حوار مع د. حسام بدراوي حول فترة حكم الإخوان ، وأسباب سقوطهم ، ودور بعض دول الغرب في تأييد حكمهم.
د.حسام بدراوي يفتح دفتر أحوال ثورة 30 يونيو مع “الأخبار”:
العناوين:
**30 يونيو أول ثورة معلومة التاريخ.. ومع ذلك لم تستطع السلطة الحاكمة وأدها
** الجميع توقع النهاية إلا الإخوان.. وغبائهم ساعد على التخلص السريع منهم
**الإعلام لعب دورا كبيرا في التوعية .. ثم بدأ يفقد حريته تدريجيا
**التدين الإخواني وسيلة للوصول للحكم
**نحتاج للتوزان بين ديمقراطية تجعلنا نستمع لرأي الأغلبية وأخرى قاصرة على النخبة
**الإخوان أطاعوا مبارك ثم استثمروا لحظة سقوطه
3 عوائق تمنعني من الترشح في انتخابات الرئاسة
أجرى الحوار: حازم بدر
يبدأ الاستاذ حازم بدر قائلاً : في حوار سابق لي مع السياسي وأستاذ الجامعة والمفكر حسام بدراوي، قال الرجل أن من بين المناصب الكثيرة التي تقلدها، يظل المنصب الأهم والأقرب إلى قلبه، هو منصب “أستاذ الجامعة”، لأنها المهنة التي تربطه بالشباب، وهذا من شأنه أن يعطيه طاقة، وتجديدا للحياة.
كان هذا الحوار في يناير من عام 2020، وكان المناسبة الأولى التي ألتقي فيها الرجل، لذلك كان اللقاء الثاني معه قبل أيام بعد نحو ثلاث سنوات ونصف، بمناسبة ذكرى ثورة 30 يونيو، هو اختبار عملي لمضمون تلك الإجابة، إذ لم تنل تلك الفترة التي تفصل بين الحوارين من طاقته وحيويته الذهنية، وقدرته على الربط بين الأحداث ووقائع الماضي والحاضر للخروج برؤية مختلفة “ماركة حسام بدراوي”.
وخلال نحو ساعة قضيتها مع الدكتور بدراوي، فتحنا دفتر أحوال ثورة 30 يونيو، وقلبنا صفحاته بداية من الدوافع التي أدت إلى قيامها، والدور الذي قام به الإعلام في التمهيد لها، وانتهاء بالوصول إلى محطة انطلاق الحوار الوطني، الذي يعمل مستشارا له .. وإلى نص الحوار.
*سأبدأ بصيغة سؤال تعودنا عليه في المراحل الدراسية المختلفة، وهو “ماذا لو”، وسؤالي: ماذا لم تقم ثورة 30 يونيو؟
**يستهل حديثة ضاحكا: كانت ستقوم ثورة 30 يوليو أو 30 أغسطس، ثم تابع قائلا بعد تجاوز هذه البداية الساخرة: ما حدث في 30 يونيو، كان يمكن أن يحدث بعد هذا التاريخ بشهر أو شهرين، أو حتى شهور، ولكن الغباء الإخواني ساعد على حدوث التغيير السريع، فما حدث هو مخاض طبيعي، كان سببه عدم كفاءة الحكم، والرغبة في التسلط بفكرة محددة وفرضها على الناس، وغرور وصلف الطبقة الحاكمة الإخوانية، فلو لم يكونوا بهذ الغباء، ما قامت ثورة 30 يونيو، ولظلوا في الحكم إلى الآن، ولكن التغيير الذي أرادوا أن يحدثوه في المجتمع، كان سريع جدا ومفاجىء وعنيف، فلم يقلبه المجتمع والطبقة المتوسطة.
*وهل توقعت هذه النهاية السريعة لهم؟
** لم ينتظر استكمال السؤال ورد على الفور: الجميع كان يتوقع تلك النهاية، قبل حدوثها بنحو ستة أشهر، مع بداية ظهور حركة تمرد، فهذه أول ثورة محددة الزمن واليوم، ومع ذلك لم تستطع السلطة الحاكمة وأدها.
*ربما لأن السلطة الحاكمة لم تحسن تقدير حجمها؟
**يومىء بالموافقة قائلا: وهذا جزء من الغرور والغباء الإخواني، وبالمناسبة هذا هو دأب كل النظم الديكتاتورية، فهي لا ترى غضب الناس واستيائها، وتظن دائما عكس ما هو واقع.
