جمعنا لقاء عجيب نحن الأربعة وقررنا فتح حوار غير تقليدي.
قلت : تعالوا يضع كل واحد فينا تحدياً أمام الآخرين نتهرب عادة من مواجهته خوفاً من إحراج بعض.
قال صديقي العلماني : قبل وضع تحديات تعالوا نتفق لماذا نحن أصدقاء ، وما الرابطة التي تجمعنا ونحن نعيش في بلاد مختلفة وخلفياتها مختلفة.
قلت: ربما لأننا ننتمي حضاريا لمجموعة قيم متشابهة. إني أري فيكم صدق، ورزانة ، وإحترام للإختلافات بيننا، وسعة صدر ، وعمق ثقافي.
قال صديقي المسيحي: وأنا أزيد عليك أنكم ، وأنا معكم نتمتع بقدر كبير من الشجاعة في إبداء الرأي، والنزاهة، والمسئولية.
قال الصديق اليهودي: دعوني أضيف اننا كلنا نأتي من خلفيات علمية محترمة ، ونعرف قيمة الصداقة ونسعي الي دعمها بيننا.
قال صديقنا العلماني: أهم ما يجمعنا هو إستخدامنا العقل والمنطق دائما في نقاشاتنا وحرصكم علي إعلاء ذلك فوق العادات مخترقين أسوار المعتقدات بالعلم والمعرفة.
وافقنا كلنا علي ما يجمعنا ، مما جعلنا نتشجع للدخول في حوار حول إختلافاتنا الدينية بلا حرج.
قال الصديق اليهودي : سأبدأ أنا بصفتي أنتمي الي أقلية عددية بين سكان العالم فعددنا في العالم لا يزيد عن ١٨ مليون نسمة ويبلغ عدد الملحدين حوالي مليار نسمة والمسلمين أكثر من مليار ونصف نسمة والمسيحيين بأغلبية تقترب من ٢ مليار نسمة.
علق الصديق المسيحي قائلاً: يعني كلنا علي بعض ننتمي الي نصف البشرية فقط ، وهناك حوالي ثلاثة ونصف مليار إنسان لا ينتمون الي جماعاتنا الدينية ، يشاركونا الأرض والهواء، ويستمتعون معنا بالشمس والغذاء.
إبتَسَمت وقلت موجهاً حديثي الي صديقنا اليهودي : فلتبدأ أيها الأقلية العددية والأغلبية المؤثرة في أسواق المال ، واسواق الجواهر واالماس ، والخطيئة والسلاح.
قال: نحن نتميز عليكم بأننا شعب الله المختار ، ونترفع عليكم بأننا الدين الوحيد الذي لم ينتشر بالحروب والغزو والقتل والأسر وإجبار الشعوب علي نوع إيمانكم ، والحقيقة نحن لا نود الإنتشار أساسا بل نسعي لنقاء العرق وعدم الإختلاط. بل وأزيد أنه حتي نبينا موسي عندما نزلت عليه التوراة لم يدعو المصريين اليها ولا حتي دعا فرعون، فقد كان يود فقط الخروج بقومة من البلاد. يعني كان يريد فيزة خروج وهو ما لم يُسمح له بها فهرب.
وقد كان صاحب معجزات ، وهو الوحيد بين البشر الذي كلمه الله مباشرة.
إذن نحن اليهود أول الكتب المكتوبة ، والمسيح واحد مننا، والقرآن فيه عن موسي وعن بني إسرائيل أكثر من أي نبي آخر.
قلت : ماذا تعني؟
قال: موسى ذُكر في القرآن 136 مرة.
يعني أي جزء من القرآن..في الأغلب يحتوي علي إسم موسى من 4-5 مرات…
قصه موسي حكيت في القرآن 10 مرات أو أكثر بطرق مختلفة وبمقاطع مختلفة ومن زوايا مختلفة..
أما الإنجيل فهو تطوير وتحديث للتوراة ، ولا نعتبرة كتابا منفصلاً.
