حوار حر على الفيس بوك
هذا حوار دار على صفحتى على الفيس بوك، ورأيت مشاركة القرّاء فيه لما فيه من فائدة قد تكون أعم.
الحوار الأول كان عن استغلال بعض منصات التطرف لحديث لى عن الحرية البَنّاءة وقَلْب مفهومه.. والثانى كان حوارا عن حرية المعتقد والمواطنة.
فى الحوار الأول قلت:
بعض مؤسسات الدولة ترى أن فلسفة تقييد الحريات وقتياً ستساعد على استمرارها، واستقرار الدولة المدنية فيما بعد!!، وهى فلسفة تناقض الهدف وتأتى بنتائج عكسية، وللأسف فإن معارضيهم من المتعصبين والإخوانية يريدون أيضا تقييد الحرية باستغلال أقوال غيرهم جزئيا خارج نطاق معناها،
لتحقيق وخلق مناخ هدام، فلا يستفيدون من هامش الحرية لغيرهم، بل يدفعون الجميع للدفاع عن أنفسهم بدلا من استخدام هامش حريتهم لصالح البلاد.
الواقع أن هناك إنجازات تستحق الإشادة، وهناك إخفاقات فى مجالات بناء الإنسان والحريات تستحق التعديل والدفع إيجابيا لإصلاحها، أما الهجوم عمّال على بطّال والهدم لكل شىء فلا يستفيد منه أحد سوى من يسعون لهز الاستقرار.
البناء طبيعته تراكمية يا سادة وتعالوا نبنى ولا نهدم، تعالوا نرى النجاح ونُشيد به ونرصد ما نظنه خطأ ونصححه. وتعالوا نكون شجعانا فنقول ما نريد على ألسنة أنفسنا، وليس استقطاعا من أقوال غيرنا فى غير نطاقها، فالحرية لا تتجزأ.
أنا ضمن فريق يرى ويشيد بلا نفاق، ويرى ويصحح فى نفس الوقت. لقد كنت وسأظل ساعيا لحرية بلادى، مقدرا لصعوبة إدارتها السياسية فى ظل إرهاب يحيط بها وتحديات تراكمت فى تنميتها.
أرى التحدى وأواجهه بالعلم وأعطى خبرتى وأنا أعلم أن الذى يضع يده فى الماء ليس كمن يضع يده فى النار.
تحياتى لكل من تعنيه تنمية بلادى داخل أو وخارج السلطة، وأؤكد إيمانى بحقى فى إبداء رأيى الحر رغم أنف أذرع بعض مؤسسات الدولة قصيرة النظر، ورغم غباء المعارضة الهدّامة التى تقلب المساهمة فى عرض البدائل وإبداء الرأى الحر إلى معاول هدم لكل النظام.
كل شىء فى الحياة يُبْنى تراكميا، وقد أكون أنا صاحب فكرة، لكن لم أستطع تنفيذها ويجىء بعدى من ينفذها، فله الشكر والتقدير، ولا حق لى فى انتقاده. وأنا أعلم أيضا أن هناك تواردا للخواطر، فإذا طرأت فكرة على بالى فهذا لا يمنع ورودها على بال غيرى، فلا يعتقد كل واحد منا أنه يملك كل الأفكار.
علق واحد من المتابعين قائلا: لا توجد مشكلة حتى لو اعترضت أحيانا يا دكتور، هذا حقك وحق كل المواطنين.
قلت: إن النموذج الديمقراطى حتى فى تطبيقه الحالى فى الغرب هو محل مراجعة نتيجة ثورة المعلومات والاتصالات التى كسرت الحواجز بين المواطن وصانع القرار، وأتاحت فرصة للتواصل المباشر بينهما ربما دون حاجة لوسيط مثل الأحزاب.
لقد فقدت الأحزاب التقليدية أهميتها كأداة للتنظيم وتعبئة الناخبين وجمع التبرعات بسبب إمكانية قيام المرشح بهذه الأمور بشكل مباشر عبر الإنترنت.
كذلك هناك تراجع فى أهمية الأيديولوجية كإطار لتجميع المواطنين فى إطار عمل سياسى أو حزبى. وربما يكون الاهتمام الأكبر للمواطن الآن يتركز فى فاعلية الحكم، أى قدر الإنجاز والاستجابة لمطالب المواطن.
ومن ناحية أخرى، فإن تحقيق أكبر فاعلية للحكم ترتبط بوصول الأكفأ لمقاعد الحكم من خلال نظام يتيح ذلك، ويرتبط أيضا بأهمية وجود نظام الرقابة والمساءلة على صانع القرار، وتحديد فترات للحكم لضمان التجديد فى الفكر وحيوية الأداء. باختصار أرى أن الجيل الجديد للديمقراطية يجب أن يركز على العناصر التالية:
– فاعلية الحكم.
– كفاءة الحكام.
– الرقابة والمساءلة المستقلة عن السلطة التنفيذية.
– نظام عدالة مستقل وفعّال (الثورة الحقيقية يجب أن تحدث هنا فى هذا المجال).
– نظام تعليم وثقافة يتيح للمواطنين فرصة اختيار الأفضل.
إن علينا دمج ما نحلم به من دولة مدنية حديثة وبين القوة الحقيقية على أرض الواقع، فلا تُحرم البلاد من إمكاناتها الإنسانية ولا من مؤسساتها الفاعلة الوطنية، دمج يعطى للحرية مكانها واحترامها بضبط العدالة الناجزة التى لا تسمح للحرية بالتحول إلى فوضى، ولا بالتلاعب الانتقائى للقانون.