دور الإعلام
*حدث ذلك مع أن الإعلام لم يقصر في إظهار هذا الغضب، حتى أنك قلت في تصريحات سابقة أنه يستحق أن نرفع له القبعة؟
**من الجيد أنك أشرت لدور الإعلام، فقد كان له دور كبير قبل 30 يونيو في تشكيل وعي الناس، وكانت هناك مساحة من الحرية لم تعط الأحداث المتلاحقة الإخوان الفرصة والوقت لخنقها، لكنها كانت ستخنق حتما، إذا مرت 30 يونيو بدون إسقاطهم.
*وهل الإعلام يعيش نفس مساحة الحرية التي كان يعيشها قبل 30 يونيو؟
** يقول بكلمات مقتضبة وبنبرة حزينة : تدريجيا فقد الإعلام حريته في النقد والمعارضة إلا قليل.
* ولماذا هذه النبرة الحزينة التي تبدو في حديثك؟
**يصمت لوهلة قبل أن يقول: لأنه ليس من الجيد عدم وجود رأي آخر، فيجب أن تكون هناك حرية في الانتقاد بهدف البناء وليس الهدم، فإعلام الصوت الواحد، قطعا سيدفع الناس للبحث عن المصادر الأخرى، التي تسيء صياغة الرسالة الإعلامية لخلق أجواء من السلبية، فأفضل شيء للناس ولنظام الحكم، وجود قدر من الشفافية والصراحة، لأن حجب المعلومة سيدفع الناس للبحث عنها في أماكن أخرى، أو التعبير عن نفسها تحت الأرض.
*بما أننا في أجواء الحوار الوطني، وأنت مستشارا للحوار، فهل هذه المشكلة مطروحة على أجندة النقاش؟
**قطعا مطروحة، ولا يوجد لها في تصوري سوى حل واحد، وهو الشفافية ونشر الحقيقة ومواجهة الانتقادات ووضع البدائل وعمل مبادرات، بدلا من الإخفاء.
الغرب والإخوان
*عودة إلى أجواء ما قبل 30 يونيو، حيث كان لك تصريحا مهما قلت فيه أن هناك لقاء جمعك مع رئيسة البرلمان الأوروبي قالت فيه، أنه كانت هناك رغبة غربية في وصول الإخوان للحكم، وسؤالي: هل تغيرات تلك الرغبة قبل 30 يونيو؟
**رد على الفور وهو يشير بعلامة الرفض: لا لم تتغير، فالمخابرات الغربية، وأقصد تحديدا أميركا وانجلترا، لم تكن تريد زوال حكم الإخوان، ولا يزال للإخوان مساحة من التواجد عندهم.
*ولكن تصريحك السابق، يوحي وكأن الغرب هو من أوصل الإخوان للحكم؟
**ما يعنيه تصريحي، هو أني شعرت خلال اللقاء برئيسة البرلمان الأوروبي، أنه كانت هناك رغبة مخابرتية غربية لوصول ما أسموه خطئا بـ”الحكم الديني المعتدل” للسلطة، وهذا ليس صحيح، فالفكر الإخواني، ليس فكرا دينيا معتدلا.
*إذا كان الغرب وأمريكا يريدون الإخوان، فهل قاموا بأي محاولة لإنقاذهم من المصير الذي كان يتوقعه الجميع إلا الإخوان أنفسهم؟
**يرمىء بالموافقة قبل أن يقول: نعم قاموا، فما أعلمه أنهم حاولوا اقناع الإخوان بفتح الباب للمعارضة المدنية، ولكن الغرور الإخواني أبى ذلك، معتقدين أنهم يستطيعوا الحكم بمنطق الصوت الواحد والفكرة الواحدة.
*ولماذا لا يزال الغرب يعول آمالا عليهم، بدليل أنهم متواجدين هناك وتفتح لهم مساحات جيدة للتواجد؟
**أعتقد أن الغرب لم يرى أن المجتمع المصري رفض هذا الحكم، ويظنون حتى الآن، أن كل محجبة إخوانية، وكل شخص يذهب لخطبة الجمعة إخواني، وهذا غير صحيح.
جينات التعدد
*من أجل ذلك قلت في تصريح سابق أن الجينات المصرية رفضت الحكم الإخواني؟
**يومىء بالموافقة قبل أن يقول: نعم، فالجينات المصرية، هي جينات متنورة، فمن بين كل الدول العربية، تعد مصر، هي الدول الوحيدة، التي يعيش فيها من 16 إلى 18 مليون مسيحي، ويوجد بها تنوع في الشكل واللهجات، فنحن مجتمع متعدد في اطار واحد، وهذا الذي يميز مصر عن غيرها، ومن لا يرى احترام المجتمع المصري للتعددية، فهو مغمض العينين.
