حوار الأربعاء 2023/8/16
(حوار اسبوعي مع د. حسام بدراوي)
علي مقهي “الحالمون بالغد”
من نحن؟!
بقلم د.حسام بدراوي
كنت في حضرة مجموعة من شباب الحاملين بالغد ، وذويهم ، وسألت الجميع عما يخطر علي بالهم عندما أذكر أسماء بعض البلاد، لمعرفة الانطباع الذي ترسب في وجدانهم عن هذه الأمم .
وعندما كررت سؤالي مع آخرين ، من تجمعات أخري كان هناك شبه توافق علي التالي:
- المانيا: الجدية والدقة والالتزام، والقسوة علي النفس والغير.
- إنجلترا: البرود والنظام وأدب الحوار، والاستعمار.
- فرنسا: الشياكة والثقافة والتعالي والاعتزاز باللغة.
إيطاليا: الجمال والأناقة والموضة والحماسة الشديدة والمافيا.
- اليابان: التقاليد ومظاهر الأدب والإنجاز.
- الصين:العمل كفريق والقوة الجمعية والتاريخ والخوف وغموض المشاعر.
- امريكا: الضخامة والحرية والابداع وعدم المصداقية والاستقواء المتهور.
- روسيا: الوجوم والعنف وعدم الرحمة ، و البولشوي وتولوستوي وتشايكوفسكي.
ـ السعودية : البترول والمال و السلفية والحج.
افريقيا: الثروات المنهوبة من الاستعمار والحكومات الوطنية علي السواء ، والظلم والاستعباد.
مصر: التاريخ والحضارة والتنوير والفرص الضائعه
والتواكل وعدم الجدية وتشتت الهوية .
وقادنا الحوار حول ما تتمتع به الشعوب من صفات ، وهل يمكن فصل الانطباع الذي يأتينا من شعب ما عن الانطباع الذي يتكون من تصرف حكومات هذه الأمم. الذي أعلمه مثلا أن الشعب الأمريكي شعب جميل المعاشرة ، بسيط ومن الممكن التكيف معه ولكن حكوماتة عبر التاريخ كما يقول المثل المصري ” المتغطي بهم عريان”
كذلك الشعب البريطاني صاحب القواعد وأدب الحوار ، وإعطاء كل صاحب حق حقه ، ولكن حكومته استعمارية ، وتدخلاته في حياة الشعوب الاخري كانت ومازالت مأساوية متعصبة وسبباً في خلق كل مآسي الشرق ..
ثم إمتد الحوار حول بلادنا وهويتنا المصرية ، والتغيرات التي حدثت في الشخصية المصرية في التاريخ الحديث من التنوير والانفتاح في بداية القرن العشرين، الي الانغلاق والسلفية في نهايته تحت تأثير الفقر والزيادة السكانية الرهيبه وانتشار الفكر الوهابي السلفي المتطرف، مع غياب القيادة الواعية التي ترسم الطريق بعقل ووعي يبني وجدان الأمة ولا يتركها مشتتة الفكر ويبني علي حضارة عظيمة خَلَفها له أجداده ، ويؤجج وهج شعلة تنوير كان من الممكن أن تضئ مستقبل أمة تحمل چينات العظمة و الريادة.
واتفقنا علي أننا من منطلق إيجابي علينا أن نحقق الركيزة الرابعة من رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وهي ”
بناء الشخصية المتكاملة للتلميذ والطالب في جميع جوانبها ليصبح مواطناً سوياً، معتزاً بذاته، مستنيراً، مبدعاً، فخوراً ببلاده منتمي اليها ،وتاريخها، شغوفاً ببناء مستقبلها، قادراً علي الاختلاف وقابلاً للتعددية، علماً بأن ذلك لا يتم بدون الثقافة و ممارسة الفن والموسيقي و الرياضة .
وقادنا الحوار الي أننا لا يجب أن نفصل بين الهوية و المواطنة التي هي بمعناها الأساسي علاقة الفرد بالوطن الذي ينتسب إليه، والتي تفرض حقوقا دستورية وواجبات منصوص عليها دستورياً. و إلي جانب ذلك فإن المواطنة الإيجابية لا تقتصر على مجرد دراية المواطن بحقوقه وواجباته فقط، ولكن حرصه على ممارستها من خلال شخصية مستقلة قادرة على حسم الأمور لصالح هذا الوطن. ويؤدى التطبيق المجتمعي لمفهوم المواطنة في كافة المؤسسات إلى تنمية مجموعة من القيم والمبادئ والممارسات التي تؤثر في تكوين شخصية الفرد، ، والتي تنعكس في سلوكه تجاه أقرانه وتجاه مؤسسات الدولة وكذلك تجاه وطنه.
أما مفهوم الانتماء للوطن فيمكن القول أنه الارتباط الفكري والوجداني بالوطن والذي يمتد ليشمل الارتباط بالأرض والتاريخ والبشر والحاضر والمستقبل ، وهو بمثابة شحنة تدفع المرء إلى العمل الجاد والمشاركة البناءة في سبيل تقدم هذا الوطن ورفعته. وهذا يرتبط أيضا بفخر المواطن بتاريخه وايمانه بمستقبله، وهي أمور لا تحدث وحدها بل يكتسبها الطفل والشاب من أسرته ومدرسته وجامعته وعمله.
