الجمعة , 28 مارس 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / د بدراوى يكتب في المصري اليوم : حوار مع حفيدتى حول الضمير

د بدراوى يكتب في المصري اليوم : حوار مع حفيدتى حول الضمير

د بدراوى يكتب في المصري اليوم

حوار مع حفيدتى حول الضمير

كنت أفكر فى بحث أجريه على ألف طفل، لأتعرف على أكثر تساؤلاتهم لذويهم ومدرسيهم، وهم ونحن نتهرب من الإجابة عنها أحيانا، لعدم معرفه الرد، أو لتجنب الكلام فيما نظنه لا يتوافق مع عمرهم، أو لخجل أو لجهل أو لأننا مازلنا نحاول إيجاد إجابة لأنفسنا.

ثم وجدت عشرات البحوث التى تسأل سؤالى، وتجمع تساؤلات الأطفال. أنا فكرت ووجدت غيرى قد فكر وسبقنى.. الفكرة لا تعيش إلا إذا وثقت أو طبقت، على الأقل لم أر ذلك يطبق فى ثقافتنا العربية بعد.

المهم

سألتنى حفيدتى اليوم سؤالا يستحق النقاش. ما هو الضمير؟

ويعنى إيه واحد عنده ضمير يا جدو.

أجبتها قائلا:

إنه إحساس بتقييم الإنسان لنفسه بنفسه حسب مجموعه من القيم الأخلاقية التى ترسبت فى وجدانه عبر التجربة والحياه عما هو صح وما هو خطأ، وهو فى هذه الحالة نسبى لكل واحد من البشر. والضمير يقوم بمعاتبة الشخص لنفسه إذا تبين هذا الخطأ نتيجة تقييمه لنفسه أو أحيانا نتيجة تقييم الآخرين له إذا كان بالغ الحساسية لتقييم الآخرين له بغض النظر عن قيمه الشخصية.

والضمير قد يبالغ فى القسوة على النفس أحيانا بالمبالغة فى تقدير الأخطاء.

لكن فى الحقيقة لا أعتقد أنى يسرت الأمور عليها، وقد أكون قد عقدتها.

وبينى وبين نفسى قلت: من الجائز أن جوهر فلسفه الأديان تاريخيا كانت بهدف خلق ضمير جمعى للصواب والخطأ المطلق، حسب معايير إلهية حتى لا يكون نسبيا من شخص إلى آخر. يعنى بناء قاعدة أخلاقية للمجتمعات. لكننا حولنا الدين إلى تقديس وسائله وليس قلب وفحواه.

ولقد سمعت واحد حكيم يقول: الضمير هو ذلك الجزء من الذهن، المسؤول عن المسار الأخلاقى للإنسان، إنه الذى ينقل إلينا التعليمات والتحذيرات لنقـوّم ونتحكَّم فى نوعية الأفكار التى نفكِّر بها، والتصرفات التى نتصرفها، بحيث يجعلنا نتألم ونشعر بالذنب عندما نقوم بأمور لا تنسجم ومبادئنا الأخلاقية. الضمير يحثنا على تفضيل الصواب والصلاح والخير على الخطأ والطلاح والشر. الضمير يوجِّهنا عبر إعطاء حُكْمه، فيما قد فكَّرنا به، وتصرَّفنا بموجبه، وفيما ننوى أنْ نفكر به، ونتصرف بموجبه.

قال المفكر الفرنسى، فيكتور هوجو: «الضمير هو صوت الله فى الإنسان».

ويقول أيضا فى كتابه العبقرى «البؤساء»:

– «الضمير هو حلبة تتبارى فيها الشهوات والتجارب وكهف الأفكار التى تثير فينا كوامن الخجل أو القبح».

ويقول الفيلسوف اليونانى «سقراط»: «كما أنَّ القانون يمنع الإنسان من التعديات، هكذا فإنَّ الضمير يمنع الإنسان من القيام

بأعمال الشر».

ولكن ما هو الشر إلا انعدام الخير، وهل كانت له معان نسبية حسب الزمن؟

والإجابة: نعم.

هناك نسبية عبر الزمن بتغير المفاهيم والثقافات، ولكن يبقى هناك بعض القيم الإنسانية التى تعبر الأزمنة وتحرك الضمير الإنسانى السوى للرضاء عن النفس أو لومها.

