المصالحة لن تشمل الإخوان.. حسام بدراوي للجزيرة نت: يجب أن تستعين الدولة بخبرات كل المصريين
قال حسام بدراوي مستشار الحوار الوطني لرؤية مصر 2030، للجزيرة نت، إن الحوار في أي بلد لا يعني تعديلا دستوريا أو تغيير حكومة أو انتخابات مبكرة لأنه ليس هدفا للحوار، مضيفا أنه لا يصح أن يكون وراء كل حوار هذا المفهوم.
القاهرة – قال حسام بدراوي مستشار الحوار الوطني لرؤية “مصر 2030” إن رفع سقف الحريات هو الهدف من الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي نهاية رمضان الماضي.
بدراوي الذي كان آخر أمين عام للحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، أيد -في حواره مع الجزيرة نت- مبادرات تسوية أوضاع المعتقلين وعودة المعارضين من الخارج، مشددا على ضرورة احترام حرية الرأي طالما كان في إطار الدستور والقانون.
وقال إن أي مصالحة لن تشمل جماعة الإخوان المسلمين لأنها محظورة بحكم القانون، وفي الوقت ذاته دعا إلى الاستفادة من الخبرات المتراكمة لأعضاء الحزب الوطني ما لم تصدر بحقهم أحكام قضائية.
هل هناك خلافات داخل السلطة حول درجة الانفتاح السياسي المطلوب كما صرح كمال أبو عيطة وجورج إسحاق وغيرهما من أعضاء لجان العفو والحوار الوطني؟
بالنسبة لي لا يوجد سقف للحوار أو النقد، وهو ما حدث خلال لقاءات مع أكثر من جهة إعلامية، ولم أتعرض لأي تنبيهات من القيادة السياسية حول أحاديثي المختلفة، وأرى أن الحوار الوطني فرصة جيدة لرفع سقف الحريات والتعبير عن الرأي، وأن الخلافات بين السلطة الحاكمة والمعارضة مستمرة لكن في إطار البناء وليس الهدم.
صدرت مؤخرا مبادرات عدة لتسوية أوضاع المعتقلين والمفرج عنهم وحتى إعادة المعارضين من الخارج، كيف ترى مستقبل مثل تلك المبادرات؟
هي مبادرات جيدة وأدعمها، لكن في إطار العمل السياسي أرى أنه لا يجب مصادرة الرأي طالما لا توجد تهمة تقدم الإنسان للمحاكمة، فيجب أن يتمتع بحريته التي كفلها الدستور، وأتمنى أن يتناول الحوار الوطني مسألة الحبس الاحتياطي وكيف تكون إجراء احترازيا وليس عقوبة يتلقاها الفرد لإبداء رأيه، طالما لا توجد تهمة ضد أي مواطن يتم توقيفه ويقدم من خلالها للمحاكمة.
يجب أن يكون للحبس الاحتياطي سقف زمني ولا يجب أن يكون هناك حبس احتياطي مفتوح، وهي مسائل واضحة المعالم ترتبط بفلسفة الحكم التي تقر بحرية التعبير كجزء من المواطنة وجزء من احترام الدستور.
يرى منتقدون أن الإفراج عن المعتقلين في مبادرات سياسية، رغم فداحة الاتهامات الموجهة لهم، يقدح في باقي القضايا والاتهامات المكررة بحق معارضين ونشطاء، والأخطر أنه يقدح في استقلال القضاء، كيف ترى ذلك؟
الإفراج عن المعتقلين هو إفراج لمن لم يتم توجيه اتهام لهم ودخول ساحة القضاء، ومعنى سجين احتياطي أنه شخص لم يقدم للقضاء، ويجب أن تكون فلسفة الحوار هي حرية الأفراد ما لم تستطع الأجهزة تقديمهم للقضاء بتهمة ثابتة، وأن يكون الحبس الاحتياطي خاضعا لمدة محددة بحسب القانون، لكن الإفراج عن سجين تم الحكم عليه قضائيا بعفو رئاسي فهذا أمر آخر يخص مؤسسة الرئاسة.
