كما كان الحوار حول القيم الإنسانية مع الشباب مثيرا، كان هذا الحوار مع أهاليهم كذلك.
هذا حوار دار بشكل جديد فى الواقع، وعلى الفيس تايم، وعلى زوووم، وضم أجيالا مختلفة جذبهم الحوار فشاركوا وأضافوا. لقد جمعته فى مقال واحد لتعم الفائدة وأفتح نوافذ جديدة للتفكير.
تذكرون أننا تكلمنا مع الشباب فى الحوار السابق على ٣٥ قيمة إنسانية من الواجب تضمينها فى حياة الأطفال والشباب فى المؤسسات التعليمية والإعلام والفنون، وناقشنا اتهام الشباب للأجيال الأكبر بتضارب المفاهيم لديهم، من أثر تصرفات هذا الجيل المخالفة لمفاهيم القيم التى يدعونها.
اخترنا قيم الصدق/ الدقة/ الجمال/السماحة/ المحبة/ النظافة/ الحرية/ الصبر/ الشجاعة/ الرحمة/ الإيمان/ العلم/ الإحسان/ الشكر/ الاعتذار/ الغفران/ العطاء/الاحترام/ الرأفة/ الامتنان/ السعادة/ الصداقة/ المسؤولية/ المواطنة/ التواضع/ العدالة/ الإتقان/ البر/ الكبرياء/ الاستماع/ والتضحية/ والطاعة والاحترام/ التكافل/النزاهة/ والمشاركة. وناقشنا الشباب فى قيم الصبر، والشجاعه، والتضحية والاحترام والطاعة واختلفنا واتفقنا.
كلمتنى والدة مثقفة لواحدة من شباب الحالمين قائلة:
فكرت فى الـ35 قيمة التى تحاورتم حولها، ولى ملاحظتان:
الأولى:
أن بعض هذه القيم متداخلة بحكم التعريف أو الأركان أو النتائج وبناء على ذلك يمكن اختصارها إلى نحو عشر قيم رئيسية.
الثانية:
أن كلمة (الكبرياء) الواردة فى تعداد القيم لها مدلول فى الفهم الشعبى غير محبب إذ تعنى عند العامة التغطرس أو الاستعلاء ويمكن استخدام (الاعتزاز بالنفس) أو كما يقولون (احترام النفس) أو (تقدير الذات) كبديل.
وفى اتصال آخر قال واحد من آباء الحالمين: أتصور أن التساؤل لا يجب أن يتصل بالقيم فحسب، بقدر ما يجب أن يتعلق بالبناء المؤسسى الذى يفرض ويحمى ويعمل على تفعيل هذه القيم وترسيخها فى وجدان المجتمع.
حوار مقهى «الحالمون بالغد» صيغة رائعة لنشر الأفكار المثالية، تذكرنى بجمعية النداء الجديد والدكتور سعيد النجار فى بدايه التسعينيات.
والحقيقه فإنه يؤلمنى بل يعذبنى أن أرى الدولة تنكمش وتنسحب من حياة الناس وهمومهم الحياتية تاركة عموم المجتمع يتخبطون فى مستنقع التخلف والعوز والفوضى.
آسف على النظرة القاتمة وأتمنى أن أكون على خطأ.
رددت عليه قائلا: أنت على خطأ يا سيدى لأن الشباب اليوم أفضل مما تظن وأقدر من تصوراتنا. إننى أرى طاقات كامنة وقدرات فائقة تحتاج إلى الانطلاق لا الكبت، تحتاج إلى الحرية ولا الانغلاق أو بقاء الأمر كما هو عليه لإرضاء أجيال أكبر ترى فى أفكارهم سفها، وفى وسائلهم اتهامات وذنوبا.
– فى وسط اتصالات الأجيال الأكبر سألنى محمود قداح حفيد أخى الأكبر قائلا:
لماذا ذكرتم الإيمان ضمن القيم، هل الإيمان قيمة إنسانية؟.. ممكن تشرح لى تعريف قيمة الإيمان ولماذا تم اختيارها؟.. وما علاقة هذه القيمة بالتعاملات الإنسانية بين البشر؟..
سعدت بسؤاله وقلت له: يا بنى إن المعنى الحرفى للإيمان هو تصديق ما ليس له برهان، ويقال إن كل إنسان يحتاج إلى الإيمان بشكل أو بآخر. وبازدياد مساحة العلم فإن كثيرا مما كنا نظن أنه غيبيات أثبت العلم برهانه.
عقلى يقول لى إن مساحة الإيمان للجاهل واسعة ومساحته لمن يبحث قد تنحصر فيما هو بعد الموت، لأن الإيمان بالله له براهين للعاقل والمتفكر.
الحقيقه أن الإيمان ليس قيمة كما تقول يا محمود، بالمعنى الذى شرحناه، وتقول صديقتى المثقفة الأم والجدة فى اتصال آخر:
إن الإيمان بالخالق يا محمود فطرة عقلية مخلوقة مع الإنسان، وليس قيمة يكتسبها.
وهو الأمر الذى خالفها فيه د.تامر زكريا، قائلا إن الإيمان قيمة مكتسبة، وخالفهما الاثنان د. عمرو أبو العز، مشيرا إلى أن الإيمان هبة من الله لا هى فطرة ولا مكتسبة.
