الجمعة , 20 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / د بدراوى يكتب في المصري اليوم : حوار مع حفيدتى حول الضمير

د بدراوى يكتب في المصري اليوم : حوار مع حفيدتى حول الضمير

د بدراوى يكتب في المصري اليوم

حوار مع حفيدتى حول الضمير

كنت أفكر فى بحث أجريه على ألف طفل، لأتعرف على أكثر تساؤلاتهم لذويهم ومدرسيهم، وهم ونحن نتهرب من الإجابة عنها أحيانا، لعدم معرفه الرد، أو لتجنب الكلام فيما نظنه لا يتوافق مع عمرهم، أو لخجل أو لجهل أو لأننا مازلنا نحاول إيجاد إجابة لأنفسنا.

ثم وجدت عشرات البحوث التى تسأل سؤالى، وتجمع تساؤلات الأطفال. أنا فكرت ووجدت غيرى قد فكر وسبقنى.. الفكرة لا تعيش إلا إذا وثقت أو طبقت، على الأقل لم أر ذلك يطبق فى ثقافتنا العربية بعد.

المهم

سألتنى حفيدتى اليوم سؤالا يستحق النقاش. ما هو الضمير؟

ويعنى إيه واحد عنده ضمير يا جدو.

أجبتها قائلا:

إنه إحساس بتقييم الإنسان لنفسه بنفسه حسب مجموعه من القيم الأخلاقية التى ترسبت فى وجدانه عبر التجربة والحياه عما هو صح وما هو خطأ، وهو فى هذه الحالة نسبى لكل واحد من البشر. والضمير يقوم بمعاتبة الشخص لنفسه إذا تبين هذا الخطأ نتيجة تقييمه لنفسه أو أحيانا نتيجة تقييم الآخرين له إذا كان بالغ الحساسية لتقييم الآخرين له بغض النظر عن قيمه الشخصية.

والضمير قد يبالغ فى القسوة على النفس أحيانا بالمبالغة فى تقدير الأخطاء.

لكن فى الحقيقة لا أعتقد أنى يسرت الأمور عليها، وقد أكون قد عقدتها.

وبينى وبين نفسى قلت: من الجائز أن جوهر فلسفه الأديان تاريخيا كانت بهدف خلق ضمير جمعى للصواب والخطأ المطلق، حسب معايير إلهية حتى لا يكون نسبيا من شخص إلى آخر. يعنى بناء قاعدة أخلاقية للمجتمعات. لكننا حولنا الدين إلى تقديس وسائله وليس قلب وفحواه.

ولقد سمعت واحد حكيم يقول: الضمير هو ذلك الجزء من الذهن، المسؤول عن المسار الأخلاقى للإنسان، إنه الذى ينقل إلينا التعليمات والتحذيرات لنقـوّم ونتحكَّم فى نوعية الأفكار التى نفكِّر بها، والتصرفات التى نتصرفها، بحيث يجعلنا نتألم ونشعر بالذنب عندما نقوم بأمور لا تنسجم ومبادئنا الأخلاقية. الضمير يحثنا على تفضيل الصواب والصلاح والخير على الخطأ والطلاح والشر. الضمير يوجِّهنا عبر إعطاء حُكْمه، فيما قد فكَّرنا به، وتصرَّفنا بموجبه، وفيما ننوى أنْ نفكر به، ونتصرف بموجبه.

قال المفكر الفرنسى، فيكتور هوجو: «الضمير هو صوت الله فى الإنسان».

ويقول أيضا فى كتابه العبقرى «البؤساء»:

– «الضمير هو حلبة تتبارى فيها الشهوات والتجارب وكهف الأفكار التى تثير فينا كوامن الخجل أو القبح».

ويقول الفيلسوف اليونانى «سقراط»: «كما أنَّ القانون يمنع الإنسان من التعديات، هكذا فإنَّ الضمير يمنع الإنسان من القيام

بأعمال الشر».

ولكن ما هو الشر إلا انعدام الخير، وهل كانت له معان نسبية حسب الزمن؟

والإجابة: نعم.

هناك نسبية عبر الزمن بتغير المفاهيم والثقافات، ولكن يبقى هناك بعض القيم الإنسانية التى تعبر الأزمنة وتحرك الضمير الإنسانى السوى للرضاء عن النفس أو لومها.

قالت لى ابنتى عندما قصصت عليها سؤال ابنتها وتأنيب ضميرى لنفسى، فى أننى لم أبسط الأمور لها:

أنا أيضا عند سؤال.

قلت: هاتى ما عندك.

قالت: وهل لكل الكائنات ضمير أم هو شىء خاص بالإنسان فقط؟

قلت لها سؤال لا أستطيع الإجابة عنه. فحتى الآن فإن كل ما قرأته حول الوعى والضمير يختلف الفلاسفة أساسا حوله، بل هناك اختلاف حول هل للحيوانات روح ونفس واعية أم لا.. وإذا كان، وهو ما أعتقده، فهل لهم آخرة وحساب، أم هم مسيرون حسب تركيباتهم الچينية التى تجعلهم يفعلون ما يفعلون.

سؤال حفيدتى، وسؤال ابنتى وتساؤلات نفسى ورؤيتى لمن حولى، الذين يؤنبون أنفسهم طول الوقت حتى على أخطاء غيرهم، أو آلامهم، وهؤلاء الذين لا يملكون ضميرا يحاسبهم على الإطلاق.. تفاوتات جعلنتى أفكر فى إجابات أيسر، وأبسط وأطرح على القراء التفكير.

وأبدأ مجموعة من المقالات حول أكثر أسئلة الصغار التى يتهرب من الإجابة عنها أهلهم أو لا يستطيعون تبسيطها لهم وتلك التى نعتقد أن عمرهم لا يسمح لهم بسؤالها فى زمن أصبحت المعرفة متاحة للجميع ولا مهرب من الإجابة.

التعليقات

التعليقات