بعد الحديث عن الانفتاح السياسي داخليا وتسوية الخلافات الخارجية، هل يمكن أن تشهد مصر مصالحة مجتمعية كما ينص الدستور، تشمل تيار الإسلام السياسي؟
الإسلام السياسي إن كان يقصد به جماعة الإخوان المسلمين المحظورة بحكم القانون، فإن المصالحة لن تشملها، لكن إن كان يقصد به توجهات دينية لمواطنين طالما لا تستخدم للحصول على مكسب سياسي أو لديهم حكم قضائي فمرحب بهم، لأن المواطنين متساوون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات إذا لم يكن هناك نص قانوني يمنعه من العمل والمشاركة الوطنية، لكن من يثيرون الفوضى ويتآمرون على الوطن لا يمكن أن يتم قبولهم في أي مبادرة للمصالحة.
إذا كان تعديل الدستور أو الانتخابات المبكرة برلمانيا ورئاسيا، وغيرها من الأمور الجوهرية، مستبعدة من الحوار، فما هي أجندة الحوار، وهل سيناقش أمورا هامشية لن تؤثر في المسار السياسي أو الاقتصادي، وذلك وفقا لرؤية معارضين؟
الحوار في أي بلد في العالم لا يعني تعديلا دستوريا أو تغيير حكومة أو انتخابات مبكرة لأنه ليس هدفا للحوار. الحوار يضع أسسا فلسفية للعمل المستقبلي، لكن لم يتطرق أحد إلى مناقشة الانتخابات المبكرة، ولا يصح أن يكون وراء كل حوار هذا المفهوم.
الحوار السياسي معناه الالتزام بمبادئ الدولة المدنية الحديثة وانتهاء الفترة الانتقالية التي مرت بها البلاد بعد عام 2013، والتأكيد على أن مصر دولة دستورية مدنية حديثة يجب تداول السلطة فيها سلميا في إطار محدد المدة، ويسمح بالمعارضة ويتسم بالشفافية والمكاشفة والمحاسبة من البرلمان والإعلام، وهو ما أراه مهما في الحوار الوطني.
ومن أهم المسائل في الحوار الوطني العمود الذي تقوم عليه الدولة الحديثة، وهو العدالة، وأقصد بالعدالة القضاء أولا، ثم خدمات العدالة التي تقدم للجماهير ويجب أن تكون سهلة وميسرة وسريعة، والإجراءات الخاصة بتطبيق القانون من جانب جهازي الشرطة والنيابة العامة.
هذا هو الحوار من وجهة نظري، العدالة والرؤية السياسية المستقبلية التي تتيح وجود بدائل للحكم المدني، بجانب رؤية مصر 2030.
الرئيس السيسي أكد كثيرا أن ما يقوم به من مشروعات ورؤية للتطوير تم تخطيطه من حكومات سابقة لكنها لم تستطع تنفيذه، ويربط البعض ذلك برؤية جمال مبارك للتطوير، ما هي أوجه التشابه والاختلاف بين الرؤيتين، وهل ترى في ذلك عيبا أم تراكما طبيعيا لحكومات متعاقبة؟
الرئيس السيسي كان أمينا في أن يقول ويعترف بذلك، وأنه لابد من البناء على تراكم الخبرات والاعتراف بالخطأ عند وقوعه والسعي لإصلاحه. لكن رؤية 2030 لم يكن جمال مبارك مشرفا عليها لأنها صدرت عام 2016 وتم العمل عليها من خبراء عام 2014 أي أنها صدرت بعد ثورة يناير.
وأهداف رؤية 2030 وتوضيحها هو دوري الرئيسي في الحوار الوطني، ويجب أن تتحول من رؤية 2030 إلى رؤية 2050، ويتم إنشاء الجهاز الذي يتابع تطبيقها لكيلا نقع في خطأ وضع الرؤية دون تطبيقها أو الإعلان عن نتائجها.
وهناك رؤى سابقة طرحت واستفدنا من بعضها ونعمل الآن على تحديثها المستمر، لكي ترتبط برؤية أفريقيا 2063 والرؤية الأممية للتطوير والتنمية.
لكن فكرة وضع خطوط بين الأنظمة السياسية المتعاقبة وتحييد من عمل في تلك الفترات عن العمل المجتمعي أو السياسي، هي محاولات لتقسيم الشعب المصري إلى فئات لا ينتفع منها الوطن ولا تخدم فكرة التراكم الطبيعي للاستدامة.