وردا على سؤال محمود حول قيمة الإيمان فى العلاقات بين البشر قالت المحامية المثقفة: إن مصطلح الإيمان بإنسان آخر أو تصديق أن هذا الإنسان قادر على تحقيق شىء أو هدف، وهو إيمان مجازى بمعنى التصديق المبنى على التجربة السابقة والاختبار العملى ومتوالية الإنجازات لهذا الشخص، وهو ما يخرج عن تعريف الإيمان اللغوى بالبحث عن البرهان لأن البرهان هنا هو سابقة النجاح والإنجاز لهذا الشخص..
وعلق صديقى د أيمن المهندس عبر الهاتف من نيويورك مثيرا أسئله أخرى:
هل القيم مطلقة أم نسبية؟
هل القيم ثابتة أم متحركة (dynamic)؟
ما هى نسبية القيم إلى بعضها؟
وفى حالة الاختيار فهل نضطر إلى تقديم قيمة على الأخرى؟.
هل يمكننا أن نفصل بين قيم مجتمعية وقيم فردية؟.
ـ تداخل فى الحوار واحد من شباب القضاة الذين تفخر بهم مصر قائلا:
عزيزى د.حسام..
بداية أود أن أحييك على طرح موضوع فى غاية الأهمية والحساسية ذلك لأن القيم والمبادئ هى المرآة الحقيقية التى تعكس مدى تحضر ووعى ورقى الشعوب، وأؤمن أن المجتمع المصرى يعانى من أزمة كبيرة ومزمنة فى مفهوم القيم والتى يمكن رؤيتها بوضوح فى شتى مناحى الحياة.
لذلك أود أن أعقب على ما ورد بالمقال فى النقاط الاتية:
1- إن الصراع المستمر بين التمسك بتلك القيم واعتمادها كأسلوب حياة من جهة وبين ما يعيشه الإنسان من تحديات وأزمات أخلاقية على أرض الواقع من جهة اخرى، إنما هو نموذج حى لمعاناة البشر (وليست مشكلة جيل بعينه)، فكيف لنا أن نعلم أبناءنا القيم العليا ونتغنى بعظمتها ثم يكتشفون عندما يدخلون معترك الحياة أنه يجب عليهم – فى معظم الأحيان- التخلى عن تلك القيم حتى يتمكنوا من تجاوز مصاعب وتحديات الحياة. نحن لسنا فى المدينة الفاضلة أو فى عالم مثالى إنما نعيش فى عالم ملىء بالصراعات والمؤامرات والمصالح الشخصية والضغائن والحروب والكراهية، ولو تمسك شخص ما بتلك القيم على طول الخط فمن المحتمل أنه سوف يحيا حياة بائسة مليئة بالشقاء، وقد يتعرض للظلم ويصبح فريسة سهلة، وذلك ليس لعيب فيه ولكن لوجود خلل رهيب فى منظومة القيم والأخلاق لدى معظم البشر.
2- يجب مواجهة هذا التحدى بمنتهى الصراحة والشفافية حتى نتمكن من تجاوزه. للأسف لقد تعرض المصريون لعملية ممنهجة من تجريف القيم والأخلاق حتى أضحى من أبرز صفات نسبة كبيرة من المصريين الكسل – الكذب – النفاق -عدم الاهتمام بالنظافة – التطرف – احتقار المرأة – الانتهازية- العنصرية – الطائفية- الفساد- الفوضى- العشوائية- والتحايل… وغيرها من الصفات الذميمة التى جعلت مصر تتذيل دول العالم فى مؤشرات التعليم والصحة ومستوى معيشة الفرد وتتصدرها فى التحرش والفساد، لذا يجب أن يتم تشكيل منظومة متكاملة – التعليم هو أهم أركانها – لغرس القيم والمبادئ فى عقول الأجيال الجديدة، وعلى الدولة أن تجعل ذلك مشروعها القومى الأول – والأهم لإعادة تكوين وترميم الشخصية المصرية ليصبح إنسانا محبا للحياة- متذوقا للفن والجمال- يقظ الضمير- يقدس العمل- يقبل الاختلاف – يحترم المرأة- حر العقيدة.. ويجب أن تسخر الدولة كافة مواردها وإمكانياتها من أجل تحقيق ذلك الهدف. وزاد قائلا: فى سياق آراء الشباب حول التضحية، أعتقد أن الحصول على مقابل للتضحية لا ينتقص منها كقيمة هامة وأساسية لاستمرار الحياة، فبماذا تصف القيمة التى تدفع شخصا يغرق وهو ينقذ شخصا آخر غريبا عنه من الغرق، أليست هذه تضحية فى سبيل الإنسانية، هى قيمة عظيمة ولكن شديدة الندرة.
كذلك أعجبنى تعليق الشباب على قيمة الاحترام والطاعة، وأتفق معهم على التفرقة بين الاحترام المبنى على الاقتناع والندية من جهة وبين الطاعة العمياء والخضوع المطلق والتى فعلا تعتبر من مظاهر العبودية ولا يجب تضمينها فى القيم الواجب نشرها.
ولهذا الحديث بقية ندمج فيه قيما ببعضها، ونطرح الأولويات، وأطلب من القراء استمرار التواصل والمشاركة، فالحلم حلمنا، كبارا وصغارا، شيوخا وأطفالا.