الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / حوار حول تعريف الجمهورية

حوار حول تعريف الجمهورية

حسام بدراوي
أحاول من خلال الحوار والبحث مساندة الدولة في توجهها المحترم لخلق جمهورية جديدة، وهو الشعار الذي فهمت أنه دعوة للمشاركة ورغبة حقيقية في الانتقال إلى مرحلة جديدة لمصر جديدة عظيمة بإذن الله.
دعانى ذلك إلى كتابة كتاب بعنوان «آمال عريضة لجمهورية جديدة»، أرجو أن يكتمل ويصبح مؤهلًا للنشر في نهاية شهر إبريل ٢٠٢٢،
وكنت أتمنى أن يخرج هذا الكتاب، ليس باسمى فقط، ولكن بأسماء العديد ممن يهمهم الأمر من الخبراء كما يهمنى، ولكن لم يمهلنى الوقت ولم يمهلهم سوى بإبداء الرأى شفويًا لأستقى منه وأنهل من علمهم، وعدد منهم ردوا كتابيًا، وأنا شاكر وممتن للجميع ولكل من ساهم ويساهم في تشكيل الأفكار وراء هذا الكتاب.
إن رؤيتى السياسية الواضحة والتى أعتقد أنها تتوافق مع رغبة المجتمع، والتى أدعو إلى الالتفاف حولها في الجمهورية الجديدة، تؤمن بالحرية في إطارها الأعم والأشمل، وبالدولة المدنية، وبالتعددية السياسية واحترام الرأى الآخر قولًا وفعلًا. أؤمن بحرية العقيدة، وبالمواطنة التي تحمى كل مصرى بغض النظر عن اعتقاداته ودينه وآرائه السياسية أو الاجتماعية. وأؤمن بأن هناك وسائل مختلفة لتحقيق نفس الأهداف، وأن الشعب من خلال وسائل الديمقراطية بنزاهة وحيدة هو الذي يختار من يراه مؤهلًا لتحقيق هذه الأهداف.
إننى أؤمن بالمبادرة الفردية وأحفزها وأدعو لتنميتها ودعمها، لأن الفرد هو أساس الأسرة والمجتمع، وأؤمن بحرية وأهمية تداول السلطة في إطار دستورى يبنى ولا يهدم، يجمع ولا يُفرق، ومؤسسات سياسية تترجم دعواها إلى عمل وإنتاج. أؤمن بانتمائى أولًا لمصر، ومنها إلى محيطنا الأوسع وللإنسانية جمعاء، ننفتح عليها، ونتكامل معها، واثقين بأنفسنا، نضيف إلى الحضارة الإنسانية في الحاضر والمستقبل كما أضفنا عبر التاريخ.
وقد نبهنى صديقى الخبير السياسى د. محمد كمال، الأستاذ بكلية العلوم السياسية، إلى أنه لابد قبل الحديث عن الجمهورية الجديدة من تعريف الجمهورية أولًا. وفى هذا الإطار تحاورت مع عدد من شباب الباحثين.
قال الشاب الباحث السياسى من الحالمين بالغد:
الجمهورية هي نظام حكم يُختار فيه الحاكم (ويُسمى عادة رئيس الجمهورية) من قبل الشعب بشكل مباشر، كما هو الحال في الولايات المتحدة وتركيا ومصر، أو من قبل البرلمان المنتخب من الشعب، كما هو الحال في العراق مثلًا، أو أن يكون الحاكم ممثلًا لحزب الأغلبية في البرلمان، كما في المملكة المتحدة، كنوع من أشكال الحكم الملكى غير الجمهورى ولكنه ديمقراطى.
ويمكن أن تتنوع تفاصيل تنظيم الحكم الجمهورى بشكل كبير كما يُدرس في فروع العلوم السياسية، حيث يُستخدم مصطلح جمهورية فيها بشكل عام للإشارة للدولة التي تعتمد فيها القوة السياسية للدولة على موافقة الشعب المحكوم على من يحكمه.
قال شاب آخر: وماذا تعنى رئاسة الدولة؟
قلت: في معظم الجمهوريات الحديثة يسمى رأس الدولة «رئيسًا». ويتم تعيين رأس الدولة نتيجة الانتخابات، التي قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، حينما يقوم البرلمان المنتخب من قبل الشعب باختيار رأس الدولة أحيانًا.
وفى مثل هذا النظام الذي يتم اختيار رأس الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر تكون عادة فترة حكم الرئيس من 4 إلى 6 سنوات، وفى بعض البلدان يحدد الدستور عدد الدورات التي يُسمح فيها لذات الشخص بأن يُنتخب كرئيس حسب تجارب هذا الشعب وتراكم خبراته.
إذا كان رئيس الجمهورية هو ذاته رئيس الحكومة يسمى هذا النظام النظام الرئاسى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وفى الأنظمة شبه الرئاسية يكون رئيس الدولة ليس ذاته رئيس الحكومة، وفى تلك الحالة يُطلق على رئيس الحكومة اسم رئيس الوزراء.