تتهم الحكومة الحالية الأنظمة السابقة بالتسبب في تردي الأوضاع على كافة الأصعدة، برأيك ألم يكن ذلك سببا كافيا لثورة يناير، فلماذا يلومها البعض وينتقدها؟
الكل شريك في الأخطاء التي وقعت، لكن يجب البناء على تراكم النجاح والتحول عن الخطأ، ولأنه عند قيام ثورة يناير كانت البلاد تقف على منصة انطلاق اقتصادي كبير بشهادة الجميع، لكن آثار هذا الانطلاق لم تصل بعد إلى حياة الفقراء.
وثورة يناير 2011 لم تكن ثورة فقراء، بل كانت ثورة للحرية والكرامة وثورة بسبب عدم التغيير الذي لم يكن يناسب شباب مصر وهو ما ظهر في أول أيام الثورة، لكن ثورة يناير تم اختطافها بعد قيامها من الأكثر تمويلا والأكثر تنظيما وهو الإسلام السياسي.
ولو تم اتخاذ الإجراءات المناسبة في حينها وهو أن تكون هناك انتخابات رئاسية مبكرة لا يشارك فيها الرئيس مبارك أو أحد أفراد أسرته، لانتقلت مصر إلى مرحلة دستورية مميزة، دون أن تمر البلاد بما حدث بعد الثورة من مرحلة الإغراق.
ولا يمكن أن ننسى أن الثورة كان خلفها أعمال مخابراتية من الدرجة الأولى لزيادة الفوضى ودعم الهدم، وهو ما ظهر جليا بانتشار الثورات في الجمهوريات وليس الملكيات في تلك الفترة وهو ما يحتاج إلى تحليل.
هل عاد حقا رجال مبارك ورموز الحزب الوطني المنحل لتصدر المشهد السياسي في الحوار الوطني، مثل حسام بدراوي مستشارا لرؤية 2030 والدكتور علي الدين هلال مقررا للمحور السياسي؟
لقد عملت في الحزب الوطني مثل الكثير من أعضاء الحكومة الحالية الذين عملوا مع الرئيس الراحل حسني مبارك، لكن لا يمكن تسمية الوطنيين بأنهم رجال مبارك، لكن هناك رجال مصر الذين عملوا في إطار السلطة الشرعية أيا كان من يترأسها وهذه هي طبيعة مصر.
وما يجب أن يتم الحكم به على الجميع هو الخبرات الأكاديمية والعلمية والسياسية والكفاءة التي تؤهله لخدمة الوطن في أي نظام، وأرى أن الدولة يجب أن تستعين بخبراتها التراكمية طالما لا توجد عليهم أحكام قضائية أو ما يمس النزاهة وخرجوا من مناصبهم بعزة وكرامة، فهم أهل للعمل الوطني في أي وقت.
أين ذهب الحزب الوطني، هل حقا كان حزب أصحاب المصالح فقط؟
الحزب الوطني كان حزبا كبيرا وصلت عضويته إلى ما يقارب 3 ملايين مواطن، ولكنه لم يكن يحكم بل كان الرئيس ومكتبه ومن حوله هم من يحكمون، كما أن الحزب لم يكن يشكل الحكومة، بل يتم اختيار الوزراء ثم ينضمون إلى الحزب الوطني.
واليوم لو شكل الرئيس حزبا سينضم الجميع إليه، ليس نفاقا ولكن لأن الحصول على الخدمات والحقوق مرتبط بالسلطة التنفيذية، وهذه الثقافة وجدت منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
الحزب الوطني كان به خبراء وقواعد شعبية كبيرة وهي من كونت الأحزاب الحالية.
أين حسام بدراوي سياسيا الآن؟
السياسة ليست عملا حزبيا فقط، وعملي في منظمة “تكاتف” التي تقوم بإنشاء مدارس وتسليمها للدولة هو عمل سياسي، وأيضا عملي في مؤسسة “التعليم أولا” التي تتولى تدريب المعلمين وقامت بتدريب أكثر من 41 ألف معلم حتى الآن، وعملي في المجلس الوطني المصري للتنافسية، واشتراكي في وضع رؤية مصر 2030 منذ عام 2014، كل هذا يعد من وجهة نظري عملا سياسيا لخدمة الدولة، وليس شرطا أن أكون صاحب منصب سياسي.