قال الصديق المسيحي: أنت داخل فينا جامد ، وتنسي أن اليهود كفّروا المسيح عليه السلام وكَفروا به ووشوا به ، وكانوا سبب صلبة.
قلت : سنعود اليك يا مشاغب ، وقد كان اليهود عبر التاريخ هم سبب مشاكل البشرية مع كل شعوب الأرض ومع عيسي ومحمد ومن آمنوا بهم.
وأضفت : أن الإسلام جاء مصدقا لما جاء به الرسل من قبله ، ونتمتع بهذا التسامح والقبول لكل الأنبياء رغم أنكم تنكرون رسالة محمد عليه السلام. وحتي صديقي الملحد يقول القرآن فيه ، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..
نحن نعترف بالجميع ، وأنتم لا تعترفون بنا..إذن الإسلام أكثر سماحة.
وأضيف أن الإسلام والقرآن دين مكتمل ، دنيا وآخرة، وقد شملت تعاليمه كل نواحي الحياة. إنه الدين الذي أتمم به الله رسالته الي البشر وأكمل به رسائل كل الأنبياء. إننا نعتبر كل من آمن بالله ، ووَحًًَده ، ويلتزم بمكارم الأخلاق مُسْلماً مُسَلماً.
قال الصديق المسيحي: لقد أنقذ السيد المسيح البشرية ، ورفع عنها خطيئتها، وجاء نبيا لا مثيل له بمعجزات لم يعرفها البشر قبله من أم عذراء، وأمرنا بالتسامح والأخوة ، والعفو والمروءة . إن كل أوامر المسيحية جاءت لصالح الإنسانية.. ألا يدلكم أن عدد المسيحيين في العالم أكثر من كل الأديان الأخري علي أن رسالة الرب تنتشر وما زالت.
قال الصديق العلماني : للعلم ، انا مسلم علماني وهناك مسيحيين ويهود علمانيين . وليس كل علماني ملحد حسب ما تشيعون .. العلماني قد يؤمن بالله ولكنه يؤمن باستخدام العقل والعلم ايضا وهو الخط الفاصل بين الفلسفة والإيمان.
تعريف الايمان هو تصديق ما ليس له برهان
والعلماني يبحث عن برهان عقلاني.
والفلاسفة مثل ابن رشد يقولون ان العقل طريق الايمان
قلت : هات ما عندك
قال:
إنني لا أخشي القول لكم أننا أفضل من كل من منتسبي الأديان المتُبعين عمياني.
قلت كيف يا فيلسوف؟
قال : إنني ، وأتكلم عن شريحة كبيرة ممن لا ينتمون الي أي دين أو مستخدمي العقل ممن ينتمون ، قد وصلنا الي مجموعة القيم الإنسانية المحترمة و التي قد تتفق مع كل فحوي الأديان ورسالتها الحقيقية بدون قائمة (menus) منزلة ومحددة من السماء . ونفعل ذلك ليس خوفاً من عقاب ولا رغبة في مكافأة ولكن لأن ذلك هو الأفضل للإنسانية . القيم مثل الصدق والمصداقية والأمانة وعدم إيذاء الآخرين وغيرها ، والتي جاءت في الوصايا العشر في التوراة ، وما قاله المسيح وما أفهمه مما جاء في القرآن، كلها قيم نفعلها لأنها الأفضل للإنسانية وليست أمراً وغصباً علينا .
أنتم أصحاب الأديان السماوية تختلفون وتتحاربون وتتقاتلون عبر العصور مع أن قلب الأديان ليس فيه قتل وسرقة ولا سبي نساء وعبر التاريخ كان الدين يستخدم للحكم والتحكم ، وكلكم بينكم وبين بعض منافقين ، تقولون ما لا تفعلون، وتستخدمون أديانكم لإرهاب البشرية وتخويفها والتحكم فيها بلا منطق ولا عقل..