والانتماء للوطن لا يعتمد على مفاهيم مجردة، وإنما على خبرة معاشة بين المواطن والوطن. فعندما يستشعر المواطن من خلال معايشته أن وطنه يحميه، ويمده باحتياجاته الأساسية، ويحقق له فرص النمو والمشاركة مع التقدير والعدل، تترسخ لديه قيم الانتماء له ويعبر عنها بالعمل البناء لرفعته.
وأخذنا الحوار الي مجموعة القيم الواجب إرسائها في أطفالنا وشبابنا ، وبناء مشاريع لتأصيلها حتي يكون لمصر شكلا يعبر عن مضمونها التاريخي والمستقبلي..
و القيم ليست شعارات تُرفع وإنما قناعات تُترجَم من خلال تصرفاتنا وسلوكنا وتعاملنا مع الآخرين. هي مبادئ متضمنه في أفعالنا وعلاقاتنا.
وكنت مع شباب الحالمين بالغد قد إتفقنا علي مجموعة القيم الواجب تأكيدها في الإعلام والتعليم ومنابر الثقافة والمعرفة وهي قيم:
-الحريه والعدل والمسئولية،
-الصدق و النزاهه والأمانة،
-العلم والدقة والإتقان.
-الشجاعة والمواطنة، والسماحة والرحمة والإحسان ،
-الغفران،والرأفة، والامتنان ، والبر والتكافل والصبر الإيجابي.
-الجمال والسعادة والقناعة.
-الصداقة والمحبة والعطاء.
ولعلي من الواجب أن أضيف أهمية اللغة في بناء الشخصية المصرية وتحقيق أهداف هذه القيم،
لما للغة من عظيم الأثر على كل مناحي الحياة في أي أمة. انها جزء أساسي من هويتنا ، إنها الوسيلة التي تنقل إلينا تاريخنا، وتوثق حاضرنا، وتنقل إلى الأجيال القادمة حضارتنا.
وليس الهدف هو القراءة والكتابة فقط، فهو هدف ضيق قصير المدى، لكن علينا أن نفهم أن هذه اللغة هي وسيلة فهمنا لبعضنا البعض . إننا لا نستطيع أن نفهم أنفسنا ولا بعضنا البعض بدون التفكير، ونحن لا نفكر في فراغ، بل يفكر العقل بلغة ما، ويصور أفكاره لديه وللآخرين مستخدماً الألفاظ والجمل والصور التي ترسمها اللغة وتنقلها من فرد إلى الآخر أو الاحتفاظ بها في الذاكرة ومن كل هذا تتكون الهويه.
إن تعلم اللغة الأم ،وأي لغة أخري في سن مبكرة يدرب الفرد علي التفكير المتعدد بين اللغات ، والمتعارف عليه أن الأطفال هم الأقدر علي تعلم لغات متعددة عن الكبار.. وحين تترسخ في وجدان الطفل لغته الأم فمن الواجب أن يتم تعليمها علي أعلي مستوي وقياس قدرات الأطفال علي الكتابةِ والقراءة والفهم من سن ثمانية الي تسعة أعوام بإختبارات قياس علمية.
إن اللغة لحياة الفرد، ليست فقط أداه للتعامل، في المجتمع بل هي وسيلته للتفكير والحس، وهي وسيلته لنقل أفكاره والاستفادة من أفكار الآخرين.. وهي وسيلته في الفهم والتقدير، والتقييم ثم الاختيار من البدائل.
والآن يدور في الأذهان ، وهل معني تعلم لغة ثانية أو استخدام المراجع الأجنبية يهدد الهوية؟.
وهل الصحيح ألا يتعلم الطفل لغة أخري في مراحل التعليم الأولي ؟….
والإجابة القاطعة هي لا…تعليم لغة أخري لا يهدد الهوية ولا يهدد معرفة اللغة الأم الا لو كان تعليم اللغة الأم ناقصاً وضعيفاً من الأساس. إن الطفل يستطيع إستيعاب لغات متعددة أكثر من البالغين ، ولا يجب أن نتمسح في أن تعليم لغة ثانية ستتغلب علي لغته العربية وتجعل تفكيره وهويته مرتبطة بأمة أخري. إننا كمن لا يريد دخول ميدان العلم مع الآخرين خوفا من الهزيمة و نستحسن فوزاً هزيلاً بدون منافسة.
إن الهوية كما قلت مرتبطة باللغة ، ولكنها أيضا مرتبطة بالمعايشة في الفصل وبما يدرسه التلميذ من تاريخ وجغرافيه ، و بوجدان يتكون داخل الفصل والمدرسة وفِي البيت مع الاسرة.
إن اطفالنا الذين يتعلمون اللغة الثانية في مدارس الحكومة البالغة أكثر من ٥٠ ألف مدرسة لا يتكلم أغلبهم اللغه العربية الصحيحة ولا اللغة الأجنبية الصحيحة ، والحقيقة أن هويتهم مشتتة لأن العقل الجمعي لأمتنا مشتت الهوية بين الفكر السلفي الذي يؤكد الهوية الدينية ، والفكر القومي الذي يؤكد الهوية العربية والفكر الوطني الذي يؤكد الهوية المصرية بتعدد مصادرها.
وعلينا أن نكون أكثر واقعية عندما نناقش الهوية، و الانتماء و المواطنة ، لأن غرسها في وجدان الطفل مركب ومتعدد المداخل.
والسؤال هو…..هل نقوم بواجبنا لتحديد من نحن
ليعرف شبابنا من هم ؟؟!!!!.