لماذا أعلنت تجميد حزب الاتحاد الذي أسسته، وقلت إن الأجواء السياسية لا تسمح لأحزاب العمل بحرية؟
قمت بتجميد الحزب لأنني لا أدخل في نظام ديكوري، لأن العمل الحزبي في تلك الفترة كان مجرد ديكور وليس حقيقيا، فأي حزب مرتبط بوجود تنظيم وتمويل وسياسة معلنة، والحزب المعارض الحقيقي لابد أن يحوز على قاعدة جماهيرية ويحصل على أصوات في الانتخابات لكي يكون له صوت مؤثر في العمل البرلماني، لكن الأجواء السياسية في فترة ما بعد 2013 كانت لا تسمح للأحزاب العمل بحرية، وأنا متفهم أن هذه الفترة كان بها قدر كبير من عدم الأمان وقرب الفوضى وقرب انهيار الدولة، فتدخلت القوى الأمنية والمخابراتية لضبط الأمور.
لكن أرى أن تلك الفترة الاستثنائية قد انتهت، وعلينا أن نعود مرة ثانية إلى إطار الدولة المؤسسية التي تسمح للأحزاب بالعمل بحرية، ما دام هذا العمل في إطار القانون والشرعية بعيدا عن المؤامرات والهدم.
وهذا ما يجب أن يتناوله الحوار الوطني، وأرى أن الهدف الرئيسي من الحوار الوطني هو رفع سقف الحريات في إطار من الشرعية والقانون. ولو عملت الأحزاب بحرية سنرى اندماجات بينها ليكون هناك 2 أو 3 أحزاب تمثل مجموع الأفكار الموجودة في مصر.
دائما يتردد أن حسام بدراوي من الوجوه الإصلاحية، هل ترى حقا أن الإصلاح التدريجي هو الحل لأزمات مصر، أم أن التغيير الجذري هو السبيل الوحيد للتخلص من تراكم الأزمات؟
الإصلاح التدريجي هو أساس لأي دولة، لأن الثورات تحدث عندما لا يكون هناك فرصة للإصلاح من خلال الأطر الشرعية التي تسمح بتغيير السلطات الحاكمة، أنا إصلاحي ولست ثورجيا.
وهناك بعض الإصلاحات قد تكون سريعة في جوانب معينة في الدولة كالإصلاح الاقتصادي الذي تتخذ بشأنه قرارات لضبط الموازين.
لكن عملية التعليم مثلا تحتاج إلى وقت للإصلاح واستدامة، والإصلاح طويل المدى مثل الاستحقاق السياسي الدستوري للتحول إلى اللامركزية لا يحدث في فترة وجيزة، لأن هذا النوع يعد ويطبق في سنوات كثيرة، مثل التحول في الحكم من المركزية الشديدة إلى اللامركزية.
لكن عدم اتخاذ الخطوات الأولى التي تبني القدرات في اللامركزية لاتخاذ القرارات الصحيحة، وتنتخب وتختار الأفضل، يجعلنا نأخذ وقتا طويلا للإصلاح، وأحيانا نستخدم تعبير الثورة للإصلاح قصير المدى لأنها تعد في هذه الحالة ثورة في الإجراءات.
وهناك إصلاحات يقتصر دوري فيها على عرض وجهة نظري فقط، كرؤيتي لمصر أنها دولة رئاسية وليست برلمانية وهو ما قد يختلف معي فيه البعض، وهذا النظام له أيضا مرجعية ديمقراطية، وأن مصر يجب أن يكون للرئاسة فيها سلطة كبيرة، لكن يجب تحديد مدة الرئاسة وفصل السلطة التشريعية والرقابية والقضائية عن السلطة الرئاسية لكيلا تتحول إلى سلطة دكتاتورية، وهو ما يحتاج لعمل مجتمعي كبير لأنه ليس شرطا أن تأتي الديمقراطية بالأفضل، وعلينا أن نعمل سويا لاختيار أسلوب الحكم الذي يتناسب مع ثقافة المجتمع المصري.