*ولكننا أيضا مجتمع “متدين بطبعه”، وكثيرون يرون أن هذه السمة هي التي أوصلت الإخوان للحكم؟
**بكلمات محددة ونبره صوت مرتفعة يقول: الإخوان وصلوا للحكم نتيجة فراغ سياسي بعد 25 يناير 2011، فالشباب الذين قاموا بالثورة لم يكن لديهم رؤية سياسية متكاملة، وكان هناك فراغ، لابد أن يملأ، فملئه الإخوان، لأنهم كانوا الأكثر تنظيما وتمويلا والمساندين من أوروبا، ولو نظرت بنظرة أوسع وأشمل، ستجد أن كل ما حدث فيما يسمى بـ “ثورات الربيع العربي”، تحول إلى حكم ديني، فالفكرة كانت هي إيجاد الحكم الديني السياسي في المنطقة، بالرغم من أن الغرب يتحدث عن المدنية والتعددية، وهذا يكشف بوضوح عن الإزدواجية التي يستخدمها الغرب.
*ولكن كثيرين يرون أنه لو لم يكن المصريون متدينون بطبعهم، ما وصل الإخوان للحكم؟
**يطرق بيده على المكتب قائلا: المصريون متدينون بطبعهم، لكنهم علمانيون وليبراليون بطبعهم أيضا.
* كيف ذلك؟ قلتها وعلامات الدهشة ترتسم على وجهي.
**يبتسم وهو يقول: انظر إلى أفراحنا في المناطق الشعبية، وانظر إلى السيدات في الريف المصري، اللائي يشاركن الرجال في العمل، بل إن هناك إحصائيات تشير إلى أن حوالي من 60 إلى 70 في المائة من الأسر المصرية تعولها سيدات، أليست هذه سمة من سمات العلمانية، فنحن دولة علمانية تعطي الدين احترامه، وكذلك الحقوق المدنية، ولكن التيارات الدينية للأسف جعلتنا نخشى من كلمة العلمانية، فألصقوا صفة الكفر بكل من هو علماني أو ليبرالي، مع أن تعريف العلمانية، هي الرجوع للعقل في تفسير الأمور، والفيلسوف الشهير ابن رشد يقول إن الدين مبني على العقل، فلا يوجد إذن تعارض بين الدين والعلمانية.
محاولات تاريخية
*هل سقوط الإخوان من وجهة نظرك تأكيد على علمانية الدولة بالمفهوم الذي تطرحه؟
**يطلق تنهيدة عميقة استعدادا لإجابة طويلة استهلها بقوله: سآخذك في رحلة طويلة بعض الشيء، تبدأ من بعد انتهاء الحكم العثماني، حيث أصبحت مصر دولة مدنية، وتم ارساء أول دستور بها عام 1923، وكان هناك فراغ سياسي وقتها، ملأته المخابرات الأمريكية بإنشاء تنظيم الإخوان، وفي السبعينات، كان هناك تخطيط من المخابرات الأمريكية لنشر الفكر الوهابي في مصر، كما قال ولي العهد السعودي في مقابلة مع “الواشنطن بوست”، وهذا يبين بوضوح أن وصول الحكم الديني للسلطة لم يكن اعتباطا، بل أنه مشروع قديم، لكن لم يكتب له الاستمرار، بسبب ما سأكرره مجددا، وهو أن مصر بطبعها دولة متعددة الفكر قابلة للتعددية
*ولكن الغريب بالنسبة لي أن يكون كثير من المنتمين لهذا التنظيم من المهندسين والأطباء، فهل تتفق مع دراسة تقول إن التخصصات العلمية، تكون أسهل في الإنقياد للفكر المتطرف؟
**يومىء بالرفض قبل أن يقول: لا طبعا، الإخوان باختصار تنظيم سياسي هدفه السلطة، وليس الدين، فالدين، بالنسبة لهم وسيلة للوصول إلى السلطة، ففي الدول قليلة التعليم، يصبح الدين أو القوى العسكرية أو التخويف والإرهاب وسيلة للوصول للسلطة، والدين هو أسهل الطرق، لأن الفكر المشوه يجعل طاعة الحاكم واجبة، لأنك وانت تطيعه، فأنت تطيع الله، لأن الحاكم وكيله على الأرض.
