خطبة الجمعة بين الماضي والحاضر
بقلم
حسام بدراوي
سألت نفسي عن أكثر ما يسمعه المسلمون في مصر من رسائل تبني الوجدان وتؤثر ببطء وبالتدريج علي العقل الباطن ووجدت ان خطبة الجمعة هي الأهم والأكثر شيوعاً ..
وبحساب بسيط وجدت حسب تصريح وزير الأوقاف ان مصر بها اكثر من ١٤٠ الف جامع وباعتبار أن السنة تحتوي علي ٥٢ اسبوع فان المصريين يستمعون الي اكثر من ٧ مليون خطبة جمعة سنوياًً!!!
ماهي مواضيع الخطب ، وما هي رسائلها الظاهرة والباطنة ومحتواها الذي قطعا يؤثر في الوجدان المصري.
واهم من ذلك من الذي يلقي الخطب ودرجة تعليمه وإيمانه بالمعارف التي تتجدد يوما بعد يوم.
خطيب الجمعة مثل المعلم الذي نترك ٢٩ مليون تلميذ وطالب ،وهم أهم ما يملك المجتمع من ثروة، يأخذون مفاهيمه وقناعاته وتترسخ في وجدانهم أفكاره .
انا تكلمت عن المعلم وأهميته تكرارا ، وعن إعداده ورفع شأنه ليكون مؤهلاً لأهم وظيفة في الأمة، وليس هذا مجال هذا المقال ، ولكني وجدت أن أأمة المساجد هم أيضاً معلمون ويجب النظر اليهم من هذا المنطلق.
مرة أخري لا تتعجبون من الإحصاء، يتم الاستماع الي أكثر من ٧ مليون خطبة جمعة سنوياً ..
بحثت في أصل وتاريخ خطب الجمعة فوجدت أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين، حتى كان يوم جمعة والنبي يخطب بعد انتهاء صلاة الجمعة فدخل رجل فقال: إن دحية بن خليفة قدم بتجارة، وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف، ومعه تجارة وسلع فخرج الناس ولم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء، فأنزل الله عز وجل: “وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا.”
بعدها قدم النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة وأخر الصلاة. رواه أبو داود.
وتعجبت من أنه لا يوجد لدينا غير نص خطبة الوداع رغم ان الرسًول كان يخطب في الناس كل يوم جمعة ، أي القي في العشر سنوات الأخيرة من حياته أكثر من خمسمائة خطبة . لماذا لم توثق خطبه ؟؟؟ وبعد وفاته بأكثر من ٢٠٠ سنة يأتي من يجمع احاديثه الشخصية وليست العامة التي تملأ أغلب خطب الجمعة اليوم ،بل اصبحت هذه الأحاديث هي مصدر احكام في الحياة.
وسؤال عدم جمع خطب النبي محمد ﷺ وعلاقة ذلك بجمع الأحاديث يُبرز اختلافات جوهرية في التاريخ الإسلامي المتعلق بحفظ النصوص، وظروف التوثيق، وأولويات الجمع في عصور الإسلام
خطب النبي ﷺ، سواء خطب الجمعة أو غيرها، كانت ذات طبيعة توجيهية وعامة، تُلقى في سياق جماعي أمام المسلمين. هدفها الأساسي هو الدعوة والتعليم المباشر وكانّ المنطق يقول ان توثيقها كان سيكون متفقا علية .
وهذه الخطب لم تحظَ بنفس الاهتمام التوثيقي رغم أنها كانت تُلقى علنًا أمام جمهور كبير، وكان يُفترض أن مضمونها محفوظ في الذاكرة الجماعية وليس الذاكرة الخاصة .
كان الخلفاء الراشدون، خاصة أبو بكر وعمر، متحفظين على جمع الأحاديث بشكل موسع احتراماً لقوله حسب الحديث الوارد في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري عندما قال عليه الصلاة والسلام : ( لا تكتبوا عني ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه.)
وقيل أن الخطبة يوم الجمعة تشترط أن يقوم بها الإمام نفسه وبعد ذلك قيل الإمام ومن ينوب عنه بأمره وبمرور الزمن واتساع الجغرافيا أصبح من يقوم بالخطبة من يعينه الوالي.
والسؤال التالي هو هل الخطبة شرط في انعقاد الجمعة لا تصح إلا بها ؟ هذا قول أغلب جمهور العلماء . إلا أن الإمام الحسن قال : هي مستحبة وليست فرضاً لصحة الصلاة .
وهذه ليست قضيتي فوجودها يعني مقدرة علي التأثير علي الناس سلباً أو إيجاباً، حسب رسالتها ومحتواها.
بتجربتي وجدت في القرن الواحد والعشرين أن معظم خطب الجمعة، إن لم يكن كلها ، تتكلم عن الماضي وقصص وروايات لا يملك السامع التحقق من حقيقتها ، وفي كثير من الأحيان ينتابني الغضب من قصص لا يمكن تصديقها وأساطير تُثَبت في الأذهان الخرافة ، وفي أحيان غير قليلة تعصبا غير صريح تجاه المرأة ، وترسيخ أفكار أن كل من هو غير مسلماً من الثمانية مليار نسمة مآله جهنم وبئس المصير حتي وان افاد البشرية وإن تحلي بمكارم الأخلاق ولا يصح الدعاء وطلب المغفرة إلا للمسلم فقط .