إن ثورات التنوير في القرون الوسطي كانت للخروج من ظلم الكنيسة وظلامها. وما أري اليوم من نفحات ترغب في تنوير المسلمين يقف أمامها شيوخ متعصبة تستخلص من الدين القتل والظلم وفرض الرأي علي الآخرين.. المسلمين يعيشون نفس العصور المظلمة بدواعشهم وإخوانهم ،و أفرعهم من طالبان وبوكو حرام التي ترهب العالم ، وخصوصا المسلمين المعتدلين منهم ، ليكونوا نسخاً مكررة من مجتمعات عاشت من آلاف السنين ، لم تملك لا علم ولا معارف اليوم. يريدون ومقتنعون أن المليار ونصف مسلم هم فقط أهل جنة النعيم بعد الموت وأن كل من هم ليسوا علي شاكلتهم ومعتقداتهم سيتم شويهم في نار جهنم ولابد من جلدهم في الدنيا.
المسيحيون عبر التاريخ ايضا رغم تسامح دينهم قاموا بالظلم والقتل والحروب الصليبية ، بل وكانت الكنيسة تتحكم وتحكم باسم الدين الي أن قامت الشعوب بفصل الدين عن الدولة.
أما أصدقائنا اليهود ، فهم لا يتوقفون عن إيذاء البشرية، وما يفعلونه باسم الدين في فلسطين يتعدي قوانين الغابة ، الي أدني تعريفات العنصرية تحت فلسفة وهمية عن الأرض الموعودة من الرب الذي لا يعترف الا ببني إسرائيل ويتكلم معهم وحدهم تحت وهم شعب الله المختار..
إقرأوا كتبكم بالعقل وبمعرفة اليوم بلا تشدد وتعصب ستجدون حقيقة ، أن مكارم الأخلاق إختيار وليس فرض، وأنك لن تسرق ولن تزني ولن تكذب لأن هذا ما يجب أن يكون عليه الإنسان وليس خوفا من عقاب ولا رغبة في مكافأة..
إن التسامح والعفو عند المقدرة ، والإيمان بالحرية يحتاج الي عقولنا وضمائرنا وتراكم حكمة الأجيال.
ثم أضاف: لي صديق ملحد يقول لي
انه ،بعدما عرفت بالعلم أن كل مادة ما هي سوي طاقة ، وأن البنية الأساسية للكون واحدة هي ما يسمي الكوارك ، غَيّر مفهومه واعترف بيني وبين نفسه أنه لابد من مسبب لهذا كله بهذه العبقرية .
اما أنا فإنني فقط لا أصدق من يدعون الإنتماء لدين ويحاربون الآخرين الذين ينتمون لنفس الالة لمجرد الإختلاف في الشعائر واسم الدين .
قلت : الاسلام دين شامل كامل ومعجزته هي الكلمة وبدأت دعوته بكلمة اقرأ.
إن استخدام العقل والفهم هو جوهر الاسلام
والخلق و الكون هو المعجزة ، ونحن البشر هم المعجزة الكبري ، وإذا أراد الله أن يرينا معجزاته فيكفينا النظر حولنا و داخلنا.
وأذّكر صديقي العلماني بأن الإيمان بعدالة الله بعد الموت ، والحساب والثواب ، كلها أمور إيمانية تتعدي حدود العقل ولكنها مهمة لكي يعيش الإنسان في الدنيا المملوءة بالشرور بسلام.
كذلك فإن العقل وحده قد لا يكفي ، ولابد ان يستفتي الإنسان أحيانا قلبه وضميره فيما يُعرض عليه من أمور أو في تفسير ما يقال له.
وأنا بصفتي مسلما وانتم اصحاب الديانات السماوية الأخري وكل البشرية امامنا تحدي أن نعيش سعداء في سلام ومحبة ، وأن ننقذ كوكبنا من شرورنا.
والمأساة أن كل خلافاتنا هي حول الثروة والسطوة والسيطرة و هي تحديات من اختراعنا.
افيقوا من النقاش في الماضي وتعالوا نفكر في المستقبل