تنجح أو تثمر النتائج المرجوة منها إلّا إنْ كنت مؤمنًا بقدراتك وتعمل على تنميتها. وأخيرًا: أن تواجهوا بشجاعة المواقف المزعجة أو المحرجة التى تشعرون فيها بعدم الارتياح. لا تلقوا ببصركم إلى الأرض وتنكسروا بمجرد أن ينتقدكم أحد، بل عليكم أن تصمدوا وتواجهوا، وتجيبوا وتكونوا إيجابيين فى النقاش، ومع تكرار الأمر ستكتسبون خبرة تجعلكم قادرين على تفادى مثل هذه المواقف، أو على الأقل مجابهتها بكل ثقة.

قالت الشابة المشاكسة: يعنى فى النهاية، هل نضع الثقة كقيمة من القيم الإنسانية أم لا؟.

رد زميلها قائلا: فلتكن القيمة التى نضعها محددة «الثقة بالنفس واحترام الذات».

قلت: بمناسبة احترام الذات، وحيث إننا فى موسم انتخابات البرلمان بغرفتيه، فإننى أود الحوار معكم فى قيم الحرية والعدالة والنزاهة والمسؤولية..

وسأسألكم بصراحة: من منكم نزل وشارك فى انتخابات مجلس الشيوخ؟، وهل تنوون المشاركة فى إبداء رأيكم فى انتخابات الغرفة الأخرى من البرلمان؟.

نظروا إلى بعضهم، ورأيت بعض مظاهر الضيق على الوجوه، وقالت الشابه المشاكسة: يا دكتور، تقصد الاستفتاء وليس الانتخابات، لأنه لم تكن هناك قوائم نختار بينها، ولا أحزاب تتنافس مع بعضها، المشهد كان لونا واحدا وشكلا واحدا..

قلت: هذا موضوع علينا أن نعود إليه أكثر عمقًا ونحن نناقش قيم الحرية والعدالة والنزاهة فى لقائنا القادم.

التعليقات

التعليقات