د بدراوى في المصري اليوم يكتب:
قال «جبران» وقلت عن النصف
«لا تُجالِس أنصاف العشاق، ولا تُصادِق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين، لا تَعِشْ نصف حياة، ولا تَمُتْ نصف موت، لا تَخْتَرْ نصف حل، ولا تقف فى منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل. إذا رضيتَ فعبِّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت.. فعبِّر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تَعِشْها، وهو كلمة لم تَقُلْها، وهو ابتسامة أجَّلْتَها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريبًا. النصف هو أن تصل وألا تصل، أن تعمل وألا تعمل، أن تغيب وأن تحضر.. نصف طريق لن يوصلك إلى أى مكان، ونصف فكرة لن يعطى لك نتيجة، النصف هو لحظة عجزك وأنت لستَ بعاجز.. لأنك لستَ نصف إنسان. أنت إنسان وُجدت كى تعيش الحياة، وليس كى تعيش نصف حياة».
وأقول: هل نحن مستعدون للاختيار، وهل نحن مستعدون للحسم السياسى الذى يخدم الاقتصاد ويغير شكل مستقبل البلاد سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا.. أم نريد نصف انفتاح ونصف انغلاق.
هل نريد قطاعًا خاصًا قويًا خالقًا لفرص العمل، أم نريد قطاعًا عامًا تتحكم فيه الدولة وأجهزتها، أم النصف من ذلك والنصف من هذا انتقائيًا.
هل نريد التخلص من الفقر وأن نكون أغنياء، أم نريد المساواة فى الفقر لأننا فى النصف.
هل نريد مجتمعًا مدنيًا قويًا وجمعيات أهلية مستدامة، يساند وينمو أم نتفذلك فى قوانين تقتله فى مهده وتمنعه بحجة الأمن؟.
نحن فى النصف نريد ولا نريد.. وللأسف يتغير ما نريده حسب الأحداث كردود فعل وليس كمبادرات.
هل نحن دولة مدنية أم دولة دينية؟، كل ما يحدث أمامى يقول إننا فى النصف، فلا نحن دولة دينية بمعناها الكامل ولا نحن دولة مدنية بمعناها الكامل، فنحن لا نمنع تدخل الدين ورجاله فى السياسة بوضوح، بل يستخدم نظام الحكم مصطلحاتهم وجملهم أحيانًا لتأكيد السلطة بتكرار القول إن المحاسبة فقط من عند الله وليست من المجتمع.
نحن فى النصف نحصل على تحكم الدين فى السياسة بدون إعلان ذلك، وننادى بالمواطنة وأفعالنا فيها تمييز سخيف بين المواطنين المختلفين فى الدين، ولا نقبل مَن يتجرأ على أن يقول غير ذلك. نحن فى النصف. هل نحن دولة أمنية أم دولة مدنية حديثة كما يقول الدستور؟! نحن فى النصف. كلامنا يقول مدنية وحقيقة أفعالنا دولة أمنية بلا مواربة.
هل نريد مكافأة المنتج القادر الملتزم أم محاباة الجميع وتوزيع الأرباح على مَن لا يكسب ومَن لا يعمل ومَن لا يتميز؟، نحن فى النصف. ومَن يقف فى النصف لا يصل إلى أى خط نهاية ولا يحقق حياة. دعونا نحدد أهدافنا ونَسِرْ إليها ولا نتوقف فى النصف. هل حقًا نحترم حرية التعبير أم فقط نحترم حرية التعبير إذا أيد النظام، ولا نحترمها إذا عارض، بل نمنعها ونعاقب عليها؟.. نحن فى النصف.
وفى دفاع عن النصف مستوحى من قصيدة للعقاد فى الدفاع عن الشيطان. أن النصف الحقيقى هو نقطة التوازن فى الكون وفى الإنسان. إن النصف هو ملتقى جزءين متطابقين أو متكاملين أو متقابلين فيحدث النماء. إن النصف هو التقاء الأفكار المتعارضة فيحدث اتفاق.
إن النصف قد يكون رمانة الميزان التى يتحقق بها العدل فى القضاء مثلًا.
ولابد من تلاقى النظم السياسية القبلية والطائفية بأنواعها والملكية بأنواعها والجمهورية بأنواعها على أسس متفق عليها
تتوازن فيها القوى وتلتقى فى أسس وسطية، فلا نجد ديكتاتورية خالصة ولا شيوعية خالصة ولا ملكية خالصة ولا جمهورية خالصة ولا عسكرية خالصة ولا بوليسية خالصة ولا رأسمالية خالصة ولا حتى مدنية خالصة، فهذا ليس من طبيعة الخلق المركبة، بل نجد نظمًا متوازنة التراكيب لمصلحة الشعوب متغيرة التراكيب. لابد من إيجاد نظم تحترم التوازن من تصميم وابتكار جمعية تأسيسية مستنيرة ومُلِمّة بظروف وتقاليد وتاريخ وتجارب هذا البلد، فتبدع له نظامًا تعمل فيه كل طوائف المجتمع فى تناغم منتج وفى استفادة متبادلة. مثلًا النظام السويسرى المبتدع لظروف سويسرا بالذات، والذى على رقيه لا يصلح للتطبيق فى مصر، الجهد الحقيقى الآن ليس فقط فى قرار التوقف عن التأرجح على جانبى نقطة المنتصف، بل هو فى ابتداع نظام مدنى/ عسكرى وسطى حقيقى صالح للتشغيل فى مصر بعبقرية وسطية فى الطبع والتكوين والثروة والموقع، فما المانع أن نكون جمهورية مدنية عسكرية، إذا ما استطعنا الانتقاء من منتصف كل هذه الطرق بحرفية سياسية واقتصادية مستنيرة؟.
لقد ثبتت معاناة الشعوب فى ظل الأنظمة الشيوعية بالكامل والرأسمالية بالكامل والديكتاتورية بالكامل والقبائلية بالكامل والملكية بالكامل. وكذلك نظم النصف العشوائى. آن الأوان لظهور نظام توافقى بين المدنية والعسكرية، يصلح للتشغيل ويؤدى إلى التنمية المستدامة والقدرة على المنافسة مدنيًا وعسكريًا فى مصر بالذات.
«مستوحاة أساسًا من قصيدة لجبران خليل جبران عن النصف».