الجمعة , 21 فبراير 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / ديمقراطية الجيل الرابع (1-2)

ديمقراطية الجيل الرابع (1-2)

إننا إذا رجعنا إلى تاريخ الثورات الاجتماعية أو السياسية، لا نستطيع أن نرى حركة يصدق عليها أنها حركة «حقوق إنسانية» بمعنى من معانى هذه العبارة كما نفهمها فى العصر الحاضر. فربما كان بينها ما يسمى بحركات الديمقراطية فى اليونان، التى فسر فيها استخدام كلمة ديمقراطية على أنها من حركات الشعوب والحقوق الإنسانية ولكنها ليست كذلك حتى فى دلالتها اللفظية، فكما يقول الأستاذ العقاد: «إن النظام الديمقراطى فى اليونان كان يطلق على الحكومة التى تشترك القبائل فى انتخابها، ولم يكن اشتراكها فى الانتخاب اعترافا بحق إنسانى يتساوى فيه أحاد الناس، وإنما كان اعترافا بالقبيلة واتقاء لمعارضتها عن العمل فى الجيش».

وقد توالت على اليونان والرومان أنواع من الحكومات الديمقراطية لم يكن لها من مبدأ تقوم عليه غير أنه خطط عملية لدرء الفتنة واستجلاب الولاء من المجندين للجيش والأسطول من أبناء القبائل وأصحاب الصناعات.

وسوف أسمى ذلك مجازا ديمقراطية الجيل الأول.

أما الحقوق الإنسانية والانتخابية التى نشأت فى الديمقراطية الغربية فى أواسط القرن العشرين، فقد تدرجت فى التعميم على حسب الحاجة إلى الناخبين، فنالها العمال فى البلاد الصناعية قبل أن ينالها الزارع، ونالتها المرأة بعد أن أصبحت عاملة فى المصانع تنوب عن الجنود فى الحرب، ونالها الملونون فى الولايات المتحدة بعد اضطرار الدولة إلى خدماتهم فى المجتمع وفى الجيوش على التدريج فى الحربين العالميتين، ونالتها الشعوب المختلفة نتيجة للضغوط المتبادلة والصراعات بين الطبقات للوصول إلى صيغة سياسية معينة يرتضيها كل الأطراف.

وسوف أسمى ذلك مجازا ديمقراطية الجيل الثانى.

أما الحقوق الإنسانية المعترف بها من ناحية المبدأ وليست خططاً عملية يوجبها تكافؤ القوى بين الطوائف وجماهير الناخبين، فتمثلها ديمقراطية إنسانية لا يمكن تصورها دون عناصر المساواة، والمسئولية الفردية، وقيام الحكم على الشورى وعلى دساتير معلومة من الحدود والتبعات… وهى العناصر التى ننادى بها كمبادئ عامة وليست اضطرارا لواقع انتخابى أو خدمة فى الجيوش، ولكنها تمثل إيمانا حقيقيا بكيفية العدالة فى الحكم اعترافا بحقوق المواطنين، بغض النظر عن مستواهم التعليمى أو موقعهم الاجتماعى.

وسأسمى ذلك مجازا ديمقراطية الجيل الثالث.

ولكنى الآن وأنا أنظر إلى الديمقراطية الغربية، وما يطبق فى دول العالم تحت مسمى الديمقراطية، أَجِدُ كثيرا من اختلاط المفاهيم، وتجبر السلطات الممنوحة للحكومات، وأحيانا الظلم الاجتماعى لطبقات من الشعوب التى لا تستطيع بمقومات معارفها وقدراتها أن تحصل على تكافؤ حقيقى للفرص المتاحة كما ندعى ونقول.

فالأكثر تعليما، والأكثر ثراء، والأكثر انفتاحا على العالم، يحصل على الفرصة، وتزداد الفجوة بين المواطنين تدريجيا وتضيع فى كثير من الأحيان فرص التنمية الإنسانية التى نبتغيها من الحكم الرشيد.

دفعنى ذلك إلى طرح على صفحتى فى السوشيال ميديا أقول فيه «كيف يتحكم ويظلم من نختاره فيمن اختاره وهو يعلم أن من يختاره يستطيع تغيير اختياره وأنه رهن إرادة من اختاره؟ وكيف يستهين من تدفع لهم رواتبهم ويدينون بموقعهم بمن يتكلف قيمتها ويعطيهم وظائفهم إلا لو كان النظام غير كفء ولا يعبر عن حقيقة توازن القوى؟.

الشعوب أقوى من حكامها دون الحاجة لثورات أو مظاهرات إذا استخدموا حقوقهم فى الاختيار وقت الاختيار».

وجاءتنى عشرات الردود والمداخلات، أشارككم بعضها وأطرح على القارئ التواصل وإبداء الرأى، لعلنا نصل إلى ديمقراطية الجيل الرابع كما أسميها مجازًا.

التعليقات

التعليقات

عن د. حسام بدراوي

د. حسام بدراوي
عن دكتور حسام سياسي ومفكر وطبيب بارز فهو رئيس قسم أمراض النساء والتوليد الأسبق في كلية الطب جامعة القاهرة، تلقي الدراسات العليا أعوام 1979 إلى 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية، انتخب عضو في البرلمان المصري ورئيساً للجنة التعليم والبحث العلمي في بالبرلمان منذ عام 2000 حتى 2005، السياسي حسام بدراوي عرف بمواقفه المستقلة ومن القلائل الذين اتفق على نزاهته الجميع من كافة التيارات السياسية، ففي عصر الرئيس الأسبق مبارك كان يلقب بالعاقل داخل صفوف الحزب الوطني، حيث كانت نداءاته وطلباته السياسية تتفق بقدر كبير مع النداءات الداعية للانفتاح السياسي والديمقراطي في مصر، فكان ضد تمديد حالة الطواري، واعترض على انفراد الحزب الوطني بالتعديلات الدستورية، خلال ثورة 25 يناير 2011 ، لعب دوراً سياسياً هاما، حيث عبر منذ اللحظة الأولى على حق المتظاهرين في مطالبهم، ودعا الحكومة إلى الاستماع والاستجابة لهم، ما جعل مبارك مع تصاعد الاحداث لما له من شعبية بتعيينه أمينا عاما للحزب خلفا لأعضاء هيئة المكتب وخلال تلك الفترة عبر عن رأيه السياسي لمبارك بضرورة التنحي، وهو ما دفعه للاستقالة من الحزب بعد 5 أيام من تعيينه يوم 10 فبراير معلنا اختلافه السياسي مع القيادة السياسية في طريقة التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم في حكم الإخوان فظلت مواقفه واضحة منذ اللحظة الأولى برفضه الدولة الدينية التي اعتبرها تريد تلويين الشعب بلون واحد، واعتبر قرار الرئيس المعزول مرسي بعودة مجلس الشعب ترسيخ للديكتاتورية المؤيدة من الولايات المتحدة، وكان من أوائل المنددين بتوغل سلطة مرسي على سلطة القضاء، مستنكرا محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل مليشيات الإخوان أيد د حسام بدراوي حركة تمرد مع بدايتها، وأعلن أن إسقاط حكم الإخوان أصبح ضرورة ومخاطرة لابد منها قبل أشهر من ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن الجيش سيقف بجانب الشرعية المستمدة من الشعب.. في ٢٠١٦ تم اختياره رئيسا للجنة الاستشارية لمشروع التعليم أولا ورئيسا للجنة وضع رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وفي ٢٠٢٢ تم اختياره مستشارا للحوار الوطني لرؤية مصر ٢٠٣٠