الإخوان ومبارك
*ولماذا لم يطع الإخوان مبارك؟
يرد بنبره ساخرة: ومن قال لك، إنهم لم يكونوا طائعين لمبارك، لكنهم قفزوا إلى الحكم في لحظة سقوطه، بينما كانوا على تعاون دائم مع السلطة الحاكمة.
*وهل لم تكن السلطة الحاكمة مدركة لخطورتهم؟
** كانت مدركة جدا.
*وكيف تركتهم إذن كي يستثمروا لحظة سقوط مبارك أو بالأحرى يساهموا في مشهد سقوطه؟
** ربما غرور السلطة هو ما أدى لذلك، فالسلطة كانت تشعر بأنها أكثر قوة وتمسك بذمام الأمور، هذا فضلا عن أنها كانت تعتقد أنها تتقي شرهم بالاتفاق معهم، وإعطائهم “كوته” في البرلمان.
مخاطر تطبيق الديمقراطية
*دعنا نغلق تلك الصفحة، وننظر إلى المستقبل من خلال الحوار الوطني، والجدل التي أثارته بعض تصريحاتك حول قضايا الحوار السياسية، ومنها قولك ان هناك مخاطر لتطبيق الديمقراطية، حيث بدا للبعض وكأنك ترى أن الشعب المصري ليس أهلا للديمقراطية؟
**يبدي انزعاجا من الفهم الذي وصل للبعض من تصريحه، قبل أن يقول: بالطبع لا أقصد ذلك، فما أقصده، هو أنك عندما تتعامل مع الجماهير في اطار حرية مطلقة، مع وجود 33 في المائة فقراء، و25 في المائة أميين، فسيكون نتاج ذلك أشخاص تم اختيارهم بطريقة ديمقراطية، لكنهم غير مؤهلين، لأنه يمكن حينها الحصول على الأصوات بالمال والضغط لتغيير الأفكار، ولكن هل معني ذلك، أن الديمقراطية تكون للنخبة فقط، هذا أيضا لم أقصده، ولكن ما أتصور أنه يجب أن يحدث، هو أن يكون هناك توزان، بين أن تستمع لرأي الأغلبية، وفي نفس الوقت تكون هناك وسيلة لضبط الحركة السياسية، وكانت هذه هي فلسفة إنشاء مجلس الشيوخ، حيث من المفترض أن يكون أعضاءه ممن تنطبق عليهم شروط، لا تجدها عند أعضاء مجلس النواب، مثل مستوى معين من المؤهلات العلمية، بحيث يكون أعضاءه من النخبة التي لا يتم إقرار القوانين إلا بعد موافقتها عليها في البداية، ولكن ما حدث أننا جعلنا أعضاء المجلسين بنفس المواصفات تقريبا، فأفقدنا مجلس الشيوخ المغزى الحقيقي من إنشاءه.
*إذن هي ديمقراطية مصنوعة؟
** كل دول العالم عملت وسيلة للاستماع لرأي الناس، ووسيلة لضبط الحركة السياسية، وهذا هو التوجه إلى اللامركزية ، حيث يترك الناس على مستوى القرية والمدينة يختارون ممثليهم، وتكون =هناك سلطة حاكمة عندها رؤية، بحيث إذا خرجت الاختيارات عن تلك الرؤية تتدخل في الوقت المناسب.
*إذا تدخلت السلطة.. كيف تكون ديمقراطية إذن؟
** سأعطي لك مثال لتقريب المسألة، إذا كنت بصدد عمل رؤية لتطوير التعليم، ولديك أغلبية من أولياء الأمور، ترى أنه من الأنسب نجاح كل الطلاب بدون امتحانات، فهل تنفذ رأي الأغلبية؟ بالقطع لا، ففي بعض الأمور يجب ألا يعتد إلا برأي النخبة والخبراء، وهذا ما كنت أقصده بأن لتطبيق الديمقراطية مخاطر، فهناك أمور معينة، يجب أن يكون الرأي فيها نخبويا، وليس شعبويا.
*وهل يمكن أن تتقدم للترشح في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، طالما أن لديك كما يبدو أفكار، قد تلقى قبولا عند الناخبين؟
**يومىء بالرفض قبل أن يقول: لا توجد لدي أي نية في الترشح لثلاثة أسباب، أولها أنه ليس لدي رغبة شخصية في ذلك، والثاني أنه يوجد اطار قانوني للترشح يقتضي أن يكون هناك مجتمع من الناس يرغب في ترشحي، وهذا غير موجود، والثالث ان المناخ العام لا يسمح بوجود تنافس بين المرشحين.