قالت لى ابنتى عندما قصصت عليها سؤال ابنتها وتأنيب ضميرى لنفسى، فى أننى لم أبسط الأمور لها:

أنا أيضا عند سؤال.

قلت: هاتى ما عندك.

قالت: وهل لكل الكائنات ضمير أم هو شىء خاص بالإنسان فقط؟

قلت لها سؤال لا أستطيع الإجابة عنه. فحتى الآن فإن كل ما قرأته حول الوعى والضمير يختلف الفلاسفة أساسا حوله، بل هناك اختلاف حول هل للحيوانات روح ونفس واعية أم لا.. وإذا كان، وهو ما أعتقده، فهل لهم آخرة وحساب، أم هم مسيرون حسب تركيباتهم الچينية التى تجعلهم يفعلون ما يفعلون.

سؤال حفيدتى، وسؤال ابنتى وتساؤلات نفسى ورؤيتى لمن حولى، الذين يؤنبون أنفسهم طول الوقت حتى على أخطاء غيرهم، أو آلامهم، وهؤلاء الذين لا يملكون ضميرا يحاسبهم على الإطلاق.. تفاوتات جعلنتى أفكر فى إجابات أيسر، وأبسط وأطرح على القراء التفكير.

وأبدأ مجموعة من المقالات حول أكثر أسئلة الصغار التى يتهرب من الإجابة عنها أهلهم أو لا يستطيعون تبسيطها لهم وتلك التى نعتقد أن عمرهم لا يسمح لهم بسؤالها فى زمن أصبحت المعرفة متاحة للجميع ولا مهرب من الإجابة.

التعليقات

التعليقات

عن د. حسام بدراوي

د. حسام بدراوي
عن دكتور حسام سياسي ومفكر وطبيب بارز فهو رئيس قسم أمراض النساء والتوليد الأسبق في كلية الطب جامعة القاهرة، تلقي الدراسات العليا أعوام 1979 إلى 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية، انتخب عضو في البرلمان المصري ورئيساً للجنة التعليم والبحث العلمي في بالبرلمان منذ عام 2000 حتى 2005، السياسي حسام بدراوي عرف بمواقفه المستقلة ومن القلائل الذين اتفق على نزاهته الجميع من كافة التيارات السياسية، ففي عصر الرئيس الأسبق مبارك كان يلقب بالعاقل داخل صفوف الحزب الوطني، حيث كانت نداءاته وطلباته السياسية تتفق بقدر كبير مع النداءات الداعية للانفتاح السياسي والديمقراطي في مصر، فكان ضد تمديد حالة الطواري، واعترض على انفراد الحزب الوطني بالتعديلات الدستورية، خلال ثورة 25 يناير 2011 ، لعب دوراً سياسياً هاما، حيث عبر منذ اللحظة الأولى على حق المتظاهرين في مطالبهم، ودعا الحكومة إلى الاستماع والاستجابة لهم، ما جعل مبارك مع تصاعد الاحداث لما له من شعبية بتعيينه أمينا عاما للحزب خلفا لأعضاء هيئة المكتب وخلال تلك الفترة عبر عن رأيه السياسي لمبارك بضرورة التنحي، وهو ما دفعه للاستقالة من الحزب بعد 5 أيام من تعيينه يوم 10 فبراير معلنا اختلافه السياسي مع القيادة السياسية في طريقة التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم في حكم الإخوان فظلت مواقفه واضحة منذ اللحظة الأولى برفضه الدولة الدينية التي اعتبرها تريد تلويين الشعب بلون واحد، واعتبر قرار الرئيس المعزول مرسي بعودة مجلس الشعب ترسيخ للديكتاتورية المؤيدة من الولايات المتحدة، وكان من أوائل المنددين بتوغل سلطة مرسي على سلطة القضاء، مستنكرا محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل مليشيات الإخوان أيد د حسام بدراوي حركة تمرد مع بدايتها، وأعلن أن إسقاط حكم الإخوان أصبح ضرورة ومخاطرة لابد منها قبل أشهر من ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن الجيش سيقف بجانب الشرعية المستمدة من الشعب.. في ٢٠١٦ تم اختياره رئيسا للجنة الاستشارية لمشروع التعليم أولا ورئيسا للجنة وضع رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وفي ٢٠٢٢ تم اختياره مستشارا للحوار الوطني لرؤية مصر ٢٠٣٠