الحوار الثانى:
حوار حول خانة الديانة والهوية.
أثارت واحدة من المواطنات حوارا معى حول رأيى فى فصل الدين عن السياسة، وعلى أن تطبيق أسس المواطنة يستلزم رفع خانة الديانة من بطاقة الهوية، قائلة:
يا دكتور ما الغلط فى خانة الديانة – فأنا مع وجودها – فوجودها وصف لهوية الشخص مثل جنسيته – فلنترك الغرب لمفاهيمه التى لا نريد أن نقبلها – فالشخص: مصرى – مسلم أو مسيحى- ولا يجب أن نمحى ديانته لإرضاء لا الغرب ولا البهائيين ولا غير الدينيين أو الملحدين.
قلت لها:
جوابى عليكى سيكون على هيئة سؤال، أرجو الإجابة عنه، هل البهائى أو الملحد أو المثلى، وأنا لست منهم، ولا أتفق مع توجهاتهم، هل يجب من وجهة نظرك إلغاء جنسيتهم المصرية لاختلافهم فى التوجه العقائدى أو الجنسى رغم عدم موافقتنا عليه.. هل ترين عدم اعتبارهم مواطنين، أو وضعهم فى السجون؟!.. مجرد سؤال.
وماذا عن الأقلية المسيحية إذا فكرنا بنفس المنطق، هل لا يجب اعتبارهم مصريين!! لأنهم مختلفون، ولأننا أغلبية كمسلمين.
فهل سنتعامل كدولة حسب الأغلبية ونطرد الأقلية من المواطنة المصرية. الدين لله يا سيدتى، ولكى أن تعبدى ربك كما ترين، ولكن ليس من حقك أن تفرضى رأيك على الباقين.. وهو نفس المنطق مع المختلفين فى التوجهات البيولوچية والجنسية طالما لا يحاولون فرض معتقداتهم على الآخرين. الفلسفة واحدة، هل نؤمن بالمواطنة ونحترم الاختلاف أم لا؟.. وتذكرى أن بلادنا عندما فتحها المسلمون الأوائل بجيش مكون من ٢٥ ألف جندى مسلم كان تعداد مصر ٢ مليون قبطى.
قالت بانفعال: طيب وإذا مات شخص باسم محايد ومجهول ولم يستدل على أهله فبأى مقابر يدفن!! لذلك فإن خانة الهوية فى إثبات هويته وانتمائه الدينى عند وفاته..
قلت: يا سيدتى كل إنسان لديه شهادة ميلاد، مسجل فيها كل شىء عنه، كلنا بشر ولا نأخذ أفكارنا ومعتقداتنا إلى القبر، بل أجسادنا التى يأكلها الدود خلال أيام وشهور. ما الجسد إلا وعاء للروح والنفس، والروح من أمر ربى مهما كانت معتقدات الإنسان، والنفس تموت ولا يصبح لها وجود، كل نفس ذائقة الموت «فدعونا لا نفرق بين البشر حتى بعد الموت»!!.
قالت صديقة أخرى على الصفحة:
العلمانيون هم الذين يطالبون بإلغاء خانة الديانة لأنهم ملحدون!!!.
قلت:
إن تعريف كلمة علمانى، هو من يستخدم العقل والمنطق فى التعامل مع الآخرين.. فمن الممكن أن تكون مسلما أو مسيحيا أو يهوديا، وكذلك علمانى، أما ربط كلمة علمانى بالإلحاد فهو تَجٍن على من يحترم العلم والعلماء، ومنهم المؤمنون ومنهم الملحدون.. وقد قال الله فى كتابه الحكيم «يخشى الله من عباده العلماء» أى أن أكثر الناس اعتبار لله وخشية ومحبة له هم العلماء.
أما العلمانية سياسيا، فتعنى فصل استخدام الدين كوسيلة لحكم البلاد، وعن الأسلوب المدنى الذى يحترم دساتير وقوانين أنشأها البشر. وقد نشأت العلمانية السياسية منذ فَصل الكنيسة عن الدولة فى أوروبا فى عصور التنوير.. وعندنا الآن، فالدولة المدنية الحديثة التى نسعى إليها لا يحكمها الجامع ولا رجل الدين، بل الدستور والقانون… الخناقة هى من جماعات الإسلام السياسى مثل الإخوان والسلفيين وبعض رجال الدين غير المنتمين لهم، الذين يودون عودة الخلافة الإسلامية بشكلها القديم، وتشكيل الحكم المدنى ليس بالقانون، لكن بتفسيراتهم للدين، وتفسيرات بشر مثلهم فى سابق العهد والزمان، وكأن الزمن قد توقف والحياة اليوم يحكمها نفس ظروف الحياة منذ ألف سنة، وهو ما أدى بالدول الإسلامية للتخلف والجهل والفقر للأسف عبر التاريخ الحديث.
نحن دولة مدنية حديثة يحكمها دستور وقانون، وأغلب سكانها مسلمون، ولكن مبدأ المواطنة هو أساس الحقوق وليس الديانة.. وفى قصة معروفة «بكى تلميذ ابن رشد بينما كان العرب يحرقون كتب معلمه، فالتفت إليه المعلم وقال: «إذا كنت تبكى حال المسلمين فاعلم أن بحار العالم لن تكفيك دموعا، أما إذا كنت تبكى الكتب المحروقة فاعلم أن للأفكار أجنحة وهى تطير لأصحابها». نعم، العلم والعلماء يطيرون بنا نحو المستقبل، ويزيد العلم من إيماننا بالله بآفاق جديدة.