وقد يعتمد نوع الحكم أحيانًا على ما إذا كانت للرئيس مهام محددة فقط أو أن يكون الحاكم الفعلى للبلاد. ففى بعض النظم يأخذ الرئيس دورًا استشاريًا فقط في تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، مما يجعل دوره شكليًا واحتفاليًا، ويكون رئيس الوزراء مسؤولًا عن الإدارة السياسية والحكومة المركزية، أو أن تنقسم السلطة بين الاثنين.
وبالاعتماد على القواعد المتبعة لتعيين الرئيس وقائد الحكومة، يمكن لبعض هذه الدول أن يتكون فيها وضع سياسى يؤدى لأن يكون لرئيس الدولة ورئيس الوزراء انتماءات سياسية متضادة، مثلما يحدث في فرنسا أحيانًا، حيث أصبح رئيس الدولة ذا انتماء سياسى مضاد لذلك الذي لأعضاء المجلس الوزارى، الممثلين للأغلبية البرلمانية، ويسمى هذا الوضع بالإنجليزية (cohabitation)، أي التعايش أو الوجود المشترك. في دول أخرى كألمانيا والهند يجب أن يكون الرئيس بالضرورة غير حزبى.
في بعض الدول، كسويسرا، لا يكون رأس الدولة فردًا واحدًا، ولكن يكون مجلسًا أو لجنة من عدة أشخاص يشغلون ذلك المنصب.
ويمكن أن تكون قيادة الجمهوريات بيد رأس الدولة، الذي له العديد من صفات الحاكم المطلق، وكأنه الملك، مثلما يحدث في روسيا الآن، ولا يقتصر الأمر فقط على أن بعض الجمهوريات تعين رئيسًا لها مدى حياته، وتعطى لمثل هذا الرئيس سلطة أكبر من المعتاد بلا محاسبة حقيقية، بل ظهر أن رئاسة الجمهورية يمكن أن تتحول إلى شكل وراثى كما حدث في سوريا وكوريا الشمالية بعد تكييف الدستور ليسمح بذلك.
وبشكل مشابه، إذا أخذنا التعريف الفضفاض للجمهورية، فهى دولة أو بلد يقودها أناس يبنون قوتهم السياسية على مبدأ أو قوة أو إرادة سكان تلك الدولة أو البلد. وهناك دول تُصنف عادة كدول ذات نظام حكم ملكى، ويمكن أن يكون لها العديد من الصفات المميزة للجمهوريات.
فالقوة السياسية للملك قد تكون معدومة، ويكون محدودًا بوظيفة شعائرية احتفالية بحتة أو يمكن أن يمتد دور الشعب إلى حد إمكانهم تغيير ملكهم.
بالتالى فإن الافتراض الذهنى بعدم تداخل وتقاطع الملكية مع الجمهورية كأشكال لا يجوز أن يُؤخذ بشكل حرفى، بل يعتمد وبشكل كبير على الظروف وأسلوب التطبيق.
في بلاد كثيرة يحاول الحكام تثبيت شرعيتهم بأن يدعوا أنفسهم رؤساء، ويطلقوا على نظام الحكم في بلادهم اسم «جمهورى» بدلًا من استخدام المصطلحات الملكية التي يمثلونها حقيقة. في الدول ذات النظام الديمقراطى التمثيلى فإنه، وبشكل عام، ليس هناك فرق كبير بين كون رأس الدولة ملكًا أم رئيسًا منتخبًا، وكذلك ليس هناك فرق كبير إذا ما كانت هذه الدول تدعو نفسها بالملكية أم بالجمهورية.
عوامل أخرى، كالدين مثلًا، يمكن أن تكون علامة فارقة أكثر أهمية من الأسماء لنظم الحكم في الواقع العملى.
فالحقيقة أن كل نظم الحكم الجمهورى تختلف عن النظام الذي تدعو إليه المنظمات الدينية، كالإخوان المسلمين وأتباعهم والعديد من الوهابيين والسلفيين، وهو نظام الخليفة الذي إذا اجتمعت عليه الأمة (بدون تعريف الكيفية) فهو خليفة الله أو خليفة رسول الله، ولا يمكن خلعه أو حتى محاسبته وعلى الشعب طاعته. وفى الأغلب، كما يشير التاريخ الإسلامى، فإنه حكم وراثى إلى أن يتم خلع الأسرة من قِبَل أسرة أخرى كما حدث بين الأمويين والعباسيين الذين حكموا المسلمين لأكثر من ألف عام بعد الخلافة الراشدة، وكما حدث من العثمانيين بعدهم.
قطعًا ليس هذا ما نصبو إليه في الجمهورية الجديدة في مصر، رغم أننا كنا قد اقتربنا منه كثيرًا بعد ثورة يناير، بالحكم الإخوانى الذي استبدل الأسرة الحاكمة بالتنظيم الدينى السياسى للإخوان (مكتب الإرشاد)، الذي أخذ الشكل الحزبى ليتوافق مع النظام الجمهورى كمَعْبر في طريقه للخلافة.
هذا الحوار قد يبدو أكاديميًا ولكنه مهم لأننا عندما نتكلم عن جمهورية جديدة فعلينا أن نعلم أنه اختيار لنظام حكم يؤثر في كل مستقبل البلاد، وهو ما سنتطرق إليه في صفحات الكتاب، لنجعل الجمهورية الجديدة ليست مجرد اختيار سياسى فقط، بل مجتمعى واقتصادى يفصل الدين عن السياسة، ويحدد معالم مدنية تنويرية للبلاد في المستقبل، بلا رجعة للفوضى أو احتمالات التوريث أو الاستبداد بالسلطة بلا مدد محددة لفرد أو أسرة أو مجموعة بعينها تحت أي ظروف.

التعليقات

التعليقات