و إن كان هناك تعليمات، تنتهي الخطبة بالدعاء للحاكم والسير خلفه وطاعته .
كل خطباء المساجد الآن يتلقون أجراً علي عملهم ، فهم في الحقيقة حتي لو كانوا من أهل علم وثقة، فإن تلقيهم أجراً يجعلهم موظفين وفي رأيي المتواضع يأخذ من فلسفة وقيمة الخطبة التي يجب أن تكون من الإمام أو أكثر الناس علما وهو ما لا يحدث الآن.
أتابع المبادرة المتقدمة التي أطلقتها المملكة السعودية لتنقية الأحاديث النبوية وتوثيقها تحت إشراف مجمع الملك سلمان للحديث النبوي الشريف. هذا المشروع يهدف إلى جمع الأحاديث الصحيحة، تصنيفها، وتنقيتها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، مستفيدًا من أحدث التقنيات. تأسس المجمع بأمر من الملك سلمان عام 2017 ومقره المدينة المنورة.
يعمل المجمع على تعزيز فهم السنة النبوية عبر تنظيم المؤتمرات، إصدار مجلات علمية متخصصة، وتطوير أدوات ومناهج علمية حديثة. يهدف المشروع إلى مواجهة التشكيك والغلو الديني باستخدام الأحاديث الصحيحة فقط. كما يركز على استخدام التقنية في توثيق الأحاديث، وإنشاء مكتبات متخصصة لتوفير مصادر موثوقة للباحثين في الحديث النبوي.
هذه الجهود تمثل تجربة رائدة لتقديم منهجية علمية دقيقة في التعامل مع السنة النبوية، مع مراعاة المتغيرات الفكرية والثقافية في العصر الحديث.
ولا أعلم إن كان الأزهر الشريف وهو منارة الإسلام لديه مبادرة مماثلة أم لا .
اعود إلي خطبة الجمعة التقليدية وكيف نجعلها أكثر فائدة وإمتاعا ..
كل شئ يتطور فلماذا نقف جامدين أمام خطبة الجمعة!!
خطبة الجمعة هي جزء من حياة الناس في أي مجتمع إسلامي، وإن كانت الرؤية العامة نحو خطبة الجمعة في مختلف دول العالم الإسلامي أنها إما أن تكون وعظا تقليديا في أمور يعرفها الناس (وإن كان التذكير بها أمر إيجابي طبعا) ، إلا أنها تلقى في الغالب بأسلوب بارد تراه في تثاؤب الحضور وحركتهم الكسولة ونوم بعضهم، أو أنها خطاب سياسي ديني بحت، حيث يخرج الخطيب غاضبا إلى المنبر يعلن مواقفه الحادة من خلال خطاب ديني يخلط فيه النقد السياسي بالموعظة الدينية والتحليل الفقهي، بلا مرجعيات ، الأمر الذي جعل عددا من دول العالم الإسلامي تبحث عن وسائل للسيطرة على خطبة الجمعة..
لكن خطبة الجمعة قد تكون أمرا مختلفا تماما لو أنها خضعت لوسائل التطوير، وهو أمر لا أفهم لماذا بقي في إطار جامد رغم هذه السنوات التي تقدم فيها فن التدريب والخطابة والتعامل مع الجمهور وتقدمت وسائل العرض التكنولوجية، وصار على الخطباء أن ينافسوا وسائل الإعلام التي تعمل كل يوم على تطوير نفسها
لماذا لا تكون الخطبة تفاعلية ، ولماذا لا يكون في الجوامع الكبري وسائل عرض تكنولوچية متقدمة ولماذا لا يُعرض مثلا المرجعيات لكلام الخطيب ولماذا لا تتعرض خطب الجمعة لأسس ضمان الجودة كما هو في التعليم وأفكار متعددة لا أري سببا لعدم مناقشتها .
.
تركيبتي الفكرية تعتمد علي المبادرة وإعطاء البدائل بدلا من الشكوي وانتظار الحلول التي لا تأتي في أحيانٍ كثيرة.
فكرت في مواضيع خطب الجمعة ووسائل تقديمها ورأيت أنه يمكن تغيير الفلسفة والتحدث إلي الناس في شئون حياتهم ومستقبلهم بدلا من الماضي والقصص والأساطير تكراراً واخترت مواضيع ، كالحب وحقوق المرأة والعلم وخلق الكون و القيم الإنسانية وغيرها وكتبت تصوراً لخطب جمعة مستعيناً بالعلم والذكاء الاصطناعي الذي طوعته لصالح الفكرة واخذت مرجعيتي من القرآن الكريم وهو أصل الدين وسأرسلها لوزير الأوقاف كمواطن مسلم شغوف بالعلم وبناء مستقبل بلاده.
من يريد من القراء قراءة تجربتي و المشاركة في المعرفة فليرسل لي ذلك علي صفحتي في الفيس بوك التي انشر عليها مقالاتي في جريدتي المفضلة “المصري اليوم ” كل يوم اربعاء.